عملية اختطاف خطيرة في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    بالصورة.. الممثل السوداني ومقدم برنامج المقالب "زول سغيل" ينفي شائعة زواجه من إحدى ضحياه: (زواجي ما عندي علاقة بشيخ الدمازين وكلنا موحدين وعارفين الكلام دا)    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد بهدف لكلٍ في كأس العالم للأندية    مانشستر سيتي يستهل مونديال الأندية بالفوز على الوداد المغربي بهدفين دون مقابل    وزارة الصحة تستقبل طائرة مساعدات إنسانية وطبية تركية تبلغ 37 طناً لمكافحة الكوليرا    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    تقرير أممي: الجيش مسؤول عن الجرائم وتدهور الوضع الإنساني في السودان    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    أمام الريال.. الهلال يحلم بالضربة الأولى    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    كامل إدريس يؤكد عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين السودان والكويت    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالرحيم حمدى: أخبار الأولاد وأخبار العباد ... بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
نشر في سودانيل يوم 09 - 08 - 2009


(1)
(تقول العرب: ام الجبان لا تفرح ولا تحزن. وانا زعيمٌ بأن عبد الرحيم حمدى سيورث أمه الحزن والفرح). بهذه الكلمات وصف الاستاذ بدرالدين سليمان، أحد دعامات النظام المايوى الغابر، الرمز الحركى الاسلامى، والخبير الاقتصادى الدولى، ووزير مالية الانقاذ الاسبق الاستاذ عبد الرحيم حمدى، وذلك عندما عرضت عليه صحيفة (ظلال) فى منتصف التسعينات أسماء عدد من الشخصيات العامة وطلبت اليه ان يوجز رأيه فى كلٍ منها. ويبدو أن بدرالدين كان يشير تحديدا الى سياسات التحرير الاقتصادى التى ابتدرها حمدى عهدذاك وتولى كبرها فى مواجهة تحدياتٍ سياسية واجتماعية وأمنية تندُّ عن الحصر. وقد عرفت عندما قرأت تلك العبارة، أو بالاحرى عندما سمعتها، فقد كنت حاضراً ومستمعاً الى الحوار الذى أجراه الصحافى فيصل الباقر (نائب رئيس تحرير صحيفة "الميدان" الحالى) مع السياسى المايوى الذي تأنقذ لاحقا فصار سياسيا انقاذيا، عرفت اننى لن أنساها قط فأنا أتعشق مثل هذه المقولات التراثية العبقرية التى تجد طريقها الى قلبى دائما فى يسر وخفة، ثم تستقر بعد ذلك فى مطارف وحشايا ذاكرتى.
وأذكر أنه قفزت الى ذهنى وقتها وألحت علىّ خاطرةٌ، بذلت جهدا جهيدا لطردها، اذ لم أشأ ان اتداخل بين المتحاورين. خطر لى ان أسأل بدرالدين، الذى تغنى بشجاعة حمدى وسعى الى تأصيلها فى تراثنا العربى، عما اذا كان يعلم عن ممدوحه الرمز القيادى الحركى الاسلامى، أنه كان قد تم اعتقاله مع غيره من زعماء جبهة الميثاق الاسلامى صبيحة انقلاب النميرى عام 1969، وبينما بقى بعض هؤلاء فى غيابات السجون سبع سنوات حسوماً، فإنه لم يُطق (فكرة) الحبس ولم يصبر على بلاء السجن الا أياما معدودات، مع ان اخوتنا فى شمال الوادى يقولون: (السجن للجدعان)، وافق حمدى بعدها مباشرةً على إصدار بيانٍ كتبه وذيله بتوقيعه، اذاعه راديو وتلفزيون ام درمان ونشرته صحف الخرطوم، يعلن فيه مباركته وتأييده للانقلاب الذى كان يومها أحمراً فاقع الحمرة ووصف فى بيانه قادة الانقلاب بأنهم رجال حملوا ارواحهم على اكفهم فداءً لوطنهم. وربما شاء وزير العدل الحالى، الاستاذ عبد الباسط سبدرات، ان يصححنى إن كنت مخطئاً، إذ اقول انه هو الذى وقف بنفسه على ذلك التدبير السياسى الامنى الجهنمى، وكان يومها سكرتيرا لرجل الانقلاب القوى ووزير داخليته المغفور له الرائد فاروق عثمان حمد الله. غير أنه ينبغى علىّ أن ابادر هنا فأسجل اعترافا صريحا بأن الافكار والظنون التى راودتنى إبتداءً فى مقام تفسير هذا الموقف، والتى تفارق بطبيعة الحال توصيف بدرالدين مفارقة الطريفى لجمله، تبدلت عندى لاحقا فعاد الجمل الى صاحبه بعد ان تكشفت لى ولغيرى - على صعيد الممارسة السياسية - جوانب واسعة من شخصية حمدى الحقيقية. الرجل ليس رعديداً. كل ما فى الامر انه يحمل بين كتفيه رأسا يفكر وفق نهج براغماتي محض. والبراغماتية (فلسفة أمريكية المنشأ تعرف ايضا باسم الواقعية النفعية) فاشيةٌ عند نسبة مقدرة من اهل المعسكر الاسلامى. وهى بلا شك فلسفةٌ منهجيةٌ خطيرة، ولكنها ليست شراً كلها.
(2)
لم استغرب حين رددت مجالس الخرطوم خلال الاشهر الاولى من تولى الاستاذ حمدى لمنصب وزير المالية فى بداية فى التسعينات روايات تقول بأن الرجل جعل من فندق هيلتون الخرطوم مسكنا له، يقيم فيه على نفقة الوزارة إقامةً دائمة. وكانت مجالس العاصمة تستنكر وتستبشع اختيار الرجل لفندق هيلتون مسكنا له على نفقة دافع الضرائب المقهور، فى وقت كان قد شرع فيه بهمةٍ زائدة فى إنفاذ اجراءات اقتصادية تحريرية شديدة الوقع، ممعنة فى القسوة طحنت عامة الناس طحناً، حتى ضاقت عليهم الارض بما رحبت وبلغت المسغبة والضنك بهم كل مبلغ. لم استغرب اذ كان قد استقر فى ذهنى ان الرجل لا يلف ولا يدور اذ اختار فندق هلتون مسكنا له، فهو بكل بساطة – ويشهد عليه تاريخ شفيف كالبللور- لا يُحب لخويصة نفسه المكابدة والمناهدة والتعب، ولا يؤمن بقول ابى العلاء: ( تعبٌ كلها الحياة .... ). لا يفوقه فى ذلك – من جماعة المعسكر الاسلامى – الا شخصية بارزة كان لها – تماما مثل الاستاذ حمدى - وجودٌ نافذ فى مضمار تأسيس البنوك الاسلامية وان عرفت فى مراحل سابقة بحمل الوية النشاط الثقافى، ولكن نجمها ارتبط تاريخياً اوثق رباط بملحمة حل الحزب الشيوعى السودانى عام 1966. قصد هذه الشخصية فى مدينة جدة السعودية فى منتصف السبعينات بعض قادة الجبهة الوطنية من الفصيل التنظيمى الاسلامى ليبلغوه قرار التنظيم بتكليفه بالسفر الى برارى اثيوبيا وصحاري ليبيا للنهوض بأعمال ذات طبيعة عسكرية فى المعسكرات السرية الجبهة الوطنية، وكان يقيم فى تلك المعسكرات بعض عتاة الاسلاميين كالاستاذ عثمان خالد مضوى وغيره، يشرفون على التدريب العسكرى لجماعات الانصار والاسلاميين التى قامت لاحقا بتنفيذ الهجوم المباغت الذى قاده المرحوم العميد محمد نور سعد على الخرطوم فى الثانى من يونيو 1976، وانتهى بمصرعه ومصرع اعداد كبيرة من رجاله، رحمهم الله، على يد الجيش السودانى. أجفل الرجل واضطرب ثم قال لزائريه من مبعوثى التنظيم: ( والله ليس أحب الى نفسى من أن استجيب لنداء الجماعة وان أهبّ الى الجهاد، ولكننى والحق اقول شديد التمسك بسنة الرسول "ص" وأرغب فى أن اتبعه فى كل شئ حتى فى طريقة مماته. وكما تعلمون فقد مات الرسول بالحمى وهو على فراشه، وانا لا ابتغى لنفسى ميتةٌ غير تلك، بالحمى وعلى فراشى، فأكون قد تأسيت بالرسول الكريم فى سيرة حياته ونهج مماته. فاعفوني من هذا التكليف). وخلال ربع قرن بعد ذلك التاريخ ظل شيوخ الحركة الاسلامية يتندرون بهذه الواقعة فيما بينهم، حتى اذا ما جاءت المفاصلة اندلقت الاسرار والخفايا وتهتكت أمانات المجالس!
وقد اتضح لى مؤخراً من إجابات الاستاذ عبد الرحيم حمدى على بعض أسئلة وُجّهت له فى اطار حوار مطول أجراه معه مؤخراً رئيس تحرير صحيفة الرأى العام الاستاذ كمال حسن بخيت، أن الرجل الذى لا يخشى فى (الراحات) لومة لائم، يحب لاولاده، فلذات اكباده، أيضاً ما يحب لنفسه وأكثر. ولذا فهو يريد ان يجنبهم بدورهم التعب ومكابدة إبتلاءات الحياة ومكائدها. ففى اطار ذات الحوار وجه اليه كمال السؤال التالى: ( فيم تفكر الآن يا استاذ حمدى؟). وجاءت الاجابة: ( أفكر فى ان اترك لاولادى شيئا يتعيشون به قبل ان اغادر هذه الدنيا الفانية. لدى فكرة بنك جديد وقد تكرم بنك السودان علىّ برخصة. وأيضا يمكن تطوير بعض الشركات القابلة للتطوير والاذاعة). قرأت وتأملت ثم قلت لنفسى: يا سلام، تلك هى الابوة ولاّ بلاش.. ونِعْم الوالد.. بنك مرة واحدة؟! بنك كامل يوصف بأنه " شئ يتعيش به الاولاد"؟ لابد ان هذا البنك يحتاج الى تسمية. انا اقترح على الاستاذ حمدى ان يطلق عليه اسم " بنك الأولاد ". ترحمت بعد ذلك على والدى ورجوت له من الله المغفرة، كونه غادرنا الى الدار الآخرة وتركنى وشقيقى اسامة دون بنك، او حتى طابونة (نتعيش) منها.
لم يشق علىّ فهم الجانب الاكبر من بقية الاجابة ( .. وبعض الشركات القابلة للتطوير والاذاعة) إذ هى أيضا جزء مما يرغب حمدى فى تركه لأولاده من حرث الدنيا. هو يبتغى بحوله تعالى ان يعمل على تحسين أداء بعض شركاته بحيث يتركها بعد عمر طويل لاولاده وهى فى حال عامر ومنتج ومربح فيعتاشون منها أيضاً – الى جانب البنك – ويأكلون هنيئا مريئاً. سهلة هذه. غير أن الذى استعصى علي إستبار مغزاه هو كلمة ( .. والاذاعة)، التى جاءت فى نهاية سلسلة الاستثمارات الربحية التى يزمع حمدى تركها لاولاده. سألت أهل الذكر فجاءتى الاجابة متهادية: الاستاذ حمدى يمتلك محطة اذاعة. أى والله. اذاعة عديل كدة. لم اكن على علم بذلك. قاتل الله أمريكا وغربتها التى حجبت عنا أخبار الامبراطورية الحمدية، وحالت بيننا وبين الانتفاع ببرامج اذاعتها البراغماتية. قيل لى ان الاذاعة اسمها "الاقتصادية". ما شاء الله. اللهم يا وهاب يا رزاق، زد وبارك، واجعل كل بيوتنا السودانية فى مشارق الوطن ومغاربه مثل بيت الاستاذ حمدى، يظللها الحب وترعاها الابوة وتدعمها الشركات والاذاعات، وتسند مستقبل أبنائها البنوك. آمين.
وبعد، فليس من اللياقة ان نحوم حول حمدى ونتقصى أخبار اولاده واستثماراته وشئونه الخاصة اكثر من هذا. ولو فعلنا لاتهمنا بالحسد. ولسنا وأيم الله من الحاسدين. الحسد هو تمنى زوال نعمة الغير، وهو مكروه. ولكننا نغبط حمدى، والغبطة مستحسنة، ومعناها فى اللغة تمنى نعمة الغير. أى ان تنال انت مثلها دون ان يزول عن صاحبها شئٌ مما عنده. وأنا اذ أغبطه اتمنى من الله ان يسبغ علىّ كل النعم التى أفاء بها عليه، ما عدا البراغماتية والاذاعة، اذ ليس لى فيهما إربةٌ ولا صالح.
(3)
ولكن الامر يختلف تماما اذا خرجنا من بيت حمدى الصغير الى بيت الوطن الكبير. وتركنا أخبار الاولاد، التى زودنا بها حمدى بصراحة وشفافية منقطعة النظير، لنسأل عن أخبار العباد فى طول السودان وعرضه. وقد استفاض الرجل فى تزويدنا بها كذلك بغير مواربة أو مداورة. ولكن الصورة هنا تجدها وانت تقرأ تصريحات الرجل فى حواره مع (الرأى العام) أقل بهاءً ورونقاً وجاذبية. بل لعلها، بوضوح أكثر وبغير تنميق، صورة سيئة وبشعة وكارثية لا تسر صديقا ولا عدواً. الحقيقة من وجهة نظر صاحبنا هى ان السودان حاضره أغبر ومستقبله فى كف عفريت. هاك – يا رعاك الله - نماذج مما قاله القيادى الحركى الاسلامى ونشرته على لسانه "الرأى العام": (الحكومة تكاد بالكاد توفى بالتزامات المرتبات، أما التزامات التنمية فقد توقفت، والتزامات التسيير بالولايات ستتوقف). ثم: ( ستزداد حدة الازمة ... أداء الربع الاول كانت نسبته سبعين فى المائة، الربع الثانى سيكون اصعب، اما الثالث فستسوء الامور أكثر، أما الرابع فربما لا يأتى أصلا). وأيضا: ( لا يوجد نشاط اقتصادى يبرر زيادة الضرائب .. وإذا لم يستطع القطاع الخاص أن يدفع الضرائب فإن الحكومة ستغرق). و( الآثار على المالية العامة كارثية، لأن مالية الدولة مبنية على البترول بنسبة خمسين فى المائة... وأنا اعتقد ان اسعار البترول ستنهار). ( الشمال سينتهى الى انه يدير بيروقراطية عسكرية ومدنية هائلة جدا بلا موارد. والميزانية ستكون كارثة). ويكرر حمدى: ( المشكلة فى المرتبات والتحويل للولايات، كما ان التنمية توقفت تماما.... وستزيد العطالة وهى اخطر من التضخم). واذا لم تكن خفقات قلبك قد تضاعفت والأدرينالين قد سرى فيك مسرى الدم، أيها العزيز الاكرم، فخذ كلمات حمدى هذه فى تقويم الوضع الاقتصادى العام: ( لا شك ان الأمر فظيع للغاية). أما فى مجال تقويم حال السودان كله فإليك هذا المقتطف من حديثه: ( هل ترى الآن اى افكار مطروحة فى الساحة؟ ليست هناك أفكار .. لماذا لا يريد الناس ان يفكروا. البلد كأنها سفينة منزلقة نحو شلال)!
الحكومة ستغرق؟! البلد منزلقة نحو شلال؟! ليست هناك افكار؟! الأمر فظيع؟! سبحان الباقى الحى. خربتها وقعدت على تلها يا استاذ حمدى؟ ألم تكن انت فيلسوف ومهندس كل السياسات الاقتصادية التى شُيّدت فوقها أهرامات الانقاذ؟ ثم لمن توجه هذا الكلام أساسا؟ الينا نحن عامة الشعب؟ واحنا دخلنا ايه؟ ولكن حدثنا اولا: كيف يستقيم هذا التوصيف للاوضاع الاقتصادية فى البلاد مع ما حدثتنا عنه من خطط لاستثمار أموالك وأموال أبنائك وتوجيهها لانشاء البنوك وتفعيل الشركات وتطوير الاذاعات، وأنت شيخ البراغماتيين؟! ولو كان الامر كما تقول فما هو هذا الذى نسمعه ونشاهده فى تلفزيون الحكومة آناء الليل واطراف النهار؟ فبعض ما يردده الاعلام الرسمى كاد يوهمنا بأننا اعتلينا ذرى المجد وعانقنا الجوزاء، وأننا قاب قوسين او أدنى من إنزال أول انسان سودانى على سطح القمر، ثم اذا بحمدى يباغتنا بأن العصبة المنقذة عاجزة عن دفع مرتبات العمال والجنود وان الوضع (فظيع) وان الحكومة (ستغرق). طيب، الحمد والشكر لله، أنا عندى حكومة اخرى (ووتر بروف) يقودها باراك ابن عمى حسين اوباما. ولكن اذا غرقت حكومتى السودانية وفقا لتوقعات حمدى، فماذا فسيفعل أفراد الشعب الذين لم يكرمهم الله مثلى بحكومة (احتياطى)؟ ولكن، دقيقة، والله فكرة. لو كان الحال كذلك فلماذا لا ينتظر استاذنا فاروق ابوعيسى وزمرته من المرابطين تحت قبة البرلمان لبعض الوقت، فالمسألة بحسب حمدى مسألة وقت، حتى (تغرق) الحكومة، فيهبون هم لاستلام السلطة تحت شعار: (بركة يا جامع)، ولا خروج الى الشوارع ولا دستور ولا غلبة ولا يحزنون؟! الا يبدو هذا السيناريو أكثر واقعية وأقرب للتحقق من سيناريوهات التغيير البوهيمية الاخرى، فقد قال حمدى ان الحكومة ستغرق اذا فشلت فى تحصيل الضرائب، ولكنه كان قد قال لمحاوره قبل ذلك مباشرةً انه لا يوجد اصلا نشاط اقتصادى يبرر زيادة الضرائب وتحصيلها. واذا قال حمدى فصدقوه، فإن القول ما قال حمدى!
ومع ذلك فاننى لم استغرب للصورة القاتمة التى رسمها حمدى للمشهد الاقتصادى. فبعض قادة العصبة المنقذة يعترفون علانيةً بضراوة التحديات الاقتصادية التى يواجهونها، ونحن نعلم أن وزير المالية والاقتصاد الوطنى كان قد بعث بخطاب لادارة صندوق النقد الدولى يعترف فيه بالحالة المتردية التى آل اليها الاقتصاد السودانى، ويطلب تعاون الصندوق لاجتياز الظروف الراهنة الصعبة، بل مضى الوزير قدماً فأبدى موافقة الحكومة على وضع برامجها الاقتصادية تحت مراقبة الصندوق خلال الثمانية عشر شهرا المقبلة. ولكننا نعلم ايضاً ان الاستاذ عبد الرحيم حمدى كان من مبتدرى الممارسات التى طالما فاقمت الاوضاع بدأبها على وضع العربة أمام حصان الاقتصاد حتى استقر فى الاذهان انها ممارسات مقبولة وجائزة، ففى عهده وتحت سمعه وبصره ومباركته ولدت واستشرت ظاهرة نقل ملكية الشركات والمؤسسات والمرافق الفاعلة والمنتجة والرابحة الى المستثمرين المحليين والاجانب بعد تقويمها دفترياً بأقل من قيمتها الواقعية. فلا غرو ان انتهينا الى عقائد اقتصادية يتم بموجبها توقيع عقد بثلاثين مليون دولار لتوسيع شارع النيل بالخرطوم فى وقت تسبح فيه العاصمة داخل مياه المجارى؛ ويجرى معها خصخصة جميع معينات الانتاج فى مشروع الجزيرة قبل الوصول الى حلول مع مزارعى المشروع حول ملكية الارض، وقبل تنظيم العلاقة بين هؤلاء المزارعين وبين الجهات الاستثمارية التى اشترت سكك حديد الجزيرة والمحالج و الادارات الهندسية للمشروع.
(4)
لفتت انتباهى وأنا أبحث عن أخبار البلاد والعباد فى حوار كمال مع حمدى إجابة الاخير على سؤال بشأن ورقته التى ورد فيها مصطلح (مثلث حمدى) الشهير، اذ ذكر بأنه كتب الورقة التى حملت ذلك المصطلح بناء على طلب من حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، وأن التكليف الذى صدر اليه وفقاً لنص كلماته هو: (وضع استراتيجية انتخابية مبنية على الاستثمار الخارجى. أى كيف نستغل الاستثمار الخارجى لكسب الانتخابات؟). مفهوم تماما ان يكلف الحزب النابهين من رجاله ونسائه بوضع الخطط والاستراتيجيات التى تضمن له كسب الانتخابات. ولا خلاف على أن الحكومات الصالحة تنتهج السياسات الفاعلة فى مجال توظيف الاموال المستقطبة من الخارج لتطوير المجتمعات المحلية. غير ان الاستثمار الاجنبى فى اشكاله القانونية ومحتوياته التنموية ومخرجاته الاقتصادية يظل مُعاملا سودانياً وطنياً محضاً، ويُفترض أن يُوظف توظيفا مدروسا يوافق مصالح البلاد والعباد مجتمعين، ويخدم بالضرورة الأجندة القومية للدولة ولا شأن له بالاستراتيجيات والخطط الانتخابية الحزبية. لماذا اذن يوظف حزب سياسى معين هذا المُعامل لضمان فوزه هو بالذات – دون غيره من الاحزاب الوطنية - فى الانتخابات؟! وبغير شك فإن تصريحات حمدى هنا تلقى، من حيث لم يحتسب الاستاذ، بظلالٍ وشبهات حول مجمل توجهات الحكومة فى ميدان السياسات العامة اجمالا، وتثير الشكوك بشأن اعتماد وتوجيه مسارات الاستثمارات الاجنبية تخصيصاً، وعما اذا كان الجهاز التنفيذى يرعى وجه الله والوطن حقاً، وهو يمارس سلطاته الدستورية فى مجال الاستثمار الخارجى تخطيطا وتنفيذاً، أم انه يرعى فقط وجه الحزب والجماعة. وربما تبدو تساؤلاتنا هذه عند البعض على درجة من البلاهة، فعن أية ظلال وأية شبهات نتحدث، والورقة التى قدمها حمدى تدعو الحكومة بلغة عربية مبينة وبغير مواربة الى استغلال الاستثمارات الاجنبية كسلاح انتخابى من خلال توجيه الاستثمارات وقصرها على مسطحات جغرافية وديموغرافية بعينها فى وسط السودان يرجى فيها كسب مقدر للحزب الحاكم، وغض البصر تماماً عن مناطق اخرى تغلب على تركيبتها السكانية مناهضة الحزب الحاكم وموالاة الاحزاب المعارضة. وهو تخطيط شيطانى ممعن فى الانتهازية والميكافيللية، لا يصدر الا عن ذات العقلية البراغماتية التى لم تبال بالكلفة الاجتماعية الفادحة والآثار النفسية والاخلاقية المدمرة التى افرزتها ملحمة تحرير الاقتصاد، وهى ملحمة قادها حمدى فى مواجهة ملايين الاسر الفقيرة دون ان يرق له قلب او يطرف له جفن.
مما يسترعى النظر أيضاً تصحيح الاستاذ للمصطلح الذى انتجته الورقة المشار اليها وهو مصطلح (مثلث حمدى). قال الرجل انه لم يستخدم لفظة ( مثلث)، بل أن الكلمة التى جاءت فى ورقته هى (محور). أذن هو محور – وليس مثلث - دنقلا سنار كردفان. ثم أضاف: ( أهمية كلمة "محور" أنها فضفاضة تذكر بمحور الحرب العالمية، اليابان، ايطاليا، والمانيا. دول بعيدة من بعض ولكنها تمثل محور اتفاق .. دنقلا وسنار مناطق امتزج فيها السودان وهى التى ستسقط ناس الجبهة أو تأتى بهم). وبما اننى استخدمت فى بعض مقالاتى السابقة عبارة "مثلث حمدى" فقد رأيت من حق الرجل علىّ نقل كلماته وإبراز هذا التوضيح. ولكن الامانة تقتضى ان اذكر بأن ذلك ليس هو السبب الوحيد لاعادتى نشر الاجابة بحذافيرها. السبب الآخر هو اننى اندهشت لأن حمدى، وهو أحد القادة التاريخيين للحركة الاسلامية والمنظر الاقتصادى الرئيسى لنظام الانقاذ، لم يستخدم فى وصف الحزب الحاكم اسم: (المؤتمر الوطنى)، وانما قال: (ناس الجبهة). ثم أن صيغة الخطاب فى قوله: (هى التى ستسقط ناس الجبهة او تأتى بهم) تؤشر الى ان حمدى لا يتحدث عن جماعة ينتمى اليها، بل عن جسم سياسى مختلف تماما، فهو هنا يتحدث عن العصبة المنقذة بصيغة الآخر. لكأنه يشير الى زمرة من الناس ليست بينه وبينها صلة تنظيمية او فكرية أو هوية مشتركة. هل غادر حمدى السفينة اذن قبل ان (تغرق)؟!
نعم صحيح، الاستاذ عبد الرحيم حمدى رجل براغماتى صميم. ونعلم عنه انه غادر سفينة جبهة الميثاق الاسلامى فى مايو 1969 بعد ان غرقت بيوم واحد. أما ان تصل به البراغماتية الى مغادرة سفينة الانقاذ، وهى ما تزال فتية عفية تمخر عباب البحر، تأسيساً على تحليل اقتصادى قد يصيب أو يخيب، يفيد بأنها توشك على الغرق، فهو ما لم يسبقه عليه أحد، ولا حتى وليام جيمس مؤسس الفلسفة البراغماتية نفسه!
نقلا عن صحيفة ( الاحداث )
مقالات سابقة:
http://sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoname=%E3%D5%D8%DD%EC%20%DA%C8%CF%C7%E1%DA%D2%ED%D2%20%C7%E1%C8%D8%E1&sacdoid=mustafa.batal


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.