مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الدكتور حسن الترابي .. زوايا وأبعاد    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلما ارتفع البنيان هبط مستوى معيشة المواطن الغلبان .. بقلم: النعمان حسن
نشر في سودانيل يوم 15 - 05 - 2013

المواطن الغلبان مثقل بالضرائب و يعفى منها اثرياء الدولار
المنظمات الخيرية اصبحت مصدرا للمحاسيب لنهب المال العام
الحلقة الرابعة
قدمت فى الحلقة السابقة المزيد من المفارقات التى شهدها السودان التى لا يصدقها العقل مقارنة بين السودان المستعمرة الانجليزية وبين السودان المستقل والذى نحتفل بتحريره فى الاول من كل عام حيث لم يتبقى منه الا ان نحيى العلم ونتغنى بانشدته لنجتر بع ذلك حقيقة انه لم يعد الا كما من النفارقات الغريبة والتى لا يزال السودان موعودا بالمزيد منها وربما القادم ياتى اكثر غرابة.
فالسودان كاى بلد فى العالم يقوم على عنصرين فقط لا ثالث لهما اولهما السودان الوطن وثانيهما المواطن.
اما الوطن فلقد حرر الحكم الوطنى شهادة تمذقه بعد انفصال الجنوب والذى جاء نتيجة تراكمات من الاخطاء منذ اعلان الاستقلال وايلولة الحكم لابناء الوطن ولم يسلم من مسئوليته حكم مدنى او عسكر وان تحمل الاخير مسئولية اكبر كما ان المزيد من مخاطر تقسيمه لا تزال تحاصره لما نشهده من حروب وفتك وقتل للملايين من ابناءالوطن من الجانبين المتعاركين على مدى تاريخ الحكم الوطنى حتى بلغ اخر مداه بعد ان سلم الحكم الوطنى الحالى بشقيه الانقاذ والتجمع المعارض امره للمتامرين عليه من القوى الدولية المتربصة به يوم تسابق كلاهما لارضاء امريكابحثا عن دعمها للبقاء فى السلطة او العودة اليها لمن اخذت منه عندما قبلا بحق تقرير المصيرليس للجنوب وحده ولكن لمن اسمتهم المناطق المهمشة . كاسوأ نتائج لحقت بالسودان بعد رفع راية الاستقلال حيث ساده العنف والحرب فى اكثر من جهة بسبب ماحاق بمناطق الهامش من ظلم وتفرقة لاكثر من نصف قرن وبسبب اصرار البعض على فرض هويته عليه سواء كانت العنصرية او الدينية واحتكار امكاناته على حساب الاغلبية العظمى
اما المحور الثانى وهو المواطن فيكفى ان لسان حاله يقول ان حاله كان افضل فى عهد الانجليز عندما لم يكن يحس بتميز اى هوية عليه وانه كان مصدر اهتمام الحكم على قدم المساوة حيث لم يشهد فى تاريخه فوارق طبقية كما هو حاله اليوم بل كان يعيش تحت ظل عدالة اجتماعية وقبل ان تستاثر قلة نصبت نفسها حاكمة عليه بحياة منعمة على حساب افقاره وحرمانه من الحد الادنى من الضروريات التى كان الانجليز يحرصون على توفيرها له ولاكبر مساحة من المواطنين على قدم المساواة
لهذا ليس غريبا ان المواطن اليوم يتحسرعلى حكم الاستعمار لان الحكم فى عهده كان لخدمة المواطن الغلبان اما فى عهد الحكم الوطنى فلقد اصبح المواطن فى خدمة القلة التى تهيمن على السلطة التى اصبحت السلطة –بكل اسف- من بنى جلدته تاخذ منه ولا تعطيه ما كان يعطيه له الحاكم الاجنبى
يؤكد ذلك ما انتهت اليه فترة الحكم الوطنى التى تعدت نصف القرن تطاول فيها البنيان وامتلات فيها خذائن المنعمين من السلطة ومحاسيبهم من اصحاب المصالح بالمليارات من الدولارات بينما تشرد الملايين من المواطنين فى معسكرات اللاجئين و والتى افتقدوا فيها حتى الاكواخ وقطرة الماء ومقومات العلاج ناهيك عن لقمة الغيش وكلما ارتفع البنيان هبط مستوى معيشة المواطن الغلبان ليس فى المعسكرات فحسب بل فى المدن والقرى وعواصم الولايات ما عدا الخرطوم والتى لم يكن حال اغلبية سكانها يختلف عنهم حتى اصبحت اغلبيه الشعب العطمى وبصفة خاصة فى مناطق الهامش يعيشون تحت خط الفقرالا من انتمى منهم للقلة الحاكمة والتى ظلت تتبادل السلطة منذ الاستقلال بمسمياتها المختلفة من الديمقراطية الوهم الزائفة اسيرة الطائفية او وبقوة العسكرالمجندين حزبيا وما بينهما من تحالف مصلحى من حين لاخر عبر تاريخ الحكم الوطنىز
ويالها من مفارقة كبيرة حتى الطرق الصوفية ورجال الدين اصبحا من طبقة المترفين الا من القلة التى رفضت جاه الدنيا تيمنا بسيرة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه
ولقد قدمت فى الحلقات السابقة خطوطا عامة للنظام المحكم الذى اسس له الانجليزوقوامه المواطن كاولوية قصوى لتوفير احتياجاته الضرورية وان كان هناك من يكابرون بمظهر الاقلية المنعمة اليوم كمظهر خادع لتطور الدولة بعد الاستقلال فياله من مظهر كاذب ومخادع لان المقابل لهذا ان تحرم الاغلبية العظمى من المواطنين من الحد الادنى لمستلزامتهم الضرورية التى كانوا يتتمعون بها فى عهدالاستعمار فلقد ظلوا يعيشون تحت ظل عدالة اجتماعية وان تمثلت فى الحد الادنى من الاحتياجات الا انهم لم يحسوا يوما بان من استاثر بخيرات بلدهم ليعيش حياة مترفة على حساب ظلمهم واخذ ما كانوا يتمتعون به كما هو الحال اليوم استحوذ ظلما على حقوقهم المشروعة ويا للهول باسمهم مما ضاعف من احساسهم بالظلم ولم تخدعهم المظاهر المترفة التى استاثر بها من ورثوا الحكم من الانجليز. من القلة الحاكمة ومنسوبيها من المحاسيب.
فلقد خسر المواطن الحد الادنى من احياجاته الضرورية لحساب هذه القلة المترفة باسم السلطة وما كان هذا ليحدث لولا ان ما أسس له الانجليز اجهض بفعل فاعل من منسوبى الحكم ومراكز القرار.
ومواصلة لما اوردنه من مفارقات فرضت على المواطن بعد ان اصبح مصيرة تحت سطوة طبقة من الذين احتكروا الحكم الوطنى من الطائفية وبيوتاتها ومن العسكر الذين ينقضون على الحكم ومنافقيهم الذين يستغلون فشل الحكم الوطنى ليتحالفوا تارة ويتخاصموا فية تارة اخرى بل ويقتتلوا الا انهم فى نهاية الامر يمثلون طبقة واحد معتدية على حقوق الغلابة استاثرت وسخرت امكانات البلد لحساب حياتهم المترفة ويالها من بدعة بعدان انضمت لهم طبقة من رجال الدين حتى اصبحت الدعوة مصدرا من مصادر التميز المادى على سائر المسلمين وغير المسلمين على حساب الرعايا الذين امر لهم سبحانه تعالى بالمساواة والعدل .
حقيقة لافتة ومؤسفة ان تجهض كل المؤسسات الحكومية التى اسسها الانجليز صمام الامان لتحقيق التواذن بين امكانات البلد المحدودة والاحتياجات الضرورية لكل المواطنين على قدم المساواة وليس لفئة دون اخرى لهذا فان الحديث عن هذه المؤسسات التى وأدت فى عهد الحكم الوطنى والتى قدمت نماذج منها فى الحلقات السابقية فان الحديث عنها يطول ويطول لاتسعه هذه الحلقات مهما فصلت فيها
وكنت قد توقفت فى الحلقة السابقة عند وزارة المالية والدور المنوظ بها كما خطط له الانجليز لتحقيق التواذن مع بنك السودان لضبط الوارد من العملة الصعبة والعملة المحلية وفق ميزانية تخضع لها كل ايرادات الدولة دون تجنيب ودون تمييز وبتكلفة ادارية لا تستنزف امكانت البلد من مرتبات ومخصصات وبدلات وخدمات لا تحصى بما يفوق امكانات البلد حتى اصبح واجب المواطن ان يغطى هذا العجز من قدراته العدم فيتحمل عبء ضرائب غير مباشرة وجبايات لا ضابط لها .
فالحكم الوطنى لم يقف على اجهاض بنك السودان ومشروع الجزيرة والسكة حديد ولم بقف اجهاضه للدور الكبير الذى خططه الانجليز لوزارة المالية كسلطة قابضة على كل مصادر العملة المحلية واوجه صرفها وفق ميزاتية تقوم على التواذن بين الامكانات المحدودة والاحتياجات المختلفة بما لا يخل بينهما عندما صودر جق وزارة المالية فى ان يكون المال العام رهين خذينة الدولة الوحيدة وان كل منصرفات الدولة ايا كان نوعها تخضع للميزانية وتحت مؤسسات حكومية مختصة تتولى امرها ولكن وكماوأدت مصلحة المخاذن وادارة المشتروات وديوان شئون الموظفين الذى يحكم مرتبات ومخصصات الادارة الحكومية بلا استثناء باسس يتساوى فيها الجميع حيث لم يكن يعرف ما يسمى بعقود التوظيف الخاص بعيدا عن قوانين الخدمة المدنية فان عملية الاجهاض والاعدامات تواصلت و لم تقف عند هذا الحد:
لنقف الان مع مصلحة الاشغال والتى كانت تمثل الجهة الهندسية الوحيدة للدولة و انها الجهة الوحيدة المختصة باى جنيه يصرف فى تشييد اى بناية او صيانتها فكل مبانى الدولة القديم منها والجديد والتى تمتلكها الدولة تخضع فنيا لهذه المصلحة والتى اصبحت وزارة لتنفذ كل مشؤوعات الدولة من بنايات بالعمالة المحلية المباشرة بما لها من ادارات هندسية ذات تاهيل عال وعمالة متوفرة كما انه ومتى اقتضى الحال لاى سبب كان فنيا يقتضى الاستعانة بقوى من الخارج محليا او اجنبيا فانها اذن هى وحدها التى تشرف على العطاءات وفق لوائح ادارة المشتروات بوزارة المالية واذا اقتضى الامر توفير اى احتياجات من مواد خارجية فبنك السودان رقيب عليها وان تشرف هذه المصلحة على الاعلان عن العطاءات وفرزها ومراقبة اداء من تقع عليهم وان تكن هى التى تتسلم البنيان ثم تحيله للجهة المعنية به لهذا لم يحدث ان عرف السودان بناية حكومية سقطت بسبب اشراف جهات غير مختصة عليها ولم يكن لاى جهة حكومية او وزير ان ينصب نفسه صاحب قرار لتشييد البنايات وفق هواه وتحت اشرافه او من يكلفه حيث انه ومتى ادرجت حاجة اى جهة حكومية لتشييداى مبنى ورصدت له الميزانية فى وزارة المالية فان تنفيذ المشروع مسوؤلية مصلحة الاشغال ولا احد غيرها الا باذنها وتحت رقابتهاز
لهذا كان كل منشئات الدولة العقارية شيدت تحت ادارة واحدة مقتدرة ومؤهلة فنيا وخاضعة فى نفس الوقت للوائح المالية وتحت اشراف ومشاركة ادارة المشتروات بوزارة المالية فى فرز العغطاءات واعتماد الفائزين بها بعد توصية اللجان المختصة ولكن انظروا كيف فلت زمام الامر اليوم بعد ان اجهضت الوزارة و وصودرت مسئولياتها حيث اختلط الحابل بالنابل و اصبح لكل جهة ان تتصرف على حالها وان تشيد بناياتها وفق مزاج مسئوليها وتحت اشراف من يرونهم بل وبعيدا عن اى ميزانيات مدرجة وربم تكون من مال الجهة الحكومية المختصة ان كانت من الذين يملكون حق التجنيب خاصة اذا كانت من الجهات المستاثرة بنصيب كبير منه حتى تسابقت هذه الجهات لتتحول لمؤسسات فارهة ناطحة البنيات وبافخر الاثاثات بعد اجهاض مصلحة المخازن وتفوق فى عظمتها ما تكون الفنادق سبعة نجوم وليس خمسة ويتم كل هذا تحت اشراف الجهات المعنية بها مباشرة حتى انفرط العقد .ولهذا لم يكن غريبا ان يصحب هذا العمل الكثير من اللغط والقليل منه ان صح لكان العجب فى تسخير المال العام بعيدا عن النظام الرقابى الذى اسس له الانجليز ليحكم كل مبانى الدولة متى دعت الحاجة لذلك وتحت اشراف مؤسسة حكومية مؤهلة ومتخصصة ومقتدرة ومنضبطة تحت رقابة ادارة المالية.
لهذا لم يكن غريبا ان تنتشر شركات المقاولات الخاصة والمكاتب الاستشارية التى تولت ما كانت تقوم به وزارة الاشغال وبتكلفة تبلغ اضاعاف ما تتكلفه العمليات مع خلو الرقابة الفنية دون تاهيل من محاسيب اصحاب القرارات بعد ان غيبت الضوابط التى كانت تتولى امرها وزارة الاشغال ولا جهة غيرها. مما افسح المجال للكثير من منظاهر الفساد
ولقد افرز هذا الواقع الغريب مفارقات كبيرة حيث ان الوزارات والمؤسسات الحكومية التى تمثل مصادر دخل للدولة او التى تتمع بنفوذ اكبرتمتلك بنايات فاخرة ناطحات سحاب بينما بقيت المؤسسات الحكومية الاخرى قابعة فى بنايات قديمة خربة تفتقد حتى الصيانة و ربما لا تزال معتمدة على بقايا اثاثات (المرحومة) مصلحة المخازن حتى اصبحت هناك مؤسسات حكومية خشم بيوت واخرى مهمشة حتى ساد على مستوى الدولة (الفى ايدو القلم ما بكتب رقبتوا شقى) (والحشاش يملا شيكتو)
وما لحق ببنك السودان والسكة حديد ومشروع الجزيرة ووزارة المالية والاشغال والمخازن وغيرهم لحق بمصلحة النقل الميكانيكى وهى المصلحة التى كانت تتولى المسئولية الكاملة فى ادارة السيارات الحكومية وفق السياسة المالية والميزانية حيث انها الجهة الوحيد الفتية المشرفة فنيا واداريا على سيارات الحكومة العامة اينما حلت سواء بحوذة الموظفين او للخدمة العامة وكل هذا يتم تحت ضوابط الميزانية حيث ان اى جهة حكومية تتسلم اى سيارات مصدقة بموجب الميزانية من ادارة النقل الميكانيكى وان هذه السيارات تبقى تحت ادارة النقل الميكانيكى وليس الجهة الحكومية المعنية وهى التى تىقوم بترخيصها وصيانتها بل وتملك اتيام النقل الميكانيكى الرقابية من ايقاف اى سيارة حكومية فى الطريق العام للتاكد ممن انها فى مهمة رسمية ويتم القبض عليها فى غير خط السير المخصص لها او فى غير ما توظف له واتخاذ الاجراءات حولها.
واهم من هذا كله ان المسالة ليست سائبة كما هو الحال اليوم فلوائح الخدمة تحدد درجة الموظف الذى يستحق عربة حكومية وعدد العربات التى تستحقها الهيئة الرسمية لتقوم بمهامها فالباب ليس مفتوح للوزارات لتشترى على هواها اى كم من السيارات ومن السوق على طريقة ورغبة مسئوليها بل هى محددة العدد ومصلحة النقل هى التى توفرها للوزارة او المسئول ولم يحدث ان استحق وزير اكثر من عربة واحدة وكذلك الوكيل وربما لا يزيد عدد العربات الحكومية عن ثلاثة عربات للوزارة واحدة منها خدمة عاما اما اليوم فلقد انفرط العقد وتضاعف عدد العربات بلا حساب وحسب مزاج المسئولين بالوزارة ومن السوق مباشرة ودون اختبارات فنية من جهة مختصة بعد تغييب النقل الميكانيكى ولك ان تحسب السيارات المخصصة للوزير ولاسرههم ولكبار المسئولين بل ولمديرى المكاتب والسكرتيرين بلا حساب او رقابة وكل مؤسسة تشترى السيارات من السوق على طريقتها دون التقيد بالمواصفات الفنية لعدم وجود الجهة المختصة حيث لم تعدهناك اى جهة حكومية تملك احصاءات عن عدد السيارات الحكومية او تملك سلطة رقابية عليها حتى لا تستخدم فى غير الغرض الذى خصصت له واذكر ان العربة التى كانت مخصصة لوزير التجارة عام 63 عندما عينا فى الووارة كانت مخصصة لان يحضر بها للوزارة او لعودته ولمشاوير ذات صلة بمهامه وبعد ان يصل الوزير للوزارة يتنم استخدامها خدمة عامة لفرق رقابة الاسعار حتى يحين موعد عودته او اذا كان له مشوار رسمى اثناء الخدمة ولعل من طرائف ذاك النظام يحكى عن السيد محمد نورالدين وكان وزيرا للحكم المحلى انه كان عائدا من مهمة رسمية خارجية وبانتهاء المهمة كان لديه مشوار اسرى خاص باسرته فهبط من وامر السائق ان يعيدها للوزارة واتخذ عربة اجرة ورفض للسائق ان يواصل مشواره معه وقال له ان مشواره اصبح خاصا به اسريا وانتهت مهمة السيارة .
هكذا كان التعامل مع السيارات الحكومية ولكن انظر اليوم لترى الكم الهائل من السيارات التى تحمل ارقام حكومة فى دور الرياضة ومناسبات الافراح وغيرها مما يصعب حصره.
اما مصلحة النقل الميكانيكى لم يكن دورها يقف عند هذا الحد بل كانت تشرف على استيراد السيارات من الخارج فنيا حيث انه لم يكن لوزارة التجارة ان تصدق باستيراد اى نوع جديد من الخارج مالم يستورد وكيل الشركة سيارة واحدة تسلم للنقل الميكانيكى كى تخضع للفحص فنيا لمعرفة عمرها الافتراضى راضى واستهلاكها للبترول وقطع الغياروذلك بتجربتها لسنة كاملة لتقرر ان كانت صالحة للسودان ام لا وعندئذ فقط تصدق الوزارة برخصة استيرادها عندما تتسلم شهادة النقل الميكانيكى (صالحة للاستعمال فى السودان) بعدالتاكد منو ورشة الوكيل وستعدادها للصيانة وان قطع الغيار متوفرة وبالغاء النقل الميكانيكى غاب الدور الرقابى وحلت فضى الاستيراد دون مقومات فنية وفاضت الطرقات بكل انواع السيارات غير الصالحة فنيا والتى ما كانت تجد طريقها للسودان تحت ادارة النقل الميكانيكى
هكذا باعدام النقل الميكانيكى اكتملت مرحلة اعدام اهم الجهات الرسمية التى تشرف على العملة الصعبة وعلى المال العام والخذينة ومن يومها تنوعت مصادر خروج المال العام عن ضوابط وزارة المالية وتعددت مصادر التصرف فيه بعيدا عن هذه الضوابط من تجنيب لا يتقيد بتوريد المال للخذينة وفى اوجه صرف خارج الاطار الرقابى (ما انزل الله بها من سلطان) حيث تعددت مصادر التصرف فى المال العام من تبرعات ومساهمات فى منظمات خيرية للمحاسيب ومنظمات متنوعة تابعة للحزب الحاكم واعفاءات ضريبة وجمركية تحت عباءة الاستثمار وتشييد المساجد واداء فريضة الحج من المال العام بما تبعثه الوزارات والمؤسسات من افواج بجانب الوسائل غير المباشرة لتمويل الحزب الحاكم ومؤسساته الفرعية ومواكبه وتظاهراته وما اكثرها على حساب المال العام وخارج دائرة الضوابط المالية حتى اصبحت حلقات المال العام التى تدور خارج الدائرة الرسمية لوزارة المالية هى الاصل فى المال العام والوزارة هى الفرع لما يتبقى من فتات يؤكد هذا ان الوزارات التى تعتمد على وزارة المالية تفتقد ابسط المقومات المالية لاداء واجباتها واصبحت الهيئات الحكومية نفسها طبقات متفاوتة.وكل هذا الانفلات المالى انعكس سلبا على احتياجات المواطن ولا يخلو هذا الامر من مفارقات غريبة.
فالمواطن الغلبان الذى يجهد نفسه لتوفير عربة تاكسى من اجل لقمة (بوش) لاسرته يتحمل كل التبعات المالية من ضريبة ورسوم وجمارك بينما اصحاب المال ورجاله الذين يملكونه بلا حدود يتمتعون بالاعفاءات الضريبية والجمركية تحت مظلة وشماعة الاستثمار ليستجلبوا عربات(تاكسى) اسموها (الليموزين) ليتمتع اصحابها الذين يملكون منها العشرات بالاعفاءات التى حرم منها المواطن الغلبان لانه يسمونه مستثمر اما الغلبان الجائع الباحث عن لقمة العيش كل مطلبه عربة تاكس يلزم سداد الضرائب والجمارك وتوابعها للحصول على عربة واحدة تاكسى وهكذا اصحاب الامجاد والهايسات مقارنة باصحاب البصات السياحية الفاخرة وهكذا الكثير من الامثلة لو تم حصرها لاصاب المواطن الذهول من هذه المفارقات حتى الشركات الكبيرة والتى تحتاج اعدادا كبيرة من السيارات لخدمة اغراضها واسرها تنشىئ شركات ليموزين استثمارية حتى لا تدفع الجمارك والضريبة على الكم الكبير من العربات التى يمتلكونها.
هكذاوبكل بساطة اصبحت القلة التى استاثرت يالثراء تتمتع بالمزيد من مزايا الاعفاءات بينما تحمل المواطن مسئولية سد العجز من ضرائب غير مابشرة من القيمة والتكلفة العالية التى تتصاعديوميا لتغطية الخدمات الضرورية التى كانت مجانا فى عهد الانجليز وغيرها بجانب الجمارك التى تنعكس على اسعار احتياجاته.
اما الاراضى فتمنح تحت الاستثمار بمئات بل والاف الافدنة والامتار حتى داخل المدن هبات ومخصصات لمشاريع خيرية او استثمارية وهمية او لا جدوى منها ثم تاخذ طريقها للاسواق لصالح المستثمر ولا احد يعلم ماهو العائد من هذا الاستثمار للدولة بعد ان اصبح الية للمحاسيب للمزيد من حصد المال. هذا مع مراعاةان الاستثمار المطلوب هو الذى يضاعف من موارد الدولة ماليا وبصفة خاصة العملة الصعبة
عجبا وانا اواصل الكتابة فى هذه الحلقات التقيت بمسئول فى واحد من البنوك استفسره عن شروطالتمويل العقارى فكانت المفاجأة ان يحدثنى ان من اهم الشروط ان يكون المرتب الشهرى ما يعادل 42 مليون جنيه شهرى وحسبت انه يعنى السنة ولكنه اكد انها مطلوبة مرتب شهرى على الاقل والجمت الدهشة لسانى وقلت له وهل هناك من يصرف هذا المرتب من العاملين وضحك وقال لى واكثر من هذا بكثير وهى الحقيقة فان هناك من تبلغ مرتباتهم عشرات الملايين من الشركات الخاصة المملوكة للدولة ومن المعينين بما ابتدع فى دنيا التوظيف واطلق عليه العقودات الخاصة التى لا تخضع لميزانيات ولوائح مالية وشروط الخدمة التى اصبحت ملفات بالية فى ديوان شئون الموظفين.
وتتواصل بدع استنزاف المال العام بعيدا عن الضوابط المالية بعد ان تحولت الجمعيات الخيرية من جمعيات كما عهدناها فى التاريخ
القديم يؤسسها فاعلوا الخير (عبدالمنعم محمد وابو العلا على سبيل المثال) فلقد اصبحت الجمعيات مصدر للثراء لبعض المحاسيب وليس مطلوبا منهم غير قائمة مؤسسين من الاسرة والاصدقاء ثما تنهال التبرعات بالملايين على الجمعية لتصبح هى التى تعان من المال العام وليست هى التى تعين من مالها الخاص اصحاب الحاجة الا من بعض المظاهر التى تشكل غطاء للجمعيات .
حقيقة المجال لا يتسع ما ابتدعه الحكم الوطنى من اوجه صرف للمال العام ودون ضوابط بعد ان لم تعدهناك لوائح تحكم التصرف فى المال العام الا فى القليل منه الذى يبقى طرف وزارة المالية
حتى بيوت الله اصبحت مصدرا لبعض ضعاف النفوس والدين ليتخذوا منه الية لجمع المال وتلمواد العينية
اما المفارقة الكبرى فانه اذا احل الاسلام وجوز الزواج من اربعة فان الحكم الوطنى جوز للحكام والمحاسيب ان يجعوا من الوظئف الرسمية ما يفوق عدد الزوجات الذي شرعه اللهز
لهذا فان بدعة التعيين فى ا اكثر من وظيفة ومؤسسة وعضوية مجلس الادارات وكلها بالمقابل الكبير اصبح مباحا ومتاحا للنخبة المميزة بينما الالاف من الغلابة يبحثون عن التوظيف بالحد الادنى من الاجور دون جدوى ولا ادرى كيف يكون الموقف لو ان احصائية صدرت بقائمة المعينين فى الدولة ومؤسساتها ومرتباتهم ومخصصاتهم فى كل منها وبشفافية تامة فكيف يكون الحال بعد ان تتكشف الحقائق المرة.
حقيقة من يرى السودان فقيرا رغم ان امكاناته الحقيقية لم تفجر بعد واهم ولكن المال حكر على فئة منه مقابل حرمان اغلبيته العظمى لهذا نشهد هذا الفارق الطبقى الذى لم تعرفه دول الراسمالية حيث الطبقات الاقتصادية وكلها نتاج المفارقات التى شهدها السودان فى عهد الحكم الوطنى ففى عهده عرفنا ما اصطلح على تسميته (القفز بالعمود) وظيفيا عندما اصبح اصحاب الحظوة من محاسيب الحكم يعتلون ارفع المناصب دون مؤهلات غير الانتماء للحكم واصححاب الكفاءات يحالون للصالح العام ثم كانت النقلة الكبرى (القفز ماليا بسرعة الصاروخ ). وهى احدث نظريات الحكم الوطنى
عفوا عزيزى القارئ اذا كنت افصل فى تسليط الضوء على الواقع الجديد لفترة الحكم الوطنى انما لا بين كيف اننا اهدرنا النظام الذى ورثناه عن الانجليز وما كان يشهد او يسمح باى من السلوكيات التى نشهدها اليوم فى السودان بعد مسيرة طويلة سالبة من الحكم الوطنى وذلك كله ما كان ليحدث لولا ان السودان فقد التواذن والضوابط التى كانت تحكم الدولار والجنيه السودانى وتوجيه اولويات الصرف لتوفير الضروريات للمواطن على قدم المساواة وما يشهده السودان اليوم من انفلاتات فى الكثير من مناطقه انما هو نتاج طبيعى لتراكم العديد من الاخطاء التى ارتكبها الحكم الوطنى فى حق الوطن والمواطن.
فلقدانفلتت ضوابط اوجه التصرف فى المال العام ولم تعد الاولوية فيه لصالح الشعب والغلابة وانما للحكام والمحاسيب كما تم اجهاض الجنيه السودانى فى وجه الدولار فقضى على ما تبقى فى حق المواطن الغلبان بعد ان اصبح انهيار الجنيه مصدرا لثراء القلة تحت مظلة تحرير الاقتصاد وافقار الاغلبية العظمى من شعب السودان.
وانتظرونى لتقتلكم الدهشة عندما اتناول ما فعله انهيار الجنيه فى وجه الدولار حيث انهارت فى السودان اهم النظريات الاقتصادية لتركها تتحدث عن نفسها فى الحلقة القادمة
alnoman hassan [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.