استوقف كثيرٌ من مراقبي الشأن السياسي السوداني داخل السودان وخارجه، هرولة السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي إلى الجبهة الثورية، التي أفضت إلى إعلان باريس الذي زاد من توتر العلاقة بين حزبه وحزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم)، بدعوى غير مُعلنةٍ من قبل المؤتمر الوطني، بأنّ السيد الصادق المهدي سارع إلى إجراء مفاوضات مع الجبهة الثورية في باريس، على الرُّغم من أنّ علاقته كانت قُبيل اعتقاله لقرابة الشهر أكثر قُرباً إلى المؤتمر الوطني. وتميزت تلكم العلاقة بشيءٍ من الخُصوصية، خاصةً بين الأخ الرئيس عمر البشير والسيد الصادق المهدي، إلى الدرجة التي ذهب بعض المعلقين - وأنا منهم - إلى أنّ هذه العلاقة كانت من أسباب التعجيل إلى الدعوة الرئاسية للأحزاب والقوى السياسية – حكومةً ومعارضةً، بما فيها الحركات المسلحة – إلى الحوار الوطني. فلم يغفر المؤتمر الوطني للسيد الصادق المهدي هرولته إلى الجبهة الثورية، وتبين ذلك جلياً من خلال أمرين، الأول الرفض - جملةً وتفصيلاً - لإعلان باريس دون إبداء أسباب مُعلنة، سوى أنه قفز على الحوار الوطني الذي بدأت تتشكل محاوره وتتضح معالم مساراته، بعد أن حدث فيه شيءٌ من تسريع خُطى الحوار الوطني. والأمرُ الثاني، اعتقال الأخت الدكتورة مريم الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي، بُعيد وصولها إلى مطار الخرطوم، بعد مشاركتها في مداولات ومفاوضات رئيس حزب الأمة القومي مع الجبهة الثورية، وصولاً إلى إعلان باريس، كرسالةٍ مغاضبة من المؤتمر الوطني إلى السيد الصادق المهدي. ولما كان الحزبان التقليديان (حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي)، عُرفا بالتنافس الشديد والغَيرة من بعضهما البعض، فإنّ الحزب التقليدي الآخر ألا وهو الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، بدأ يتململ من تحركات السيد الصادق المهدي، ويحسبُ في ذلك بعض المكاسب المتوقعة إذا نجح إعلان باريس في إحداثِ مقاربةٍ مع إعلان الخرطوم، أي الحوار الوطني. فبدأ إظهار هذا التململ وتلكم الغيرة بصورة تدريجية لا تُخفى على المراقب للشأن السياسي السوداني. أولاً ابتدار التوم هجو القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) والقيادي بالجبهة الثورية، فكرة أخذ صورة جماعية بينه وبين ياسر عرمان الأمين العام للجبهة الثورية، يتوسطهما السيد محمد عثمان الميرغني رئيس حزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، في إشارةٍ إلى تأييد الميرغني لإعلان باريس، ومن ثمّ تباينت التفسيرات حول هذه الصورة التي انتشرت في الوسائط الصحافية والإعلامية، لا سيما المواقع الإلكترونية، كانتشار النار في الهشيم. وصدر بيانٌ من المكتب الصحافي لمؤسسة الرئاسة، أُعلن فيه أنّ هذه الصورة توثق لزيارة اجتماعية لهذين القياديين من الجبهة الثورية إلى السيد محمد عثمان الميرغني في لندن. ونفى محمد سيد أحمد القيادي بالاتحادي الديمقراطي (الأصل) في صحفية "التغيير"، ما جاء في ذاكم البيان. ويجيءُ كل هذا في إطار التنافس والغَيرة الحزبية بين الحزبين التقليديين. وفي رأيي الخاص، أنّ هذه الغَيرة الحزبية، دفعت الاتحاديين إلى الإعلان عن موافقة الجبهة الثورية على مبادرة السيد محمد عثمان الميرغني، المتعلقة بالوفاق الوطني، مؤخراً. وأحسبُ أنّ هذا أيضاً يصبُ في الهرولةِ غير المبررةِ إلى الجبهة الثورية. وإن كنا نؤيد مثل هذه الهرولة، إذا كانت تدفع بأجنداتِ الحوار الوطني، لإقناع الحركات المسلحة بأمرين لا ثالث لهما، الأول إيقاف الحرب، وفقاً لترتيبات يتم التوافق عليها بين هذه الحركات المسلحة والحكومة السودانية، بعيداً عما يُعرف بوقف العدائيات، لأنّني أفدتُ من الملتقى الإستراتيجي للإعلاميين والعسكريين، الذي شاركت فيه لخمسة أيام، وخرجت بقناعة أنّ وقف العدائيات محصلته بالنسبة للطرفين - خاصةً القوات المسلحة - ليست مثل وقف الحرب. والأمر الثاني تقديم مطلوبات الحوار الوطني، وذلك من خلال ضمانات رئاسية للمشاركين من الحركات المسلحة، بعد بناءِ ثقةٍ، وتجسير التواصل بين آلية الحوار الوطني (7+6)، والحركات المسلحة عبر تهيئة المناخ الملائم، لبناء هذه الثقة، للإسهام في مداولات الحوار الوطني. وفي الوقت نفسه، ضمان التزام الأطراف كافة بمُخرجات الحوار الوطني ومآلاته، في معالجة الوضع السياسي والاقتصادي الراهن المأزوم. أخلصُ إلى أنّ الدعوة إلى الحوار الوطني لا بد من التبشير بها في الوسائط الصحافية والإعلامية، باعتبارها مدخلاً مهماً من مداخل حل المشكل السوداني. وأنّ مشاركة الحركات المسلحة تستجيب لأهم مرتكزٍ من مرتكزات خطاب "الوثبة" الرئاسية الذي أعلنه الأخ الرئيس عمر البشير يوم الاثنين 27 يناير 2014، ألا وهو المرتكز الأول الذي عُنى بقضية السلام، فهذا هو الأساس المتين الذي تُبنى عليه المرتكزات الثلاثة الأُخر (الحرية والاقتصاد والهوية). من هنا نؤكدُ أهمية أن تكون هرولة الأحزاب والقوى السياسية – حكومةً ومعارضةً – إضافةً إلى الجبهة الثورية نفسها إلى الحوار الوطني بعزيمةٍ وإصرارٍ، وإيمانٍ بأن حل المشكل السوداني يأتي من خلاله. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الله تعالى: " وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". وقول الشاعر العربي عمرو بن الأهتم التميمي: وكلُّ كَرِيم يَتَّقِي الذَّمَّ بالقِرَى ولِلخَيْرِ بينَ الصّالحينَ طَريقُ لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ نَمَتْنِي عُرُوقٌ من زُرَارَةَ لِلْعُلَى ومنْ فَدَكِيٍّ والأَشَدِّ عُرُوقُ مكارِمُ يَجْعَلْنَ الفَتَى في أَرومَةٍ يَفَاعٍ، وبعضُ الوالِدِينَ دَقِيقُ