[email protected] أغضب البرلماني مضوي الترابي، بعض أهل الصحافة بسبب تصريحات قال فيها إن الصحافة السودانية تكتب ما لا قيمة له معلناً عن نية حزبه (الإتحادي-جناح الدقير) في المساهمة في تأهيل رؤساء تحرير الصحف. غضب بعض الصحفيين مما اعتبروه تطاولاً من السياسي النشط، فغمزوا من قناة تأهيله ومعرفته. وشككت بعض الدوائر في شهاداته الجامعية، وهو التشكيك الذي نقلته الصحافة من مرحلة التداول السري إلى العلن. بالطبع السيرة العلمية للسيد مضوي مليئة بالثقوب خصوصاً مع لقب (خبير إستراتيجي) الذي ما فتيء الرجل ينوء بعبء حمله منذ سنوات. الشك في أوراق إعتماد الرجل العلمية، حديث متناول بكثافة في كافة الدوائر غير الرسمية ،كعادتنا السودانية في التجمل-ظاهرياً- مع الناس على حساب الحقيقة. مضوي الترابي رجل كثير الأقوال، ومن كان كذلك ينبغي عليه أن يكون ذَكوراً، حتى لا يشككن أحد في حصوله على شهادة الماجستير مثلاً، والتي يقول تارة أنه حصل عليها في الإدارة (الصحافة)، أو في العلوم العسكرية (الوقت البحرينية)، أو غيرها وقد أحصينا حصوله على أربعة شهادات ماجستير بإضافة ماجستير إدارة الأعمال وماجستير تقنية المعلومات! على العموم هذه مسائل يسهل جداً تقصيها والحصول على الحقيقة فيها، وهذا ليس مما يعنينا في شيء (الآن). ما يثير الأسف في غضبة أهل الصحافة أنها غضبة لم تكن من أجل الحقيقة، التي طالما صدعوا رؤوسنا بأنهم يقومون على خدمتها وسدانتها، ولكنها كانت غضبة من أجل ذواتهم التي جرحتها تصريحات السياسي اللامع. إعتادت الصحافة في بلادنا أن تنقل لنا ما يقوله الساسة وغيرهم دون مساءلة. فإذا قال واحد إن لديه شهادة دكتوراة من جامعة هارتفورد (ضع أي اسم أجنبي مماثل) ، لا يكلف المحرر نفسه مساءلة تلك المعلومة والبحث عن هل توجد جامعة بهذا الإسم أم لا، وهل تقوم –فعلاً- بتدريس مناهج أم أنها تكتفي ببيع الشهادات لمن يدفع إلخ.. لا يكفي ان يقول سياسي أو كاتب أو صحفي إنه حاصل على دكتوراة فنصدقه. حين تتقصى صحافتنا أمر شهادة واحدة أو إثنتين سيكف كثير من الخبراء عن الإدعاء، بعد أن بلغ البعض من هؤلاء حداً من الجرأة جعلهم يطبعون كروتاً وأوراقاً مروسة بألقابهم الوهمية. منذ فترة كتب الأستاذ صديق محيسي مقالاً، عن صحفي سوداني معروف بلقب أكاديمي كبير، قال إنه لم يكمل الإبتدائية وإنه اشترى شهادة ثانوية مزورة من مدرسة خاصة ووصفه ساخراً بأنه "جاهل عصامي اكتسب جهله بعرق جبينه". نحن نصدق الأستاذ محيسي لأنه إذا اتهم شخصٌ شخصاً آخر بالتزوير، وهي تهمة فساد، ولم يدافع الأخير عن نفسه، فهذا يعني ببساطة إن ذلك الإتهام يقول الحقيقة. رئيس تحرير هذه الصحيفة الأستاذ عادل الباز قال بمرارة إن رؤساء تحرير الصحف مسئولون "عن خداع الجماهير بنشر تصريحات مضحكة للسياسيين" وأنهم تركوا وراء ظهورهم قضايا الجماهير ومعاناتها، وظلوا يلهبون ظهور الصحفيين لتغطية مؤتمرات السياسيين الفارغة"(الأحداث 2/7/2009). هذه هي الخطوة الأولى، وهي تشخيص الداء ونأمل أن تلحقها خطوات أخرى، تعتمد على أساليب أكثر علمية في كتابة المادة الصحفية من حيث البحث والإعداد والتحقق والتقييم وغير ذلك، وأرجو أن أركز على التقييم فإذا قال سياسي (مستهبل) مثلاً إن السودان أقوى من أمريكا عسكرياً، ينبغي على الصحفي أن يرمي بمثل هذا الهراء (وما أكثره) في سلة المهملات. كفى، لا نريد صحفاً تنقل لنا إن السودان غير متأثر بالأزمة الإقتصادية العالمية، وإن حزب الأمة سيكتسح الإنتخابات القادمة، وإن الشيخ حسن الترابي تحركه دوافع وطنية، في معارضته للحكومة ! خلال جلسات الملتقى الثاني للإعلاميين السودانيين بالخارج والذي عقد بالخرطوم في مايو الماضي قدم وزير الدولة للإعلام، كمال عبيد، وهو رجل بيّن الحذق في عمله السياسي ، ورقة عمل بعنوان (إستراتيجية العمل الإعلامي). لم تكن تلك الورقة، ذات التغليف البديع، لتستحق أي عناء في طبعها أوتغليفها مثلما هي لم تكلف كاتبها أي عناء. إذ احتوت على حوالي ألف كلمة فقط وزعت على خمس أوراق، إحداهن ملونة، في عملية نموذجية مصغرة لكيفية إهدار المال العام. كان يمكن أن تطبع هذه (الإستراتيجية) كلها على ورقة واحدة من الجانبين وإن كان من الأفضل عدم كتابتها وطبعها على الإطلاق عملاً بالهدي النبوي " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، ووزير الدولة للإعلام لم يقم بعمله هنا ناهيك أن يتقنه. لا يجد أي قاريء للورقة، التي أعدت على عجل وكأن الملتقى أقيم فجأة، أي مؤشر على وجود فكرة جيدة أو متماسكة فيها البتة، لكنها سميت إستراتيجية عملاً بحق كل شخص في تسمية منتوجه بالإسم الذي يراه، ألم تكن هذه حكمة السلف من وزراء الإعلام حين قال طلعت فريد، وزير إعلام حكومة عبود، إنهم أحرار في تسمية إنقلابهم بالثورة، رغم أنف مفاهيم السياسة وعلم الإجتماع؟