لعل ظاهرة الخيم الرمضانية القطرية التي يتم نصبها في الساحات الكبرى جوار الطرق العامة في المدن القطرية منذ بداية شهر رمضان إلى نهايته هي من أبرز الظواهر الرمضانية إلى درجة أنها أصبحت معلماً بارزاً من معالم شهر رمضان في دولة قطر! هذه الخيم الرمضانية تقدم وجبات الإفطار ، العشاء والسحور لكل المحتاجين من العمال الأجانب حيث يجدون فيها طوال شهر رمضان ما يغنيهم عن عناء شراء الوجبات الجاهزة أو صناعة الوجبات المنزلية، ومن الملاحظ أن هذه الظاهرة الكريمة ، التي تتكرر بشكل روتيني في كل رمضان، أصبحت لا تثير انتباه أحد بحكم أنها صارت في عداد المألوفات ولكنها مع ذلك تدل على صفة الكرم الأصيل الذي يتمتع به الشعب القطري وتدل أيضاً على التراحم الأخوي الذي يكنه القطريون لغيرهم من الشعوب التي تعيش وتعمل في بلادهم. هذه الظاهرة الكريمة تتواجد بشكل أو بآخر في بقية الدول الخليجية وفي بلاد الشام وفي دول شمال أفريقيا والمغرب العربي حيث تنتشر الموائد الرمضانية في الساحات والميادين طوال شهر رمضان وتقدم خدماتها الكريمة لعابري السبيل الذين تقطعت بهم السبل في ساعة الإفطار. ولأن الشيء بالشيء يُذكر ، فإنني ظللت أسيراً لذكرى سودانية رمضانية ما زالت تجول في خاطري حتى اليوم كلما سمعت أذان الإفطار ، فقبل عدة سنين كنت مسافراً في يوم رمضاني طويل على متن بص سفري من مدينة كسلا في شرق السودان قاصداً مدينة الخرطوم في وسط السودان ، وعند اقتراب البص من ضواحي الخرطوم ، تهاوت الشمس إلى المغيب وعندها حدث شيء غير مفهوم فقد تم إيقاف البص بواسطة مجهولين وأجبر السائق على ركنه إلى جانب الطريق الأمر الذي أقلق الركاب ولكن سرعان ما تكشف السبب وبطل العجب فقد كان هناك عدد من شباب قرية الجديد الثورة الكائنة في ضواحي الخرطوم يقطعون الطريق وينزلون ركاب كل البصات السفرية المارة عبر قريتهم في ساعة الإفطار ويقتادونهم ببشاشة متدفقة إلى البروش الممدودة على طول الطريق العام والتي تحفل بالتمر السوداني الطازج، اللقمة والويكة السودانية الشهية والحلومر أو الأبري السوداني اللذيذ الذي تبتل به العروق ويذهب به الظمأ! فطوبى لأهل الجديد الثورة الذين كانوا وما زالوا يؤثرون الطعام على أنفسهم من أجل سد حاجة عابري السبيل في شهر رمضان! ولعل كل من حُظي بالعيش في أي دولة عربية وخبر طباع أهلها لا يملك إلا أن يقول إن الدنيا ما زالت بألف خير طالما ما زال هناك أناس ينصبون الخيام أو الموائد الرمضانية أو يقطعون الطريق العام في رمضان خدمةً للناس في الأرض وطلباً للأجر من السماء! فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر