السودان.. خبر سعيد للمزارعين    معتصم جعفر يصل مروي ويعلّق على الحدث التاريخي    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    البرهان يضع طلبًا على منضدة المجتمع الدولي    بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم رقصة مثيرة أثناء إحيائها حفل خاص وتتفاجأ بأحدهم قام بتصوير اللقطة.. شاهد ردة فعلها المضحكة    الدعم السريع يشدد حصار الفاشر بحفر خنادق عميقة حول المدينة    بحضور رئيس مجلس الوزراء ووالي ولاية البحر الأحمر... "زين" ترعى انطلاقة برنامج "قرع الجرس" لبداية امتحانات الشهادة السودانية    الصحة العالمية: يوجد فى مصر 10 ملايين لاجئ ومهاجر 70% منهم سودانيون    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    عيد ميلاد مايك تايسون.. قصة اعتناقه الإسلام ولماذا أطلق على نفسه "مالك"    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    تمت تصفية أحد جنود المليشيا داخل مدينة نيالا بعد أن وجه إنتقادات حادة للمجرم عبدالرحيم دقلو    ذكري 30 يونيو 1989م    دبابيس ودالشريف    ملك أسبانيا يستقبل رئيس مجلس السيادة السوداني    باريس سان جيرمان يكتسح إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    السجن المؤبد عشرين عاما لمؤيدة ومتعاونة مع مليشيا الدعم السريع المتمردة    وصول الطاقم الفني للمريخ برفقة الثلاثي الأجنبي    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    بعد ظهور غريب..لاعب الهلال السوداني يثير جدلاً كبيرًا    "مخدرات في طحين الإغاثة".. مغردون يفضحون المساعدات الأميركية لغزة    مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    الجَمْع بَينَ البُطُولَتين    رونالدو: الدوري السعودي أحد أفضل 5 دوريات في العالم    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    حادثة هزت مصر.. تفاصيل حزينة لمأساة "فتيات العنب"    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    شاهد بالفيديو.. الفنانة اليمنية الحسناء سهى المصري تخطف الأضواء على مواقع التواصل السودانية بعد تألقها في أداء أشهر أغنيات ثنائي العاصمة    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تغازل عازفها الجديد في إحدى حفلاتها الأخيرة وجمهورها يرد: (مؤدبة ومهذبة ومحتشمة)    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    "سيستمر إلى الأبد".. ترمب يعلن بدء وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    إيران ترد على القصف الأمريكي بعملية عسكرية    قوات الجمارك مكافحة التهريب بكريمة تضبط كميات كبيرة من المخدرات    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزء الثاني (1م971 – 1946) الحزب الشيوعي في السودان.. عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
نشر في سودانيل يوم 05 - 01 - 2013

- الجزء الثاني (1م971 – 1946) الحزب الشيوعي في السودان
The Communist party in the Sudan (1946- 1971) - 2
Haim Shaked, Esther Souery & Gabeiel Warburg حاييم شاكد وايثثر سوري وجبريل واربورج
عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
******************* **********
هذا هو الجزء قبل الأخير من عرض مختصر لفصل في كتاب نشرته دار نشر الجامعات الإسرائيلية عام 1974م بعنوان "الإتحاد السوفيتي والشرق الأوسط" The Soviet Union and the Middle East بقلم ثلاثة كتاب أشهرهم البروفيسور جبريل واربوج (والذي عرضنا من قبل لمقالته عن العلاقات بين السودانيين في الشمال والجنوب من وجهة نظر بعض الأدباء المنشور في كتاب Historical Discord in the Nile Valley). يلخص الكتاب (ربما للقاريء الغربي أساسا) قصة قيام الحزب الشيوعي في السودان منذ منتصف الأربعينات حتى انقلاب 19 يوليو 1971م.
وأود الإشارة في البدء لتصويب معلومة وردت في الجزء الأول من المقال وردني من مثقف حادب على التاريخ حول أن برتوكول بيفن – صدقي ( والذي عدل اتفاقية 1936م) قد تم التوقيع عليه في 1946م خلافا لما ذكرت.
الحزب الشيوعي من 1956م إلى 1968م:
1. فترة حكم الفريق عبود: ليس هنالك كثير مما يستحق الذكر عن تاريخ الحزب الشيوعي بين عامي 1956م و1958م غير تكوين "جبهة وطنية" عام 1957م لمعارضة حكومة عبد الله خليل الموالية للغرب. تكونت تلك الجبهة من الحزب الوطني الإتحادي (بزعامة إسماعيل الأزهري) والاتحاد العام للطلاب والجبهة المعادية للاستعمار (والتي كان يسيطر عليها الشيوعيون). وبحسب ما جاء في صحيفة "السودان الجديد" يوم 26/1/1957م فإن الحزب الشيوعي كان قد اقترح أن تندمج أحزاب تلك "الجبهة الوطنية" في حزب واحد. عندما رفض ذلك الاقتراح أصدر الحزب الشيوعي توجيها لجماهيره للتصويت لصالح الحزب الوطني الإتحادي. ليس من السهل تقدير قوة الحزب الشيوعي في الفترة المذكورة، بيد أنه وضح أن الحزب الشيوعي كان أكثر الأحزاب استعداد وقدرة لمقاومة حكم عبود العسكري، فقد كانت لديه خبرة سابقة (عمرها أكثر من عقد من الزمان) في الصحافة السرية والعمل "تحت الأرض".
قام النظام العسكري باعتقال العديد من زعماء الحزب والنقابات العمالية في السنوات الخمس الأولى من حكمه. بيد أن قيادة الحزب واصلت نشاطها وهي في السجون، وكانت تلك هي الفترة التي تمت فيها كتابة تاريخ الحزب وبرنامجه السياسي المستقبلي، ووضع أسس للتواصل المنتظم مع جيل جديد من القادة يدير النشاط الحزبي خارج السجون.
في الفترة بين 1961م و1962م بدأ الحزب الشيوعي يعلن عن قرب قيام ثورة على نظام عبود، فدخلت نقابة عمال السكة حديد (التي كانت تضم 27000 عاملا وذات قيادة شيوعية) في عام 1961م في إضراب عن العمل عده الحزب إيذانا ببدء معركته مع النظام. وفي نهاية 1963م كان الحزب يخطط لإضراب سياسي عام بهدف إسقاط النظام. كذلك ازداد نفوذ الحزب في أوساط المزارعين ففاز الأمين محمد الأمين برئاسة إتحاد المزارعين في بداية عام 1964م. بالطبع كان للنظام العسكري الحاكم معارضين عديدين آخرين من الجماعات والأحزاب السياسية المختلفة كان على رأسهم السيد/ الصديق عبد الرحمن المهدي زعيم طائفة الأنصار، بيد أن هؤلاء لم يكن لديهم برنامج سياسي متكامل عدا المطالبة بعودة الحكم المدني للبلاد. ومع بداية عام 1962م كان الشيوعيون (وبدرجة أقل "الأخوان المسلمون" أيضا) هم أكثر القوى معارضة للنظام العسكري الحاكم، وشكلت نقابات العمال والمزارعين واتحادات الطلاب (وقادتها من الشيوعيين والأخوان المسلمين) مجموعات ضغط لا تكف عن محاولة زعزعة النظام الحاكم.
2. ثورة أكتوبر والنظام المدني: في سبتمبر من عام 1964م أيقن نظام عبود أن مشكلة جنوب السودان لا يمكن حلها عن طريق القوة العسكرية، فدعا المواطنين لمناقشات علنية عن مشكلة الجنوب وكيفية حلها. في أحد الندوات التي أقيمت في جامعة الخرطوم لمناقشة مشكلة الجنوب قال الدكتور حسن الترابي (زعيم "الأخوان المسلمين") إن حل مشكلة الجنوب يكمن في إشاعة الديمقراطية أولا. تراجعت الحكومة عن قرارها بالسماح بالنقاش العلني حول مشكلة الجنوب وهاجمت ندوة في جامعة الخرطوم في 21/ 10/1964م مما أدى لمصرع أحد الطلاب (أحمد القرشي). ]سرد المؤلفون حوادث ثورة أكتوبر ببعض التفاصيل، وبعضها خاطئة تماما، فقد أسمى "جبهة الهيئات" لجنة السلامة العامة Committee of Public safety ! كاتب المقال [ جاء تشكيل تلك الجبهة في غالبه من الشيوعيين (أو المتعاطفين معهم) وعد المؤلفون ذلك من آيات نجاح تكتيكات الشيوعيين السودانيين. يرى المؤلفون أن الشيوعيين قد سيطروا على تلك الجبهة التي قادت الثورة وعلى الحكومة التي حكمت بعد سقوط عبود، إذ كان عدد ممثليهم يفوق عدد ممثلي الأحزاب الكبيرة مثل الأمة (الأنصار) والشعب الديمقراطي (الختمية) والوطني الإتحادي مجتمعين، ويعتقدون أن الدور الذي لعبه الشيوعيين (ومن يتعاطف معهم) في الشهور الثلاثة التي أعقبت ثورة أكتوبر كان يفوق بكثير حجمهم الحقيقي في الشارع، كما أثبتت بعد ذلك مجريات الأحداث. أحدثت الأحزاب التقليدية "انقلابا داخليا" في يوم 18/2/1965م نتج عنه تكوين حكومة جديدة أكثر تعبيرا عن الأوزان الحقيقية للأحزاب التقليدية، ولا تضم غير شيوعي واحد (يسمي دكتور عبد الله علي إبراهيم ذلك "نكسة أكتوبر". كاتب المقال). قاوم الحزب الشيوعي كل ذلك ودعا "لإنقاذ" ثورة أكتوبر بالتهديد بتعبئة مظاهرات والقيام بإضرابات وجلب مزارعين (مسلحين) من مشروع الجزيرة للخرطوم. أثبت فشل تلك المحاولات ضعف الحزب الشيوعي حتى في أوساط قواعده التقليدية ( نقابات العمال والمزارعين)، وأقر سكرتير عام الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب في مقابلة له يوم 10/6/1965م مع صحيفة "الإنسانية" l' Humanite (وهي صحيفة شبه مستقلة أنشئت عام 1904م، وكان لها ارتباط بالحزب الشيوعي الفرنسي. كاتب المقال) بالمصاعب التي واجهت أول حكومة بعد ثورة أكتوبر، وبعدم قدرتها علي تنفيذ المهام التي كان عليها انجازها، إذ أنها كانت كما قال: "بعيدة عن الجماهير"، وشدد على ضعف الشيوعيين والحركة الديمقراطية على وجه الخصوص، الأمر الذي كان يراه سببا في قدرة الأحزاب الرجعية (مدعومة بالإمبريالية) على إجهاض الثورة.
تحت تلك الظروف قرر الحزب الشيوعي خوض الانتخابات العامة التي جرت في مايو 1965م، ربما بغرض اختبار مدي شعبيته في أوساط الجماهير أكثر من أيمانه بإمكانية الفوز بمقاعد نيابية كثيرة. في تلك الانتخابات أحرز الحزب نجاحا نسبيا بفوزه بأحد عشر مقعدا في دوائر الخريجين من مجموع خمسة عشر مقعدا، وكان من بين نواب الحزب الشيوعي – ولأول مرة في السودان- امرأة (هي فاطمة أحمد إبراهيم. كاتب المقال). نال هؤلاء النواب الشيوعيون 73103 صوتا (تمثل 17.3% من مجموع الأصوات). يعتقد المؤلفون أن ذلك النجاح النسبي للشيوعيين ربما كان مرده مقاطعة حزب الشعب الديمقراطي لتلك الانتخابات، وربما يعزي أيضا للدور الكبير الذي ينسب للشيوعيين في ثورة أكتوبر 1964م.
3. الهجمات المضادة على الحزب الشيوعي: أثار نجاح الحزب الشيوعي في انتخابات 1965م حفيظة الأحزاب الأخرى. فعلى سبيل المثال صرح الصادق المهدي عقب الانتخابات في مقابلات له مع صحيفتي الأنوار والنهار في 12 - 16 شهر مايو 1965م بأن حزبه لن يتعاون أبدا مع الشيوعيين في المستقبل (يذكر ذلك بما صرح به الدكتور حسن الترابي ذات مرة في الستينات من أنه لن يشارك في ندوة يشترك فيها سكرتير الحزب الشيوعي آنذاك. كاتب المقال)! شرح الصادق رأيه بأن سبب رفضه للشيوعيين هو موقفهم العقدي ضد الدين الإسلامي، وتبنيهم لسياسة خارجية يرفضها شعب السودان، وتسيسهم لنقابات العمال. كانت علاقة الدين بالسياسة هي ما دعا "الأخوان المسلمون" في 8/11/1965م للقيام بمظاهرات ضخمة مطالبة بحل الحزب الشيوعي كان سببها المباشر قيام طالب سوري شيوعي في معهد المعلمين العالي بالقول بأن الإيمان بالله والرسول إنما هي خرافات عفا عليها الزمن (ليس صحيحا بالطبع أن الطالب المذكور كان سوريا، بل هو سوداني اسمه شوقي محمد علي، وقد تحدث عن "حادثة الإفك" وليس كما ورد في هذا الفصل. كاتب المقال). سارعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بنفي عضوية ذلك الطالب للحزب، بينما أصدر "مجلس الشريعة" بيانا لعموم أهل السودان أذيع من راديو أمدرمان في 14/11/1965م شرح فيه خطر الشيوعية على الإسلام وطالب بالتحقيق في الدعاية الشيوعية في السودان، ودعا زعيما الحزبان الكبيران لحل الحزب الشيوعي. وبالفعل تقدم عدد من نواب الجمعية التأسيسية في 15/11/1965م باقتراح لحل الحزب ومصادرة ممتلكاته (يذكر أن الحاج مضوي محمد أحمد هو من تولى تقديم ذلك الاقتراح. كاتب المقال) . صوت 161 نائبا لصالح ذلك الاقتراح بينما عارضه 12 نائبا وامتنع 9 عن التصويت، بينما كانت المظاهرات تجوب العاصمة مرددة شعارات معادية للشيوعية. في تلك الأجواء أصدر زعيم الختمية السيد علي الميرغني بيانا أذيع من راديو أمدرمان في 21/11/1965م طالب فيه بقيام دولة إسلامية كان يراها الترياق الناجع الوحيد ضد الشيوعية. قامت الجمعية التأسيسية في 24/11/1956م بتعديل الدستور لتجريم الدعاية الشيوعية والإلحاد في السودان، وبعد أسابيع من ذلك وفي مرحلة القراءة الثانية لذلك التعديل أضيفت مادة أخرى تم بموجبها طرد نواب الحزب الشيوعي وقفلت دوره وصودرت ممتلكاته.
يعتقد المؤلفون أن الدافع الرئيس لحل الحزب الشيوعي كان سياسيا محضا، وأن ما قام به ذلك طالب معهد المعلمين العالي في تلك الندوة إنما كان ذريعة استغلها خصوم الحزب الشيوعي من قادة الأحزاب الأخرى للتخلص منه.
قاوم الشيوعيون ذلك الهجوم بطريقين: الاحتجاجات الشعبية واللجوء للقضاء. فحسب ما جاء في صحيفة لوموند يوم 4/10/1966م نظم الحزب في بداية أكتوبر مظاهرة قوامها 30 ألفا جابوا شوارع الخرطوم محتجين على حل الحزب. ثم لجأوا للقضاء، فبدأت المحكمة الدستورية في النظر في القضية التي رفعها الحزب ضد الجمعية التأسيسية والحكومة في 23 /12/1965م، وتطاولت مداولات تلك القضية لعام كامل حتى أعلنت المحكمة الدستورية أخيرا بطلان الإجراءات التي اتخذتها الجمعية التأسيسية والحكومة. رفضت الحكومة الإذعان لذلك القرار وواصلت في اعتقال زعماء الحزب الشيوعي وإغلاق دوره وفصل كل المتهمين بالشيوعية من العمل بالجيش والخدمة المدنية، بينما ناقشت الجمعية التأسيسية قرار تلك المحكمة ورفضته وأبقت على ما قررته سلفا بشأن الحزب الشيوعي. وفي ذات الشهر أعلنت الحكومة عن إحباط محاولة انقلابية قام بها الملازم خالد حسين عثمان (الكد)، اتخذت ذريعة لاعتقال عبد الخالق محجوب زعيم الحزب مع عدد من زملائه رغم عدم توفر أدلة مباشرة تربط الحزب بتلك المحاولة (يذكر أيضا أن الضابط جعفر محمد نميري كان من بين من اتهموا بالضلوع في تلك المحاولة الانقلابية المفترضة. كاتب المقال).
في تلك الأيام ظهرت بوادر انشقاق في الحزب الشيوعي، فظهر جناح (يقوده النقابي الشفيع أحمد الشيخ) يرى ضرورة تكوين حزب اشتراكي واسع القاعدة يضم الشيوعيين، ويمكنهم من العمل السياسي دون مضايقة من السلطات وقوانينها المجرمة للشيوعية، كل ذلك في مقابل جناح آخر يرى ضرورة الاحتفاظ بكيان الحزب (القديم) واللجوء للعمل السري. ظل الصراع القانوني بين الحزب من جهة وبين الحكومة والجمعية التأسيسية من جهة أخرى مستمرا خلال عام 1967م، ففي يوم 18 مارس من ذلك العام أصدرت المحكمة العليا حكما بعدم قانونية حل الحزب الشيوعي، وهو حكم رفضته مجددا الحكومة بدعوى أن الشيوعية لا تنافح عن الديمقراطية، وتعادي الإسلام. كانت تلك الأزمة الدستورية بمثابة انتصار من نوع ما للحزب الشيوعي، إذ لم تنجح خطة كل الأحزاب السياسية لعزل الحزب تماما رغم موجة العداء التي شنتها ضده، وظل محتفظا بشعبية واسعة نسبيا وسط أفراد النقابات والمثقفين. قدم رئيس المحكمة العليا بابكر عوض الله استقالته من القضاء احتجاجا على عدم احترام الحكومة والجمعية التأسيسية لقرار محكمته مما زاد تلك الأزمة الدستورية تعقيدا. ومع مقدم عام 1968م أصدرت لجنة الانتخابات قرارا بعدم أحقية الشيوعيين وأفراد المنظمات غير القانونية الأخرى في الترشح للانتخابات العامة، وجففت مصادر قوتهم بإلغاء دوائر الخريجين (والتي اكتسحها الحزب الشيوعي في انتخابات 1965م) وزادت أعداد الدوائر في الأقاليم (ربما لتقوية موقف القوى التقليدية والقبلية).
قام حزبا الشعب الديمقراطي والوطني الاتحادي بالاندماج في حزب واحد (سمي حزب الاتحاد الديمقراطي) برئاسة إسماعيل الأزهري، وقوى ذلك من فرص فوز ذلك الزعيم بالانتخابات منفردا في مقابل مرشح حزب الأمة، والذي انشطر لجناحين في عام 1966م، وقوى أيضا من سلطة قيادة "اسلامية شعبوية". إزاء تلك التطورات أعلن الشيوعيون عن تكوين "الحزب الإشتراكي" في يوم 21/1/ 1967م، والذي كانت قيادته المركزية تتكون من 60 فردا من العمال والمزارعين و المثقفين الوطنيين. عبر الحزب في بيان تأسيسه عن تمسكه بالاشتراكية العلمية، واحترامه للدين كعامل مهيمن في المجتمع السوداني. كان من أبرز قادة ذلك الحزب الأمين محمد الأمين (من قادة مزارعي الجزيرة) والشفيع أحمد الشيخ (من قادة العمال) وأمين الشبلي (من قادة المحامين).
في الانتخابات التي جرت في أبريل 1968م كان قوة ونفوذ الحزب الشيوعي تعادل (ولا تتعدى) قوته ونفوذه في عام 1953م. في تلك الإنتخابات نال الحزب الاتحادي الديمقراطي 101 مقعدا من مجموع 218 نائبا، بينما حصد جناحا حزب الأمة 72 مقعدا، وأكدت تلك النتيجة غلبة الإسلام في السودان وشعبيته. أحرز الجنوبيون 25 مقعدا، بينما نال البجة والنوبة 5 مقاعد، وجبهة الميثاق الإسلامي (الأخوان المسلمون) 3 مقاعد. بهذا يكون مجموع مقاعد القوى التقليدية 200 نائبا، بينما لم يفز من الشيوعيين (المعروفين) غير عبد الخالق محجوب مما أكد للشيوعيين أن آفاق مستقبلهم في السودان الديمقراطي ليست مواتية ولا مشرقة.
اندلعت مظاهرات طلابية في الخرطوم وبعض المدن الأخرى في نوفمبر 1968م قتل فيها أحد الطلاب أعادت عند البعض أجواء ثورة أكتوبر 1964م، وقام طالب في أحد تلك المظاهرات بقذف قنبلة كوكتيل مولوتوف على مبنى البرلمان مما دعا إسماعيل الأزهري (رئيس مجلس السيادة) إلى المناداة بطرد عبد الخالق محجوب ممثل الشيوعيين في البرلمان لأنهم – حسب قوله- يهدفون إلى اسقاط حكومة محمد أحمد المحجوب المنتخبة ديمقراطيا. يجدر بالذكر أن عبد الخالق محجوب كان في تلك الأيام في رحلة في شرق أوربا (لعل ذلك كان بعيد زواجه الذي أثار خلافا (محدودا) في صفوف حزبه. كاتب المقال).
بحسب بعض المصادر الشيوعية ذكر المؤلفون أن لجنة الحزب الشيوعي المركزية (رغم معارضة سكرتيره العام) ناقشت في مارس عام 1968م تأييد فكرة قيام انقلاب عسكري يقوم به "الضباط الأحرار" و"الجبهة الوطنية الديمقراطية" ضد الحكومة الديمقراطية. لابد أن إتحاد جناحي حزب الأمة في 11/4/1969م، والحديث عن تحالف عريض بين القوى الحزبية التقليدية (لإقامة دستور إسلامي) أثارت قلقا كبيرا في أوساط الحزب الشيوعي، ولكن تم حسم كل ذلك بانقلاب نميري في 25 مايو 1969م.
badreldin ali [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.