بالصورة.. "الإستكانة مهمة" ماذا قالت الفنانة إيمان الشريف عن خلافها مع مدير أعمالها وإنفصالها عنه    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    إسبوعان بمدينتي عطبرة وبربر (3)..ليلة بقرية (كنور) ونادي الجلاء    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إِنها دولة العُصبة ولكن وطن من هذا!؟ .. بقلم: فتحي الضَّو
نشر في سودانيل يوم 05 - 10 - 2009

نَعم...إننا نقِر ونعترف أن الدولة السلطوية التي تجثم فوق صدورنا...هي دولة حزب المؤتمر الوطني. ولكن السؤال الذي لم نجد له اجابة، وطن من هذا الذي يرزخ تحت ويلات هذه الدولة ايضاً؟ الذي نعلمه أن السودان تعرَّض وبأسباب مختلفة لغزوات استعمارية متعددة في تاريخه، فالغزو التركي المصري وحَّد القطر، وقام بوضع كل المناطق التي يتكون منها السودان بحدوده الحالية تحت سيطرته، ومن ثمَّ اخضعها لحكم مركزي مباشر لأكثر من ستة عقود زمنية 1821-1885 لم تكن خلالها قد تحددت معالم الوطنية السودانية بعد، واستعرت عوضاً عنها النزعة القبلية في القرى والأرياف والبوادي كترياق سلبي ضد الاستعمار، وفي نفس الوقت (إتوركت) النخبة السودانية في المدن، وتطبعت بعادات وتقاليد وطباع المستعمر فجيَّرها كترياق ايجابي لصالحه. وبين سقوط الخرطوم 1885 في يد قوات المهدي، وسقوط امدرمان 1898 على يد قوات كتشنر، أقامت المهدية دولتها التي عمَّرت لفترة زمنية قصيرة (13 عاماً) تحت قيادة الخليفة عبد الله التعايشي (على إثر رحيل مؤسسها الامام محمد احمد المهدي بعد ستة أشهر من دخوله الخرطوم) ثمَّ إنتقل السودان إلى حقبة استعمارية جديدة، عُرفت بالحكم البريطاني المصري أو الحكم الثنائي، والذي دام لفترة مماثلة للحكم التركي السابق 1898-1956 وبرحيله أقامت النخبة السودانية دولتها الوطنية المستقلة بحدودها الادارية الموروثة من الاستعمار، إلى جانب توريثها جزءاً مقدراً من بيروقراطيته أيضاً. ولكنها لأسباب مختلفة فشلت في ادارة شئون البلاد، إذ تراوحت نُظمها السياسية بين ديكتاتورية مُستنسخة وديمقراطية مُصطنعة، وتخللتهما كذلك ثورات مؤودة وفترات انتقالية كسيحة، وهو ما سُمى بدوران الحلقة الشريرة، والتي توقفت (عقاربها) مؤخراً في الانقلاب العسكري العقائدي الذي نفذته الجبهة الاسلامية عام 1989 وبموجبه أسست دولة لصالح عُصبتها ذوي البأس تحت مسميات ودعاوٍ كثيرة، ثمَّ احتكرت تبعاً لذلك الوطن كله!
ولكن ما هو المؤتمر الوطني هذا؟ إنه الحزب الضرورة أو القائد أو الرائد أو العملاق كما تقول شعاراته نظرياً، ولكنه تاريخياً هو حركة الإخوان المسلمين التي تأسست أواخر الأربعينات ببدايات تنظيمية متعثرة، ولم تسجل وجوداً يذكر فى أول انتخابات عام 1953 والتي شارك فيها 1,687,000 ناخباً، ثمَّ إعتورتها سلسلة إنقسامات وإنشقاقات، وبنفس المستوى انتفى وجودها فى انتخابات عام 1958 التى كانت نتائجها مناصفة بين الحزبين الطائفيين، إلى ان ظهرت فعلياً أوائل الستينات تحت زعامة دكتور حسن الترابي، وشاركت للمرة الأولى في مايو 1965 في ثاني إنتخابات برلمانية، حيث حصلت على 5 مقاعد في الجمعية التأسيسية من جملة 1,898,000 ناخب وتغير أسمها إلى جبهة الميثاق الاسلامي، واستمرت كتنظيم سياسي صغير حتى أواخر الستينات، وتمددت بعد دخولها نظام نميري منتصف السبعينات، حيث غلبت النشاط التجاري والاقتصادي على السياسي، وتلقت بصورة غير مباشرة دعماً كبيراً من دول خليجية إزدهرت اقتصادياتها بعد الطفرة النفطية في أعقاب حرب اكتوبر 1973 وبعد سقوط نظام نميري غيرت جلدها وتسمَّت بالجبهة القومية الاسلامية، وشاركت في الحقبة البرلمانية الثالثة بعد حصولها على 51 مقعداً، علماً بأن ذلك لم يكن يعبر عن حقيقة حجمها الطبيعي (منها 23 من اصل 26 مقعداً في دوائر الخريجين بقانونها المثير للجدل) ذلك كان نسبته 18,4% من جملة 5,978,000 ناخباً أدلوا بأصواتهم لاختيار 240 مرشحاً (أجلت الانتخابات في الجنوب بما يوازي 41 دائرة) وفي العام 1989 إنقلبت على النظام الديمقراطي الذي كانت جزءاً منه، وسارت سفينتها تمخر عباب بحر يابس، إلى أن تعرضت لإنقسام في العام 1999 فيما سُمي بالمفاصلة بين الإسلاميين، حيث خرج نصف بزعامة الترابي (المؤتمر الشعبي) واستبقى نصف آخر نفسه في السلطة (المؤتمر الوطني) وعليه يكون حزب المؤتمر الوطني هذا، هو فعلياً نصف الحركة الإسلامية، وإحصائياً أقل من نصف مليون ناخب طبقاً لتقديرات الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وواقعياً هو الحزب الذي ليست له مرجعية، لا اسلامية ولا علمانية، وزوراً هو الحزب العملاق أو القائد أو الرائد كما تقول شعاراته وإعلاناته الدعائية المبثوثة بحجم مليون ميل مربع!
لكن كيف استطاع الحزب تزييف تلك الصورة؟ عقد الدكتور كمال عبيد وزير الدولة للإعلام، وأمين الإعلام في حزب المؤتمر الوطني مؤتمراً صحافياً يوم 28/9/2009 أعلن فيه إنطلاق فعاليات المؤتمر العام الثالث، وقال إن ذلك سيتم بحضور ستة آلاف عضو، و نحو 51 وفداً من 35 دولة عربية وأفريقية وأوربية وآسيوية. ومضى عبيد في حديث الأرقام بشيء من الزهو والإنتشاء فقال إن حزبه هذا (عقد 24179 مؤتمرا قاعديا بالولايات الشمالية بمشاركة 5,59 مليون عضو) ومع ذلك شكا من مضايقات للحزب بالولايات الجنوبية من قِبل الحركة الشعبية الشريك في الحكم (مما حال دون عقد المؤتمرات القاعدية بعدد من المناطق الجنوبية) ولهذا اكتفي الحزب القائد (بعقد 57 مؤتمرا بحضور أكثرمن 33 ألف عضو) ولم يكذب الرائد أهله فقد شاهد الناس في يوم الافتتاح ذلك العدد من الأعضاء يجلسون كالبنيان المرصوص في قاعة فسيحة! ولتأكيد ذلك تحدث دكتور نافع على نافع مساعد رئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر الوطني، وأمَّن على أرقام عبيد وزاد بما هو أبهى. ولكن فالسؤال الذي يطرح نفسه: إن كان عدد الناخبين في آخر انتخابات برلمانية ستة ملايين إلا قليلا كما اشرنا من قبل، فإن أرقام المؤتمر الوطني أعلاه تعني أن الحزب العملاق وضع (كل الصيد في جوف الفرا) أي أنه استحوذ على كل الذين يحق لهم التصويت يومذاك، ولم يترك لبقية الأحزاب شيئاً يومئذ. وقد يقول قائل ولكن سكان السودان تضاعفوا في العقدين اللذين جثمت فيهما العصبة على صدر البلاد والعباد. ذلك صحيح ولكن الأصح منه، أن أكثر من ستة ملايين سوداني أو يزيد احتوتهم المنافي والمهاجر وديار الاغتراب في هذه الحقبة، وأن نحو مليوني نسمة فروا بجلودهم إلى دول الجوار. وإن من مات كمداً لا يُحصي ولا يُعد، ومن راح غدراً وغيلة عدد يصعب حصره، وأن المحنة زادت ايضاً، وأن المصائب تفاقمت، وأن المشاكل تناسلت، وأن الهموم كثرت، وأن الأحلام تبعثرت، وبعد كل هذا هل ترى يا صاح أن الملايين الستة المذكورة ستُقبل أم ستُدبر؟ ولكن دعك من هرطقاتي التي لا تغنى ولا تثمن من جوع، وهب أن الأرقام التي ذُكرت صحيحة، فمن أين موَّل الحزب السيوبر مؤتمراته القاعدية تلك، وصولاً (لأم المؤتمرات) !؟
بالطبع السؤال ليس بجديد، سيَّما، والجميع يعلم أن الدولة والحزب هما (روح واحدة في جسدين) على حد تعبير شاعرنا الغنائي (السر دوليب) كما أن السؤال نفسه ليس بفريد، فقد سُئل عنه دكتور نافع على نافع في مؤتمر صحافي عقده يوم 20/11/2007 فأجاب بصيغة حلزونية غطتها كل الصحف ولم تخطر على قلب بشر! إذ قال وهو كالعهد به غير عابيءٍ بأية ردود فعل يمكن أن ترتسم على الوجوه الحيرى (لماذا الحديث عن المؤتمر الوطني، ماذا عن تمويل الأحزاب على مستوى العالم.. من يحدثنا عن كيف يمول الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري برامجهم.. وحزب العمال.. من يحدثنا عن ذلك؟! لماذا المؤتمر الوطني؟ لكن حقيقة اريد ان اقول حكاية عن المؤتمر الوطني وإمكاناته.. الناس مستغربين لها جداً، لهم حق يستغربوا، لانه نحن قاموا سألونا: المؤتمر الوطني مثل الإنقاذ.. سألونا سؤال واسع جداً في ان الانقاذ الذي تعمله، من اين؟! عندما بدأت في الكباري والجسور، واحد من السفارات الغربية قال الإنقاذ هذه قفلنا عليها المنافذ كلها، أيضاً شغالة في الكباري.. قال من أين لهؤلاء هذه الاموال؟! رد عليه احد العارفين وقال له: حكاية الانقاذ هذه معاكم تبقى زي حكاية مريم (عليها رضوان الله) مع زكريا، كل ما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً، قال: يا مريم أنا لك هذا؟! قالت: هو من الله يرزق من يشاء بغير حساب.. كلما دخلوا المؤتمر الوطني سوف يجدون عندنا رزقاً، ان شاء الله سبحانه وتعالى، وسعة في كل الإمكانات، وإن سألوا سوف يكون الخطاب: إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) وما على الذين يصعب عليهم التواءم مع اجابة كهذه في شأن يتطلب وضوحاً وشفافية، سوى مطالعة صحف الجمعة أول من أمس 2/10/2009 فقد ذكر بعضها في خبر موحد أن السيد عبد الحكم طيفور القطب الاتحادي الديمقراطي إنضم للمؤتمر الوطني وتبرع في نفس الوقت بشيك بمبلغ مائة مليون جنية! وما على المستغربين الذين لا يودون تصديق هذه المبالغة سوى الإذعان إلى أن جنود المحراب المجهولين تحولوا لبشر سوياً، فأثناء مخاطبته المؤتمرين قال دكتور نافع أيضاً (إنهم استنفروا أهل الخير والمال عن تمويل المؤتمر) وجاءت الاجابة على حد زهوه فوق التصور (في جلسة واحدة حضرها اكثر من 50 من اثرياء الحزب تم التبرع بنحو 15 ملياراً دفع نصفها بشكل فوري) إذاً هكذا يا كرام تسير القافلة، فلماذا سوء الظن طالما أن في هذا البلد الأمين قوم يقدرون النشاط الحزبي حق قدره!
نحن يا سيدي شعب طيب، كنا نعتقد وحتى لحظة حديثك هذا أن سدنة الحزب العملاق يؤمنون أن الأموال العامة حِلٌ لهم، طالما أن الدولة التي تجثم على انفاسنا هي دولتهم، فلا غروَّ إن اعتقدوا أن (الجيب واحد) كما تذهب في ذلك الحكمة الشعبية المتداولة، وإلا فليقل لنا أحد الكوادر الطليعية لهذا الحزب الضرورة كيف تسخر وسائل الاعلام - التي يقال عنها قومية – لصالحهم ويحرم منها الآخرون. وهذا ما كشفه مؤتمر جوبا الذي تزامن مع مؤتمر الوطني. والمفارقة أنهم لم يُحرِّموها على المشاركين في مؤتمر جوبا وفيهم الشريك الذي كان المؤتمر تحت رعايته، وإنما تحولت إلى مصدر للدعاية المغرضة ضد المؤتمر ومن شارك فيه، وقد استخدمت في سبيل تحقيق هذه الغاية النبيلة مختلف اسلحة الدمار الشامل. كانت الحملة تدعو للأسى لأنها من قبل أن تقلل من شأن المستهدفين استخفت بعقول المشاهدين. ولنذكر مثالاً كان غاية في الغرابة والسذاجة معاً. فثمة من أوحى أن ينقل (المعركة) المفتعلة إلى خارج الحدود، وشاء أن تبحر الأزمة بكل سوءاتها من جنوب الوادي إلى شماله. إذ اجتهد تلفزيون جمهورية المؤتمر الوطني أن ينقل رسالة مراسله في القاهرة ويدعى محمود حسين ويرددها طوال يوم 26/9/2009 بقوله (تتابع مصر الرسمية والشعبية بعين الريبة والشكوك مؤتمر المعارضة في جوبا، الذي يتميز بالغموض من حيث الأشخاص أو الأجندة ووصفته بأنه مؤتمر بلا لون ولا طعم ولا رائحة) ولم يكتف بهذا الافتراء وإنما ختمه بالأمر الذي فيه يستفتيان (هكذا تبدي النخبة المصرية شكوكاً في نوايا المشاركين في هذا المؤتمر وترى أنه لن يحقق الفائدة للشعب السوداني) الجهاز العجيب لم يترك أحداً إلا ومنحه (المايكرفون) ليصب جام غضبه على المؤتمر والمؤتمرين في جوبا، وبعضهم أظهر مزايدات تدعو للحزن والرثاء. مع أن الأمر كان في غاية البساطة فليس ثمة ما يثير حفيظة أي انسان حيال قناعة بعض المواطنين الذين قرروا التداول في قضايا هذا الوطن، طالما أن ذلك حق كلفهم لهم الدستور الانتقالي الذي وقعت عليه العصبة. لكن أن يكتشفوا أنه لا يسوى ثمن الحبر الذي كُتب به، وأن حقهم هذا لا يمكن ممارسته إلا بإذن من الحزب القائد، وأن الحزب القائد هذا منح ذات الحق لعصبته ليتمددوا في ذات الوسائل الإعلامية كيفما أتفق، فهذا لعمري ما يمكن أن يضاف لعجائب الأشياء وغرائب الزمان. لا يدري المرء ما الذي يجعل مؤتمر الحزب الرائد في الخرطوم محفوفاً بالملائكة ومؤتمر معارضيه في جوبا محشوداً بالشياطين؟ لماذا حلال عليه وحرام عليهم؟ وطالما أنه مؤتمر فاشل كما رددت ذات الوسائل الإعلامية، وأن مقرراته وتوصياته لا تهمهم في كبير شيء، فلماذا السعار السياسي والاعلامي الذي سيطر على العصبة؟ في الواقع تلك اسئلة رغم موضوعيتها قد تبدو للقاريء الذي خبر شتى أشكال فساد السلطة إنها اسئلة ليست بذات بال، ولهم في ذلك حق طالما أن تلك الفئة اختطفت الوطن بكل امكاناته وجعلته رهينة في يدها!
بيد أنه لو كان الصرف البذخي على كيانات هلامية يجدي نفعاً، لكان الاتحاد الاشتراكي (العظيم) الذي بناه نميري صرحاً تهوى إليه أفئدة وتهفو له قلوب حتى اليوم (فوفقاً لبيتر ودوارد/ السودان الدولة المضطربة) الذي أورد احصائية رسمية عن ذلك الكيان البيروقراطي المنقرض (عندما كان في ذروة نشاطه في العام 1974 ضم الاتحاد الاشتراكي 6381 وحدة أساسية، ولكن اتضح بعد حين أن معظمها لا يمارس نشاطاً سياسياً متعارف عليه) لأن المعروف - مثلما هو الحال راهناً - أن أنشطته كانت محصورة في تنظيم مظاهرات التأييد وتدبيج تظاهرات التنديد، وإخوة لهم كانوا يقولون لنا يومذاك مثلما قالوا لنا هم اليوم، أن عضويته بلغت أكثر من عشر ملايين منتسب، وهي نفس الملايين التي تبخرت ساعة أن اندلعت الانتفاضة في العام 1985 فلم يجد أبو القاسم محمد ابراهيم والرشيد الطاهر بكر ومحمد عثمان أبو ساق، سادة الاتحاد الاشتراكي (العظيم) وقادة مسيرة (الردع) حشداً يسدوا به رمقهم في السلطة التي تهاوى عرشها. كما ان لنا في الأصل أسوة، فقد قيل ايضاً أن اعضاء الاتحاد الاشتركي المصري تجاوز العشرين مليوناً، ولا تسأل يا قارئي عن عضوية الحزب الشيوعي في الدولة الأعطم، فذلك مما تجحظ له العيون وتفر منه القلوب رعباً، فلماذا ذهب جميعهم كما يذهب الزبد الجفاء؟ ذلك ببساطة لأن كلنا يعلم أن الأنظمة الشمولية تخلط خلطاً مريعاً بين الولاء للوطن والخضوع للدولة، وتظن أن مجرد نقدها هو نقد للوطن، وتعتقد أن التعرض لسياساتها هو إنتهاك لحرمات الوطن، وتؤمن بأنها القابض والباسط، وتتوهم أنها المانح والمانع، ولنا فيما قاله كمال عبيد نفسه مثلاً ساطعاً (آخر لحظة 29/9/2009) وذلك في معرض تعليقه على الرقابة القبيلة التي رفعت قبل ايام قلائل، إذ قال (إنه يمكن فرضها من جديد إذا دعت الحاجة) وبالطبع لا عزاء للمكلومين، فمن نكد الدنيا على مواطني هذا البلد الحزين أن الأنظمة القهرية تبذل جهداً خرافياً لتخليد دولتها بغض النظر عن بؤسها. فهي تلجأ إلى استمالة المفكرين والمثقفين والصحفيين والمسرحيين والمغنيين والشعراء والكتاب، فتغتر حينما تجد بينهم إنتهازيون ممن برع في صنع (خيالات المآته) فلا غروَّ بعدئذٍ أن زال من مخيلة الناس وانمحى من ذاكراتهم بمجرد تهاوي العرش (المكين) لأن المال وحده - يا سادتنا - لا يصنع مجداً، والمال لا قيمة له إن لم يكن مصحوباً بالقيم السامية، والمال لا يمكن أن يشترى مباديء...فمتى تعلمون أن الحياة بلا مباديء أشبه بجسد بلا روح!
أنظر وتأمل يا هداك الله، بعد عشرين عاماً من الحكم الشمولي، أدرك الحزب العملاق الذي اقصى القوى السياسية وحرمها من حقوقها المشروعة أن (الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية هي الطريق نحو دولة الرفاه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي) بعد عشرين عاماً من الحكم القهري، أيقن الحزب القائد الذي مارس الاقصائية دون حياء أو خجل أن (الحرية هي أصل مبادئنا والانتخابات هي أرقى شيء يمكن أن يقود للتطور البشري والحضاري) بعد عشرين عاماً من الحكم الاستعلائي، اكتشف الحزب الرائد الذي حرم الناس اللهو والغناء وأقام سرادقاً للعزاء في كل بيت أن (الحرية ستكون سبباً في الازدهار والنمو ومصدراً للإلهام والابداع والفن) بعد عشرين عاماً من الحرمان، ادرك الحزب العتيد الذي قطع الأرزاق وفصل مئات الآلاف تعسفياً أن (قطع الكهرباء عن محطات المياه خطاً أحمراً يمكن أن تتطاير معه رؤوس) بعد عشرين عاماً من الحكم الاستبدادي، أيقن الحزب التليد الذي كمم الأفواه وبطش بمعارضيه في بيوت سيئة السمعة أن (الحوار ومرجعية الشعب هي في الاختيار لحل جميع مشكلاتنا السياسية والاجتماعية) بعد عشرين عاماً من الحكم الظلامي، انتبه الحزب المستنير الذي أجج الحرب جنوباً بإسم الجهاد، وكان وقودها الطلاب والبسطاء أن (وحدة السودان هدف استراتيجي لا عدول عنه وسبيلنا الي تحقيقه هي الوسائل السياسية بالإقناع وبناء الثقة، واشاعة العدل الاجتماعي والسياسي) بعد عشرين عاما من الحكم المتجبر، أدرك الحزب الذي بشَّر دول العالم بالعذاب المستطير أن (العلاقات الخارجية تؤسس لعلاقات صداقة مع الجميع، قائمة علي أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وتسعي لتقوية علاقات الصداقة مع الصين وبقية دول آسيا، وتتطلع الي علاقات وثيقة مع روسيا، وتسعي لعلاقات من التكامل والائتلاف مع عالمنا العربي والافريقي وتجتهد في تطوير علاقاتنا في اتجاه بناء اتحادات اقليمية فاعلية وتسعي بصدق لتأسيس علاقات تفاهم مع أوروبا وأمريكا) بعد عشرين عاماً من التجهيل المستمر مطلوب منكم ايها القراء الكرام أن تصدقوا ما بين الأقواس، فذلك حصيلة مؤتمر البؤس والانتهازية!
ويلٌ للمطففين في ميزان الأوطان، الذين إذا كالهم الشعب أو وزنهم حتماً سيخسرون. نعلم أنها دولتكم ولكن قولوا لنا بربكم الذي فطر السموات والأرض وطن من هذا؟ فنحن نطمح فقط أن تستقيم حياتنا على بساط الحقوق والواجبات كسائر خلق الله...بعيداً عن الدعايات الانتخابية الزائفة وإستمراء خداع الناس!!
عن (الأحداث) 4/10/2009
لمزيد من مقالات الكاتب يرجى زيارة مكتبته على الموقع التالي:
http://www.sacdo.com/web/forum/forum_topics_author.asp?fid=1&sacdoname=فتحى الضو&sacdoid=fathi.aldaw


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.