[email protected] لربما انتهز الساسة في الجنوب سانحة الذكرى 45 لثورة أكتوبر 1964 ليتخلصوا من التاريخ الرديء الذي نشأوا عليه عن الشمال الظالم ناكر الوعود بإطلاق. وقد بلغ بنا أدماننا هذا التاريخ أن تواثقنا الآن على أن الجنوب سينفصل لا محالة. ولم يتبق سوى انتظار استفتاء 2011 لوداع قاس يجلله اعتذار شمالي إجمالي عن ذنب الجنوب. وقد يلطف هذا الوداع رباط كونفدرالي هش عسى المستقبل يجمع الشتيتين. الشمال وقواه الاجتماعية أوسع من المؤتمر الوطني الذي حيَّر العباد. ومثلت ثورة أكتوبر شمالاً للوحدة. فالثورة ذاتها نشأت في سياق ندوات طوقت الحكومة لتكشف عما يجري في الجنوب. وتشكل أكثر وعي الشمالييين الإيجابي بالجنوب في بوتقة مؤتمر الدائرة المستديرة (1965) لحل مسألة الجنوب. فاستقرت لنا منذ أكتوبر معان مثل اختلاف الجنوب عنا كآخر مستحق لمواطنة نوعية أخرى. فتوقفت الدولة عن اشتراط تعلم اللغة العربية للترقية كما استكملت مبدأ العمل المتساوي للأجر المتساوى بمساواة أجور عمال اليومية الجنوبيين برصفائهم في الشمال. وألهمت هذا المعاني عن الآخر حتى نظاماً مستبداً كالنميري فضمنها اتفاقية أديس أبابا للسلام في 1972. ولم تخف أكتوبر سوءة نظام عبود في الجنوب. فكونت لجنة لتقصي التعذيب فيه سافر منها السادة قرشي محمد فارس وعباس أبو شامة ورين ماك إلى قوقريال لتحري بلاغات تعذيب هناك (الأيام 6 يناير 1965). وذكر القاضي صلاح شبيكة أن التحقيق في حوادث التعذيب في أعالي النيل شمل 22 شخصاً منهم مفتش كدوك وضابطاً بحامية أعالي النيل وعدداً من رجال البوليس والسجانة واثنين من التجار الشماليين. وقال إن التحقيق معهم جاء على أثر تلقي بلاغات ضدهم بموجب قانون العقوبات والإجراءات الجنائية. وقال إنه سيرفع تقريراً عن التحقيق للجهات المختصة بعد عودته إلى الخرطوم (الرأي العام21 -1-65). أين تقرير هذا التحقيق؟ وكيف يستقيم إعتذار للجنوب كما يدعو إلى ذلك نفر منا ومثل هذا السجل مجهول يأ ايها المعتذرون من رأسهم لا من كراسهم؟ أما أكثر اللفتات الأكتوبرية شغفاً بالجنوب هي اختيار السيد سر الختم الخليفة رئيساً للوزراء لسيرته الحسنة كموظف في الجنوب. يكفي أن شاعر الجنوب العظيم " أناي" سمى نفسه "السر" تيمناً به. وضرب الشمال بشرط السبق السياسي في رئيس الوزراء عرض الحائط. فلن تجد لسر الختم ذكراً سياسياً خلافاً للغالب من جيله. وظهرت أريحية سرالختم حيال الجنوب في تفهمه دوافع صفوته في اختيار السيد ازبوني منديري لمجلس الوزراء وهو في السجن. فأطلق سراحه وعينه وزيراً ليحل محل وزير جنوبي أدى القسم ولكنه استقال نزولاً عند إجماع الجنوبيين. أما الضربة الرمزية الكبرى لثورة أكتوبر حيال الجنوب فقد تمثلت في تعيين السيد كلمنت أمبورو وزيراً للداخلية. وكان العهد بوزراء الجنوب وزارة مثل "الثروة الحيوانية" حتى ذاعت النكتة عن وزير جنوبي رفضها بقوله: "أنى ما داير وزارة بتاع بقر دا!". والرمزية في هذه الخطوة أن كلمنت كانت قد تخطته السودنة في منتصف الخمسينات فلم يحظ (وهو المامور) حتى بوظيفة مساعد مفتش حكومة محلية. وقال بونا ملوال إن ظلامة كلمنت أصبحت رمزاً لسخط الجنوب ومقاومتهم. وصبر كلمنت على الظلم ولم يبدل عقيدته في وحدة السودان. فلم تمر 10 سنوات حتى تربع بفضل الثورة على هرم وزارة ظالمة. وزاد بونا أنه كان بوسع كلمنت أن يبيع ويشترى بوحدويته ولم يفعل ذلك وشعبه يخوض معركة للكرامة والحق. فوحدويته كانت وحدوية الشجعان التي تشترط لتلك الوحدة أن تكون على محجة العدل والنصفة. أما وحديو اليوم فهم يستنكفون ضريبة الوحدة: صبراً جميلاً وعزيمة . . . من موقع قوة كمان.