شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسلمة الإنقاذية والأزمة العالمية ... بقلم: أحمد الأسد
نشر في سودانيل يوم 23 - 09 - 2009


هل سيعصمنا البديل الإسلامى من الطوفان؟
أحمد الأسد : باحث إقتصادي
ميتشيقان – الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected] - [email protected]
هل سيأوى الإقتصاد الإنقاذي في السودان إلى جبل القيم الفاضلة ليعصمه من طوفان أزمة الرأسمالية المعولمة أم سيحتمي بسد الصين العظيم؟ قال د. الجاز: إن الازمة عكست مساوئ الاقتصاد الرأسمالي، مما يعني اهمية تأصيل النشاط الاقتصادي القائم على القيم الفاضلة." (الصحافة 6 أكتوبر 2008م العدد 5492). ودعا د. الجاز على هامش اجتماعات الدوليين المنعقدة بواشنطن لإعادة النظر في الاقتصاد الربوي والرجوع للبديل الاسلامي ( الرأى العام 15 أكتوبر 2008م).
وقال الرئيس الايراني نجاد: :"إن الازمة التي تضرب الاسواق المالية الغربية عائدة الى "إنعدام الإيمان بالله"، (...) بإذن الله، ستطبق العدالة والحكم العالميان بفضل مقاومة الشعب الايراني الذي حمل لواء الامام المهدي" وتناغمت توجهات العديد من الإقتصاديين والمفكرين في الدول النامية الإسلامية مع الدعوة لإيجاد بديل لنظامى الشيوعية والرأسمالية المنهاريين وتأسيس نظام إسلامي دعامته الإيمان بالله والقيم الفاضلة.
أزمة قطر أم نظام؟
إنفجر بركان الأزمة فى قلب القطاع المصرفي المهيمن على والمسير لقوى النظام الرأسمالي العالمي بالولايات المتحدة الأمريكية. في بدء العاصفة أسبل الإعلام الأمريكي والأوربى تعتيماً على الأزمة : كارثة التمويل العقاري - الشره الإقتراضي - ضعف الرقابة الإدارية والقانونية على النظم الإئتمانية - الإعسار في السداد وتراكم الديون الهالكة – التحايل بإعلان الإفلاس – فساد القطاع المالى...ألخ. وتهيأ لبعض الفئات الحاكمة المتقوقعة فى هوامش الإقتصاد العالمي أنها بمنأى عن أوباء الرأسمالية الأمريكية. ولم يتورع بعض قادتها عن تبشير شعوبهم ببزوع فجر نظام إفتصاد عالمي جديد بعد إنهيار الإشتراكية الملحدة والرأسمالية المتوحشة (الرئيس الفرنسي ساركوزي).
ضربت الأزمة جميع أركان الكرة الأرضية وإرتجت لتداعياتها الأنظمة الإقتصادية ومصالح الأثرياء والفقراء وأخرست ألسنة المنظرين في محافل الفكر الإقتصادي والإجتماعي والديني. طالت الأزمة موسسات التمويل العقاري وإمتدت حمم بركانها الى قمم القطاع المالي في الولايات المتحدة وأروبا وآسيا. وتراجعت دعاوى الواهمين بأن الأزمة لا تعدو أن تكون لعنة أمريكية. ولكن سرعان ما توالت الإعترافات بأنها أزمة عالمية فاقمتها قوانين وممارسات النظام الرأسمالي. ثم ... لماذا إلتهمت حرائقها كيانات أنظمة تدعى السير في طريق لا رأسمالي و/أو إشتراكي : روسيا والصين؟ ولماذا تطاير شررها إلى حظائر إقتصاديات تتحصن بالإيمان والقيم الفاضلةّّّ؟ إرتطم الفكر البشري بدهمة سؤال عصي وهو هل يمكن إخضاع العلوم الإقتصادية لإرادة التقويم العلمي والتسيير البشري كما هو الحال بالنسبة للعلوم الطبيعية؟ أم سيظل الإقتصاد حلبة صراع لسحرة كهنوت التنظير والتحوير السياسي والهرطقات الدينية؟ وفي الوقت الذي لم يتورع فيه بعض الغلاة عن تزيين مفاسد الإستغلال الرأسمالي بقناع خرافة اليد الخفية فاضحين ضحالة فكرهم وعجز قدراتهم الإستقرائية، أكد آخرون: "إننا لا نواجه إنهياراُ محدوداَ في الأسواق المالية كما حدث خلال عام1987 أو عام 2001 (...) إننا نواجه أزمة شاملة للنظام الرأسمالي."
لا يتسع المجال للدخول في فوهات بركان الأزمة وتعاريجها المعقدة وتداعياتها الجارفة في إقتصاديات العالم. سأكرس فقرات من هذا المقال لمتابعة ردود الفعل النظرية والإجرائية فى بعض البلدان المنتجة لأوباء الأزمة والمتأثرة بها. وسأحاول قصارى جهدي التركيز على إقتصاديات الأقطار المماثلة لتركيبة الإقتصاد السوداني لإجراء ما يتيسر من دراسات مقارنة.
مالنا ومال الرأسمالية وكوارثها؟
السودان بلد عجيب يصلح متحفاً لنماذج مراحل النشوء والإرتقاء الإقتصادي نسبة لإحتوائه في القرن الواحد والعشرين على تركيية هرم إجتماعي تتداخل فيه مراحل الإقتصاد البدائي (جمع الثمار وصيد الحيوانات غير المستأنسة) والإقتصاد الإعاشي (الرعي والزراعة البدائية) والإقتصاد التجاري (أسواق داخلية مغلقة وأخرى مفتوحة لأسواق العالم) وإقتصاد شبه رأسمالي ( قطاعات ومؤسسات الإنتاج والخدمات العامة والخاصة). ولاتزال أنماط التبادل السلعي يتواصل تشابكها في جيوب التخلف الإقليمي حيث تتعايش المقايضة أكثر وسائل التبادل بدائية مع أحدث أنماط التبادل النقدي التى إبتدرها في بداية القرن التاسع عشر مغامرون من المرابين الأجانب في مدن السودان الرئسية (يهود وأرمن وأتراك وأغاريق ومصريون).
نشأ وتطور النظام المصرفي السوداني خلال فترة الحكم الثنائي 1955/1898. فتح البنك الأهلى المصرى عام 1901 أول مصرف حديث بالخرطوم وتلاه بنك باركليز. وتمكن بنك السودان المركزي (1956) من إصدار الجنية السوداني أول عملة سيادية مشجوبة على قيمة الإسترليني وإنتزع السودان نظامه النقدى من قبضة الجنيه المصري. واللافت أن تطلعات التحرر الإقتصادى (1956-1960) أخرجت النظام المصرفي من سياج هيمنة المصارف التجارية الأجنبية الى رحاب مؤسسات وطنية متخصصة أهمها البنك التجاري والصناعي والزراعي والعقاري. وعلى الرغم من الإتساع الهيكلي والنوعي للقطاع المصرفي لم ترتخ قبضة رأس المال الأجنبي على مفاصل الإقتصاد الوطني ولم يتمكن بنك السودان المركزي من كسر حواجز التبعية لبنك باركليز والبنك المصري ترسانتي الحكم الثنائي. ولا مناص من الإشارة إلى محاور الهيكلة التى تعرضت لها بنية القطاع المصرفي وتوجهات السياسات المالية والنقدية خلال فترة عاصفة (1969 - 1988). كان أهمها عمليات التأميم (1970) وتداعيات التراجع وفتح الباب على مصراعيه لدخول المصارف الأجنبية وما أعقب ذلك من إجرآءآت لأسلمة السياسات الإقتصادية والمالية (1977). كان بنك فيصل الإسلامي منصة إنطلاق المشروع الحضاري الإنقاذي لخلخلة التعايش مع النظام المصرفي التقليدي الموروث من الحكم الثنائي . فإذا ما تطرقنا لكوارث تماسيح الإنقاذ في معرض الحديث عن الأزمة العالمية نرجو ألا يخرسنا القارئ بمقولة ” تاني سيرة البحر؟" هل ستنجينا حصانات الأسلمة الإنقاذية من تداعيات الأزمة العالمية؟
هذيان عقول الإقتصاد العالمي
كان إنهيار شركة إنرون ) (ENRONعام 2001 - وهى أعتى شركة لخدمات الطاقة في أمريكا وأوربا - إنذاراَ مبكرا بإقتراب العاصفةً. قدر عدد العاملين فى أفرع إنرون بحوالي 22 ألفاَ وبلغ إجمالى دخلها عام 2001 حوالى 111 بليون دولار أمريكي (بلغ إجمالى الناتج القومي في السودان عام 2007 حوالى 47 بليون دولار !). ومن ثم تواصلت الإنهيارات وتوهم البعض أن تداعيات الأزمة ستكون محدودة وربما أكثر إعاقة فى نطاق قطاعات الإستثمار العقاري والموسسات المالية والخدمات ومنشآت التشييد والسياحة. وتبين من مجرى الأحداث إرتباك أهل الحل والربط في العالم (رؤساء الدول والوزارات ورجال الأعمال ورواد الفكر السياسي والإقتصادي). تأكد عجزهم التام عن تشخيص الأزمة وقصور رؤاهم عن إستقراء تداعياتها وإستنباط حلول تدرأ مخاطرها. نتناول في الفقرات التالية ردود الفعل حسب المنطلقات الفكرية والإجرائية المتخذة منذ إنفجار الأزمة.
 أزمة إمريكية: قياسأَ بتداعيات دورات الأزمات السابقة إعتبر الأمريكيون أن إنهيار المؤسسات التمويلية أزمة قطاعية عابرة ستمتص هزاتها آليات السوق الرأسمالي. ولكن سرعان ما ضربت الأزمة قطاعات إقتصادية منيعة في أمريكيا وأروبا وآسيا وتراجعت دعاوى الدوائر الواثقة من عافية بنية النظام الرأسمالي. فعلى الرغم من ضخ المليارات لإسعاف المؤسسات المنهارة تواصل التناقص فى مناعة الإقتصاد العالمي وتفشت حالات الهلع خاصة بعد تراجع أسعار النفط بمعدلات مذهلة. بدأ شد الحبال الإقتصادية والسياسية بين أقطاب النظام العالمي في قمم إقليمية هيمنت على منابرها توجهات الحادبين على إنقاذ النظام الرأسمالي من طوفان الأزمة.
 الرأسمالية المتوحشة: تعالت أصوات الداعين لأنسنة أنماط الرأسمالية المتوحشة وإلجام جوامح السوق الحرة وحرية الإمتلاك وجشع التراكم الربحي وإكتناز المال. وتجرأ البعض على نفض الغبار عن مرجعيات النظم الدينية والقيم الفاضلة داعين للتحصن بأصول الرأسمالية وقيمها الأخلاقية في المعاملات المالية والتوجهات الإستثمارية والإستهلاكية. ولكن العالم يسمع جعجعة ولا يرى طحناَ. وفي قمة بكين الأسيوية/الأوربية (25 أكتوبر 2008) والقمم الإقليمية المتتالية تمخض الجبل ولم يلد فأراَ.
 البديل للرأسمالية: أدى تشظى الكارثة إلى سقوط الأقنعة الإيديولوجية من وجوه غلاة الفكر الرأسمالي. لم يتورع عدد من رؤساء الدول الأوربية عن توصيف علاجات إسعافية مدمرة لبنية النظام الرأسمالي وشرع آخرون في إتخاذ إجراءآت لترميم إنهيارات القطاع المالى عوضا عن تحجيم تداعيات الكارثة. وتراوحت ردود الفعل بين التشخيص الساذج لجذور الأزمة والتضليل المتعمد بتعتيم أسبابها وأبعاد تداعياتها الكارثية. واللافت حدة التضارب والتقاطع بين إدعاءآت عرابي الأنظمة الممسكة بمفاصل إقتصاديات العالم حيث تتصدر الصين وروسيا والهند قوى الإقتصاديات الناهضة المحصنة بمناعة مضادة لأوباء الرأسمالية – حسب أقوال قيادات هذه الأقطار ، تأكد أن تداعيات الأزمة المالية والإقتصادية مثل التلوث لم تصدها موانع أو حدود إقليمية من إجتياح قطاعات حيوية في هذه الأقطار. لماذا؟ تراجعت روسيا بفعل توجهات خاطئة فى نشأة وإرتقاء أنماط نظامها الإقتصادي الإشتراكي وإرتدت الى رأسمالية الدولة (خنس مشكل). أما التنين الصيني فقد تراجع من نظام لارأسمالى بروافع إشتراكية إلى هجين إقتصادي أروبي متأمرك يجمع غالبية الإقتصاديين على تصنيفة بمسمى رأسمالية الدولة (النمط الأسيوي). وتهيمن في الهند أنماط العلاقات الرأسمالية المتقدمة في تداخل مع جيوب التخلف الإقتصادى والفوارق الطبقية.
 البديل الإسلامى: إنتهز غلاة الفكر المنحاز للنظام الرأسمالي فرصة التطلعات العالمية لإيجاد بدائل إصلاحية فتداعوا لتدجين الرأسمالية ووجهوا كثافة نيران هجومهم على النظريات والتجارب الإشتراكية ورموا دعاة تدخل الدولة لإنقاذ القطاع المالي في أمريكا وأروبا بإرتكاب جريمة تشييع النظام الرأسمالي الى مسواه النهائي. وفي لجة هذيان العقل العالمي نهض اليسار الأوربى في جرأة غير مسبوقة داعياً للتنقيب عن بديل يتخطى التجريب العشوائي والجمود العقائدي. طالب البعض بتمحيص كلاسيكيات المرجعيات الإقتصادية لكل من ماركس وكينز والنفاذ إلى المستجد من المتغيرات والتحولات النظرية والتطبيقية. يقول المثل السوداني "التور إن وقع تكتر سكاكينو". إستل الإسلاميون في السبعينيات سكينة البديل الإسلامي لسلخ تور الإشتراكية المذبوح والإجهاز على جاموس الرأسمالية المترنح (رأس المال الربوى). سأ نفذ إلى حلبة الصراع للمقاربة بين البديل الإسلامي والبدائل الأخرى – وتداعيات الأزمة العالمية في السودان.
من أين نبدأ؟
إعترف رؤساء ورجال أعمال وخبراء إقتصاديون في معظم الدول المتأثرة بأن النظام الرأسمالي هو الأب الشرعي لهذه الأزمة. ولم يتردد بعضهم من إستدعاء بدائل للنظام عوضاً عن إصلاحه. صعقت الأزمة عقول المتباهين بإنتصارات النظام الرأسمالي والمتهافتين على موائد إنجازاته وأربكت تداعياته الكارثية قوى المتضررين من إتساع نطاق القهر والإستغلال في جميع أركان المعمورة. أقبل جهابزة النظم الإقتصادية بعضهم على بعض يتلاومون. هرول الرئيس الفرنسي ساركوزى إلى قادة روسيا والصين والهند يستجدي عونهم لإنقاذ النظام المالي العالمي كما طاف رئيس وزراء بريطانيا العظمى متسولاً في دول الخليج. لقد تباينت قوة الزلزال في الإقطار والقطاعات الإقتصادية/المالية ومشتقاتها خاصة في المحاور الأكثر كثافة وتسارعاً في دورات وعائدات الإستثمار الرأسمالي بينما كانت الهزات أخف وطأةً في الأقطار الناهضة ومتدنية النمو. ويلاحظ أن ردود الفعل النظرية والإجرآئية قد إتسمت بعقلانية وجدية نسبية في الأقطار الرأسمالية بينما تصاعد الهذيان العقائدي والتضليل التهريجي في عدد من أقطار عربية وأسيوية وأفريقية غارقة في لجج الفقر والتخلف.
في قمة السلطة الإنقاذية تضاربت رؤى الممسكين بمفاصل الأجهزة الإقتصادية والمالية. أكد وزير المالية أن السودان سيكون في مأمن من تداعيات الأزمة ¬(الصحافة 6 أكتوبر 2008م العدد5492) وقال السيد الرئيس في كسلا "اننا لا نخاف إلا من الله ولن نسجد أو نركع إلا له" وأضاف سيادته (...) إن السودان تعرض للحصار الإقتصادي والعسكري والأمني منذ بداية ثورة الانقاذ وحتى اليوم ، إلا أنه لم ينكسر او ينهزم (...) إن التآمر سيظل مستمراً من دول البغي وان الحرب ضدنا لن تتوقف. وأكد ان الانهيار الاخلاقي في المجتمع الغربي أدى الى الانهيار الإقتصادي، وقال نحن المنقذون للعالم بالاسلام (الرأى العام - الثلاثاء 18 نوفمبر 2008م،العدد 22510).
وفي الوقت الذي أشاد فيه وزراء وأكاديميون وخبراء إقتصاديون بطهر النظام المصرفي وفعالية أسلمة العلاقات الإقتصادية، فجر محافظ بنك السودان قنبلة مافية المعسرين و/أو المعثرين ونهب مليارات الجنيهات من مدخرات المواطنين المودعة في البنوك المحَصَّنة بالقيم الفاضلة! كشَفََتْ كل من المحققتين الصحافيتين هالة حمزة (السودانى - 10.2008- العدد رقم 1047) وسمية سيد في سلسلة حواراتها مع د. صابر محمد الحسن محافظ البنك المركزي (السودانى 2008-10-13- العدد رقم: 1047) كشفتا حقائق مذهلة عن النهب والإحتيال في حظائر المصارف المؤسلمة وإهدار ما يفوق إثنين وتسعين مليار من الجنيهات لصالح مستثمرين هرب بعضهم خارج البلاد بينما يحتمي البعض الآخر بأخلاقيات فقه الضرورة. ولكن سرعان ما تفاجأ الناس بميزانية 2009 وسقوط أقنعة المناعة الإسلامية من واجهات القطاع المصرفي والأسلمة الإنقاذية.
أكد الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء (16 أكتوبر 2008) إستناداً إلى التقرير المشترك لوزير المالية ومحافظ بنك السودان "أن السودان ليس بمنأى عن الأزمة رغم عدم تأثره بشكل مباشربسبب الحظر المفروض عليه منذ سنوات والذي شكل حصانة اقتصادية كبيرة له ، (...) أن الاقتصاد سيتأثر بالأزمة بسبب الانخفاض العالمي في أسعار النفط والذي يؤدي الى انخفاض الايرادات الحقيقية للدولة (...) أن المجلس اتفق على أن صيغ العمل المصرفي في السودان والتي تعتمد على الشريعة الاسلامية تمثل كذلك احدى الحصانات للاقتصاد السوداني بسبب عدم اعترافها بما يسمى بالأموال الافتراضية."
حصانات الأسلمة الإنقاذية
هل سيقوى الإقتصاد السوداني على مواجهة زلزال الأزمة العالمية بحصانات الأسلمة بعد أن هدت كيانه معاول الأسلمة الإنقاذية طوال عشرين عاماً ؟ً
 إنقََضتْ يد الإنقاذ بقرار وزاري (حمدي) على ودائع المواطنين ونهبت 20 % من أرصدتهم لدعم بيت مال الثورة (90/1989) وقتلت ثلاثة من الأنفس بتهمة إرتكاب جرائم الإتجار بالعملة الأجنبية وتهديد الأمن الإقتصادي والمالي. وبينما لم تجرأ ثورة الإنقاذ طوال سنين حكمها على محاسبة أو حتى توبيخ أي فرد من عصابات نهب المال العام؛ عَفَتْ بكل ورع عن التشهير بعصابات النهب المالي والجوكية وموظفي البنوك صوناً للحصانات الإسلامية وإلتزاماً بنزاهة التعامل في النظام المصرفي (د. صابر مدير البنك المركزي).
 غرزتْ الإنقاذ (1990) سنكى الصالح العام في ظهور المواطنين (فاق عددهم ثلاثة مائة ألف من العاملين بالقطاعات العامة للإنتاج والخدمات) وأردتهم في هاوية البطالة الإجبارية والموت البطئ. وقصمتْ ظهر القطاع العام بمعول الخصخصة وحرمتْ عشرات الآلاف من أرزاقهم وزعزتْ أمن حياتهم بالجوع والمرض والعهر الإعاشي وكآبة الوعود الكاذبة. وفي الوقت الذي دمردتْ فيه الأزمة الرأسمالية حياة الملايين من البشر فى آسيا وأوربا والأمريكتين بمعاول الإصلاح الإقتصادي - إما بسياسات الإعفاء (layoff) أو بالإستغناء عن فائض اليد العاملة ((downsizing - واصلت الإنقاذ نهش لحم القوى العاملة ونخرعظامها طوال سنين تسلطها.
 تزامن نهب الخصخصة طوال حكم الإنقاذ مع إفراغ المؤسسات العامة من الكفاءآت الإدارية والمهنية مما أدى إلى تجفيف شرايين حياة الملايين في مهاجر الضياع والغربة. لم يمهل الصالح العام الإنقاذي الطيب سيخة فارس الحوبة وجنبه كعصف مأكول. ما دوامةّ!
 أهدر إنقلاب الحركة الإسلامية الإضطراري (د.مصطفى عثمان) موارد البلاد الطبيعية والبشرية في أتون حرب جهادية في الجنوب وجبال النوبة وأثقل كاهل الشعب بالضرائب والزكوات والجبايات (دمغة الجريح) مما أدى إلى تدهور مستويات المعيشة في المدن والأرياف وإرتفاع أسعار الضروريات من السلع والخدمات.
 إستنجدتْ السلطة الإنقاذية بالإستثمارات الأسيوية (الصين والهند وماليزيا) وتراضت من وراء الشعب على قسمة ضيزى إستحوذت بموجبها طغم طفيلية على عائدات النفط إلى أن قننتْ نيفاشا مناصفة العائدات جهوياً بين الشركيين. بلغ إجمالي الصادر من البترول (عام 1999) حوالي ستمائة مليون دولار أمريكي خصص منها حوالي 242 مليون للإنفاق العسكري وحينما وصلت قيمة الصادرات بليون دولار عام 2002 ثم أربعة بلايين بعد توقيع نيفاشا عام 2005 ثم ستة بلايين ونصف عام 2006 تضاعف الإنفاق العسكري لتصعيد حرب دارفور وقفز من 319 مليون دولار عام 2002 ليستقر في مستوى 733 مليون بنهاية العامين الأخيرين 2005/2006. وقد تزامنت حرب دارفور مع زيادات فلكية في عائدات الصادر بفعل التصاعد الصاروخي في الأسعار العالمية للنفط. تجاوزت صادرات النفط بليون دولار عام 2002 وقفزت إلى بليونين عام 2003 – ثم إلى ثلاثة بلايين عام 2004 وإلى حوالى 4.5 بليون عام 2005 ثم إلى 6.5 بلايين عام 2006. ووصلت الى 8.5 بلايين عام 2007 (تقريرصندوق النقد الدولي 2008) ثم إنحدرت إلى 6.5 بليون عام 2008 (الرأى العام 17.2.2009).
 تتباهى النخب الإنقاذية (قيادة المؤتمر الوطني) بإنجازاتها غير المسبوقة خاصة ما حققت من تسارع في معدلات التنمية الإقتصادية والإجتماعية خلال العشرة سنوات الأخيرة. قال وزير المالية خلال عرضه لميزانية 2009 "الانتاج يبحث عن اين يذهب وماذا يفعل، فإذا كانت النظريات فشلت نقول أن السودان مضي نحو التجربة الاقتصادية السليمة وانتهج النظرية الاسلامية واعتمد على الله في اقتصاده وأدار إقتصاداً إسلامياً في البنوك وتجنب العمل الربوي وعمل بمشاركات في التأمين والتعاون والشراكة والتجارة والصناعة ( أخبار اليوم السودانية 29-11-1429ه- ). لقد بدأ تدفق البترول وتسويقه منذ عام 2001 وكانت عائداته فضلاً إستثمارياً من رؤوس أموال ربوية دفعت البلاد مقابلها دماءً (إبادة وتهجير وتجويع السكان تأميناً لمناطق عمليات التنقيب) وأموالاً سائبة (إستحقاقات المستثمرين ورشاوى السلطة والوسطاء ومشتريات الأسلحة). كان ذلك وفقاً لفقه الضرورة إذ تأكد في دراسة حول منجزات الإنقاذ:" (...) فالدولة مثلاً لها منهاج في الاقتصاد اقتضى تعديل قانون المصرف المركزي الذي يدير شؤون النقد والصرف واقتضى تعديل القوانين المالية لإقصاء الربا عن التعامل في البلاد. وقد نتج عن هذا التعديل إستقامة الجهاز المصرفي السوداني كله على التعامل الإسلامي وإبتعاده عن النظام المصرفي العالمي الذي يقوم على الربا إلا ما اقتضت الضرورة الشرعية بالعذر فيه من الوفاء بالديون الخارجية وتنفيذ الإتفاقيات الدولية السابقة التي تنطوي بعض بنودها على نصوص ربوية (أمين حسن عمر مقاربة الإنقاذ للمشروع الإسلامي - مركز السودان -2007/07/01).
 واصلتْ الإنقاذ تقويض ما تبقى من حطام بنية القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وجففتْ شرايين النماء في مفخرة المشاريع المروية (الجزيرة الخدرة) وقطََّّعتْ أوصال قطاع النقل النهري وشلَتْ نبض الحياة في منفذ البلاد إلى العالم. قال الزعيم الأزهري:"جئتكم بإستقلال ذيِّ صحن الصينى ما فيه شق ولاطق!" وليته عاش ليقول قولته تلك عن مؤسسات ورثناها من الحكم الثنائي صحوناً فولاذية وأوسعناها شقاً وطقاً (السكك الحديدية والنقل النهرى وخزان سنار ومشروع الجزيرة وميناء بورتسودان وكلية غردون وكلية كتشنر ومعمل إستاك ومعهد القرش وبخت الرضا...ألخ).
 إبتدعت الإنقاذ سياسات ذكية (حزم التمكين) لهدم وإعادة بناء القطاعين العام والخاص مستهدفة الإستحواذ الأسهل والأسرع لعائدات إقتصاديات الريع مما أدى إلى إهلاك مشروعات الإنماء الإنتاجية والخدمية. كيف؟ إعتمدت حزم التمكين على ريع النفط وعائدات الخصخصة والإستثمارات الطفيلية والنهب الضرائبي وإهدار الفائض الإقتصادي وتجويع رأس المال الوطني وحرمانه من الإستقواء بالموارد المتاحة ... بعد عشرين عام من الإعتماد على إقتصاديات الريع أخضعت الإنقاذ أضخم قطاع عام في أفريقيا لهيمنة الإحتكارات الأجنبية والنخب المتأسلمة الطفيلية. وأسلمت قياد القطاع الخاص لعصابات النهب المصرفي والشركات الوهمية. لم يكن تكالب الإنقاذ على الإقتصاديات الريعية من مستوجبات فقه الضرورة – كما يقولون: هى لله ... بل كان أنجع السبل لتفعيل التمكين: الإنفاق على التصنيع الحربي وبنية مؤسسات جهاز الدولة القمعية والسلطوية (رئاسة وإدارات ووزارات المركز والولايات...ألخ).
 أدمن الإنقاذيون طوال سنين سطوتهم إجترار التباهى بمعجزتي تدفق البترول وإتفاقية نيفاشا - غير أنني لم أعثر على بنود في موازنات الإنقاذ (1990 – 2009 ) خُصِصتْ بموجبها إستثمارات نقدية لقطاع البترول. ولم تنتابني ذرة من الشك فيما حسبته مكايدة ترابية حيث قال عرابهم بعد المفاصلة بين طغم الإسلاميين: " وحول تمويل استخراج البترول (...) إن الحركة الإسلامية لم تصرف عليه من الميزانية (...) إن الذي موَّله شخص كندي من أصل باكستاني، إضافة إلى نائب رئيس وزراء ماليزيا" إنتهى. أما نيفاشا فقد صُكتْ فى بوتقة أطول حرب أفريقية وتقبلها الشريكان تحت ضغوط دول الإستكبار. أطلق عرابهم بعد المفاصلة صواريخ مدمرة: " تسعين فى المية من الشعب السوداني يعيش تحت خط الفقر (...) بعض المؤسسات الفاسدة صارت ملكاَ لأفراد نافذين في الحكومة، يسخرونها من اجل مصالحهم الخاصة، (...) الوظائف صارت محتكرة على أقارب المسؤولين من أسرهم وذويهم واطهارهم.(...) الحكومة قدمت نموذجا سيئا للإسلام الذي اصبح مجرد شعارات" (الشرق الأوسط 13 يناير 2008 العدد 10638). لا يجدي طق الحنك والتباهي بالأرقام الفلكية لعائدات النفط دون الرصد الدقيق لأوجه إنفاقها على دائر المليم قبيل نيفاشا ومن بعدها.
تشوهات الحسابات القومية
تعرضتْ الحسابات القومية لتشوهات تراكمية منذ عام الإستقلال بفعل صراعات الحكومات المتعاقبة وإنعدام الشفافية في الرصد والتدقيق. وأفرط عهد الإنقاذ في إبتداع أنجع وسائل التستر الإحصائي على الجرائم الإقتصادية والمالية والإدارية وتمكن من حصد أوسمة الشجاعة في تزيين المفاسد بأقنعة دينية ووطنية كان آخرها "فقه العزائم" (د. الجاز). لا شك أن تقلب السياسات النقدية وسعر الصرف وتغيير مسميات وقيم العملات (جنيه - دينار- جنيه) وتعدد وحدات النقد لرصد الحسابات قد أضعف مصداقية الراصدين وأربك مؤشرات الحسابات القومية.
مؤشرات التنمية الإقتصادية
يتصيد بعض الإقتصاديين المتمترسين في خنادق "الإسلام هو الحل" ما يحلو لهم من المؤشرات الإقتصادية والمالية المرصودة في تقارير البنك الدولى وصندوق النقد الدولى ويستشهدون بمصداقيتهما في التدليل على تسارع وتائرالنمو الإقتصادى في عهد الأنقاذ. الملاحظ أن البنك والصندوق الدوليين يرصدان قياس وتائر النمو الإقتصادى/الإجتماعي وفقاَ للمؤشريين الرئيسيين التاليين :
1) معدل النمو أى النسبة المئوية للزيادة في قيمة إجمالى الناتج المحلى أو إجمالى الدخل القومي. يتم رصد هذا المعدل سنويا أو خلال فترات قصيرة أو طويلة الأمد كما يتيح التلاعب بإنتقاء سنة الأساس لمقارنة المؤشرات التي تستر سوءآت التوجهات الإقتصادية والمالية.
2) نصيب الفرد من الدخل القومي ويحسب بقسمة إجمالي القيمة النقدية السنوية للدخل القومي على عدد السكان وهو مؤشر إحصائي يتوقف إرتفاعه أو إنخفاضه على معدلات النمو الإقتصادي والسكاني. وغالباً ما يستخدم لإخفاء معالم التفاوت في الإستحواذ الطبقي على الثروة ومساوئ توزيعها.
وعلى الرغم من فعالية هذين المؤشرين وأهميتهما القياسية في رصد النمو حتى نهاية التسعينيات تبين قصورهما دون إمكانية رصد التوزيع الفعلى للدخل القومى وتقييم المكاسب و/أو الخسائر الفعلية بالنسبة لفئات السكان. وقد تسنى لبعض الأقطار إحتلال مراتب وهمية عالية فى قائمة الأقطار المتقدمة إقتصادياٌ بحكم حصولها على تقدير مرتفع لمتوسط نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي و/أو إجمالي الناتج المحلى ، لا لشئ سوى إنخفاض عدد سكانها أوالإنتفاخ البالوني لتراكم عائدات قطاع النفط. هذا ما يحدث حالياٌ فى الخليج العربى وبعض مناطق أفريقيا وأمريكا الجنوبية. وغالباً ما تقوم الفئات الحاكمة بجرف عائدات النفط النقدية خارج أوعية الإستثمارات القومية وضخها في دورات رأس المال المعولم. وقد قصمت الأزمة المالية المعولمة ظهر الإستثمارات العربية بأفدح الخسائر وفضحت وسائل نهب وإستنزاف عائدات الثروات القومية لإقامة أود الرأسمالية.
بدأ برنامج التنمية التابع لهيئة الأمم المتحدة (UNDP) منذ عام 1993 دراسات مكثفة، سعياٌ لتلافى المسالب التى إصطحبت قصور المعايير والنظم المذكورة أعلاه (معدل النمو ونصيب الفرد) وتوصل إلى إستبدال نظم الحسابات القومية التقليدية بنظام جديد أطلق عليه إسم " مؤشر التنمية البشرية" (Human Development Index ) وهو عبارة عن حزمة مؤشرات لقياس متوسط العمر ومكتسبات المعرفة والصحة والتعليم ومستويات المعيشة فى القطر المعين. وتستخدم هذه المؤشرات أيضاٌ لقياس مستويات النمو ومقارنتها فيما بين الأقطار وتصنيفها فى نطاق مجموعات محددة: (1)عالية النمو ((developed ،(2) نامية (3)(developing) متخلفة underdeveloped)) كما تستخدم نفس المؤشرات لرصد وتوصيف فعالية السياسات الإقتصادية في الإرتقاء بمستوى الحياة العامة. تم رًصِدِ أوضاع 178 قطرا وفقاً لهذا النظام الجديد على أساس المؤشرات الوسطية للفترة006ٌ2/2008 وتسنى لعدد من الإقطار المغمورة إحتلال مراكز الصدارة متجاوزة أكثر الأقطار منعة فى النمو الإقتصادى والتطور التكنولوجى حيث إحتلت آيسلاند المرتبة الاولى بحصولها على أعلى رقم قياسى للتنمية البشرية والنرويج = (2) وفرنسا =(11) والولايات المتحدة الامريكية = (15) وبريطانيا =(21) وألمانيا = (23). ويتواصل الجهد العلمى لإنفاذ نظام أكثر إقتداراٌ على ثبر أغوار التنمية البشرية يمكن وفق معاييره توصيف وتصنيف وتقويم المزيد من الأحتياجات الأنسانية، لتشمل مقدرات الحريات المدنية والسياسية والقيم الإنسانية.
ولا تخفى على القارئ مواقف الإنقاذ الفصامية المتناقضة أزاء موسسات دول الإستكبار وعلى رأسها صندوق النقد الدولى المتجلية في إستبطان التزلف الإسترضائي بتسديد مستحقات الديون الخارجية والتظاهر بالعداء لممارسات الصندوق الإقتصادية والمالية المتحيزة للإمبريالية والصهيونيةّّّ. وفوق كل هذا لا تتورع سلطات الإنقاذ عن إنتقاء ما يطيب لها من المؤشرات التضليلية المدبجة في تقارير الصندوق عن الوضع الإقتصادي والمالي في عهد الإنقاذ وإغفال المؤشرات السالبة. تزامن الإرتفاع الملحوظ في معدلات النمو ونصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي مع تدفق وتسويق النفط (2001) وحينما بدأ صندوق النقد الدولي في رصد هذين المؤشرين في تقاريره للتدليل على تسارع نمو الإقتصاد السودانى حذر من مخاطر الإعتماد على مورد آيل إلى النضوب (النفط) وإغفال القطاعات الرئيسية (الزراعة والصناعة). وعلى الرغم من تسارع معدلات النمو بفضل تصاعد صادرات وأسعار النفط جاءت مرتبة السودان وفق تقييم مؤشر التنمية البشرية 2008/ 2006 متدنيةَ (147) من بين 177 قطراً في العالم.
الإقتصاد الإسلامي
لا يزال الهلع سيد الموقف...غلاة الرأسمالية يموهون طبيعة الأزمة وأسبابها ويراهنون على إسترداد عافية نظمهم بزراعة خلايا جزعية من بنياتها الآيلة للإضمحلال؛علماً بأن النظام الإشتراكي لم يحظ بجهد مواز في مجالي التطبيق والتنظير كبديل جاذب. وفي الوقت الذي يتواصل فيه الجهد العالمي لإيجاد حلول لدرء تداعيات الأزمة أشهرت الدوائر الحاكمة في السودان وإيران دعوة عقائدية لتبني البديل الإسلامي على غرار مسارات نظم إقتصادية ومصرفية تتحصن - حسب إدعاءآتهم - بشرع الله. ولا شك أن الشعب السوداني الذي عاش "العلاج بالكي!" طوال عشرين عاماَ في مصحة الأسلمة الإنقاذية ً سيكون أشد مناعةً من غيره في مواجهة هذه الدعوة. تسآءل خبراء وإعلاميون عن ماهية الإقتصاد الإسلامي ومفهوم الربا وقارعوا فقهاء الضرورة والعزيمة بلا خشية من مهددات السلطة. أتناول فيما يلي محاور العصف الذهني الذي أثارته أكثر التسآؤلات جرأة.ً
نشأت المذاهب النظربة للإقتصاد الإسالامي في القرن السابع الميلادي من أحكام القرآن وتوجهات السنة وتوافق بعضها مع الموروث من مرجعيات الأعراف العربية والديانات السابقة للإسلام (الإقليمية والقارية). وتبلورت فلسفة وممارسات الإقتصاد الإسلامي المذهبية والإجتماعية والإنتاجية في أرضية مجتمع قبلي تنازعته قوى رعوية للإستحواذ على الماء والكلأ. ولا شك أن الإسلام قد فجر ثورة إقتصادية وإجتماعية حطمت سياج ملكية القبيلة وفرضت علاقات إنتاج أوسع نطاقاً شملتْ الموارد المتاحة آنذاك: الزراعة والتجارة والقوى البشرية من الأحرار والأرقاء. كما فجر الإسلام ثورة إقتصادية/إجتماعية شحذت همة القبيلة ونخوتها بفرض الزكاة ضريبة دينية على المسلم والجزية ضريبة على الذمى وهي عبارة عن المال الذي يَعْقِد الكتابي عليه الذمة، وغيرها من الزكاوات والإتاوات التي حدد الفقه الإسلامي أنصابها وأوجه إنفاقها لتوسيع نطاق الكفالة الإجتماعية. وفي البدء كانت الزكاة حصراً على الزرع والضرع الى أن أضاف الإجتهاد الفقهي زكوات النفائس والعقارات بعد الفتوحات الإسلامية. كما أثبتت نظم الإرث الإسلامية والأوقاف فعالية غير مسبوقة للحد من إكتناز الثروة وتوسيع رقعة توزيعها. ومنذ أن قلب الأميون الخلافة الى إرث ملوكي بدأ تراجع الرعيل الأول المؤسس للدولة الإسلامية أمام تنامي فئات وطبقات تكالبتْ على السلطة بعصبية قبلية ودينية (الأمويون والعباسيون). طوال الحقبة الممتدة من الحكم الأموي - (750م - 662م) مروراً بالحكم العباسي(- 1258م - 750م) حتى إنهيار الإمبراطورية العثمانية (1924م - 1299م) - لم يطرأ على بنية الإقتصاد الإسلامى تغيير نوعي و/أو كمي بخلاف ازدهار العمارة لراحة الحكام وبناء الأساطيل التجارية والحربية وفنون الترويح والشعر. وعلى الرغم من الإحتباس العقائدى السلفي إزدهرت العلوم الطبيعية (الطب والكيمياء والفيزياء والرياضيات) بفعل التلاقح فيما بين الحضارات. كما إزدهرت العلوم الإنسانية في مختلف المجالات الإقتصادية والإجتماعية. إنطلقت عولمة الحضارة الإسلامية من بوتقة إنصهرت فيها معادن جهد البشرية الإثني والديني والعلمي وتواصلت إسهاماتها حتى يومنا هذا في تقدم ونماء الإنسان. لا يمكن إنكار نشوء وتخلق الإقتصاد الإسلامى في حراكه التاريخي إيجاباَ وسلباَ (نظرية – ممارسة – نظرية) وتعرض أنماطه للنمو والإحلال ثم الإضمحلال. ورث المسلمون أنماط ونظم إقتصادية من الحضارات السابقة طوروها وأدخلوا إضافات مستحدثة على الموروث من أنماط الملكية الفردية والملكية العامة وحقوق العمل والإنتاج وآليات السوق وتبادل السلع والخدمات وإستخدام النقود ...ألخ. ولهذا إسترعى إنتباه عدد من المؤرخين المقاربة النظرية بين بعض ممارسات الإقتصاد الإسلامي وما إرتقت إليه بنية النظام الرأسمالي الراهن. منذ نشأة المجتمعات البشرية المنتحة والمستهلكة حتى يومنا هذا لم تنفرد أى حضارة إنسانية بتصميم نمط إقتصادي (economic mode) قائم بذاته أمكن تسجيله بإسمها كبرآءة الإختراع. وذلك نسبة لتسلسل نشوء وإرتقاء وتواتر حراك الأنماط الإقتصادية بنسق حلزونى غير متواز عبر الحقب التاريخية في مختلف المواقع الجغرافية. عرفت المجتمعات البشرية منذ القدم وسائط التبادل في الأسواق (النقود) وإبتدعت نظم بدائية للصيرفة (الحضارة الرومانية) وأصدرت قوانين للتجارة المحلية والخارجية وأستحدثت معايير لتقييم الخيرات الطبيعية والمنتجة. وتوالت إسهامات المعرفة الإنسانية دون إنقطاع في تاسيس وتغيير النظم الإقتصادية/الإجتماعية. وكان نتيجة كل ذلك نشوء وتطورعدة ظواهر إقتصادية وتلاشي بعضها بفعل إضمحلال العلاقات التي أنتجتها. إستناداً إلى هذا المفهوم قد يتسنى لنا تناول ظاهرتي الربا وسعرالفائدة عبر مختلف مراحل تطور المجتمعات البشرية.
الملاحظ أن غالبية دعاة تبني البديل الإسلامي يتهربون من التوغل في التشخيص التاريخي لجذور الأزمات الرأسمالية وتداعياتها ويركزون نيران هجومهم على النظام المصرفي الرأسمالي (الربوي) لإيهام المتضررين بأن الأزمة المالية العالمية الراهنة غضب إلهي لم يمهل آكلى السحت والربا والمدفوعين بالجشع الرأسمالي وعدم الإيمان بالله ومخالفة شرائعه. وغالباً ما يصم هؤلاء آذانهم عن أسئلة ثاقبة: لماذا إنحدرت الحضارة الإسلامية على سفح التاريخ وعجزت عن الإستقواء بمنجزاتها من العلوم الطبيعية والإقتصادية/الإجتماعية؟ ولماذا لم يطرأ تغيير نوعى أو كمي فى البنى الإقتصادية والإجتماعية في حياة الشعوب التى دانت بالإسلام وتجاوزت بدائية المجتمعات العربية رائدة الرسالة الإسلامية. ولماذا تداعتْ مقومات نظم الدول الإسلامية وأسلمت قيادها لقوى دفعتها الى مزالق التخلف؟ لا يتسع المجال للإجابة على هذه الأسئلة علماَ بأن مهمازاً مؤلماَ قد يقربنا من حزمة إجابات وهى: تعرض المجتمعات الإسلامية لعوامل النشوء والتطور التاريخي التي أدت إلى صعود وإضمحلال حضارات سابقة. وأهم هذه العوامل الصراع على السلطة والإنكفاء على النزاعات المذهبية والإنشغال بالحروب التوسعية للإستحواذ على مغانم الشعوب الأخرى والفرز الدينى والعرقي والتمايز الطبقي وتشرزم السلطة في دويلات متصارعة.
الربا ) USURY )
حرَّمَتْ كل الديانات القديمة التعامل بالربا خاصة النوبية/الفرعونية والبوذية والهندوكية. منذ عهد تحتمس الثالث خلال القرن الخامس قبل الميلاد وردتْ في" Elephantine Papyrus" إدانة يهود مصر بتقاضي فوائد على القروض غير أنها لم تعتبرجرائم وإنما جنح أخلاقية. كان ساراس مؤسس الإمبراطورية الفارسية (590 -529 ق م) يعفو عن ألد الأعداء ولكنه يصر على عقوبة المرابين بنفسه ويقتلهم بسلاحه.
وتنزلت آيات تحرم الربا في كتب الديانات الوحدانية (التوراة والتلمود والزبور والأناجيل والقرآن). جاء التعبير العبرى عن الربا في العهد القديم بكلمة نيشيخ (neshekh) بمعني "عضة" وحَرَّم التلمود الرباribbit) ) أي "غبار الفائدة". لقد كان الفيلسوف اليوناني أرسطو (384- 322 ق م) الأعلى صيتا في نبذه لفوائد الإقتراض إذ كتب " أن الربا هو إنجاب النقود من النقود لأن الجنين يشبه الأم ولذلك فهو أسوأ الوسائل لإكتناز المال." كما وردتْ في متون الأناجيل المسيحية نصوص أكثر تشدداَ في تحريم الربا تراجع الإلتزام بها بعد تغلب معاملات الإئتمان التجاري والصناعي في أروبا. وقد جاء تحريم الربا متكاملاً مع مقومات الإقتصاد الإسلامي بآيات قرآنية وأحاديث نبوية أسست للعديد من الإجتهادات الفقهية والتوصيف اللغوي: ربا النسيئة أو ربا الديون وربا الفضل أو ربا البيوع. . . ألخ. وأجمع عدد من الفقهاء على تعريف الربا بالآتي: "أن الفوائد التي يأخذها المودع من البنك ، هي ربا محرم ، فالربا (...) كل زيادة مشروطة على رأس المال . أي ما أخذ بغير تجارة ولا تعب ، زيادة على رأس المال فهو ربا. تواصل الصراع الفقهى فى صدر الإسلام حول مقاصد الربا إقتصادياً وإجتماعياُ وقانونياً. وتمترست أجيال من السلفيين في كهوف الإسناد الديني والأخلاقي لتحريم الربا طوال عشرات القرون. ولم يحسم الخلاف إلى يومنا هذا علماَ بأن المعركة الفاصلة ضد تحريم سعر الفائدة (الزيادة التي يتقاضاها الدائن) قد حسمت باللجوء إلى فقه الضرورة فى عدد من الأقطار العربية/الإسلامية خاصة في كل من إيران والسودان. وتقنن التعامل مع نظام مصرفي مزدوج رأسمالى/إسلامي.
وقد كان الإسلامى الأستاذ محجوب عروة رئيس تحرير ألسوداني أول من تسآءل عن البديل الإسلامي" (...) ما هو الفكر الإسلامي أو النظام الإسلامي الإقتصادي الذي يمكن أن يكون بديلاً للنظام الرأسمالي الحالي الذي يترنح أو الشيوعي السابق الذي هوى؟" (السوداني 10-10- 2008 العدد رقم: 1045). أشار الأستاذ عروة في معرض سرده لصراعات الفقه الإسلامي حول الربا إلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " أن آية الربا من آخر ما نزل من القرآن الكريم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قُبضَ قبل ان يبينه لنا، فدعوا الربا والريبة.(...) وأضاف:"عمر نفسه هو الذي يقول إنَّا والله ما ندري لعلنا نأمركم بأمور لا تصلح لكم، ولعلنا ننهاكم عن أمور تصلح لكم وانه كان من آخر القرآن الكريم نزولاً آيات الربا، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يبينه لنا فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم، ثم يقول: لقد خفت ان نكون قد زدنا في الربا عشرة اضعافه بمخافته"، و يقول:" تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا ": (يراجع المحلي لابن حزم الجزء التاسع صفحة 519 مسألة الربا رقم –148 (السوداني: 15-11- 2008العدد رقم 1080) إنتهى.
الربا ظاهرة إقتصادية
في البدء لابد من تشخيص الجزوع التاريخية لظاهرة الربا ومفهوم تحريمها. فقد أجمع مؤرخون على إختلاف أعراقهم ومذاهبهم وعقائدهم الدينية على أن الربا ظاهرة إقتصادية تجذرت من تركيبة العلاقات البشرية: علاقات التملك وإستغلال قوى العمل البشري وتبادل الخيرات والخدمات ونزعات الإستغلال وإكتناز الثروات. ولهذا حُرم الربا أخلاقياً وإجتماعياً ودينياَ. حرمته الديانات درءاً للمظالم عن الفقراء والمعوذين وردعاً لجشع مستغلي أوضاع المستضعفين. جاء في العهد القديم (إنجيل لوقا): "اذا اقرضت مالاَ لاحد أبناء شعبي؛ فلا تقف منه موقف الدائن. لا تطلب منه ربحاَ لمالك. " وجاء في كتاب العهد الجديد: "(...) اذا أقرضتم لمن تنتظرون منه المكافأة؛ فأي فضل يعرف لكم؟ ولكن أفعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائداتها وإذن يكون ثوابكم جزيلاَ. " ثم جاء القرآن حاسماَ: " يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:275-279]."
لقد كان إقتناء المال دون جهد عملي يتعارض مع العديد من الأعراف والمعتقدات والأخلاقيات الدينية والإنسانية. ولا مناص من تشخيص مرجعيات تحريم الربا التى تمحورت قواسمها المشتركة بين الديانات الوثنية والوحدانية في مبادئ أخلاقية لدرء المظالم عن الفقراء والمعوزين. وحُرم الربا، وحل البيع والقرض الحسن والصدقة محل المعاملات الربوية تحفيزاً للتكافل الإجتماعي. لم أعثر في أدبيات تحريم الربا على إسناد إقتصادي أو تفسيرً قانوني لظاهرة الربا خلاف ما تنزل في مرجعيات النصوص الدينية وما ورد في أحاديث الرسل والأنبياء والفقهاء. وليتأمل القارئ التعريف الآتي: "أن يضع الإنسان ماله ويقصد الاستثمار: إن ما يحدث بين المصرف وصاحب المال تحت أي مسمى طالما أنه بفائدة محددة سلفاً مقابل أجل محدد فهو ربا؛ وذلك لأن: علة التحريم منصبة على كونها زيادة محددة سلفاً مقابل أجل محدد سواء كان أصل المعاملة قرضا أو ديناً أو بيعاً؛ فمتى وجدت الزيادة المحددة مقابل الأجل المحدد، فذلك هو الربا بصرف النظر عن أصل هذه المعاملة ( سجالات التحريم والإباحة مناقشة أدلة الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي - محمد البنا إسلام أونلاين نيت ديسمبر. 20- 2002).
إستخلص عدد من المفكرين بناءً على ما تقدم أن الربا ظاهرة أفرزتها ممارسات بشرية لتسليك العلاقات الإقتصادية مما إستدعى تمظهر إحلال و/أو تحريم معاملاتها بمفهومات إجتماعية وأخلاقية توارثتها المجتمعات والأديان عبر مختلف مراحل التطور الإقتصادي والإجتماعي للعلاقات البشرية.
سعر الفائدة (interest rate)
منذ نشوء الحضارات القديمة وتعايش الديانات الوثنية والوحدانية حتى مشارف القرن الثامن عشر إسترعت ظاهرة سعر الفائدة بشقيها الربوى والمستحدث (الإئتمان الإستثماري) إنتباه المتنازعين على الثروة والسلطة حكاماً ومفكريين وفقهاء. لم يكن للإئتمان آنذاك قوى جاذبة في عمليات الإنتاج الأولية المركزة حول الإعاشة (من الليد للخشم). كما لم تؤد الطفرات الإقتصادية المحدودة خلال العصور القديمة إلى تطور ملحوظ فى نظم الإئتمان، خاصة بعد فترة إنهيار الإمبراطورية الرومانية حينما إرتدت الإوضاع إلى ما كانت عليه في العهود البدائية ولجأ المجتمع لمحاربة الجشع بسن قوانين تحرم الربا. إخترقت إقتصاديات الربح التجاري في بداية القرن السادس قبل الميلاد سياج الإسواق القطرية والإقليمية وإتسع نطاق التدافع لإستعمال النقود كسلعة لتدوير وإستغلال قوة العمل البشرى. إجتاحت الثورة الصناعية بنية الإقتصاد الإقطاعى وإجتثت جزور هيمنته الطبقية والدينية والإجتماعية وأحدثت إنقلابا كميا ونوعيا لإستصلاح أرضية محفزة لتسارع نمو علاقات الإنتاج الرأسمالي القائم على الربح. بماذا وكيف؟
أكتسبت النقود قدرات أكثر فاعلية في عمليات الإنتاج السلعي والتداول التجاري وتعددت أوجه توظيفها وإستخدامها كوسيط للتبادل وكقيمة تبادلية ووعاء لإختزان القيمة وقياس قوة العمل البشري والرصد الحسابي لقيم السلع والخدمات المتبادلة. جَسَّد كارل ماركس (1883م - 1818م ) دور النقود في تخليق العلاقات الرأسمالية في معادلة بسيطة من (سلعة – نقود – سلعة) إلي (نقود – سلعة – نقود). كان ذلك منطلق النقلة الإقتصادية/المالية من القرض الحسن والصدقة إبتغاءً لمرضاة الله إلى الإئتمان الإستثماري مقابل سعر الفائدة. وتأسس وفقاَ لتلك النقلة مفهوم الإئتمان وتداول اصول رأس المال الطبيعية والنقدية والبشرية والإجتماعية وغيرها من وسائط التداول.
تحررت الزراعة من قيود الإحتكار الإقطاعي وإقتحمت الصناعة الحديثة سياجات الحرفية وتصاعد الطلب على تمويل الإستثمارات الزراعية والصناعية والعقارية مما أدى إلى نشوء وهيمنة قطاع المال (البنوك ومؤسسات التمويل). هل يمكننا إصدار شهادة ميلاد أو وفاة للظواهر والنظم الإقتصادية كما نفعل في حالات رصد أعمار البشر؟ هنالك إستحالة نسبية. كما ليس بمقدورنا إلصاق ديباجات دينية أو عرقية أو جغرافية على الظواهر والأنماط الإقتصادية ...مثلاً بوذي يهودي مسيحي أو إسلامي. ولهذا توافق عديد من المفكرين على فرضية تَخَلُق ظاهرة سعر الفائدة في رحم الإقتصاد قبل الرأسمالي من نضفة الربا حيث تعايشت الظاهرتان – الربا وسعر الفائدة - في علاقات تنازعية دون إنقطاع حتى يومنا هذا.
قال شيخ الأزهر ورئيس مجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد سيد طنطاوي "(...) إن تحديد الأرباح على المال المودع بالبنوك هو فرض يجب على ولي الأمر إعماله لأن في ذلك حفظاً لحقوق الناس وحماية لأموالهم (...) وأكد عدم وجود أي نص ديني يحرم الفوائد الثابتة وقال: ''إن النصوص الواردة تؤيد تحديد الأرباح لأن الاتفاق مع البنك على ربح معين أمر حلال لا شيء فيه ما دام ذلك عن تراض بين الطرفين." (وسائط الإعلام المصري - 15-10-2004م) وقال في سياق آخر " أن فوائد البنوك والمصارف المالية المحددة مسبقاّ مباحة شرعاً ولا تعد من الربا المحرم (...) إن ذلك يعد ضمانا بصورة أفضل لأموال المودعين في تعاملاتهم مع البنوك المختلفة (مجلة المصارف الكويتية 1-10-2007م). هذا في الوقت الذي اتفقت فيه المجامع الفقهية المعتمدة في العالم الإسلامي منذ 1964م على تحريم فوائد البنوك التجارية العاملة في البلاد الإسلامية وغيرها.
والملاحظ أن دعاة البديل الإسلامي يركزون على نجاح مؤسسات الصيرفة الإسلامية دون إستصحاب مفهوم نظرى أو أنموذج واضح السمات لما يسمى بنظام "الإقتصاد الإسلامي". وعلى الرغم من إسهام الفكر الإسلامى - كما أسلفنا - بقدر غير مسبوق في تأسيس وتطوير العلوم الطبيعية والإقتصادية والإجتماعية حالت عوامل ذاتية وموضوعية دون تأسيس أنموذج نظام إقتصادي في أغلب المناطق التي دانت بالإسلام. كان صدر الإسلام (أربعون عاما) مرحلة لتأسيس الدولة العربية الإسلامية إعتمد فيها المسلمون على إقتصاديات الحرب (الإستيلاء على ثروات الكفار والغنائم والجزية وموارد الزكاوات والأتاوات والصدقات والجبايات). وكان من نتائج الفتوحات العربية/ الإسلامية سقوط مملكة الفرس وإستيلاء الدولة الإسلامية على أقاليم البيزنطيين في الشام وشمال أفريقيا ومصر. وتبع ذلك إزدهار الحضارة الإسلامية وتلاقحها مع حضارات مكنتها من تخطى مستوى التخلف الإقتصادي السائد آنذاك في شبه الجزيرة العربية. ولكن نسبة للتشرزم العقائدي والطائفي والعائلي والتمزق الذي أصاب الدويلات الإسلامية لم يكتمل بناء أنموذج نظام إقتصادي إسلامي. ومن المؤكد تاريخياً أن عدة عوامل على رأسها سلبيات الإقتصاد الحربي والصدام الإسلامي/الإسلامي ومقاومة السلطة العربية/ الإسلامية قد تضافرت مع عوامل رئيسية أخرى كان مؤداها تصاعد العداء للفتوحات العربية وتفوق الغرب بعد عصر النهضة وهيمنة قوى الإمبريالية والرأسمالية المعولمة.
إنطلق عفريت النظام الرأسمالي من قُمقُم النهضة الأوربية مستقويا بنتائج البحوث العلمية والتكنولوجيا لتطويرالتجارة والزراعة والصناعة والعمران العقاري. وأعتلى قمة النظم الإقتصادية في أواسط القرن العشرين رأس المال المالى) قطاع البنوك والمؤسسات التمويلية). لم يقنع العقل البشري بإستغلال المتاح من خيرات الطبيعة بل تمكن من تطويع قوانينها ودرء مخاطرها بمختلف الوسائل العلمية.
أسلمة الإقتصاد السوداني
قبل التصدي لدعاوى بدائل النظام العالمي لابد لنا من تشخيص النظام الإقتصادي القائم في السودان وما طرأ علي أوضاعه الداخلية والخارجية من متغيرات خلال ما يقارب نصف قرن من الزمان. أورثنا الحكم الثنائي هجين نظام إقتصادي متبرعماً من بذورإقتصاد إعاشى (رعوي/ زراعي/تجاري --) صنف مجازاً في عداد النظم شبه الإقطاعية-- شبه الرأسمالية. نهب الغزو التركى موارد البلاد الطبيعية وقدراتها البشرية (تجارة الرقيق) وإستنزف الحكم الثنائي ما تبقى من مواردها المتاحة وقوضت النظم الحاكمة الوطنية - بعد الإستقلال - ما إنتزع الشعب من المستعمرين. تواصل الصراع منذ الإستقلال بين الحكومات المتعاقبة وأتخذت الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية إتجاهاً إنحدارياً تضاعفت كوارثه بعد طفرة النفط. وكان ما كان إلى أن فرضت الإنقاذ مشروع أسلمة الإقتصاد والنظام المصرفي. لا يتسع المجال في هذا المقال لكشف حال الإقتصاد الإنقاذي المؤَسلم ولا لتعرية مزاعم الحصانة الإسلامية طوال سنين الهيمنة الإنقاذية. سأكرس الفقرات الآتية لمزيد من العصف الذهنى حول المفهوم النظري والتطبيقي لما يسمى بنظام الإقتصاد الإسلامي ودعاوى البديل الإسلامي.
إستنسخ بعض دعاة النهضة الإسلامية وفق إجتهادات المودودي وبن نبي ... والقرضاوي) خلايا جزعية من أجنة النظام الرأسمالى أطلقوا عليها مسميات عربيةً: المضاربة، والمشاركة، والمرابحة ... ألخ. وصادف تمحورمعظمها حصرا في حاضنات ما سمى بنظام البنوك الإسلامية في سبعينيات القرن العشرين. وعلى الرغم من توجس حلفاء النظم الرأسمالية المهيمنة على منابع النفط في الأقطارالعربية /الإسلامية إستنجدت بعض النظم المتأسلمة بإسعافات الأسلمة المالية (بنك فيصل في السودان) تلافياً لعثرات التدهور المالي. بلغ عدد المؤسسات الإسلامية (1970م - 2008 م) أربعمائة في سبعين قطر (قناة الجزيرة – 30 أبريل 2009م). وقد تبين أن إطلاق مسمى "إسلامية" على هذه المؤسسات يفتقر للإسناد النظري والتطبيقي في تاريخ الفقه والممارسات الإسلامية.
لم تتجاوز المعاملات المالية خلال الحقبة السابقة لتاسيس النظام الرأسمالي (الحضارات القديمة خاصة الأسيوية والرومانية والفارسية ... والعربية الإسلامية) لم تتجاوز نطاق الصيرفة المحدودة لإستخدام النقود وتداولها فى معاملات تجارية لتبادل مشتقات سلعية من إنتاج زراعي/ رعوي سادت في محاورها أنماط المقايضة البدائية. فعلى الرغم من بلوغ الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس (‏1492م -711 م) ذروة التعايش بين الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية وبلوغها أوسع نطاق لتلاقح وإزدهار العلوم الإنسانية؛ لم تشهد تلك الحقبة عصرالمؤسسات المصرفية والإئتمان الإستثماري الذي أنشأته وطورته رأسمالية أوربا في القرن السابع عشر. ولهذا لم يرصد الدارسون لأعمال بن خلدون حول الإقتصاد وعلم الإجتماع في القرن الرابع عشر توصيفاً و/ أو تشخيصا لما يسمى حالياً بالصيرفة الإسلامية. كان بن خلدون رائداً فذاً للحداثة في العلوم الإسلامية: الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. شخَّصَ في موسوعته "مقدمة بن خلدون" بحذق غير مسبوق: علاقة العمل البشرى بالقيمة، وعلاقات الإنتاج يالتغيير الإجتماعي، وآليات السوق بالنظم الضرائبية والرفاه الإجتماعي...ألخ.
إحتدم الصراع الإقتصادي والسياسي حول أسلمة الإقتصاد خاصة عقب صعقة الأزمة العالمية ونزع عدد من المفكرين إلى إنكار وجود – تاريخي أو آني – لنظام إقتصاد إسلامي يمكن إستدعاءة كبديل للإشتراكية الملحدة والرأسمالية الربوية المتوحشة. وعلى الرغم من تصاعد الصدام النظري بين دعاة النظم الإسلامية والمناهضين لتوجهاتهم توالدت مؤسسات التمويل والبنوك الإسلامية في حاضنات العولمة الرأسمالية وإجتاحت معاملاتها مؤسسات رأسمالية عاتية (فتح نوافذ إسلامية) ورفعت آذان البديل الإسلامي حناجر لا إسلامية في دول الإستكبار.
الإقتصاد والأديان
هل تمكن دعاة أسلمة الصيرفة ومؤسسات التمويل الإسلامي من تأسيس أنماط قطرية أو إقليمية لإقتصاد إسلامي؟ ثم لماذا إنحصرت إجتهادات دعاة "الإسلام هو الحل" في معترك تحريم الربا والإستيلاء على السلطة وإيهام المسلمين بسراب أسلمة الإقتصاد في دول يدعى حكامها إن الله إستخلفهم في أرضه؟ لماذا تقوقعت النخب المتأسلمة في خنادق الصيرفة الإسلامية وإستكانت الطغم الحاكمة في إيران وماليزيا والسودان إلى التباهي بإختراق معاقل الصيرفة الرأسمالية؟ ولماذا أدمنت سرايا المعارضة الإسلامية في مصر والجزائر وباكستان إجترار شعارات تحكيم الشريعة والإعتصام بالحصانة الإسلامية؟ لابد من الإعتراف بنشوء وتطور نظريات وممارسات لأنماط من العلاقات الإقتصادية السابقة للنظام الرأسمالي تزامن تواصلها مع إنتشار وهيمنة الحضارات البشرية منذ القرن السابع الميلادي. وعلى الرغم من رسوخ وهيمنة عدة أنماط إقتصادية في خارطة الإمبراطورية الإسلامية - كان إنهيار الخلافة العثمانية (1924م - 1299م) بداية لتلاشي تلك الأنماط المصنفة تحت شعار الإسلام دين ودولة.
إستندت قوى النظام الرأسمالى إلى مكتسبات العلوم في سعيها لتشخيص قوانين الطبيعة وترويضها وفق إحتياجات القوى المنتجة وتزامنت مع ذلك نشأة وتطور نظريات وممارسات إقتصادية تخطت متاريس التراحم الأخلاقي والصدقات إلى الكسب المادي وتبادل المنافع (التنمية الإقتصادية/الإجتماعية). وإقتضت متطلبات النمو الرأسمالي تقليص نفوذ الدولة الثيوقراطية (الدينية) والتصنيف العقائدي للنظريات والممارسات الإقتصادية. ولهذا لم يصدح الفكر العالمي بعد طوفان الأزمة العالمية بإستدعاء الإقتصاد البوذي أو اليهودي أو المسيحي، عدا ما أطلقته نظم - أشرنا إليها آنفاً - داعية العالم لإستدعاء البديل الإسلامي.
لقد أحدثت الرأسمالية نقلة نوعية في شكل ومحتوى ظواهر إقتصادية هامة نلخصها في الآتي:
 حررت قوة العمل البشري من قيود الرق التقليدى ومهدت لتداول قوة العمل - بدلاً عن البشر- كسلعة في سوق العمل (التحول من إمتلاك الأنسان كسلعة الى إستغلال قوة عمله مقابل الأجر).
 أسستُ لتداول وسائل الإنتاج وإكتناز الثروات بمختلف آليات الإستحواذ (الملكية العامة والمشتركة والخاصة) وقننت تمايز وإنقسام المجتمعات إلى قوى طبقية وفئوية مالكة لوسائل الإنتاج (مستغلة بكسر العين) وإلى طبقات وفئات أخرى مستغلة (بفتح العين).
 تحكمت في تطوير النقود وتوظيفها في نطاق تبادل السلع والخدمات وإستخدام قوة العمل البشري مقابل الأجور. كما إستحدثت الرأسمالية عمليات تحويل النقود إلى سلعة رئيسية بجانب وظائفها كمعادل عام للقيم المنتجة والمستهلكة والمختزنة. وتخلقت في لولبية بنية العلاقات الرأسمالية جينات نقدية متعددة منها الموروثة: العظام والصدف والملح والعملات المعدنية والورقية والصكوك ...ألخ - والمستحدثة : بطاقات الإئتمان وتوريق الدين ((securitization والسندات المالية (securities)...ألخ.
 أنشأت قطاعا متخصصا للتحكم في دورة رأس المال وتسويق وتداول النقد شراءً وبيعاً (البنوك ومؤسسات التمويل الإستثماري ومشتقاتها).
 وفي الوقت الذي تمكنت فيه الرأسمالية من إجتثاث جذور نظم آيلة إلى الإضمحلال (شبه العبودية والإقطاع) أبقت على أنماط إقتصادية وإجتماعية ودينية لتدجين فئات طبقية إنصاعت لآليات السوق وقوانين إستدرار الربح. وقد تضافرت عدة عوامل إقتصادية وإجتماعية وتكنلوجية عقب تفجير الثورة الصناعية لتبني سعر الفائدة سعياً لتسريع وتائر التنمية وتحقيق أقصى معدلات لتراكم الأرباح. منذ القرن السابع حتى يومنا هذا يواصل دعاة تحريم سعر الفائدة (....القرضاوي وآخرون ) إجترار مفردة سلفية أتيمة: "أى زيادة محددة سلفاّ مقابل أجل محدد ، فذلك هو الربا بصرف النظر عن أصل هذه المعاملة قرضاّ أو ديناّ أو بيعاّ!" ويستمرئون حالات إنفصامية لخداع الذات وتضليل الآخرين بأسلمة الصيرفة المستنسخة من النظام الرأسمالى.
أثبتت تداعيات الأزمة العالمية إفلاس العقل البشري المبهور بآفاق النظام الرأسمالي وكشفت عورات الإجتهادات المتسربلة بالجمود العقائدي في الأنظمة المعادية للرأسمالية وأكدت ضرورة إستدعاء بدائل نظرية وعملية تستنفر قدرات الإنسان في مختلف مجالات الحياة البشرية. وبما أن المجال لا يتسع لعرض ما آلت إليه تجارب أسلمة الصيرفة والإقتصاد في قعر دارنا (الإقتصاد الإنقاذي) وفي بلدان أخرى، نطرح المحاور التالية لمزيد من العصف الذهني:
 ما هى المعالم المميزة للإقتصاد الإسلامي ومكاسب الإنسان في إيران بعد مضي ثلاثة عقود على دولة الإمام الغائب؟ و/أو في السودان بعد إنحسارعقدين من عمرالأسلمة الإنقاذية؟
 هل تصلح نظريات وممارسات إقتصاد القرن السابع المستنسخة من حكم الخلافات الراشدة في صدر الإسلام للتحكم في تسيير العلاقات السائدة في مجتمعات متعددة الأديان والأعراق والمقاصد الدنيوية كما هو الحال في المجتمع السوداني؟
 هل يمكن تحقيق أى مستوى للعدالة الإجتماعية وتوزيع الثروة والمساواة في الحقوق والواجبات في نظام يحتكم إلى قوانين قدسية؟ منذ إنهيار الدولة العثمانية وحتى الآن لم يجرأ أى حاكم - يدعى أن الله إستخلفه في أرضه - على فرض الجزية لتؤديها الأقليات غير المسلمة وهى صاغرة ولم يتخل أى حاكم متأسلم عن إثقال كاهل المسلمين بأعباء إزدواجية النظم الضرائبية (الموروثة من الحكم الإستعماري + الزكاة والجبايات المفروضة بقهر الطغم المتأسلمة).
أستميح القارئ الكريم عفواّ إذا لم يعثر على جديد في مجمل محتويات و/أو توجهات هذا المقال. فقد حرصت على متابعة تداعيات الأزمة وردود الفعل الإجرائية والوقائية والعقائدية طوال ما يقارب الحول. لم أكتف بالرعي الجائر في حظائر الفكر الدينى والعلماني لإجترار السلفي أو الإستقواء بالمستحدث بل لجأت الى العصف الذهني لإستجلاء مسائل عدة إهمها (1) علاقة الأسلمة الإنقاذية بالأزمات والكوارث السابقة واللاحقة لإندلاع الأزمة العالمية (2) إستنساخ الصيرفة الإسلامية من ربوية الراسمالية الطفيلية (3) مآلات الحصانة الإسلامية و البديل الإسلامي في السودان والعالم العربي الإسلامي (4) سقوط أقنعة النخب المتأسلة وتمترسها في السلطة كطبقات وفئات مميزة. أبسط توصيف لمسرحية الأسلمة الإنقاذية تجسد في مقولة رائعة:"كشونا للجوامع ودخلو الأسواق"
وسأواصل – بمزيد من التركيز على مجريات الأحداث في السودان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.