تأكيد وزير المالية، علي محمود ، بأن قرار رفع الدعم عن البنزين والقمح، وضع أمام رئيس الجمهورية، المشير عمر البشير، للمصادقة عليه، بقوله ل(الخرطوم) أمس الأول، أن اللجنة المناط بها تقدير الزيادات على السلع، فرغت من عملها وتوصياتها ووضعتها أمام الرئيس للمصادقة عليها، والتوجيه بإعلانها، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن زيادات ستطرأ على سلعتي البنزين والقمح، وسلع أخرى. ويكون بذلك (قطعت جهينة قول كل خطيب)، حيث كانت هنالك أنباء تؤكد تراجع الحكومة عن رفع الدعم، في الوقت الراهن، خاصة وأن وزير المالية نفسه، كان قد نفى في بداية العام الحالي، وجود أي اتجاه لرفع الدعم عن المنتجات البترولية، مشيراً إلى أن الوقت الآن غير مناسب، لكنه تمسك برفعه تدريجياً، كما أنه في برنامج قضايا اقتصادية الأسبوع الماضي طمأن المواطن، بأن هذا العام لن يشهد رفع الدعم. وحذر خبراء اقتصاديون من مغبة رفع الدعم عن المحروقات البترولية، في الوقت الراهن، والتي وصفوها بالخطيرة الأثر على الوضع الاقتصادي، في ظل تنامي وارتفاع الأسعار، ويقابلها تدنٍّ في المعالجات، واعتبروا أن رفع الدعم يعني زيادة الأسعار، وتأزيم الوضع أكثر من اللازم، مما يؤدي إلى نتائج سلبية، لا تحمد عقباها، وقطعوا بأن رفع الدعم عن الجازولين والبنزين، سوف يؤثر مباشرة على(قفة الملاح)، وستصل بالمواطن إلى مرحلة لايستطيع معها العيش. ويعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين، البروفيسور عصام بوب، أن تضارب الآراء واختلافها في زيادة الأعباء المعيشية على المواطن خاصة، ما يُسمى بأنه دعم- وهو ما عدّه غير حقيقي- أدى الى زيادته، واعتبره قراراً كارثياً، والدليل على ذلك- كما يقول - تردد السلطة في اتخاذه. وأضاف- في حديثه ل(الخرطوم) أمس:" ومن الواضح أن وزير المالية وكما عهدناه، يصر على اتخاذ القرارات الخاطئة، رغم وجود المعارضة المكثفة على اتخاذها ". وقطع بوجود سيناريوهات، بما سيحدث؛ نتيجة زيادة أسعار هذه المواد الأساسية، والتي أجملها في تراجع المساحات المزروعة هذا العام، إلى أدنى حد، مشيراً الى حتمية ارتفاع تكلفة المعيشة الحالية، الى ضعفين عما سبق، نتيجة التغيرات المفاجئة والكبيرة في تكلفة أسعار المواد الغذائية. كما أكد "بوب" على أن أحد السيناريوهات يتمثل في انقطاع امدادات الغذاء والوقود ومواد أساسية أخرى، عن أطراف السودان عاجلاً أم آجلاً، بالإضافة الى توقعاته بأن يبدأ الخريجون موسم هجرة جديدة وسيقبلون بأي راتب، من الخارج في سبيل الخروج فقط من السودان. وقطع بوب بتأثير زيادة أسعار المحروقات والقمح على تكلفة المعيشة، ورأى أنه من السذاجة أن نعتقد أن زيادة سلعة واحدة فقط لن تؤثر على أسعار باقي السلع في الأسواق، وهذا رغم التجارب السابقة، التي تؤكد على ان زيادة سعر أي سلعة تؤثر على مستويات الأسعار في الأسواق السودانية. وزاد "فما بالنا بزيادة سعر سلعة أساسية مثل الوقود أو القمح ". وقطع بوب بأن رفع الدعم سيزيد من معدلات التضخم واعتبر أنه من الخطأ أن تتخذ الحكومة الآن، أي سياسات تزيد من معدلات التضخم، مشدداًعلى أن رفع الدعم عن المحروقات يجب أن يكون ضمن عدة مقترحات، ولا يجب أن يكون لوحده. ويشير الخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير، لصعوبة اتخاذ قرار برفع الدعم عن المحروقات، وأرجع ذلك خلال حديثه ل(الخرطوم) أمس- لما لمثل هذا القرار من آثار سالبة على الاقتصاد، وقال:" رغم حديث البشير وقبله وزير المالية، بأن الدعم يشكل عبئاً كبيراً على الدولة، إلا أنه من الصعب والمستحيل اتخاذ أي قرار برفع الدعم عن المحروقات؛ لما له من آثار سالبة على الاقتصاد)، واستند في ذلك على ما أفرزته قرارات يوليو من العام الماضي، والتي قفزت بالتضخم إلى (47%) نهاية العام الماضي، ومطلع العام الحالي؛ رغم إشارته إلى أنه الآن، بدأ في التراجع الى (37%) إلا أنه رآها ما زالت متسعة وتحتاج لفترة زمنية؛ ليعود رقماً طبيعياً، أو يصبح آحادياً وقطع بأن أي قرار برفع الدعم سيؤدي إلى قفزة في التضخم؛ وبالتالي هذا يكون ضد تحقيق الاستقرار ويعطله، ويطيل الفترة الزمنية التي يمكن أن يحدث فيها استقرار اقتصادي؛ لافتاً إلى أن تحقيق الاستقرار الاقتصادي يجذب تحويلات المغتربين، ويهيئ مناخ الاستثمار، ويحدث تحركاً في كل القطاعات خاصة الإنتاجية. وتوقّع حدوث انفلات في الأسواق حال تطبيق القرار، مقارناً الوضع بالزيادة التي أقرّتها الدّولة من قبل، كون الوضع في الأسواق كان مستقرّاً، وكشف الناير عن وجود ما سماه (أزمة ضمير تجّار)، موضحاً أنّ القرار قد يتمّ استغلاله من قبل، وأكّد أنّ الأسعار لا تحتمل أيّة زيادة في الوقت الراهن، مؤكّداً وجود شرائح ستتأثّر سلباً؛ فيما ستظلّ الشرائح القادرة وكأنّها غير معنيّة بالأمر، وأكد أن تراجع العملة الوطنية أمام الأجنبية، وعدم استقرار سعر الصرف مسؤولية الدولة، وبدلاً من اللجوء للحلول السهلة لخلق استقرار سعر الصرف؛ اقترح "الناير" إعداد دراسة علمية متكاملة لقيمة برميل النفط وقياسه بالسعر العالمي إضافة لخصم تكلفة ترحيل الصادر وإلغاء رسوم الإنتاج وإنهاء الازدواج الضريبي والإبقاء فقط على ضريبة القيمة المضافة، ويؤكد أنه بذلك يتمّ التعامل مع المحروقات وفقاً للأسعار العالمية، ويكون طرحه للمستهلك وفقاً للسعر العالمي، مشيراً إلى أنّه من خلال ذلك يمكن للمواطن الاستمتاع بالتخفيض عندما تنخفض أسعار النفط عالمياً. في وقت حذر فيه خبراء وسياسيون من مغبة رفع الدعم في الوقت الراهن، حيث حذّر المحلل السياسي دكتور الطيب زين العابدين، من التداعيات السياسية لتطبيق هذا القرار، لجهة توصيفه أن الوضع المعيشي للمواطنين صعب للغاية، لافتاً الى أن أسعار السلع في السنتين الماضيتين تضاعفت ثلاث مرات، يقابلها ضعف في الأجور، باعتراف رئيس الجمهورية، كما أن الأجور نفسها- وفق إفادة زين العابدين- لا تمكن من إعاشة العامل لمدة عشرة أيام ، منتقداً أن يتم رفع الدعم عن سلع استراتيجية مثل (الدقيق والبنزين) مع هذه المعطيات. وأكد أن هذا يزيد أسعار كثير من الأشياء، مثل المواصلات بالإضافة الى ان (ناس السوق) سيلجأون لزيادة أسعارهم، لتعويض رفع الدعم عن البنزين. وبهذا يعتبر زين العابدين أن الأمر سيكون غير محتمل، واستنكر أن يتم رفع الدعم خلال شهر رمضان المعظم لجهة خصوصية مصروفاته لدى المواطن. وقال:" يفترض على الحكومة تخفيف الأعباء المعيشية على المواطن في رمضان، بدلاً عن زيادة الأعباء، لجهة أن مصروفاته كبيرة) وأبدى زين العابدين استغرابه من إصرار الحكومة على معالجة الوضع المالي من خلال رفع الدعم، في وقت أن هنالك بدائل متاحة يمكن ان تلجأ لها. حيث رأى أن هنالك بنوداً ضخمة جداً في الموازنة يمكن تخفيضها، غير أنه اعتبر أن الحكومة لا ترغب في التخفيض من الصرف السياسي والأمني، الذي اعتبره يأخذ حوالي (70%) من الميزانية، بالإضافة الى استمرارها في بناء أبراج حكومية ليس لها معنى، وبذلك رأى أنه يصبح من الظلم الشديد أن ترفع الحكومة الدعم عن السلع. ووصف حجة الحكومة في ذلك بالضعيفة للغاية، وهي أن الدعم يستفيد منه الأغنياء ولا يستفيد منه الفقراء، حيث كانت إشارة الرئيس إلى أن أكبر المستفيدين من الدعم غير المباشر للسلع هم طبقة الأغنياء؛ لأنه يذهب لدعم البنزين والكهرباء، وتابع" أي أسرة فيها أكثر من عربة تنال دعماً أكثر من مرتب وكيل وزارة، ويعتبر زين العابدين أن معظم الفقراء يستخدمون مواصلات، وإذا تم رفع الدعم عن البنزين، فالأمر من شأنه زيادة تعريفة المواصلات، وأسعار الترحيل كما نبه إلى أن سلعة الخبز يأكلها الفقير والغني، ورأى أن هنالك وسائل أخرى لأخذ ضرائب من الأغنياء، كفرض ضريبة (أرباح ودخل شخصي) مثلما تفعل دول أخرى وليس بأخذ نصيبهم في دعم السلع. وحذّر من الأثر السياسي نتيجة رفع الدعم، وقال: " إن الحكومة تريد معالجة مشكلة الاقتصاد بتخليصها من الشعب السوداني، الذي صبر على ارتفاع تكلفة المعيشة كثير جداً" وزاد:" لكنه لايصبر دائماً، ودعا الحكومة لكي تعي ذلك، واعتبر أن صبره واحتماله لن يطول، وسيأتي يوم ليصل صبره فيه حداًَ لا تحمد عواقبه- على حد قوله- وحذر من أن يأتي ذلك خصماً على الحكومة، وتوقع أن يؤدي ذلك لانتفاضة شعبية. وزاد:(قد يؤدي ذلك ليأتي يوم لا يجدون فيه بنزيناً ولا دقيقاً ولا حكومة نفسها). واعتبر زين العابدين الشعب السوداني قد تأخر في المطالبة بتخفيف الأعباء المعيشية، متوقعاً أن يدفع رفع الدعم؛ المواطن للخروج عن طوره، ودعا الحكومة للانتباه لعواقب الأمر وأخذها في الاعتبار، إن لديها جبهة حرب مفتوحة في كردفان وأخرى في النيل الأزرق واضطراب أمني بين قواتها النظامية في جنوب دارفور. وينتقد خبير اقتصادي- فضل حجب اسمه- امتثال الحكومة لروشتات صندوق النقد الدولي، وقال: إن تم رفع الدعم نهائياً ستكون الحكومة السودانية قد امتثلت تماماً لتنفيذ توصية صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن المحروقات، وذلك رغم إقرار الصندوق بأن رفع الدعم عن المحروقات سبق ان ألحق ضرراً كبيراً بالمواطن العادي من خلال زيادة مصروفاته، ولكنه في الوقت ذاته أكد أن الدعم ليس السبيل الأمثل لحماية الفقراء وأضاف: إن أسعار المحروقات في السودان أرخص من المعدلات الإقليمية، وأرخص منها في جارتها تشاد. rehab abdala [[email protected]]