صدر كتاب "الزبالعة" لمحاسن زين العابدين الذي قدمت له. والزبالعة جماعة صوفية نشأت في أوائل القرن السابع عشر من حول بندر مدني. وكنت أقرأ اتهامات للطريقة برقة الدين والفجور ما لم ينهض عليه دليل. وكل من وصف اليوم شيئاً ب"الزبلعة" في معنى الترخص شريك في إثم التاريخ. هو إثم وصفته ب"شخير التايخ" لا صحوه. وجاءتني محاسن وأنا في تلك المضاضة من صورة الزبالعة عند المؤرخين (وبخاصة شيخهم محمد عبد الرحيم) في نحو 1980 تستشيرني في إنتخاب موضوعها للماجستير في التاريخ بجامعة الخرطوم. وقلت لها بلا تردد "الزبالعة" لأنه سيلقي عليك تحدياً لا أعرف أن يلقيه سواه. فقد اكتنفهم ما اعتقدت أنه سوء فهم عظيم يشحذ الآلة القصوى في المؤرخ في التزام الحقيقة. وفوجئت في 2010 برسالة من محاسن تقول إنها فرغت من تأليف كتاب "الزبالعة". ولم أكن أعلم أنها واصلت الشغل فيه منذ رحلتنا الميدانية معاً إلى جماعة من الزبالعة بجهة مدني. وكانت محاسن، ضابط المجلس السابق، قد ركزت بعد تلك الزيارة على علم الإدارة وظننتها أهملت الزبالعة. وكذبتني. ووجدت كتابها أنصف الزبالعة ورد عنهم أكثر تخرصات أهل زمانهم من مثل فرح ودتكتوك (إقرأ كتاب الطيب محمد الطيب عنه) وكتائب مملكة الجموعية التي حاربتهم وأذتهم. ولم يقع هذا الانصاف لمحاسن "كشفاً" بل لأنها استمعت للزبالعة في رحلات ميدانية لقراهم عن عقيدتهم وجمعت مدائحهم في حب الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام وفي توحيد الذات العلية. فهي خلافاً لمؤرخي "شخير التاريخ" لم تأخذ نقلاً عن سابقيها بل عقلاً. وحللت سمعة الزبالعة السيئة المتوارثة لا بالنظر إلى دينهم بل إلى حقائق في عصرهم وخصومهم. فالزبالعة بادية وخصومهم دولة وأولياء منافسون. ومما يحتاج إلى مزيد من النظر أن نعرف إن كانوا نواة ثورة على جبايات الدولة فحركت الدولة آلتها السياسة والروحية ضدهم. أما الأمر الواضح عن الزبالعة فهو اشتراك نسائهم في ذكرهم. وتلك الجندرية الجذرية كافية لتوصف بالباطنية و"أطفوا النور وأكبسوا الحور" القاضية. قلت في مقدمتي إن محاسن لم تبتدع تقليد نصفة الزبالعة من شانيئهم. فقد سبقها إلى ذلك الشيخ خوجلي أبو الجاز بطريقة لبقة. فحين ذاع أمرهم وأقض المضاجع كتب الشيخ حمد ود أم مريوم بشكوى لسلطان العبدلاب الشيخ عبدالله ود عجيب فحواها أن خوجلي، الذي يجله السلاطين وينادونه بعظيم توتي ، لم يتحرك لمحاربة الزبالعة. فكتب ود عجيب لخوجلي يسأله عن صحة الشكوى. فرد الشيخ قائلا: من بعد التحية والتعظيم والاحترام تسألني عن الزبالعة ودخولهم توتي فأقول "عيني ما شافت، أضاني ما سديتا، أحمد ولدي أكان إزبلع ما خصاني، وحمد أخويا ما بكضب". شوف تمييز أبو الجاز. يلحقنا. وشكراً محاسن لإخراجنا من شخير التاريخ عن الزبالعة. Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]]