بسم الله الرحمن الرحيم 23 يونيو 2013 ملف 316 د. أحمد المفتى المحامى وكيل وزارة العدل الأسبق لا شك ان من اكبر الخدع الاستراتيجية فى عصرنا الحاضر هو الخداع الذى تعرضت له إسرائيل من قبل مصر فى اخفاء توقيت بدء الهجوم فى حرب اكتوبر . ولعل ذلك كان أحد أهم العناصر التى جعلت مصر تكسب تلك الحرب ، فى نجاح عربى اسلامى معاصر ليس له نظير . ويقوم الخداع الاستراتيجى اساساً على وجود (شئ) معين والرغبة فى اخفاء ذلك (الشئ) الى الابد ، أو الى حين ان يصبح اظهار ذلك (الشئ) لا ضرر له على الجهة التى ترغب فى القيام بالخداع الاستراتيجي . وإذا ما اسقطنا ذلك على مشروع سد النهضة فإننا نجد ان لدى اثيوبيا (شيئاً) تريد اخفاءه من مصر والسودان اثناء مناقشة ذلك المشروع ، وذلك (الشئ) هو موقفها الرسمى من الموارد المائية المشتركة ، ولا حرج إذا ما ظهر ذلك الموقف بعد ان قام السد وأصبح حقيقة واقعة . وبعيداً عن الارهاصات والتخرصات والرجم بالغيب فان موقف اثيوبيا من الموارد المائية المشتركة الذى ترغب فى اخفائه هو موقف مثبت وموثق فى المحافل الدولية وهو على وجه التحديد كالآتى: (1) لا تعترف اثيوبيا باتفاقية 1902 التى ابرمتها عندما كانت دولة مستقلة والتى تعهدت بموجبها بعدم اقامة منشآت مائية على النيل الأزرق أو السوباط أو بحيرة تانا إلا بموافقة السودان . (2) أوضحت اثيوبيا عام 1997 امام الجمعية العامة للأمم المتحدة عند اعتماد اتفاقية قانون استخدام المجارى المائية الدولية فى الاغراض غير الملاحية أنها: (أ) لا تعترف باى اتفاقيات سابقة فى حوض نهر النيل (ب) انها لا تعترف بمبدأ عدم تسبيبب ضرر للآخرين عند اقامة منشآت مائية (ج) انها لا تعترف بمبدأ الاخطار المسبق عند اقامة المنشآت المائية . (3) لا تعترف اثيوبيا بحق الانسان فى الماء الذى اجازته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2010 . (4) صدقت اثيوبيا مؤخراً على اتفاقية عنتبى رافضة بذلك تضمينها النص المقترح من قبل السودان ومصر عن الأمن المائى وهو كالآتى: "عدم التأثير السلبى على الأمن المائى وحقوق واستخدامات اى دولة من دول حوض النيل". ولا شك ان ذلك الموقف الاثيوبى الواضح يتعارض جملة وتفصيلاً مع القانون الدولى ، ولذلك فإن اثيوبيا تعمل جاهدة على خداع السودان ومصر استراتيجياً بحيث لا يتطرقون ابداً الى ذلك الموقف عند مناقشة مشروع سد النهضة . ولقد تمثلت خطوات الخداع الاستراتيجي الذى قامت به اثيوبيا فى ذلك الصدد فى الخطوتين التاليتين: (1) الفراغ من الاعلان عن سد النهضة وابرام العقود الخاصة به ووضع حجر الاساس فى ابريل 2011 دون اخطار السودان و مصر ، وذلك يعنى انها قد شرعت فى انشاء سد النهضة على ضوء موقفها من الموارد المائية المشتركة المشار اليه اعلاه ، وعدم اعتراض السودان ومصر على ذلك هو ما سبق ان وصفته بالخطأ الاستراتيجى الأول . (2) وحتى لا يبادر السودان أو مصر بالاعتراض على انشاء سد النهضة ، اقترحت اثيوبيا سريعاً فى مايو 2011 تكوين اللجنة الثلاثية ، وذلك حتى تشغل السودان ومصر باعمال تلك اللجنة الفنية وتصرفهم عن الحديث عن موقف اثيوبيا من الموارد المائية المشتركة ، وفى ذات الوقت أكدت مراراً على لسان كبار مسؤوليها انها غير ملزمة بمخرجات عمل اللجنة مع استمرار العمل فى سد النهضة . ولقد نبهت الى ذلك الموضوع فى حينه وأوصيت بعدم الاشتراك فى اعمال تلك اللجنة الى حين مناقشة الموقف الاثيوبى المشار اليه اعلاه من الموارد المائية المشتركة . واشتراك السودان واثيوبيا فى اعمال تلك اللجنة دون مناقشة الموقف الاثيوبى من الموارد المائية المشتركة ، هو ما سبق ان وصفته بالخطأ الاستراتيجى الثانى . واتوقع ان لا يتوقف الخداع الاستراتيجى الاثيوبى عند ذلك الحد ، خاصة وان هناك مساع مصرية سودانية لعقد اجتماع ثلاثى لمناقشة الموضوع ، ولقد تولى اجراءات عقد ذلك الاجتماع وزير الخارجية المصرى الذى زار اثيوبيا ثم السودان وعاد الى بلاده ليعلن ان الاجتماعات المتوقعة بين الدول الثلاث سوف تنهى ازمة سد النهضة . وفى تقديرى ان الوعد الاثيوبى بالمشاركة فى تلك الاجتماعات هو الخداع الاستراتيجي الجديد الذى سوف تمارسه اثيوبيا ، ونوصى بعدم عقد تلك الاجتماعات إلا اذا وافقت اثيوبيا على الآتى: (1) مناقشة ايقاف العمل فى السد الى حين انتهاء المشاورات . (2) الموافقة الصريحة على عدم التأثير السلبى على الأمن المائى وحقوق واستخدامات الدول الثلاث . (3) تحديد اطار زمنى لتنفيذ توصيات اللجنة الثلاثية ، خاصة سلامة السد قبل الاستمرار مرة اخرى فى العمل فى السد . (4) تحديد ميعاد عاجل لعقد اجتماع الوزراء الثلاثة . (5) ان تكون مخرجات الاجتماع الثلاثى اتفاقية دولية بين الدول الثلاث تتضمن الموضوعات الثلاثة المشار اليها اعلاه وهى ايقاف العمل فى السد وضمان الأمن المائى وتحديد اطار زمنى لتنفيذ توصيات اللجنة الثلاثية قبل اعادة العمل فى السد . ولا شك ان أهمية "الأمن المائى" تفوق كل اعتبار ، حيث ان آخر الأخبار قد حملت إعتزام يوغندا البدء فى تشييد سد كاروما ، وباعتزام جمهورية جنوب السودان بناء سد على شلالات فولا بنمولى ، وانعقاد القمة الافريقية العالمية لمكافحة الجوع باديس ابابا الاسبوع المقبل لمناقشة الأمن الغذائى الافريقى الذى توجد معظم الأراضى المطلوبة له فى السودان ، وان مملكة البحرين تهتم بالاستثمار الزراعى فى السودان ، دعماً للأمن الغذائى العربى الذى يدعو له السودان .