كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون ينقلون معهم عاداتهم في الأعراس إلى مصر.. عريس سوداني يقوم بجلد أصدقائه على أنغام أغنيات فنانة الحفل ميادة قمر الدين    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالفيديو.. جنود بالدعم السريع قاموا بقتل زوجة قائد ميداني يتبع لهم و"شفشفوا" أثاث منزله الذي قام بسرقته قبل أن يهلك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    السودان يردّ على جامعة الدول العربية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    المريخ يحقق الرمونتادا أمام موسانزي ويتقدم في الترتيب    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    جنوب إفريقيا ومصر يحققان الفوز    مجلس التسيير يجتمع أمس ويصدر عددا من القرارات    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مغازى غازى وفتوحاته المكية ... بقلم: مصطفى عبد العزيز البطل
نشر في سودانيل يوم 02 - 09 - 2009


مغازى غازى وفتوحاته المكية
مصطفى عبد العزيز البطل
[email protected]
(1)
هناك غازيان لهما (مغازى) فى الشأن السودانى العام، هما الدكتور غازى صلاح الدين والمحامى غازى سليمان. وفارق بين الغازيين. الغازى الاول يوصف بأنه قيادى فى حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، والثانى كان حتى وقت قريب يوصف بأنه قيادى فى حزب الحركة الشعبية لتحرير السودان. (قيادية) الاول ثابتة ومؤكدة تعضدها الشواهد والبراهين، أما (قيادية) الثانى ففيها قولان، اذ يصح عندى ان ابن سليمان لم يكن قط، فى يوم من الايام، قياديا فى الحركة الشعبية لتحرير السودان، وان الادوار المنسوبة له فى هذا المضمار مفتعلة ومنتحلة، فقط لا غير. الغازى الاول عنده سيرة ذاتية حقيقية تقول انه مجاهد حمل السلاح ووقف فى جفن الردى ذات يوم دفاعا عن عقيدته (الاسلاموية)، فكاد ان يهلك دونها. وقد تواترت الاحاديث، حسنة المتن والاسناد، تشهد وتعضد الروايات عن وقفة الرجل وثباته يوم أن كان الرجال قليل. أما الغازى الثانى فعنده سيرة ذاتية (مضروبة) تقول انه مناضل حمل السلاح ذات يوم وانتظم فى كتائب الثورة الاريترية التى جاهدت قوات الاحتلال الاثيوبى على عهد الامبراطور هيلاسلاسى. وهى نضالات جاء ذكرها فى بعض كتب (الاسرائيليات)، وروج لها البعض فى السودان، ولكن لم يشهد عليها قط شاهد عدل. الشهود العدول شهدوا فقط بأن الرجل كان قد حاول – كعادته فى خطف الأدوار – ان ينتحل لنفسه، ضربة لازب، دورا (قياديا) فى انقلاب الرائد هاشم العطا فى يوليو 1971، فلما انهزم الانقلاب وانحسر ظله ورأى غازى رايات النميرى تعلو من جديد، وعلم ان تحتها المشانق والسجون، قبض أطراف جلبابه فوضعها بين أسنانه وأطلق ساقيه للريح، ولم يتوقف عن اللهاث الا بعد ان عبر الى عمق الاراضى الاريترية، وهناك وجد بين اهلها من أعانه، بعد استجمام، على مواصلة الرحلة الى عدن، عاصمة جمهورية اليمن الجنوبي، آنذاك، حيث أقام لاجئا ريثما انجلى غبار الردة المايوية.
(2)
كتب رئيس تحرير (الاحداث)، الاستاذ عادل الباز، ضمن مقاله الاسبوع الماضى يشكو ويستهجن ويندب على الحركة الشعبية لتحرير السودان القرار الذى اصدره مكتبها السياسى، عقب اجتماعه فى جوبا خلال الاسبوع الثالث من اغسطس 2009، بفصل الاستاذ غازى سليمان من عضوية الحركة. وهو القرار المسبّب بحسب صيغة البيان ب ( خروج [المفصول] على الخط السياسى العام للحركة الشعبية ومشاركته فى أنشطة هدامة ضدها). كتب عادل بلغة حزينة تتقطع لها نياط القلوب، يراجع الحركة فى قرارها: ( هل جزاء الاحسان الا الاحسان؟ يا ترى كيف تجرأت الحركة على الاقدام على مثل هذه الخطوة؟) ثم أضاف: ( حين كان للنضال ثمن كان غازى سليمان يشرع صدره ويقابل المحن بشجاعة يحسد عليها). ثم مضى عادل لا يلوى على شئ ليقدم لقارئه مثالا مُعبراً يعزز به مقالته عن شجاعة غازى ونضاله يوم ان كان للنضال ثمن، فكتب: (لا ازال اذكر يوم جمعنا غازى فى مكتبه قبل نيفاشا بكثير لنستمع لقائد الحركة جون قرنق المتمرد الذى كان سيخاطبنا. هذا فعل لا يقدر عليه يومئذٍ الا غازى سليمان. كثير من المناضلين تحت رايات الحركة لم نسمع لهم صوتا تلك الايام ... هل هذا جزاء المناضلين من قادة الحركة؟ ماذا يقول الناس عن حركة ما أن تمكنت فى السلطة حتى دفعت بقادتها للمجهول؟) ثم انقلب عادل الى صاحبه غازى معزياً ومواسياً وناقماً على قلة الوفاء فى زماننا الأغبر هذا: ( يا غازى لا تحزن فالسلطة دائما بلا ذاكرة وهى بنت اليوم لا تتعامل بعملات فاقدة الصلاحية مثل الوفاء والاخلاص، فهذه قيم لا مكان لها من الاعراب ...)
المثال الذى قدمه رئيس تحرير الاحداث عن واقعة المؤتمر الصحفى للراحل جون قرنق الذى كان مفترضاً عقده بمكتب المحامى غازى سليمان، والذى اتخذ منه عادل دليلا ينطق بتاريخ غازى البطولى، يستحق ان نقف عنده لهنيهة لأسباب عدة. واحدة منها أن هذا المؤتمر جرى ولعهد طويل ترويجه فى الاوساط السياسية والاعلامية السودانية لتلميع صورة الاستاذ غازى سليمان وأضافة الرتوش ولوازم الماكياج اليها، ومن ثم اعادة انتاج المحامى الكبير وتسويقه كمناضل قومى ورمز ثورى. ولكن أحدا من الصحافيين او السياسيين او غيرهم من المراقبين، من معاصرى هذه الواقعة، (باستثناء بعض الفاعلين فى الحركة الشعبية لتحرير السودان، ولأسباب سنستبينها بعد لحظات)، لم يسع يومها الى سبر غور الواقعة وتقصى أبعادها وتحرى الحقائق من امرها بغية تمحيصها من الاوهام والخزعبلات! لماذا؟ لأن (المؤمن صديق)، ولأن الحاجة كانت ماسة وقتها الى أبطال وزعامات كاريزمية وهالات ثورية. كيف؟ سنرى بعد ان نعود الى الحكاية فنحكيها من أولها بغرض التذكير، فالذكرى تنفع الشعوب التى تشكو من ضعف الذاكرة.
فى يوم من شتاء العام 1999 وزع الاستاذ غازى الدعوات للصحف ووكالات الانباء والفضائيات والمراسلين الاجانب لحضور مؤتمر صحفى يعقد فى مكتبه بوسط الخرطوم، يتحدث فيه الدكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان ويجيب فيه على أسئلة الصحافيين، وذلك عبر وسائط الكترونية. وعندما بدأ المدعوون من اهل الصحافة والاعلام فى التوافد الى المكتب حضر رجال الأمن وقاموا باعتقال الموجودين ومن بينهم غازى نفسه، ثم اطلق سراح الجميع بعد ساعات على ان يشخصوا امام القاضى فى وقت لاحق. وما ان جاء يوم الشخوص حتى فوجئوا (أو بالاحرى فوجئ اغلبهم اذ من المؤكد انه كان بينهم من لم يُفاجأ) بالنائب العام آنذاك، الاستاذ على محمد عثمان ياسين، يأمر بسحب الاوراق من أمام المحكمة وصرف النظر عن القضية بأكملها.
من الأسئلة الملحة التى ترد على الذهن هنا: اذا اخذنا فى الاعتبار ان زمان المؤتمر الصحفى المفترض للزعيم جون قرنق الذى دعا له غازى بمكتبه بالخرطوم كان نوفمبر 1999، وهو زمان كانت فيه سلطة الانقاذ فى ذروة جبروتها وغرورها وتحديها للعالم بأسره، ناهيك عن معارضى الداخل، وكانت أجهزتها الامنية الضاربة فى عز سطوتها، تأخذ بناصية المعارضين أخذ عزيز مقتدر وتسومهم سوء العذاب، فكان الناس يساقون لأوهى الأسباب الى حيث يؤخذون أخذاً وبيلا فى بيوت الاشباح، وكانت الحرب بين القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبى من ناحية والجيش الشعبى لتحرير السودان من ناحية اخرى مستعرة فى أوج لظاها، إذا وضعنا ذلك كله فى الاعتبار فهل يعقل عاقل ان تأذن السلطات - او ان تقف مكتوفة الايدى - وهى تشهد قائداً لحركة عسكرية متمردة، فى شرعتها، وفى حالة حرب معلنة مع الدولة، يخاطب رجال ونساء الصحافة والاعلام وينفث افكاره (الهدامة) فى مكتب محامٍ بوسط الخرطوم؟! لا أظن. اذن ما الذى حدا بمحامٍ حصيف وحاد الذكاء مثل غازى الى ابتدار ذلك الموقف، والاعلان عنه على نطاق واسع، والتعامل معه باعتيادية شديدة وكأن قيام المؤتمر الصحفى الموعود أمر طبيعى وروتينى ولا غبار عليه؟ لماذا لم يقصر المؤتمر الصحفى على مجموعة مختارة من الصحفيين الشرفاء دون اعلان، حتى لا يعلم به ويجهضه رجال الامن؟ الم يكن ذلك هو المتوقع من رجال يفترض عنهم انهم خبروا دروب النضال ضد الانظمة الشمولية؟ العلم عند الله وعند المحامى الحصيف الحاد الذكاء!
ولهذا كله فإنه عندما اكتملت فصول الرواية الملهاة وبلغت تمامها، واخذ المحامى الكبير يمشى الهوينا فى شوارع الخرطوم وبين مجالسها متقمصا شخصية البطل الوثيق الصلة بالقائد جون قرنق، والذى تهابه الانظمة ولا يهاب احدا، كان بعض الناشطين من الكوادر السرية للحركة الشعبية فى الداخل يجهدون لتحرى أمر المؤتمر الصحفى الاسطورة ويسعون لفض مغاليقه. كانت المهاتفات والمكاتيب تدور بين هؤلاء وبين عناصر الحركة فى جنوبى السودان وفى المنافى بنيروبى وأسمرا. وكان السؤال الذى ينتصب وحيدا مثل السيف هو: هل صحيح انه كانت هناك فعلا تدابير معدة لمؤتمر صحفى يخاطب فيه جون قرنق الصحفيين والاعلاميين بالداخل من خلال دائرة الكترونية بمكتب المحامى غازى سليمان، أم أن الأمر كله لم يتعد كونه مسرحية من ابداعات مخرج عبقرى؟ وعند التشاور مع قيادات الحركة فى الخارج وسؤالها عن حقيقة الأمر فوجئ هؤلاء بأنه لا يوجد قيادى واحد من القريبين من القائد جون قرنق أو من الذين يلازمونه ملازمة الظل سمع أصلا عن أية ترتيبات متعلقة بالمؤتمر الصحفى المزعوم، او علم عن أى لقاء او اتصالات ربما تكون قد جرت بين غازى وقرنق. والأنكى من كل هذا انه اتضح لهؤلاء المتحرين الباحثين عن اجابات شافية للغز العجيب أن قرنق نفسه كان فى التاريخ المعلن للمؤتمر فى مكان ما على الحدود السودانية الكينية لا تتوفر فيه اية وسائل اتصالات حديثة!
واخيراً آثر الباحثون عن الاجوبة، على التساؤلات القائمة بشأن المؤتمر الصحفى المزعوم، الركون الى نظرية توصل اليها بعض المراقبين. تستند النظرية على واقعة حدثت قبل أشهر من دعوة غازى المعلنة للصحفيين لحضور مؤتمر قرنق الصحفى بمكتبه. كان مسرح الواقعة هو جامعة ام درمان الاهلية حيث نظم اتحاد طلابها بنجاح مذهل وبصورة مفاجئة أمر خطاب مباشر وجههه القائد جون قرنق الى طلاب الجامعة. وكانت هذه هى المرة الاولى، التى يخاطب فيها قرنق قوى داخلية عبر الوسائط الالكترونية الحديثة وحرب الجنوب فى اوج استعارها. وكان المحامى غازى سليمان من ضمن حضور تلك المناسبة الطلابية التى دُعى اليها عدد من الشخصيات السياسية والنقابية. وقد شوهد غازى وهو يتجه الى المنصة بصورة غير متوقعة أثناء مخاطبة قرنق للطلاب ويحاول اختطاف سماعة جهاز الاتصال والحديث الى جون قرنق. ولكن الطلاب المنظمين للمناسبة رفضوا السماح له باستخدام جهاز الارسال، فأصر الرجل على استخدام الجهاز والحديث الى قرنق، غير أن الطلاب ازدادوا اصرارا على منعه، أما لاسباب تخصهم، او لانهم لم يقتنعوا بالسبب الذى قدمه لهم المحامى الذى كان يتحرق شوقا – بصورة لافتة للنظر - لمخاطبة قائد الحركة الشعبية. خلاصة النظرية تقول بأن المحامى الكبير ربما استقى فكرة عقد مؤتمر صحفى مع قرنق فى مكتبه عبر الوسائط الالكترونية، من التجربة الناجحة لطلاب الجامعة الاهلية، وهى التجربة التى فاجأت رجال الامن وقتها مفاجأة استراتيجية. ولكنه فى حالة مؤتمره الصحفى المشار اليه نزع عن الحدث، عمداً وبمحض ارادته، عنصر المباغته واجهض روح المفاجأة بأن اصدر اعلانات عامة نشرها فى كل المحافل وجهها للكافة، ومن ضمنهم – بطبيعة الحال - رجال الامن!
(3)
كذلك فإن من بين الاسئلة التى ظلت تطرح نفسها باستمرار السؤال البرئ: متى بدأت علاقة المحامى غازى سليمان بالحركة الشعبية لتحرير السودان؟ وقد ظل هذا الامر شاغلا، او قل هاجسا، لعدد كبير من المهتمين بالتوثيق للمسارين العسكرى والسياسى للحركة الشعبية. ثم وجدت التساؤلات طريقها للصحافة حيث ظلت الاسئلة حول تاريخ علاقة الرجل بالحركة تلاحقه فى الحوارات الاعلامية ردحا من الزمن. والالحاح فى السؤال من قبل المراقبين مصدره بصورة اساسية التناقض الشديد بين رواية غازى نفسه من ناحية وروايات القيادات الجنوبية والشمالية ذات الأدوار التاريخية فى تأسيس وقيادة الحركة. للمحامى رواية واحدة لا يحيد عنها وهى انه عضو أصيل فى الحركة، وأنه كان على علاقة وطيدة بقائدها ورمزها التاريخى جون قرنق منذ بداية الثمانينات. وتعبير (بداية الثمانينات) من التعابير الثابتة عند غازى، ولكنه لا يحدد قط تاريخا بعينه. بداية الثمانينات تبدأ من العام 1981 وتنتهى فى 1983أو 1984، اما العام 1985 فيقال فى وصفه (منتصف الثمانينات). ونحن نعلم ان الحركة الشعبية تم تأسيسيها واعلان المانيفيستو الخاص بها فى 1983 وجاءت انطلاقتها الحقيقية فى 1984، فلا بد اذن وفقا للتقدير الزمنى أعلاه ان غازى كان من المؤسسين للحركة. المشكلة الوحيدة هنا هى ان قادة الحركة ممن عرفوا زعيمها جون قرنق ولازموه منذ ذلك التاريخ، بما فيهم القادة الذين كانوا مسئولين عن الاتصال وتوجيه كودار الحركة السرية ونشاطاتها داخل السودان، لا يذكرون قط انهم شاهدوا غازى فى صفوف الحركة اوتعاملوا معه او حتى سمعوا باسمه قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005!
(4)
فى حوار اجرته معه صحيفة ( الوطن ) فى 29 مارس 2009 وجه المحرر نفس السؤال الى المحامى الكبير فقدم غازى اجابة جديدة اشتملت على مفاجأة استراتيجية ألقت بأضواء كاشفة على تاريخه النضالى. قال الرجل انه انضم الى الحركة الشعبية (قبل أعلانها). أى والله، قبل اعلانها، اى قبل تأسيسها! جاءت الاجابة فى مقام الرد على "المتخرصين" الذين شككوا فى أن للرجل عضوية معروفة او علاقة حقيقية بالحركة، حيث قال: ( أنا عضو فى الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل اعلانها ويشهد على ذلك رجل الاعمال قرنق دينق اقوير. وعندما التقيت مع الدكتور جون قرنق فى ثمانينات القرن الماضى كانت الحركة الشعبية فكرة). وأضاف استطرادا فى الرد: ( على العموم انا استهجن الحديث بأن الحركة لا تعرفنا. هم فعلا لا يعرفوننا لأن الذي يعرفنا هو جون قرنق دى مابيور، و د. جون قرنق لا يكشف اوراقه لأى شخص). ومن بركات هذه الاجابة على السيد غازى انها توفر له ملاذاً آمنا من كل التساؤلات التى ظلت تحلق حوله بشأن تاريخ التحاقه بالحركة الشعبية. طالما ان اللقاء مع جون قرنق تم قبل تأسيس الحركة نفسها، وأن جون قرنق – بحسب غازى - (لا يكشف اوراقه لأى شخص)، فبالتالى لم يعد بوسع القادة الآخرين الذين زعموا بأنهم لم يروه او يسمعوا به كعضو فى حركتهم قبل عام 2005 الا ان يطبقوا شفاهم وان يلزموا الصمت. القائد جون قرنق مات، والموتى لا يتكلمون، وحتى اذا تكلموا، فما هو الضمان ان يصرح لنا جون قرنق بالحقيقة عن عضوية غازى الأصيلة فى حركته، فاذا كان الرجل لا (يكشف اوراقه) وهو حى، فكيف سيكشفها وهو ميت؟ ولكن المشكلة محلولة بعون الله، فالسيد غازى لديه شاهد واحد حى وهو تاجر جنوبى اسمه دينق أقوير! فليمت المتشككون بغيظهم اذن، فكفاح الرجل المسلح فى صفوف الحركة الشعبية منذ مرحلة التأسيس، بل وما قبل التأسيس، ثابت ومؤكد. ليس ذلك فحسب بل هو كفاح ممهور بالدم، فقد حمل غازى السلاح (سرا بطبيعة الحال) وحارب جنبا الى جنب مع القائد العظيم قرنق. كيف لا وقد قال غازى عن نفسه وعن الحركة معاً فى ذات الحوار الذى اجرته معه صحيفة الوطن: ( هذا تنظيم دفعت أنا من دمى غالياً من أجله). و عبارة (دفعت من دمى) يصح تفسيرها أيضا بأن المحامى الكبير ربما تبرع بكميات من دمه وبعث بها فى انبولات بلاستيكية الى مستشفيات الحركة الميدانية، ولكننا نغلب الظن انه حمل السلاح وقاتل فعليا، جنبا الى جنب مع القائد المجيد جون قرنق.
غير أن "المتخرصين" من قادة الحركة الشعبية ما انفكوا يرددون فى مجالسهم الخاصة أن علاقة غازى بالحركة بدأت فى العام 2005، وذلك عندما كان يلتقى بهم ويلح فى طلب مقابلة الدكتور قرنق إلحاحا جاوز الحد. وأنه أكثر وقتها من الاحاديث التى تمجد قرنق وحركته. وتلى ذلك ان زكاه لعضوية الحركة فى ذلك العام الاستاذ ياسر عرمان. وعندما قام الدكتور جون قرنق، عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل، بتشكيل اللجنة التى عرفت باسم (لجنة العشرة) والتى وضع على رأسها القائد عبد العزيز الحلو، وأسند اليها مهمة إختيار الشخصيات المناسبة والمؤهلة والحائزة على الكفاءات والمهارات المناسبة، وتقديم اسمائها كمرشحين لشغل المناصب الدستورية القومية والولائية التى اسندتها الاتفاقية للحركة، بادر الدكتور منصور خالد بترشيح المحامى غازى سليمان لدور برلمانى، وجاء فى حيثيات الترشيح ان الرجل ( بمواقفه المتحدية للانقاذ وخبرته القانونية سيكون مفيدا للحركة داخل البرلمان)، وأيده فى ذلك الاستاذ ياسر عرمان. وعلى هذا الأساس تم الاتفاق على تعيين غازى عضوا فى البرلمان الاتحادى خصما على حصة الحركة، وهو تعيين ترتب عليه لاحقا اختياره لتولى منصب الرئيس المناوب للجنة التشريع والشئون القانونية بالبرلمان (من خلال توليه لهذا المنصب دفع غازى بقرار عزل ياسر عرمان من عضوية البرلمان في صيف عام 2007. يا لسخرية الاقدار)! قبل ذلك التعيين كان هؤلاء "المتخرصون" يشيعون أن غازى لم ينل قط مقعدا فى اى مؤسسة من المؤسسات الحاكمة للحركة الشعبية، فلم يكن عضوا فى المكتب السياسى للحركة، ولا مجلسها الوطنى، بل انه لم يكن حتى عضوا فى المؤتمر القومى العام الثانى للحركة المنعقد فى مدينة جوبا فى مايو 2008، والذى حضره الفان من الاعضاء، من بينهم خمسمائة من شمال السودان. كما أنه ليس عضوا فى مجلس التحرير الوطنى. والى ذلك فإنه لم تعرف للرجل اى صلة بجماعة أمبو التى ضمت اول مجموعة من المثقفين السودانيين تتواصل مع الحركة الشعبية عام 1988، بالاضافة الى ذلك فانه لم يكن معروفا لدى اى من عناصر الحركة التى اشرفت على مشروع لواء السودان الجديد، الذى كان موجها بالاساس لاستقطاب وتعبئة القوى الشمالية فى تسعينات القرن الماضى.
(5)
اكثر ما شد انتباهى فى تصريحات المحامى غازى سليمان لصحيفة الوطن قوله عن نفسه: ( نحن مناضلين من الدرجة الاولى، وسنظل مستمرين فى نضالنا بالرغم من تطاول الادعياء الجدد من مناصرى ما يسمى بالنظام العالمى الجديد من أمثال اوكامبو وممثليه والطابور الخامس فى السودان، وانا لهم بالمرصاد). قلت لنفسى: ايه الكلام الكبير ده؟ لكننى تذكرت اننى امام مناضل شامل. مناضل محترف، والمناضلون الشاملون المحترفون يناضلون من كل الزوايا وفى كل الاتجاهات. ولكن ادهشنى استخدام الرجل للفظة "الطابور الخامس". فقد جاء علينا حين من الدهر كان "الطابور الخامس" صفة تطلقها صحافة الجبهة الاسلامية، ومن بعدها صحافة العصبة المنقذة على المشتبه فيهم من المتهمين بالتعاطف مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. وها قد أطل علينا فجر جديد رأينا فيه غازى سليمان يحمل ذات الخاتم، ليطبع ذات التهمة على جبين منتقديه من المتشككين فى صلاحية اوراق اعتماده كقيادى فى الحركة الشعبية.
مهما يكن من شئ فقد حزمت الحركة الشعبية امرها واصدرت قرارها بفصل غازى، والقرار من حقها بلا ريب. الحركة حرة فى ان تتخذ لنفسها ما تشاء من قرارات بشأن عضويتها. وغازى نفسه حر فى ان يتخذ بإزاء القرار ما يناسبه من المواقف، الخيارات أمامه مفتوحه، ومنابر النضال فى بلادنا على قفا من يشيل. طيب وما هى المشكلة؟ مفيش مشكلة. من قال ان هناك مشكلة؟!
عن صحيفة ( الأحداث)
مقالات سابقة:
http://sudanile.com/index.php?option=com_content&view=category&id=61:2008-12-04-08-34-48&Itemid=55&layout=default


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.