أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيب الميدان الغراء ولا عيب سيدو ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

هذه عينات باكرة من عمودي "ومع ذلك" التي بدأت في نشرها يومياً بجريدة ألأخبار التي على تحريرها الأستاذ محمد لطيف
Ibrahim, Abdullahi A. [[email protected]]
الاعتصام الذي نفذه 10 ألف شخص هم جملة عمال هيئة السكة حديد لمدة 9 أيام (انتهت في 6 أغسطس الجاري) من أجل مطالبهم لم يكن شيئاً مذكورا إذا قرأت جريدة الميدان الشيوعية. فعددها في 30 يوليو المنصرم لم يحمل خبر الإضراب في حين اتسع لإخبار ليست في خطر إعتصام السكة الحديد. فقد نوهت الجريدة بإضراب عمال شركة السويس للأسمدة في مصر الشقيقة. بل واحتفت الجريدة بذكرى استشهاد الرفيق شهدى عطية الشافعي (1912-1960) في مصر الشقيقة برضو. أما عمال السكة حديد فلا بواك لهم.
ولم يرد خبر الاعتصام في عدد الميدان في 4 أغسطس الجاري الذي احتفل بذكرى مؤتمر ما للحوار النقابي. وصبت الكلمة عن هذا الاحتفال جام نقدها على نقابة المنشأ التي تجمع الشغالين في المنشأة من عمال وموظفين ومهنيين بغير فرز. وكتب الأستاذ من الله عبد الوهاب، محرر الشئون العمالية، عموده عن برنامج الحزب الشيوعي والطبقة العاملة. عادي جداً. ونشر كاتب آخر مقالاً عن الاستهداف التاريخي للحركة النقابية بواسطة النظم المتعاقبة. وبلغ من قوة هذا الاستهداف أن العاملين قد فقدوا الاهتمام بوجود نقابة أو عدمها. ولو "تاوقت" الميدان عبر راحات نمرة اتنين، حيث يقع مركز الحزب الشيوعي ودار الميدان، لوجدوا أن الاهتمام بالنقابة لم يتبخر وأن بين العمال من هو على سنة "ياعمال العالم اتحدوا فلن تخسروا غير أغلالكم".
ولا أعتقد أن تغاضي الميدان عن اعتصام عمال السكة السكة حديد كان مجرد سهو. فكل الدلائل تشير إلى أنه صهينة مدروسة. وهو ثمرة كراهية الشيوعيين للنقابات القائمة في ظل الإنقاذ. فهي عندهم ولا حاجة. أما النقابات التي عليها القيمة فهي النقابات الشرعية التي تكونت من قادة نقابيين هاجروا لاجيئن وغير لاجيئن في بلاد الله. هذا من جهة الصهينة. أما من جهة القصد فدليلنا عليه أمران. فالميدان في عدد 4 أغسطس هاجمت نقابة السكة حديد المعتصمة عديل كده. فقد نقدتها لأنها على وفاق وصمت (مع النظام طبعاً) على ما يترتب على عدم صرف المرتبات الشهرية والمعاش لأكثر من شهرين. ربما نتفق مع الميدان في تأخر رد فعل نقابة الهيئة على هذه المترتبات. ولكن أن تهاجم تلك النقابة في يوم اعتصامها لرد تلك المظالم فهو من طبع الجمال: ألا تنسون أو تغفرون. وليست هذه هي المرة الأولي التي ألقي فيها القبض على الميدان وهي متلبسة بالهجوم على نقابة خلال تأديتها لواجبها في الدفاع عن عضويتها. كتبت قبل أشهر عن استخفاقها باعتصام مستخدمي البريد والبرق الذين اعتصموا حول نقابتهم في مبنى البوستة المركزي بالخرطوم احتجاجاً على ظلمهم في حقوق ما بعد الخصخصة. وما تغير شيء.
أما اللؤم الميداني الشيوعي فقد "نَقَع" في عدد 6 أغسطس الجاري. ففي الصفحة الأولى تحت عنوان "الحركة الجماهيرية" عرضت الميدان لمشروع الشيوعيين لإصلاح السكة الحديد. واعترف أنها نظرات هامة ينبغي ان تأخذ بها النقابة وكافة المهتمين بشأن اقتصاد النقل. ففيها مثلاً الغاء عقود الشركات الخاصة الباطنة في الهيئة. وهذا ما طالبت به النقابة أيضاً. ومن نظرات الميدان أيضاً العودة بشحن البضائع إلى تعريفة أجور النقل (النولون) تحت ضبط قسم الحسابات والمراجعة بلا مجاملة. كما شددت على وجوب تقشف الصفوة الإدارية. ولكن ما استغربت له أن الجريدة أطلقت هذه الأفكار المبشرة بغير أن تشير بحرف واحد لإعتصام نقابة السكة حديد. كيف؟ ليه؟ سببو؟ لزومو شنو؟ ما تعرفش. وهذا الجفاء أقرب إلى "حرِب" الأولاد والبنات منه إلى الصحافة التي أصلها في الخبر وفرعها في الرأي. والله يا الميدان جنس الكلام دا بلومك. والله العظيم بلومك!
راتب المهدية الثالثة
انعقدت بقاعة الشارقة ندوة لمناقشة كتاب الإمام الصادق المهدي الأخير الذي عنوانه "الإنسان بنيان الله: القضية الإنسانية". وكنت ضمن جماعة ابتدرت النقاش فيها الدكتورة فدوى عبد الرحمن على طه والدكتور حسن الساعوري. وحوى الكتاب تسعة فصول هي مساهمات الإمام في منتديات عالمية ناقشت القانون الدولي لحقوق الإنسان في السلم وفي فورات الاقتتال. استبشر فيها بالتطورات الأوربية التي جعلت حقوق الإنسان ميثاقاً تواضعت البشرية المعاصرة عليه. وأراد الإمام بمساهماته استنقاذ حقوق الإنسان المعاصرة هذه من خيلاء الوطنية التي يتستر بها طغاة في دولنا لينتهكوها محتمين وراء السيادة الوطنية. كما سعى الإمام لوقاية تلك الحقوق من عزة الغرب الطاغوتي بنفسه التي سوغت له إزدواجية المعيار. فهو ينهى عن شيء ويأتي مثله.
لم يسمح لي وقت المناقشة الشحيح بالتطرق لبعض آرائي عن الكتاب أو التوسع في ما بدأته منها. فلم أجد فسحة لأشيد بسعة معارف الإمام بالموضوعات التي عالجها. فقد وجدته في "حزا" مع ما يقرأ الغرب عن نفسه وعن الآخرين. وعثر على أكثر هذه المواد من شبكة الإنترنت. وأعجبني ضبطه للوقائع. فلا ينسى أبداً إيراد تاريخ وقوع الواقعة. ويسند حجته بالإحصاء. فهو يحصي عدداً انفاق إيران على برنامجها الذري قياساً بإنفاق كل من أمريكا وإسرائيل ليصل من ضآلة مصروف إيران على مشروعها إلى أن قوتها تما تزال في الحرب التقليدية. ومثل آخر احتج فيه بأن الشقة تتسع بين الدولة الغنية المسيطرة ودول الفاقة. فكانت بريطانيا أغنى 4 مرات من بقية العالم وقت عزها في النصف الأول من القرن العشرين. أما الولايات المتحدة في قرننا هذا فهي أغنى عن الدول الفقيرة 20 مرة.
وتساءلت وأنا اقرأ هذا العلم النافع عن وسائط تنزيله إلى جمهرة الأنصار بمثابة تربية وتزكية. فسأشعر شخصياً بالقربى من الأنصاري الذي اطلع على فصول الإمام العميقة عن مسألة دارفور وخطاب الرئيس أوباما للمسلمين والتراضي الوطني في أسبانيا.سيكون بينناً قاسماً مشتركاً لم يتوافر لنا قبلاً طوال عهد المهدية الثانية التي اعتنت بعقيدة الأنصار واقتصادهم وعنفهم دون سواها. فمتى تسربت معارف الإمام هذه إلى واعية الأنصار وذوقهم صرنا في المهدية الثالثة التي هي بعث للمهدية الأولي: مهدية الراتب الذي هو خلاصة تربية الزهد والعزيمة والثورة. وسنتطلع إلى يوم تستقر تربية الإمام هذه في ماعون من شاكلة الراتب. وحذاري أن نستهين بشغف غمار الناس بالمعرفة بشبهة أنهم أميون أو أنهم مشغولون بالكدح في طلب الرزق دون الفكر. فهذا مجرد سوء ظن صفوي بالعامة.
توقفت عند نقد الإمام لعهد نيفاشا (2005) لخلوه من آلية معلومة التراضي والعدالة الإنتقالية. وبدا لي أنه بعد مرور أربعة اعوام على ذلك العهد ربما كان مثل هذا النقد مجرد فضح معارضين لنظام استبعدهم من حظيرة نيفاشا. والإمام أستاذ في فن التحامل على النفس طلباً للتراضي حقناً للدم. وهو الذي روج للعبارة: "من فش غبينتو خرّب مدينتو". وعليه فآلية التعافي ليست حكراً على الحكومة تشاءها أو لا تشاءها. فبوسع المجتمع المدني أن يبادر فيها بما ربما فاق توقعنا من الحكومة. فقد دعوت حتى قبل نيفاشا، ومنذ منتصف التسعينات، أن نتواثق على الكشف عن قبور ضحايا عنف الدولة وغير الدولة. ظلت هذه القبور المضيعة هاجساً يؤرق أسرهم ومريديهم ويدنينا كأمة من الكفر. وقد أسعدني أن مركز الخاتم عدلان قد أخذ بزمام المسألة في رمضان الماضي وكون لجنة للنهوض بالتبعة كنت فيها. وتلاشى المشروع الذي كان أول بادرة لجعل التعافي شاغلاً أهلياً.وقد دعوت منذ أسابيع في مناسبة 22 يوليو ذكرى مذبحة بيت الضيافة (1971) أن نخضع الخلاف حول من قتل الضحايا لتحر تاريخي بواسطة علماء أدلة يميزون الخبيث من الطيب من الروايات لينتهوا إلى حكم تاريخي صارم نطوي به سجل المذبحة إلى الأبد ونقوم إلى شغل الوطن. وما ينطبق على مذبحة بيت الضيافة يسري على مذابح أخرى ومقاتل دامية بالطبع.
لم نعدم ابداً ما يسؤنا في الإنقاذ. وبدا لي أنه لننجز مشروع التعافي الوطني وجب ألا نرهنه بها حتى لا يكون مجرد نقيصة أخرى للإنقاذ. فالتعافي هو روحانية التحول الديمقراطي بفقه "لو تباينتم ما تدافنتم".
جراداية في سروال: قعادها ولا حلو
كلما سمعت الأمريكيين يلحدون بأسماء مواضع في العراق وأفعانستان خلال تتبعهم لحربهم في البلدين تذكرت قول راشد منهم. قال لهم من غضب الله عليكم معشر الأمريكيين إن الحرب وحدها هي التي تعلمكم جغرافيا العالم. وبدت لي صحة هذا القول الثقيل في حالتنا السودانية. فقد علمتنا حرب الجنوب ودارفور الأسماء. فصفوتنا لم تكن تظن أن هناك ما يستحق العلم به في أرياف البلد وهامشه. فتلك المواضع غاصة في البدائية وسيأتي يوم العلم بها حين ينتشلونها من ظلمات التخلف إلى نور الحداثة. وللأسف لم يأت هذا اليوم بعد.
وقامت الحرب في دارفور وأخذت القرى "الهوينة" على الصفوة تخرج من خمولها (المفروض عليها) و"تتهاداها الأضواء ويهش لها ركن الأنباء". وهذا من شعر صلاح أحمد إبراهيم رحمه الله. فهاهي بلدة قريضة بجنوب درافور أضحت رقماً (كما يقولون) في معرفتنا بدارفور. وكنت زرتها في ايام خمولها في رحلة جامعية عام 1965 في صحبة ماجدة هي الشاعر الفحل محمد عبد الحي والأستاذ محمد يوسف فائق الناشط بالحزب الاتحادي الأصل. ووجدنا سلطانها في بسطة من الجسم متكيء أمام كرنقه لا يخفى عن الناس ولا تخفى عليه خافية. والناس آمنون. ولم يخطر على بالي ابداً أن لقريضة يوماً يهش لها ركن الأنباء والدماء.
لم تقتصر معرفتنا المستجدة بدارفور على أسماء القرى فقد وجدت أرفف المكتبات احتشدت بكتب عن أزمة الولاية احتشاداً لم يحدث للجنوب صاحب الحرب الأطول. ولكن ما استرعى انتباهي حقاً هو أمثال دارفورية غزت فضاءنا الثقافي. فقد ظللنا لوقت طويل ربما منذ السبعينات نتجاذب مثلاً وحيداً مؤكدة دارفوريته هو "دنيا دبنقا دردقي بشويش" الذي روج له المذيع الباهر محمد سليمان حين جعله عنواناً لبرنامجه التلفزيوني. وعلمنا أن دبنقا (صارت الآن اسماً لإذاعة تبث في دارفور. تباركت الأسماء) هي القرع المجفف لا يحتمل الشدة في تحريكه لأنه قابل للكسر. ولا زلت أذكر تلك القرعة المحلاة بالزينة تتأرجح في مفتتح برنامج "دنيا دبنقا".
ثم توالت أمثال دارفور التي هش لها ركن الأنباء بالحرب. وتعلقت بواحد منها تعلق الغريق بزبد البحر. وهو المثل القائل "شايل جبل دارفور بلا وقاية". فقد ازعجني تحليل اليسار لمسألة دارفور. فقد أعطى اليساريون قفاهم للماركسية في تشخيص المسألة بالنظر إلى أساسها المادي في ملكية الأرض وخاضوا مع الخائضين في رد المحنة إلى نزاع العرب والزرقة العرقي. فقلت لهم إنكم كمثل من حمل جبل دارفور بلا وقاية . . . من ماركسية. ثم وجدت أحدهم بمنبر سودانيزأنلاين بالشبكة يروج للمثل: "جراداية في سروال ولا بعضي إلا قعادها ولا حلو". وبلاغة هذا المثل في "ولا حلو". فنفي الراحة بينما تعشعش جرادة في سروالك هو غاية المتعة هنا. فلو قال إن مثل هذه الجرادة ستضايقك أو تزعجك لما كان مثلاً أصلاً.
أما آخر تلك الأمثال فقد جاء به الأستاذ إسماعيل آدم بجريدة الرأي العام. فقد ورد عنده المثل :"دنيا أب سفاريك كان ما كتلاك بوريك". والسفروك عصا حنفاء للصيد. فهي قد لاتقتل الصيد أو الإنسان ولكنها مؤذية بصورة تفتح العين لحقيقة الموت الوشيك. وربما اقترب من هذا المعني الدسم قولنا (عن مصر) إن العيار الذي لا يصيب يدوش.
روعة عبارة المثلين الأخيرين هي في مراوحتهما في إقليم غامض مشتبه في التجربة الإنسانية. فأنت لم تمت مثلاً ولكن شققت المقابر. فالعلم بتجربة الموت ليست مباشرة بل هي مستقاة من تجربة مشينا عبر المقابر. فمدار البلاغة هنا "على وشك". أي أني علمت من الموت ما يكفي لمجرد سيري عبر المقابر الذي هو على وشك أن يكون موتاً. وهكذا مثل جرادة دارفور. فلم يحدث عض الجرادة ولكن من قال إن وجودها في السروال حلو. ومثل السفاريك أوضح. فالسفروك لن يقتلك ولكنه سيريك آيات الموت من بعد.
نأمل أن نتعظ بأمثال "العلى وشك" الدارفورية. فالحرب الأهلية جرادة أدمتنا بقعادها غير الحلو. ولكن الوطن لم يتفرق بسببها أيدي سبأ بعد. وكذلك سفاريك الحرب لم تقتلنا ولكنها ورتنا. اي والله ورتنا. ورتنا جد.
معارضة الإنقاذ المعتمدة ممحنونة من الانتخابات القادمة. فلا مهرب من هذه الانتخابات بالطبع. فهي في أصل نيفاشا فالدستور الانتقالي بالطبع. علاوة على أن المعارضة لم تأت ببديل أفضل لإنهاء دولة الإنقاذ مثل "سلم تسلم" او الانتفاضة المحمية". من الجهة الأخري فالمعارضة يائسة من خير الانتخابات. وأصبحت اعتراضاتها عليها من المحفوظات الأولية. فهي لا تثق في أن بوسع الإنقاذ ‘جراء انتخابات نزيهة. واحد. وإنه لا يصح أن تجري انتخابات ومسألة دارفور لم تحل بعد. مالوش تاني. ثم الإحصاء الذي فيه يختلفون. ثلاثة. فترسيم الحدود بين الجنوب والشمال. أربعة. شنطت قنطت.
يمكن لعالم نفسي أن يصف حال المعارضة هذا بالتمتمة في الكلام. فقد وصفالدكتور طه أمير التمتمة مرة بأنها الرغبة في الكلام والخوف منه في نفس الوقت. فالتمتمة في الكلام تقع بين الرغبة في الكلام والرهبة من الكلام. وتمتمة المعارضة أوضح ما تكون في أحاديث محاميها. بدأوا بالقول أن الحكومة أخطأت بأنها لم تجر الانتخابات في يوليو 2009 حسب ما هو منوص عليه في اتفاق نيفاشا. وفهمنا من هذا حرص محامي المعارضة على قيام الانتخابات. ثم لما أجلت مفوضية الانتخابات حتى فبراير 2010 لأسباب قاهرة معلومة قالوا إن هذا التسويف ليس من حق المفوضية بنص الدستور. ثم شققوا الكلام حتى وصلوا أن الحكومة نفسها غير دستورية بعد 9 يوليو. ومن تفريعات هذا الموقف أن الريئس البشير نفسه لا يمكن له الترشيح لرئاسة الجمهورية لأنه ما يزال في حدمة القوات المسلحة. والحل: حكومة قومية لإجراء الانتخابات.وهي معامرة لا مسوغ لها من الدستور الذي يلهح به المعارضون. جنس تمتمة.
وهي تمتمة ضارة حول أول مناسبة في عشرين سنة نستفتي فيها الشعب حول صورة الحكم والحاكمين الذين يريدهم. فبالانتخابات سيسترد أهل السودان إرادتهم الوطنية التي صادرتها الطغم المسلحة في صف الحكومة وصف الحركات. وأوضح صور ترفيف الشعب سياسياً ما قرأته يوماً عن مباراة لكرة القدم في إحدى ميادين مدينة نيالا. فخلال المباراة دوت طلقات رصاص اتضح لاحقاً أنها كانت مما تبادله فريقان حكوميان رسميان. وتوقفت المباراة لأن الجمهور قد سيق اللاعبين لأخذ ساتر. إن المعارضة لترتكب خطأ تاريخياً لن يغتفر إذا واصلت هذه لتمتمة التي ألهت جمهورها الغزير عن إرادة الانتخابات (بفرض شروط النزاهة عليها بقوة) إلى الهزء والتبطل السياسيين. وستهدم هذه التمتمة بنيان الانتخابات دوراص دوراً كما هدم السخار التمتام عمارة طابقاً طابقاً بعد أن صوب لها سحرة جامدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.