الشاعر اللبناني الكبير/ شوقى ابي شقرا هو جمال محمد ابراهيم الذي أحكي لكم عنه . عن كتابته . عن شخصه . عن كونه غارقاً في بحر الشفافية . بحر الصداقة حيث تصبح العاطفه والعقل معاً ، و حيث مركب السفر يسير على بركة الله والشعر والأدب والرواية ، والقصيدة المتطلعة إلى المدي الأزرق بعينيها الواسعتين والمحدقتين إلى أي كائن متحرك من الكائنات ،وحول المركب تلعب هي وعلى مقربة من الرّبان ، لها دلالها و لها مرونتها ، إذ تنتصر على الخجل والهدوء وتهب من مرقدها من الأمواج إلى الآخرين ،وتعانق الجميع عناق الوفاء والأخلاق المحتدمة السمو والاصالة وعناق المحبة المتصاعدة من هذا الشاعر والفنان . من إبريقه الجذّاب التصاوير. وهو جمال محمد ابراهيم الذي لبث في لبنان سفيراً لبلاده جمهورية السودان ردحاً من الوقت . وفي الوقت الذي كان علامته وكان أنسه و زهرته و عروته ، استقطب إلى دائرته . الى مودته وإلى قلبه ، جمهرة الخلّص من الفنانين والأدباء والشعراء في لبنان وكان الذي له حضوره في أيّ مكان ثقافي وأيّ نشاط ، وهو الذي يشارك ويأخذ ويعطي ، وله ابتسامته النابعة من هناك . من صفاء بلاده ومن باطن هذا الانسان العريق في أساسه ، والذي طالما طبع طابعه على سلوكه ، إذ يسلك الطريق النابضة بالمعرفة ، الملهمة طريق الإصغاء ، ثم التلقي ثم حفظ ذلك في إناء العلم و قبول ما يقوله الاخر وما عليه هذا الآخر من جلباب التربية . جلباب الإبداع والخلق السويّ مع النظرة الكاملة ، فلا نقصان في جانب و زيادة في جانب أخر. وجمال محمد ابراهيم هو الذي خصّني بخطاب النثر وخطاب الشعر في "السفير" الثقافي (عدد 31 تموز 2009) ، وحكى عنّي ، عن القصيدة عندي وما هي و كيف هي ، موزعاً ألوانه في الصياغة وفي الكلام ، وهي ألوان لها كبرها ولها مرؤتها ولها مذهبها في التقصّي وفي رسم الصورة وكيف كان الأمر ، أمر . و كيف كانت منذ تلك الأيام إلى الآونة التالية وماذا حدث في نصوصي و كيف هي تنبسط في إشراقها و تمشي غير عصية ، وكم يحلو انقيادها إلي الجوهر ، وإلي أن ترتفع عن العادي الإرتفاع نفسه ، وهو قول يصبّ لدى جمال في تأليفه الشعريّ والروائيّ لأنني منتقلاً إليه ، أراه يملك الرعشة البيانية في الرواية ، وكذلك يملك الأكثر في كونه ابن تلك البلاد السودانية ، حيث الغلبة الثقافية لتلك الرعشة التي تزدهر لدى السودانيين و خاصة لدى عصبة من المؤلفين يجيدون الرحلات في التقاسيم الموضوعية ويجيدون الأسلوب الحيّ في الوصف ، وفي أن الكلمة من صنعهم هي ابنة الارض ، وحين تصدر في قالبها . في إطارها الفني ، ترمي التحية العميقة والأصيلة إلى الخارج ، أياً كان . إلى الآداب قاطبة وتهيم في الأجواء كما تهيم الفراشة الربيعية ، وليس التي تهيم وتحترق في النور الذي يدمر الكيان ويهزأ من الوجود المنتحر على بابه ، على وهجه . وأحيانا يصحّ عنده التشبيه في كلا الموضعين . وجمال محمد ابراهيم لا يهمه أن يكون فراشتين ، بل انه في أيّ حال وأيّ مناسبة ، مخلوق وفنان ، لا يترك نفسه وحيداً او زاهدة او لا تتدخل في النور الوهاج او في الطيران البهيج او في العزف على ذاته و في انه يمتلئ بكل وحي من الايحائات الملتهبة ، وحيث لا طواف خارجها ، ولا عبور إلى سواها . إلى حديقة لا بركات فيها ، ولا أشجار ولا أزهار ، وهو لأنه ابن تلك الارض المهيبة والرقيقة الملمس ، والغنية بالإشارات المرتجفة في أطوارها ، كل الأطوار ، يحصل على الملكة البيانية ، ويروح يصول بين السطور ، ويجدل الوشاح تلو الوشاح ،ويرتاح هكذا في جزيرة من النور البراق ، الذي لا يخالف الربيع الملتمع بخزانته وثيابه الراسية ، إلى مدة من الزمن ، على رصيف الطبيعة التي تنهض من سباتها دائماً ، و ذلك نمط لا يجهله جمال ، ولا يدعه دون أن يحوك منه ما يحوك . و جمال محمد ابراهيم سفير الكلمة التى هي بمطلق قوتها وعبيرها ، تسمو إلى فوق أيّ مجال لها . أيّ رسالة لها . أيّ نوع ادبي . إذ تلبس الملائم و تقفز على أيّ منصة . أيّ موقع من الفرجة والظهور، قفز الصفة الخاصة والحميمة . وكذلك تقفز إن غضبت وإن أحبت . و إن نطقت نطق العارف ، والذي له وقفاته ومواقفه ، والذي يكشف عن الفعل والفاعل وعن أيّ موضوع محتمل أو مطروق او ما زال في أول نشوئه ، أول انقلابه من العدم إلى الحياة . و لا مناص من جمال محمد ابراهيم ، من أن نضيفه إلى العصبة الخلّاقة في السودان ، من أدباء و من شعراء ، ومن أن نكون منصفين بحيث نجعلة من الكبار المقبلين على الحلبة المشرقية والعربية ، فهو روائي يلتمع ويكسر خبز الرواية ، ويمنح الجياع ما يمنح ، وهو شاعر من ذوي الإجادة والبراعة في باب الرجاء والسواء ، وأيّ منبسط يدين له و ينحني و يحب. نقلاً عن مجلة "البناء" اللبنانية ، بيروت - 3/9/2009