مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقد جاء شيئاً إدَّا: حواشي المغرِّدين على أثافي غازي صلاح الدين .. بقلم: ناصر التلب
نشر في سودانيل يوم 09 - 06 - 2013

أعترف أنني ظللت في حيرة من أمري مع الدكتور غازي صلاح الدين منذ أن سطع نجمه في سماء الإنقاذ، ومصدر حيرتي ليس فكره، ولا نشاطه السياسي، ولا تصريحاته النارية يوم أن كان ناطقاً رسمياً للحكومة أيام عتوَّها، مصدر حيرتي هو ذلك التعبير في وجه الرجل، ثمة صرامة في الوجه تقرب من الغضب إن لم نقل القسوة، ونظرة حادة تشعرك أنك متهم، وأنه القاضي وأن لا منجاة لك اليوم! مع أنه جاء في الحديث الشريف (وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة) ولكن كم من الأحاديث الشريفة ركلها رجال الإنقاذ،وتلك قصة أخرى.
في يوم 19/9/2013 نشر الدكتور غازي صلاح الدين مقالاً حسن المظهر، سيئ المخبر، تماماً كالمؤتمر الوطني التي يمثل هو أحد قادته. لبس الدكتور مسوح الحكماء وكبار السياسيين المخضرمين (بينما بقى وجهه الصارم على حاله) وأرسل نصائحه ذات اليمين وذات الشمال بمناسبة تصريح رئيسنا المفدّى بأنه زاهد في السلطة (أي والله..) ولا ينوي الترشح لولاية ثالثة. صاغ الدكتور غازي مقاله بحذرٍ شديد، متذكراً مصير (قوش)، وأن الليالي من الإنقاذ حبالى (بالحلال وعلى سنة رسول الله). تذكر ذلك فألقى، بحذر، حجارته في بركة المؤتمر الوطني الآسنة، مما أثار حفيظة الكثيرين، من داخل (حظيرة) الإنقاذ ومن خارجها.
يقول دكتور غازي: (والآن يسود السودان وضع مشابه لسابقة عصر نميري في السبعينات والثمانينات.. وقد فاقم تلك الحالة مفاجأة رئيس الجمهورية للطبقة السياسية المسترخية بإعلان نيته عدم الترشح لرئاسة أخرى.. يقول
(فاجأ) بمعنى أنه لا الرئيس ولا الطبقة السياسية المسترضية كانا يتوقعان عدم الترشح لولاية ثالثة، وهي (مفاجأة) قد تسر البعض وتسوء آخرين،وتلك سنة الله في خلقه أقول كفى بالنظام إزدراءً أن يشبهه أحد قادته بعهد النميري، إن مجرد تشبيه الوضع الحالي في السودان بالوضع في عهد النميري في السبعينات والثمانيات فيه إدانة كافية لعهد افتتحه غازي وصحبه (الأبرار)، ببيوت الأشباح ، والتمكين ، والرغبة في إعادة صياغة المجتمع السوداني، ومازال العرض مستمراً حتى بعد أن انفض السامر واستبعد الزعيم، غير أن (الأفعال أعلى صوتاً من الأقوال)، ذلك أن الوضع الحالي أسوأ بما لا يقارن من عهد النميري، وليس (شبيهاً به) فقط. لقد تقلّب د. غازي في مناصب حزبية وتنفيذية وشورية، ولم نشهد له إنجازاً يقيه، أو يقى عهد المؤتمر بفرعيه (وطني وشعبي) من التشبيه بعهد النميري، فكيف إذا جاء بالتشبيه (شاهد من أهلها .) ؟ يقول د. غازي: (كانت السياسة في السودان- ولاتزال- تبنى على الشخصيات أكثر من أن تبنى على النظم والتقاليد والمؤسسات) . نحمد للدكتور عودة وعيه أخيراً، فقد لبث مع جماعة الترابي لست وثلاثين عاماً (من 1964 إلى 2000م عام المفاصلة الشهيرة) ولبث مع البشير أربعاً وعشرين عاماً، دون أن (يفطن) إلى أن سياسة الزعيمين (الترابي والبشير) بنيت على شخصيتهما، ولم تُبْنَ (على النظم والتقاليد والمؤسسات) فما الذي أعاد إليه وعيه فجأة، بعد إعلان الرئيس عدم رغبته في فترة رئاسية ثالثة؟ الإجابة تكمن - والله تعالى أعلم- في أن الدكتور ربما كان يبيت النية للترشح للرئاسة، ولم لا؟ فهو دكتور، وهو (غاز)، وهو صارم القسمات شأن رؤساء الأنظمة الشمولية، وهو قد تقلّب في السياسة ردحاً من الزمن (منذ أن كان طالباً يافعاً بالجامعة)، كما قال، وهو من (أعلام الموقعين) على مذكرة العشرة، وهو يأكل طعام معاوية ويصلي خلف علي، وهو كان على وشك الانضمام لفصيل الترابي قبل تكوين المؤتمر الشعبي متردداً بين الطعام والصلاة، لولا أن أعشى بصره شعاع السلطة.. هذه هي مؤهلات ودوافع الرجل، فكان لابد أن ينتفض وهو يرى مفاجأة الرئيس بيضاء تسر الناظرين، وأن الرئاسة القادمة في صحن الدار، بينما غريمه (الحوار الذي غلب شيخه) يتربص بالمنصب تحت سمع وبصر نافع وعبد الرحيم (as stakeholders).
أما ثالثة الأثافي فهي وصف الدكتور عملية الاستخلاف الرئاسية بأنها (عملية محدودة الرؤى والخيارات)، مما جعله يرى فيها (تكراراً مملاً لذات الوجوه وذات السادة .) أكاد لا أصدق! هذه عودة وعي أخرى لقد ظل الشيخ الترابي على سدة جبهة الميثاق الإسلامي، بتنويعاتها المختلفة حتى (المؤتمر الشعبي) لتسع وأربعين عاماً حسوماً- ولايزال- ولكن دكتور غازي لم يَرَ في ذلك (تكراراً مملاً لذات الوجه وذات السيّد)، إلا عندما برق بارق الرئاسة وقال (هيت لك)، فعاد إليه وعيه بقدرة قادر و(فطن) إلى (التكرار الممل لذات الوجوه وذات السادة). وللإنصاف نقول ما كان لغازي أن (يفطن) لذلك الملال والتكرار، فهذه سمة سودانية- وإن شئت عربية- أصيلة، فكم من رؤساء الأحزاب السودانية
(نجا) من التكرار الممل للفترات الرئاسية، يميناً ويساراً، الإمام الهادي حتى لقي حتفه، والحبيب الإمام الصادق المهدي وهو على أبواب الثمانين لديه رئاسة الحزب فقط، أما رئاسة الوزراء (فلو وجدها لما قال لا)، والميرغني مايزال صامداً دون حاجة لمؤتمرات تعيد انتخابه، والنميري حتى أُنتزعت منه انتزاعاً، وما انفك يحلم بها حتى فقد ذاكرته والترابي يغير مسمى الحزب خمس مرات ولايتزحزح قيد أنملة عن سدة الرئاسة، وعبد الخالق حتى استشهد، ومحمد إبراهيم نقد حتى انتقاله إلى (الرفيق) الأعلى... كيف فات كل ذلك على الدكتور غازي؟ رابعة الأثافي أن دكتور غازي (يفكر من داخل الصندوق) كما تقول الفرنجة.
لقد فات على فطنته، وعلى وعيه العائد مؤخراً، أن الأمر ظل شورى بينهم، وليس بين السودانيين بمختلف أطيافهم. وبالنسبة لغمار الناس من أمثالنا، فلا يهمنا من يكون الرئيس القادم مادامت الشُّورة - وليس الشورى- لم تشملنا، وما دام الرئيس القادم، سواء كان البشير (إذا صدقنا تحليل ثروت قاسم القائل بأن البشير باقٍ في سدة الرئاسة لما بعد 2020) أو كان أي من المتربصين (ثلاثة قروءٍ أو أكثر) - if you see what i mean- مادام الرئيس القادم سيكون (حُكماً) من الحزب الحاكم، الأمر الذي سيسقط كل دعاوى الدكتور التجديدية من أن (تجديد القيادة يجب أن يستهدف بصدقٍ، وجدٍّ، إجراء أكبر عملية تنقية وتنخيل، (يقصد غربلة) من بين مواهب الأمة ممن يملكون مواهب القيادة). لاحظ قوله: (مواهب الأمة)، وهو بالطبع يقصد (مواهب المؤتمر الوطني) التي خبرناها، تلك هي أمته، أما الأمة السودانية الحقيقية فقد انفصل ثلثها عن الوطن الأم، بينما تستعر الحرب في أكثر من ثلثي ما تبقى منها. والدكتور سيد العارفين أن الأحزاب (الكرتونية) التي (ارتدفها)- كما يقول الصادق المهدي- المؤتمر الوطني خلفه، فهي لا تحل ولا تربط ، وليس بين قادتها (من يملك مقومات القيادة) التي يبحث عنها الدكتور.
أما خامسة الأثافي في مقال الدكتور فهي زعمه (وحيث أننا - كما يرى البعض على الأقل- كنا سباقين إلى ابتدار ثورة الربيع العربي في نهاية القرن الماضي، فمن الواجب علينا أن نلزم أنفسنا بهذا المبدأ، ولا نبعث به تحت أي ظرف. إن هذا أدعى لتأكيد المصداقية) المصداقية قال. المصداقية يا سيدي ذبحت يوم ذهب أحدهما إلى كوبر حبيساً بينما ذهب الآخر للقصر رئيساً. أما
(المبدأ) الذي يتحدث عنه الدكتور غازي، ويدعو (للتمسك به وعدم العبث به تحت أي ظرف) وأكاد أرى وجهه يزداد صرامة، فهو التمسك بالنظام الأساسي لحزب المؤتمر الوطني . مرة أخرى تخون الدكتور فطنته ووعيه العائد، إذا فات عليه أن جماعته إنقلبت على الدستور نفسه (وليس النظام الأساسي لحزب ما) وأخذت الحكم بحد السيف في انقلاب أبيض (لاحظ المفارقة)، وكأنما عزّ عليها بياض الانقلاب (الثورة فيما بعد)، فما كاد ينقضي عام ونيف حتى أزهقت أرواح تسعٍ وعشرين ضابطاً في نهار رمضان، غير أن الدكتور( يرى أن هذا المبدأ الجوهري- مبدأ الاحتكام للنظام الأساسي، أصبح العالم برمته يسلّم به)، على رسلك يا دكتور (فالنظام الأساسي) و(النظام) ذاته ملك لهم ويمكن أن (يعبثوا به) حسب تعبيرك في أي لحظة إذا ما عاد الرئيس عن تصريحه، وما أكثر ما عاد الرئيس عن تصريحاته، بل وعن قراراته، لكن لا ضير فالرجوع للحق (أي للرئاسة في هذه
الحالة) فضيلة، والثورة تراجع ولا تتراجع كما قال سلفه الدكتاتور السابق، لكن الدكتور يطيب له أن يحلم، ولتكن أحلامه أحلام منام لا أحلام يقظة.
أما زعم غازي بأنهم (كانوا سباقين إلى ابتدار ثورة الربيع العربي، فتكذبه حقيقة أن تلك الثورات قامت بها شعوب تلك البلدان، ولم تجئ عن طريق إنقلاب عسكري قُح، زعم في وقت لاحق أنه ثورة ذات توجه حضاري، بالمناسبة أين التوجه الحضاري؟ أم أنه (لِحِقْ) خط هيثرو؟ سادسة الأثافي (تضحك ربات الخدور البواكيا). يدعو الدكتور غازي صلاح الدين العتباني لأن (يكون الترشيح عملية حقيقية، لا صورية)، كأنما ترشيح رئيسنا المفدى في الفترتين الرئاستين السابقتين، كان (حقيقياً لا صورياً)!
أو حتى أن عملية ترشيح النميري (ذاته) كان حقيقية لا صورية.. أين كانت هذه النصائح الثمينة - وأنت شاهد عيان (حتى لا نقول شاهد زور)- في الانتخابات.. كل الانتخابات السابقة، أم أنها (عودة وعي أخرى)؟ سابعة الأثافي تجعلك تطلق ساقيك للريح من هول سذاجتها، أنظر قول
الدكتور: (إن مجرد ظهور إسم من يرغب في المنافسة في القائمة الطويلة للمرشحين كفيل بأن يزيل الغبن عنه، وعمّن يرتبطون به).لا يا سيدي فإن مجرد ظهور الاسم في قائمة التنافس لا يزيل غبن المرشحين (الآخرين)، فهم يعرفون سلفاً أن النتيجة محسومة (pre-emptively) حتى قبل أن يبدأ التنافس ذته. إن زعم حرية التنافس هذا يذكرنا بتنافس السباح كيجاب مع النميري أو البشير (لا فرق) في رئاسة الجمهورية! صدقت يا دكتور، ما أشبه الليلة بالبارحة.
من بين تلك الأثافي فقد أعجبني (تخويف) الدكتور للرئيس (ناسياً أن الرئيس جعلي)، فيما لو فكّر في الحكم لفترة أطول، وأعجبني بصفة خاصة أن التخويف صيغ ب (أدب إسلامي رفيع) - لا تنس أن الرجل من قادة الإسلاميين.
قال الدكتور: (وربما حدّق الرئيس في الأفق، ونظر في أقاصيص الزمان، فأدرك أن التاريخ سيكون أرأف به في أحكامه لو أنه أحسن توقيت تنازله. وربما نظر الرئيس إلى أحكام التاريخ على حكام آخرين لم يَعوا دروس الوقت، فاستبرأ من أن يستن بسنتهم .. إلخ). (كذا فليجِل الخطبُ وليفدح الأمر وليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر) كما قال الشاعر.
هذا، ولم نكد نستملح طرفة الدكتور وتخويفه الرئيس حتى (عادت العرجاء لمراحها)، وعاد الرجل إلى أثافيه في نهاية المقال عند حديثه عن (الإصلاح) إذا قال: (إن أمام الرئيس فرصة ليربح التاريخ ويربح الآخرة). أنظر لهذا القول الفادح، أما ربحه للتاريخ فقد خبرنا الرئيس وخبره دكتور غازي لمدة أربع وعشرين عاماً ولم نر غير الخسران المبين، وأما (ربحه للآخرة) فليس من علم الدكتور في شيء ، بالنظر إلى أن (ربح الآخرة) يؤسس له بعمل الدنيا لا بأماني السياسيين وكلنا، بما فينا غازي - على الأقل مؤخراً- يدري (عمايل) الرئيس، وعما إذا كان فيها ما يؤهل ل (ربح الآخرة).
يرى دكتور غازي أن ربح الرئيس للتاريخ وربحه للآخرة رهين بأن يقود الرئيس البلاد فيما تبقى له من ولاية (نحو إصلاح سياسي جذري) ويضيف (لكن أي إصلاح لابد أن يحقق بضعة أهداف ضرورية، من بينها إجماعية (كذا في الأصل) القرار السياسي، المستند إلى إرادة وطنية عامة، وإعادة بناء أدبيات العمل العام وأخلاقياته، وتهيئة مناخ التنافس العادل، وإعادة بناء صيغ الحكم بتحريرها من الانحيازات والعصبيات). يا إلهي ختام مقال الدكتور مسك! هل حدث هذا التدهور فعلاً في السودان تحت ظل حكم إسلامي (رشيد) أكد على رؤوس الأشهاد أن أمريكا (قد دنا عذابها) وأنها وروسيا تحت حذائه؟ بعد ربع قرن كامل، بدأ ب(مجلس الصحابة) كما نعته طارق البشرى، تحتاج البلاد إلى (إصلاح سياسي جذري)؟ خاتمة المقال، خاتمة الأثافي، تلخيص واف وبليغ لما آل إليه الحال في السودان. إن (الأهداف الضرورية للإصلاح) التي إرتآها الدكتور هي أحد وجهي العملة، الوجه الآخر هو الحاجة التي أنشأت تلك الضرورات، وبعبارات آخر:
- لم تكن ثمة (إجماعية) في القرار الرئاسي، ولم يكن يستند إلى إرادة وطنية عامة، مما جعل ذلك أحد ضرورات الإصلاح التي لم يناد بها الدكتور من قبل وقد كان في أروقة السلطة الحزبية والتنفيذية والشورية ردحاً من الزمان، لكن عين الرضا عن كل سخط كليلة.
- إنهيار أدبيات العمل العام وأخلاقياته مما استدعى (إعادة بنائها). كيف يجرؤ الدكتور على هذا الزعم، وأمام مجلس وزراء العصبة المنقذة تقبع لافتة
تقول: (إن لله عباداً اختصهم بقضاء حوائج الناس)؟ من قال إن أدبيات العمل العام وأخلاقياته إنهارت؟ ماتزال التحقيقات جارية في خط هيثرو، ومشروع الجزيرة، وخزان مروي، والنقل النهري، والميكانيكي، والسكة حديد..إلخ وتقارير المراجع العام في الحفظ والصون لمن أراد الاطلاع عليها.
- يقول الدكتور بملء فيه : (لم يكن هناك مناخ للتنافس العادل !) إتق الله يا دكتور فقد جئت شيئاً إدا.. دعني أذكرك بما قبل الإنقاذ، فقد كان هناك تنافس حر وعادل، وفي انتخابات 1986 نال حزبكم عدداً مقدراً من مقاعد البرلمان، ولكنكم لحكمة رأيتموها أنتم دون سواكم، إنقلبتم على الحكم، وسميتم الانقلاب ثورة، وأوجدتم للثورة توجهاً حضارياً، وتعاليتم على خلق الله، وأخذتكم العزة بالحكم فأخذتم بتلابيب الوطن، ونفذتم مشروع التمكين) وعينتم سعداً وعطلتم سعيداً).. ولما استتب لكم الأمر ماجت الأرض تحت أقدامكم، واكتشفتم أن الأمر (يحتاج لإصلاح سياسي جذري.)
- أصبحت صيغ الحكم قائمة على الانحيازات والعصبيات، مما جعلها هدفاً لإعادة البناء)، أما انحياز الحكم لفئة ما، فذلك من المعروف عن الحكم بالضرورة، أياً كان نوع الحكم، على مدار التاريخ وفي ال context) الإسلامي منذ يوم السقيفة حتى اليوم! وأما العصبيات فإن سياسة (أولى لك
فأولى) وأن (الدولة الإسلامية لا يبنيها إلا الإسلاميون) التي انتهجتها العصبة المنقذة، فإنها سياسة زعماء القبائل لا رجال دولة في القرن الحادي والعشرين، فإذا كنت- أخي الكريم- من القبائل الثلاث المشهورة فلتنعم بعصبيات العصبة المنقذة، وإن كنت من غيرها، فدونك السلاح، قالها الرئيس ومن بعده نافع.
لقد فات على فطنتك يا دكتور أن تلك (أي الحاجات التي أنشأت ضرورات الإصلاح السياسي الجذري) هي بعض ثمرات النظام (الذي بلوت المر من ثمره،) مؤخراً لحسن حظك، لكن لسان حال غمار الناس يقول ما يحتاج للإصلاح وإعادة البناء كثير، أكثر من أن يحصى.
Ashmeeg Mohmed [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.