تطرق الاستاذ مصطفى عبد العزيز البطل في عموده الراتب (غرباً باتجاه الشرق)، بتاريخ 19 مارس 2013 الى حالة الشد والجذب التى يعانى منها "تحالف قوى الاجماع الوطنى" المعارض، وبتحديد أكثر حالات الجفاء والمخاشنة التى تطرأ من حين لاخر على علاقة رئيس حزب الأمة الامام الصادق المهدى من جهة، ورئيس تحالف قوى الاجماع الوطنى الأستاذ فاروق أبوعيسى. وفيما يبدو أن كليهما، الامام الصادق والسيد فاروق، قد نجح فى استقطاب بعض الدعم من بين أعضاء التحالف، والخاسر الأعظم بغير شك هم جموع المعارضين. ولا بد أن اهل حزب المؤتمر الوطنى ينظرون ويدعون في سرهم "اللهم اشغل أعدئي بأنفسهم!". المؤكد أن حالة الاستقطاب فى صفوف قوى المعارضة سوف تؤدى الى مزيد من التشرذم وتعميق الازمة الشاملة التى تجتازها البلاد، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر. وذلك كله بطبيعة الحال لا يغيب عن السيدين المهدى وأبو عيسى، وكلاهما يتسم بالحكمة والبصارة وعمق التجارب. بصريح العبارة لا أوافق الكاتب الرأى فى المنحى الذى اختاره وهو اطلاق العنان لنزعة تسويد الصحائف، مع علمي بأنه شديد العناية بالمعلومات والتوثيق والالتزام بالاصول. وقد كان من الاجدي والاوفق في نظري أن يتناول الكاتب ما للامام الصادق المهدى وما عليه، بذات الصرامة التى انتهجتها تجاه الأستاذ أبو عيسىى. كما كنت أتوقع ان يكون الكاتب من دعاة وحدة الصف واعلاء مصلحة الوطن فوق الخلافات السياسية والمشادات الشخصية. ولعلني بعد هذه المقدمة، أضع بين يدي القارئ هذه النقاط المختصرة: الأستاذ فاروق أبوعيسى ليس من الوافدين على مضارب العمل الوطنى فقد ولج حلبة السياسة قبل أن يلحق بها كثير من القادة السياسيين، بمن فيهم السيد الامام الصادق والدكتور حسن الترابى. ومعلوم أنه كان من "القيادات التاريخية" للحزب الشيوعى. انشق عن الحزب الشيوعى بعد 25 مايو 1969، ثم عاد الى حظيرته. ولا أرى ثمة منقصة فى ذلك. وكما يقول المفكر الفرنسى بودلير "من حق المرء أن ينتقد نفسه" وهذا بالفعل ما أعلنه أبوعيسى مرارا وتكرارا بأنه أخطأ فى تأييد حكومة مايو وفى تولى عدد من المسئوليات فى ظلها. وبعد انقلاب الجبهة الاسلامية فى يونيو 1989 سخر كل جهده لتوحيد شتات المعارضة واستعان على ذلك بموقعه آنذاك كأمين عام لاتحاد المحامين العرب. وشارك بخبرته القانونية فى صياغة ‘اعلان أسمرا‘ الذى يعتد به أغلب المعارضين لحكم الانقاذ. وقد آثر أبوعيسى أن يواصل نشاطه السياسى بوصفه مستقلاً دون أن تتعارض مواقفه مع القوى الوطنية الواسعة ومن بينها الشيوعيين. وقد كان على صلة حميمة بالأستاذ محمد ابراهيم نقد وعدد من قادة النقابات والاتحادات المهنية. وقد رأى فى ذلك تهيئة افضل له لخدمة العمل المعارض. ولا أعتقد ان هنالك من ينكر سجله المتفاني فى خدمة النشاط المعارض، وتقديم المساعدات الممكنة للمئات من طالبى اللجوء السياسى فى بلدان الشتات. جاء فى مقال الاستاذ مصطفى البطل: ( ولو كنت في مكان الاستاذ فاروق أبوعيسى، الذي لم يوفق في الحصول على مقعد نيابي عبر الانتخابات الديمقراطية الحرة طيلة حياته، رغم محاولاته المتكررة، ولم يحظ بالجلوس على كرسي البرلمان الا بالتعيين من حكومة الانقاذ، لفكرت مرتين قبل اطلاق التصريحات النارية في وجه الامام.) وهي خلاصة تحتاج الى مراجعة. ومع احترامى الكاتب فإنه يحز فى نفسى أنه استخدم أفكارا ومعاني سبقه اليها الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل فى معرض مقال ينضح بالاسفاف بحق الاستاذ أبوعيسى. واذا كان الدخول للبرلمانات هو الجواز الى المجد، فهنالك رجالا أفذاذا من أمثال حماد توفيق والشفيع أحمد الشيخ وأحمد خير مثالاً لم يفلحوا فى التأهل لعضوية أى من البرلمانات المتعاقبة. ونحن جميعا ندرك طبيعة الانقسامات السياسية والاستقطاب الطائفى والجهوى الذى حرم كثيراً من الرجال المقتدرين من عضوية البرلمانات السودانية. أما عن تفضل حكم الانقاذ على أبوعيسى بأن منحه مقعداً برلمانياً فالكاتب أدرى بأنه لم يركض حتى حفيت قدماه استجداءً للرئيس البشير. وكل ما حدث كان نتيجة لاتفاق سياسى هيأت أجواءه اتفاقية نيفاشا. وقد تميز أداؤه البرلمانى بالمشاركة الجادة فى إعلاء برامج المعارضة وقطع الطريق على التشريعات المقيدة للحريات. ومما جاء في العمود أيضا: (تاريخياً يُعرف عن الاستاذ أبوعيسى أنه لعب دور الطيب سيخة ومجذوب الخليفة، بل وكان رئيس الوزراء الفعلي عقب الانقلاب العسكري في مايو 1969 الذي فصل الخصوم من وظائفهم، وأودع السياسيين المنتخبين غيابات السجون، وكمم الأفواه، وأمّم الصحافة، وصادر أموال الناس، وقصف المدنيين بالطائرات والمدافع. صحيح أن أبوعيسى بعد خروجه عن حزبه وانحيازه الى "المجموعة الإنتهازية" كما تسميها أدبيات الحزب الشيوعي، عاد كرة أخرى الى قومه تائباً مستغفراً. ولكن ذلك لا يغير من الواقع مثقال خردلة. ولو كان ذلك تاريخي وسيرتي السياسية لما تجرأت، أو خطر ببالي، أن أوجه انتقاداً واحداً للإمام، ولالتزمت الصمت في كل مرة يدلى فيها برأى، ولاستخزيت عن مخاشنته ومناطحته وتحديه). وهذه الفقرة فى نظرى تتسم بغياب روح الانصاف. ولا أعتقد أن ألد أعداء أبوعيسى سوف يذهب الى مثل هذا المدى. الدور الذى اضطلع به الاستاذ ابوعيسى انما كان فى مجلس للوزراء أمّه رجال عرفوا بالاستقامة، كما أن السلطة النهائية قد استقرت منذ اليوم الأول فى يد مجلس قيادة الثورة ورئيسه جعفر نميرى. ومجرد المقارنة بين فاروق أبوعيسى والوزيرين الانقاذيين الطيب سيخة ومجذوب الخليفة الذين تلطخت أيديهما بدماء الأبرياء ومن بينهم رفيقهما فى مهنة الطب الدكتور على فضل، وغير ذلك من هدر للدماء فى دارفور وتصفية رفيقهما الآخر الدكتور بولاد مما لا يجوز في موازين العدل. وهذا غيض من فيض. وقد سبق للكاتب ان رصد في احدي مقالاته للراحل مجذوب الخليفة حضوره متخفياً الى مكتب سرى برئاسة مجلس الوزراء حيث تولى الاشراف على أحط الانتهاكات بحق المعارضين فى بداية عهد الانقاذ. فياترى كيف هان على الكاتب أن ينحو الى هذا القدر من التعسف في وجه قراء كثر تعرفوا عليه من خلال نزوعه الى الانصاف والموضوعية؟ ولا أحسب أن إعلاء قدر الأمام الصادق المهدى، تتطلب كل ما ذهب اليه من حطٍ بمقام الأستاذ أبوعيسى. لا سيما والمهدى نفسه يتسم برجاحة الرأى واحترام حق الاختلاف بين المتحالفين. ولا احسب أنه بعلمه الواسع لا يبخس الناس اشياءهم مهما تباينت الرؤى. فيا صديقى العزيز أرجو مراجعة هذه المقالة ووضعها فى حيز الموضوعية اللائقة بمن حباهم الله بالحرص على تجويد أداءهم. وليتك تأخذ بعين الاعتبار اسهام أبوعيسى فى الدفاع عن المعارضين السياسيين ومن بينهم مخالفيه فى الرأى من قادة الاخوان المسلمين. كما كان له دور مقدر فى الاعداد لثورة اكتوبر العظيمة والسهر على حمايتها، ولم يعرف عنه تهافتاً للحصول على مقعد وزارى كان من أحق الناس به.