الارصاد تحذر من هطول أمطار غزيرة بعدد من الولايات    استشهاد أمين عام حكومة ولاية شمال دارفور وزوجته إثر استهداف منزلهما بمسيرة استراتيجية من المليشيا    المفوض العام للعون الإنساني وواليا شمال وغرب كردفان يتفقدون معسكرات النزوح بالأبيض    اليوم آخر أيام الصيف فلكيًا    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    د. معاوية البخاري يكتب: ماذا فعل مرتزقة الدعم السريع في السودان؟    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    إدانة إفريقية لحادثة الفاشر    دعوات لإنهاء أزمة التأشيرات للطلاب السودانيين في مصر    الاجتماع التقليدي الفني: الهلال باللون باللون الأزرق، و جاموس باللون الأحمر الكامل    يا ريجي جر الخمسين وأسعد هلال الملايين    الشعبية كسلا تكسب الثنائي مسامح وابو قيد    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    الأهلي مدني يبدأ مشواره بالكونفدرالية بانتصار على النجم الساحلي التونسي    كامل إدريس يدين بشدة المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في مدينة الفاشر    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدجل والشعوذة في كتابات سعد أحمد سعد !! تعقيب (2-3) .. بقلم: محمد محمد الأمين عبد الرازق
نشر في سودانيل يوم 24 - 02 - 2014

اعتاد السودانيون عند حدوث تداخل بينهم وبين الأرواح السفلية، أن يلجأوا إلى الشيوخ المشهود لهم بالصلاح، والكفاءة في طرد الأرواح والهيمنة عليها.. هذا واقع معروف في المجتمع السوداني، وكثيرا ما يخلط الناس بين الأمراض العصبية والنفسية، وبين تداخل تلك الأرواح، مما أعطى الفرصة للدجالين لاستغلال حاجة الناس لجمع المال، بل اتخذ بعضهم هذا المجال مهنة، وسأتعرض لمواجهة حاسمة نفذها الأستاذ محمود في هؤلاء الدجالين وكتب تفاصيلها بنفسه، وذلك فيما يلي من حلقات.. وفي مرة حدث تداخل مع روح سفلي أزعج أسرة سودانية، وكان يرمي بأواني المطبخ في بئر بيت الأدب، ويكسر أزيار الماء، وفي الليل يضايق الأطفال ويمنعهم النوم، وأحيانا يشعل النار في أشجار المنزل !! بحثت هذه الأسرة عن منقذ في أوساط شيوخ المتصوفة، ولكنها اهتدت بمعاونة بعض أقاربها من الجمهوريين، إلى الأستاذ محمود، وبلغته الشكوى.. ولم تكن هذه الشكوى هي الأولى فقد سبقتها شكاوى مماثلة، وعولجت بنفس الأسلوب..
أرسل الأستاذ محمود وفد من الأخوان الجمهوريين بقيادة الأخ الطيب محمد الحسن وهو من مدينة كوستي، وكانت الخطة أن يهدوا صاحب المنزل نسخة من كتاب طريق محمد بقلم الأستاذ محمود، وهو كتاب يصف السنة النبوية، بمنهج تقوم عليه عبادة الجمهوريين.. وأن يبلغوه وصية الأستاذ محمود بأن يطبق طريق محمد، ليتمكن من طرد مثل هذه الأرواح بنفسه إذا عاودته في المستقبل، وإذا لم يفعل ذلك فلن نتعاون معه مرة أخرى.. وكانت الخطة كالآتي: أن يرفع الآذان عند كل صلاة بالمنزل، وأن يصلي كل أعضاء الوفد موزعين على الغرف، وعند صلاة قيام الليل الفردية، يتناوب الأعضاء في الصلاة حتى لا تنقطع قراءة القرآن طيلة الليل، هذا بالإضافة إلى الإنشاد ألعرفاني في غير أوقات الصلاة.. ونفذ الوفد بدقة هذه البرنامج بدون خوف، وأثناء الليل فجأة سمعوا أبواب المنزل والشبابيك تضرب بلا فاعل ظاهر، ولم تكن هناك رياح يمكن أن ينسب لها هذا الفعل.. وعند الصبح وجدوا كتابة بالفحم على الحائط، محتواها " لم أقم بهذا الإزعاج من تلقاء نفسي وإنما كنت مكلفا من الفكي فلان الفلاني مقابل مبلغ من المال أخذ من فلانة !!".. ويقول الأستاذ هاشم فتح الرحمن عضو الوفد أنه لم يشاهد في حياته قط، خطا أقبح من خط هذا الشيطان !! وانتهت المشكلة باستيقان أصحاب المنزل بأن هذه الروح لم تعد بالمنزل..
هذا نموذج للمحاربة الفعالة للدجل والشعوذة، بإفساد فعاليتها وهزيمتها عمليا، ويقول الأستاذ محمود أن صمام الأمان ضد الأرواح السفلية هو تطبيق المنهاج النبوي بما فيه قيام الثلث الأخير من الليل.. فالتسلط على الناس من جانب الشيطان سببه الأساسي الغفلة عن الله، والقرآن حاسم إذ ورد فيه " إن كيد الشيطان كان ضعيفا "..
فيما يلي يمكن أن نستعرض، بعض مداخل الشيطان على الإنسان، وكلها مداخل متعلقة بضعف تطبيق تعاليم النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. وعندما نذكر أثناء ذلك حكايات من سلوك الأستاذ محمود لا نبغي إثبات خلو ساحته من الشياطين، وكأننا نرد على السيد سعد أحمد سعد، او الصحفي مصطفى أبو العزائم الذي تورط في نفس الهلكة، وسأورد ما كتبه بصحيفة آخر لحظة بتاريخ 1/8/2009م لاحقا.. فالأستاذ محمود أكبر من أن نثبت نظافة ساحته نحن، ولكننا إنما نرمي إلى توفير المعلومات للشعب السوداني حتى يعرف من أين يأخذ دينه من بين الدعوات التي تعج بها ساحة المجتمع.. جاء في الحديث: " دينك.. دينك يا ابن عمر !! لا يغرنك ما كان مني لأبويك، خذ ممن استقاموا ولا تأخذ ممن قالوا ".. لقد أهدى الأستاذ محمود أحد كتبه هكذا: إلى الشعب السوداني الذي لا تنقصه الأصالة، وإنما تنقصه المعلومات الوافية وقد تضافرت شتى العوامل لتحجبه عنها..
المدخل الأول: الكذب.. قال تعالى: (( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ؟ .. تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ 223 )) [الشعراء :] "..
لقد اتضح من الحلقة الأولى، كيف مارس السيد سعد أحمد سعد الكذب الصراح، في حق الأستاذ محمود والجمهوريين، مع سبق الإصرار، وبذلك يجعل من نفسه بيئة مهيأة لتسكن فيها الأرواح السفلية ؟؟ على كل حال، نحن هنا نهدي إليه هذا البحث في مداخل الشيطان على الإنسان، حتى يتدارك أمره بالإقلاع عن هذه الصفة الذميمة التي تعتبر أكبر مدخل للشيطان على الإنسان..
أما شخصية الأستاذ محمود، فيكفي للتعرف عليها من هذا المدخل، أن نستمع إلى الأستاذ عبد العزيز شدو المحامي وهو يتحدث لصحيفة الصباحية بتاريخ 27/6/2000م:
السؤال: ما هي المناسبة التي تعرفت فيها على محمود محمد طه ؟؟
الإجابة: كنت في ذلك الوقت عام 1956م القاضي الجزئي بمدينة كوستي، وكان القاضي المقيم هندي الجنسية، يدعى مصطفى حسن.. وشاءت الظروف أن ألتقي بمحمود محمد طه في قضية تتعلق بمشروع زراعي .. ومن المعروف أن محمود كان مهندسا زراعيا، وقد طلبه أحد الأفراد لنظام متعلق بمشروع زراعي، فحضر محمود إلى المحكمة بوصفه شاهدا فقط، وهذه كانت المرة الأولى التي ألتقيه فيها..
سؤال: وما الذي دار في وقائع تلك القضية ؟؟
الإجابة: لقد أدهشتني شخصية محمود محمد طه القوية والمتماسكة، وما زاد دهشتي أكثر رفضه لأداء القسم، وطلب من المحكمة الموقرة أن تقبل أقواله من دون أن يؤدي اليمين، ورفض نهائيا أن يقسم على المصحف لأنه كان واثقا من نفسه، ومن أقواله وأنه لن يقول إلا الحق، فهو لا يخشى في قول الحقيقة لومة لائم..
سؤال: هل قبلت المحكمة شهادته بدون اليمين ؟؟
الجواب: الحقيقة لم استطع أن أفرض عليه أن يقسم على المصحف، وأن تكون شهادته بعد أداء القسم، وذلك لأني شعرت بأنه صادق، فخيرت الأطراف داخل المحكمة في أن يقبلوا أو يرفضوا، فوافقوا ، وأخذنا شهادته دون أداء القسم !! وحكمت القضية بأقوال محمود محمد طه بلا يمين، وبعدها تعمقت العلاقة بيني وبينه.. انتهى..
هذا نموذج لفعالية الصدق في معالجة قضايا المجتمع، لقد كانت هذه الحادثة أول سابقة قضائية تعتمد فيها شهادة شاهد بدون يمين.. والسبب المباشر الذي دفع القاضي لاعتماد الشهادة هو موافقة المتخاصمين ليقينهم التام بأن الأستاذ محمود لا يمكن أن يكذب، فهو على حالة قسم داخلي على الدوام وليس في حاجة للشكل.. فأين موقع صاحبنا سعد أحمد سعد من مثل هذه الروعة في المواقف !!؟؟
المدخل الثاني: ترك الصوم.. جاء في الحديث النبوي: " إن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالصوم ".. وورد في الحديث القدسي: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجزي به " وجاء أيضا: " الصوم ضياء والصلاة نور ".. إذن العبد الصوام، القوام ، لا يمكن أن يقترب منه شيطان، لأن مجاري الشيطان قد أغلقت بموالاة الصوم.. لقد كان الأستاذ محمود كثير الصيام، وكان إذا وجد واحدا من تلاميذه يقضي أياما فاتته في رمضان، فإنه يصوم معه على الفور جميع أيامه، وذلك لشدة محبته للصوم..
لقد سجن الأستاذ محمود مرتين في عام 1946م: الأولى بسبب إصداره منشوراً سياسياً، ضد الإنجليز، والثانية بسبب ثورة رفاعة ضد قانون منع الخفاض الفرعوني.. وكان الأستاذ محمود يتخذ من فترة السجن خلوة للعبادة، الصلاة والصوم.. وكان يصوم صيام المواصلة، النهار والليل لمدة سبعة أيام متتالية، فاعتبره المراقبون للأحداث مضرباً عن الطعام ، ونشرت الصحف متابعة لأيام الصيام المتتالية ..
ففي الرأي العام 24/10/1946م جاء في كلمة تحت عنوان (خواطر) ما يلي: (شاءت الحكومة أن تضع الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري، في الدرجة الثالثة بالسجن حيث يلقى المعاملة التي يعامل بها حثالة المجرمين من أحقر طبقات المجتمع.. وكان أن صام الأستاذ محمود ، وأضرب عن تناول الطعام، والشراب منذ أربعة أيام، احتجاجاً على هذه المعاملة القاسية).. وفي نفس العدد: (بهذا اليوم أتم الأستاذ محمود رئيس الحزب الجمهوري السجين، ستة أيام من صيامه.. وقد أغلقت أمس أندية الخريجين في مدني، والأندية الرياضية، احتجاجاً على سوء معاملته.. وتتوالى برقيات الحزب الجمهوري والمواطنين على السلطات بالاحتجاج) .. هذا وقد صححت أسرة الأستاذ محمود الخبر بأن الأستاذ صائم، وليس مضرباً عن الطعام، عبر الخطاب الآتي من التوم محمد حمزه:
(حضرة رئيس تحرير الرأي العام .. بالإشارة إلى الخبر المنشور في صحيفتكم عن إضراب رئيس الحزب الجمهوري عن الطعام، أعرفكم أن الأستاذ محمود كان صائماً في اليوم الذي اعتقل فيه، و ليس مضرباً، وأنه قد افطر ليلاً.. وقد قابلت ضابط السجن بوصفي خالاً للمعتقل في يوم وصوله، وسمح لي بتقديم الطعام إليه في كل يوم ، ومن هذا يتضح أن الأستاذ لم يكن مضرباً عن الطعام كما نشر ، وختاماً تقبلوا سلامنا .. الرأي العام 5/11/1946م) ..
وفي لقاء لطلاب معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم ، مع الأستاذ محمود بمنزله قال في الرد على سؤال حول ذلك السجن: (بدأ السجن في مدني .. ويلاحظ برضو أنو المحكمة كانت زي سجنتني في الدرجة الثالثة ، ما ذكرت معاملة خاصة .. في مدة الاحتجاز قبل السجن، كنت أعامل كسجين درجة ثانية، لكن المحكمة ما ذكرت التمييز دأ فكان الاتجاه انو أكون سجين درجة ثالثة.. بدأت بطبيعة الحال بنفس الأسلوب بتاعي، اللي هو الصيام الصمدي، فكان سبعة أيام ما في أكل ولا شراب، لا بالليل ولا بالنهار.. وكانوا يجيبوا الأكل بتاعهم يختوهُ، وبعدين يشيلوهُ ، ويجيبوا الوجبة البعده، والأخوان من بره يتكلموا عن الإضراب عن الطعام لسوء المعاملة.. هم الأخوان الجمهوريون عارفين أنو صيام.. بدت الحركة الثانية بالصورة دي، بعد السبعة يوم في اليوم الثامن عدلوا السجن إلى الدرجة الثانية.. سجن مدني ما فيه مكان لمساجين الدرجة الثانية.. استمريت زي ثلاثة شهور في سجن مدني .. فتقرر في الآخر أني أجي كوبر)..
تلك كانت تجربة الأستاذ محمود في الصيام الصمدي.. والصيام الصمدي معروف في السنة النبوية، فقد كان النبي الكريم عليه أفضل السلام وأتم التسليم، يصومه .. وعندما حاول الأصحاب أن يقلدوه فيه، منعهم فقالوا: إنا نراك تواصل يا رسول الله.. قال: إني لست كأحدكم فإني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني.. وبالطبع لا يطعمه خبزاً ولا يسقيه لبناً ، وإنما هي أنوار اليقين بالله ، فالحياة في الأساس ممدودة روحياً من الله.. ونحن نعلم أن صيام المواصلة وصل في بعض الأوقات خمسة عشر يوما متتالية، وأكثر وصل تسعة وعشرين يوما !! لكن أغلبه كان سبعة أيام..
المدخل الثالث: البخل.. قال تعالى: " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة : 268]".. قوله " يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ " يعني يخوفكم عواقب البذل، فالشح والبخل من مداخل الشيطان على النفوس.. ولذلك فإن من يستجيب للشيطان، ويخزن المال بالرغم من الحاجة الماسة له عند الفقراء، فلا بد أن يطرد من حضرة الله، ويستبدل بآخر أكفأ منه في هذا الجانب.. قال تعالى في هذا المعنى: (( هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )) ..
أما الأستاذ محمود فلم يكن يدخر رزق اليوم لغد، تأسيا بالنبي الكريم، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويعرف هذا الحقيقة كل من عايشه، خاصة سكان مدينة كوستي التي قضى فيها سنوات من عمله في مجال الهندسة الزراعية.. وأثناء إقامته في كوستي، زاره مرة، أخوه السيد أحمد محمد طه، ليقضي معه بعض الوقت، فلاحظ السيد أحمد كثرة السائلين من ذوي الحاجات المتنوعة، من نساء ودراويش وفقراء، ولا يكاد يبقى في يد الأستاذ قرش واحد عند نهاية اليوم !! لم يكن أحمد مرتاحا لهذا السلوك المحير، فأشفق على أخيه من الإفلاس إذ أن هذا الوضع المنفلت، حسب تحليله هو، سينتهي بصاحبه إلى نفس مصير هؤلاء الفقراء، وذلك لأن الدنيا غير مضمونة، ولأن الحديث وجه: ( لأن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم فقراء يتكففون الناس) .. وفي قمة هذه الهواجس النفسية، أتى سائل فأعجبه راديو ماركة فيليبس الألمانية، كان أمام الأستاذ، فسأل الأستاذ الراديو بلا تردد، وعلى الفور أجيب سؤاله !! فحز في نفس أحمد هذا التصرف، لأنه فقد الراديو الوحيد الذي كان يؤانسه في فترة غياب الأستاذ الطويلة طيلة النهار، فخرج إلى سوق مدينة كوستي ليزور التجار من أقاربه من مدينته رفاعة.. وكان يبدأ بعد السلام، بسؤال: بالله عمرك شفت ليك راديو بيشحدوهُ ؟؟ ثم يذهب إلى آخر ويكرر نفس الموضوع: يا أخوانا حصل سمعتوا ليكم بي راديو شحدوه ؟؟ وعندما يجيبون بلا.. يرد: دأ حصل اليوم في بيت أخوي محمود !!
ثم عاد في المساء ليلتقي بالأستاذ لذي عودته من العمل، لكنه في الصباح الباكر عند مجلس شرب الشاي، حزم أمتعته، ولف عمامته وقال للأستاذ أنه على سفر !! فسأله الأستاذ: إلى أين ؟؟ أجاب: راجع رفاعة.. الأستاذ، لكن يا أحمد إنت ما عندك معانا أيام !؟ أجاب: والله يا محمود أخوي أنا خفت يجي واحد من الشحادين بتاعنك ديل، يقول ليك أديني أحمد أخوك دأ، تقول ليه شيلو !! نبقى في مشكلة ما حصلت في التاريخ !! فضحك الأستاذ كثيرا لهذا التفاعل النفسي الطريف..
المدخل الرابع: الفرار من الزحف.. قال تعالى)) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ، وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ ، إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران : 155] (( .. والمعنى واضح، فالشيطان يدفع الضعفاء للفرار يوم الزحف.. لقد شاهدنا كيف واجه الأستاذ محمود نظام مايو، بثبات حير جميع خلق الله، مؤيدين ومعارضين، وبدا مبتسما، وهو يقف على قمة المقصلة !! حتى إن الكاتب أسامة الخواض قال: لقد كتب الأستاذ محمود بهذا الموقف كتابه الأخير: " تعلموا كيف تموتون"..
يا ترى هل نحن بحاجة إلى الحديث حول هذا المدخل بعد الثبات الذي شاهدناه في وضح النهار بسجن كوبر يوم 18يناير 1985م!!؟؟
على كل حال يكفينا قولة عامل المقصلة: محمود صعد إلى المقصلة، كأنه ذاهب إلى بيته !!؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.