منذ افتتاح أول مكتب بريد سوداني بمدينة سواكن في عام 1858م .و الخدمات البريدية تنتظم مدن السودان وربوعه المختلفة .. لتصبح مكاتب البريد أحد أهم مراكز الاشعاع والتواصل بين أطياف المجتمع . ولقد ارتبط بها الجمهور ارتباطا وجدانيا واجتماعيا في تلك الأيام الزاهية عليها ألف تحية . كما تطور دورها ليشمل مناحي الحياة الاقتصاد والثقافة و الاجتماعية .. وظل البريد السودانى صرحا شامخا يقدم خدماته البريدية لعقود طويلة قبل أن يخبو بريقه لعوامل التحديث والتطور التقني .. ولاتزال الطوابع البريدية التيتفتقت العبقرية السودانية فيتصميمها والمرتبطة بالهوية الوطنية عالقة بالأذهان للذين عايشوا أيام تألقالبوستةفى مجدها التليد ..طابع الجمل الشهير الذى وثق لأول خدمات بريدية فيالزمانالقديم حيث كان البريد يحمل على ظهور الجمال .. ومن بعده طابع البريد المعروف للقصر الجمهوري..وطابع شهيد ثورة اكتوبر الخالدة أحمد القرشي طه .. .كما كتب لها الشعراء القصائد الوجدانية المعبرة عن أشواق المحبين وتغنى لها المغنون بأجمل الكلمات.. ( حملتك خطابي ياساعى البريد .. للسافر وطول في البلد البعيد) . وغنى لها الفنان كمال ترباس (رسلت ليك أجمل خطاب لليلة ردك ما وصل) والفنان الراحل أحمد الجابري ( مافى حتى رسالة واحده بيها نتصبر شوية) والفنان الراحل أحمد فرح ( البريدو مالو اتأخر بريدوياناس )وعمل بمصلحة البريد السوداني كوكبة من الشعراء المعروفين على رأسهم خليل فرح شاعر الأغنية الخالدة ( عازه في هواك ) والاستاذ مبارك المغربي والشاعر مصطفى سند . والفنان الكبير صلاح مصطفى .. كما حمل أحد أحياء أم درمان الشهيرة اسم ( حي البوستة) ..وكانت مكاتب البوستةفي ربوع السودان المختلفة تتسم بالأناقة والجمال وتحتل مواقع متميزة بجميع مدن السودان. وللبريد فيقضروف سعد تاريخ ناصع ضارب في القدم .. حيث كان مكتب البوستةبالقضارفنقطة التقاء المجتمع القضروفى الباحث عن ضالته في رسائل الاحبة القادمة من بعيد.. والتحويلات الماليةوالجرائد والمجلات .. وخدمات التلغراف و الاتصالات التي تربط المدينة مع مجتمع السودان الكبير .يقع مكتبالبوستةبالقضارففي قلب السوق تقابله مكاتب الشركة الحبشية من ناحية الشمال وتحده جنوبا مصلحة الأشغال والمركز ومن الناحية الغربية بنك الخرطوم وشرقا مصلحة الارصاد اذا لم تخنى الذاكرة .. كانت البوستةتمثل أحد معالم المدينة التاريخية .. وتشكل عالما متفردا كان لها من الحب والتقدير في نفوس الناس شأننا كبيرا .. كان يشغل وظائفها في تلك الايام أولاد القضارف ومنهم على سبيل المثال لا الحصر العم عثمان الأمين والطيب عبد الماجد والاستاذ على محمد نورو الكابتنميرغني العبيد والأخ العزيز عبد الله قسم الله .. وكان يرتاد مبانيها مختلف أطياف المجتمعالقضروفى والمقيمين بها... يحرص الجميع على زيارتها عند وصول القطار القادم من الخرطوم ..والقطارات الاخرى التي تأتى من بقاع السودان المختلفة .. تحمل البريد في زمن لم تكن وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة قد تم اختراعها حيث كانت للرسالة قيمة أدبية ومعنوية وعاطفية .. كان بمكتب البوستة باب خلفي يقود الى صناديق البريد المخصصة للمشتركين و الموضوعة بشكل أنيق ومنسق .. كما كان يحيط بالباب الرئيسي لمكتب البوستة مجموعة من الأعمام الذين كانوا يشغلون وظيفة العرضحالجى.. وتعنى كتابة الرسائل للذين يجهلون الكتابة وماأكثرهم في تلك الايام . ومن الطرائف التي تقال في هذا الجانب والعهدة على الراوي أن مواطنين طلبا أن يحرر لهم العرضحالجى رسالتين احداهما لمدينة كسلا والثانية لمدينة الفاشر فطلب من الاول قرشا ومن الثاني خمسة قروش وعندما أبدى الثاني استيائه قال له انت عارف الفاشر دي وين .. رعى الله تلك الايام الجميلة .و رحم الله الأعمام السواكنى و سعيد جيلاني وجبرا.. وكل من ساهم في تقديم هذه الخدمة النبيلة للمواطنين. كان ارتباط أهل القضارفبالبوستة ارتباطا وجدانيا امتد لسنوات طويلة وماتزال تلك الايام محفورة فيقلوبالأجيالالتى عايشتالبوستة ايام تألقها وسيادتها على مساحات التواصل بين أبناء السودان .. وماكانت تلعبه من دور مؤثر في المصالح المتعلقة بالمواطنين .. ومازلنا نحن لتلك الايام الجميلة التي تذكرنا بالبوستة واهلها الكرام وماقدمته من خدمات جليلة تظل محفوظة في ذاكرة قضروف سعد لايمحوها الزمن بل يزيدها تألقا واشراقا .. التحية لبوستةالقضارفالتى رسمت لوحه ذاهيةفى قلوب محبيها وعاشت بين ضلوعهم يرنون اليها كلما جاءت ذكرى تلك الايام الرائعة .. والتحية لأماكن كثيرة شكلت هوية قضروف سعد المتفردة عبر تاريخها البعيد..