اتحاد أصحاب العمل يقترح إنشاء صندوق لتحريك عجلة الاقتصاد    أبياه يستدعي السداسي والخماسي يغادر رواندا    والي الخرطوم يعلن عن تمديد فترة تخفيض رسوم ترخيص المركبات ورخص القيادة بنسبة 50٪ لمدة أسبوع كامل بالمجمع    اشتراطات الكاف تجبر المريخ على إزالات حول "القلعة الحمراء"    وزارة الصحة تناقش خطة العام 2026    العلم يكسب الشباب في دورة شهداء الكرامة برفاعة    إكتمال الترتيبات اللوجستية لتأهيل استاد حلفا الجديدة وسط ترقب كبير من الوسط الرياضي    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    كأس العالم.. أسعار "ركن السيارات" تصدم عشاق الكرة    تقارير تكشف ملاحظات مثيرة لحكومة السودان حول هدنة مع الميليشيا    شاهد.. المذيعة تسابيح خاطر تعود بمقطع فيديو تعلن فيه إكتمال الصلح مع صديقها "السوري"    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية يهاجم تسابيح خاطر: (صورة عبثية لفتاة مترفة ترقص في مسرح الدم بالفاشر والغموض الحقيقي ليس في المذيعة البلهاء!!)    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    رئيس مجلس السيادة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرحيل المُرّ .. بقلم: ناجي شريف بابكر
نشر في سودانيل يوم 02 - 04 - 2013


شئٌ من التاريخ وعبق الذكريات
ومن بين العابرين الذين كانت دائما ما تأتي بهم الطريق فينشدون السقيا من تلك الجرار، كان "أبو شبابو" الذي أرتبط ذكره بيومٍ أسود يُعدّ من أكثر أيام القرية حزنا وأشدها تعاسة .. يوم أن مات"محمد الصعايدي" .. كان نهاراً قائظاً شديد الحر .. تربعت الشمس فوق سمائه كأنها ماردٌ خُرافيٌ يُصلي القرية بزفراتٍ من لهيبٍ وسموم .. إنتبه الناس فيه بغتةً لصراخٍ وعويلٍ يتعاليان من مكانٍ غير بعيد .. وصبيةٍ يُهرولون في إتجاهاتٍ متعاكسةٍ لا يلوون علي شئ. رجالٌ ونساءٌ يُسارعون الخطي ناحية الدار التي كان يفصلها عن المدرسة الابتدائية، من نهايتها الجنوبية ممرٌّ ضيقٌ حرجٌ طويل .. وماهي إلا لحيظات بعدما تبين لهم الأمر حتي غرقت القرية وقاطنيها في حزنٍ كقطعِ الليل، أو أشدّ قتامةً وبؤسا.. حزناً كاد أن يذهب بالعقول والأبصار ..
"محمد الصعايدي" الطيب المسكين ..أحبه الجميع لهدوئه ووداعته وبساطته ودماثة خلقه، وحبه الخير للناس. في جلبابه الأزرق السماوي الداكن. كان يمشي في هدوء وعزلة، وكان يعاقر الموت معاقرة المُقِلِ المقتصد، دون أن نعيَ نحنُ أن الموتَ كان نديماً له في حِلِّهِ وترحاله، مقيما فيه، حتي أنه كان يلوِّن عليه كل تفاصيل حياته وتجاعيدها، ويترك رائحته في كل أشيائه الصغيرة وفراشه الرثّ الوضيع. كان كظله يتبعه حيثما أتفق.
مادت به الأرض يومذاك، وأنهال الركام علي جسده الهزيل، بينما كان يصارع بمعوله القديم ويديه الرقيقتين، سقف المرحاض وحجارته الصماء القاسية، كي يزيل السقفَ بعد أن أكلت دابة الأرض عيدانه، حتي يستبدلها بأخري سليمة. شاء الله له دون غيره من خلق الله، أن يكون هوَ، وأن تكونَ مهنته مدافعةُ الأرضِ وقسوتها تحت هجير الشمس الحارقة ولظاها .. كي يصيب له رزقا يقيم به له أودا، ويقيه الفاقة ومرارة الجوع.
فكأنما حزننا المكتوم عليه، وعويلنا الصامت يوم فراقه، ظلّ يُلِحُّ علينا ويُطالبنا بدمه .. ظل يبلّغنا بأننا جميعا قد تشاركنا مقتله ثم تقاسمنا آماله المُهدَرَه..كُلُّنا يلزمنا قَوَدُه.. إن لم يكن ذلك كذلك .. فلماذا هو .. الفقير المسكين ..وحده لا ظهير له في القرية .. لماذا أتحنا له وحده، دون سواه من خلق الله، تلكم النهاية القاسية .. قضاءً وقدرا ؟ ..وهل يُهلكُ القضاءُ والقدرُ إلا المعدمين والفقراء؟ .. وهل تسقط الحيطان والأسقف القذرة إلا علي المستضعفين.. قضاءً وقدرا.. ؟
كنا كأنما نبحث في ملابسنا وفي أطرافنا عن قطراتٍ من دمه المسفوك، وبقايا من مغتنياته التافهة المبعثرة.. مبهوتين كمن زاره الموت لأول مرة. فقد كان لدينا يقينٌ أن رحيله المُرّ المباغت، لا بد أن يجلب علي أهل القرية سيلاً من اللعنات المتعاقبة .. ويورثها حزنا أبديا.. لماذا إذن، ظلت القرية محايدةً، وبين ظهرانيها أبو شبابو ومحمد الصعايدي، وقد ناء ظهراهما بالمعاناة والأحمال الثقيلة، ورقَّت منهما العظام وجحُظتِ الأعينُ من شظفِ العيش والوحدة، ومرارة الحرمان.. فلم يجدا غير الشقاء وإرتياد المهالك، وسيلةً وسبيلا لرد الجوع وإقامة الأود.. في وقتٍ واحد أحسّ الناسُ ليلتها، بوجعٍ ينتهكُ عليهم الضلوع والمضاجع، أو طعنةٍ جائرةٍ تخترقهم ألف مرة ..لا يملكون لها ردا .. قد جالت بأحشائهم وخلفت لديهم أنينا وجُرحاً غائراً لا يندمل.. لم يكن يوم موته يوما ككل الأيام ..
بكي "أبو شبابو" يوم أن مات أخوه بكاءً مٌرّا لم تشهدِ القرية له مثيلا، فمن له من دونه، وهو وحيدٌ فارغُ الفؤاد، تفصله آلاف الأميال والمفاوز من أهله وعشيرته وذوي قرباه.. بكي .. حتي أشفق الناس عليه من الهلاك .. كان كأخيه محبوبٌ في القرية عزيزٌ عليها. قدما إليها سويا من صعيد مصر نحو عشرة أعوام مضين، يتخيران مقامهما بين القري والفرقان في مسارهما الطويل، ليتفق لهم فيها المقام دون سواها.. لا ينتسبان إليها بصهر ولا يخالطانها بدم .. لكن أهلها أحبوهما وأفسحوا لهما في القلوب قبل الديار مقاما وسكنا ..
"أبو شبابو" كان لا يمل التجوال ليل نهار .. يزرع شوارع القرية وحواريها غدوا ورواحا مرتديا قميصا قطنيا أفرنجياً مُزَركشاً بألون خضراء، وإزارا يتقاصر عن ركبتيه ليكشف عن ساقين نحيلتين كساهما شعرٌ كثيف، وأثقلت عليهما الحياةُ فناءتا بما تحملان، فصارتا مقوستين لحدٍ ما.. دائما كان يضم إلي صدره وتحت ذراعه اليسري مذياعاً متوسط الحجم يظل يعمل ليل نهار .. هاشا يتبسم في وجه محدثيه الذين طالما تحلّقوا حوله منشرحةً أساريرهم يغالبهم الضحك وهم يجاذبونه أطراف الحديث.. صوته كان أجشّاً ونبراته عالية.. صوت المذياع.. ضحكاته المتقطعة الصاخبة.. وتعليقاته الساخرة.. كانت تخلف زخماً وضجيجا لا يخطئه السامع.. كلما مر أمام المتاجر أو طاف الأزقة والحواري.. لبث "أبو شبابو" في القرية زمناً وقد هدّهُ الحزن وأوهن عظامه.. ثم غادر القرية يوما دون إياب ..
(يتبع)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.