"حتى أنت يا بروتوس ؟!" .. هكذا قرأ البعض أحداث الشغب الأخيرة، التي كان الحزب الاتحادي مسرحها .. بينما قد تقول القراءة الفاحصة،الشاملة بأن "الحدث" ما هو إلا نتيجة حتمية لاصطدام الثابت بالمتغير .. أو أنه في المطلق إن شئتم بداية حتمية لمعركة الثابت والمتغير في هذا الحزب ! .. هذه "الخناقة" و"خناقات" حزب الأمة التي سجلت محاضر الشرطة جانباً منها والأعظم المخفي، كله يدور في فلك صراع المتغير العصري مع الثابت المقدس داخل أروقة الكيان الطائفي/السياسي ! .. إذاً قضية تلك الخلافات ليست صنيعتنا، إذ أنها وبمجرد وقوعها داخل أروقة الحزب قد فرضت نفسها في سوق التداول وليس من الحكمة تجاهلها، ناهيك عن الخلاف على الملأ، أي في العلن ! .. مع ظهور أجيال جديدة تركز على "إنجاز" الصفة السياسية لقيادات الحزبين دون البعد القدسي للزعامة الطائفية، ومع نشوء المستجدات القاسية على الساحة السياسية، والتي باتت خيارات الأحزاب معها لا تقبل القسمة على ثنائية الزعامة الطائفية و الولاء السياسي، برزت أزمة الجيل الثالث من برامج الطرح السياسي للدماء الجديدة في الحزبين .. نشا صدام الجيل السياسي الثالث والنخب الطائفي الأول، فأضحى المتاح لتصحيح المسار هو الدخول في مراجعات نقدية بناءة .. الانخراط الجاد في العمل النقدي .. عمل يصطحب في معالجاته أن مركب الخلل هنا ليس وحيد الجانب وأن الحل ليس مسئولية طرف واحد ! .. الإصرار على اقتران المقدسات الطائفية بالبعد السياسي يجعل المنتمين إليها من المجددين (يائسين) .. والنتيجة أن أصحاب (تجديد المسار) في تلك الأحزاب يتعاملون اليوم مع هويتها الحزبية كقوقعة، وبالتالي فهم يواجهون الاختلاف بسلوكيات تدمر صيغ التعايش فيما بينها .. فيخرج النزاع بصورة بائسة إلى العلن ! .. ماذا ينتظر السودان من قيادات أحزاب تواجه مستجدات الواقع السياسي بعدة عمل قديمة وتعمل بعقلية النخب والوصاية عوضاً عن العمل بمنطق المداولة والمشاركة ؟!.. ماذا ينتظر من أحزاب تسير بفكر ومنطق الرجل الواحد ؟! .. فكر يضع العراقيل ويبسط المشكلات ويطمس الحقائق إذا ما تقاطعت مع فكرة مسرح الرجل الواحد ؟! .. فكر لا يؤمن بالصيغ المركبة لحل المشكلات المعقدة .. لا يؤمن بالعقل التواصلي .. منهجية قيادية أحادية الجانب .. منهجية متوارثة .. أسيرة المطابقة والمحافظة على منهجية أثبت التطبيق خطأ الاستمرار عليها ! .. إذا كانت الإجابة : إنه ينتظر الإصلاح والتجديد .. فمن يفكر بلغة التغيير والإصلاح داخل أروقة الحزب الطائفي يجب أن ينادي أولاً بالفصل الحاسم بين العام والخاص .. الفصل بين الزعامة .. والسيادة .. الفصل بين المختلفات والمتعارضات .. الفصل بلغة العصر ! .. الأسئلة الوجودية التي يثيرها واقعنا السياسي المأزوم تشير بإلحاح نحو تغيير الموروث والنمطي والسائد .. ومؤشرات النزاع داخل الحزبين الكبيرين هي أزمة السياسي المعاصر الذي يصنع مآزقه لأنه لا يحسن التفكير بعقلية المداولة والوساطة والشراكة في زمن (نهاية الوصائية ) .. زمن نهاية الدور الأبوي الرسالي للزعماء و الطوائف ! .. الإصلاح داخل الأحزاب هو بداية الاستعداد للانتخابات .. لكن المشكلة أن الانتخابات عندنا مثل الخريف الذي يأتي ويذهب قبل أن نستعد ! فليعلم الساسة قبل أن يتقاعسوا أو يستعدوا أن الناس في هذا البلد ما عاد يكفيها أن تتبع أحداً .. ولا بات يرضيها أن تؤله سيداً .. الناس في هذا البلد سوف تنتخب لكي تسلم .. ولكي تشفى .. ولكي تشبع .. قبل أن تهتف ! منى أبو زيد