بالصورة.. "الإستكانة مهمة" ماذا قالت الفنانة إيمان الشريف عن خلافها مع مدير أعمالها وإنفصالها عنه    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    إسبوعان بمدينتي عطبرة وبربر (3)..ليلة بقرية (كنور) ونادي الجلاء    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلايب بين الانتخابات السودانيّة والمصريّة .. بقلم: د. سلمان محمد أحمد سلمان ود. أحمد إبراهيم أبوشوك
نشر في سودانيل يوم 27 - 09 - 2014

حلايب بين الانتخابات السودانيّة والمصريّة 1953 – 1992
د. سلمان محمد أحمد سلمان
ود. أحمد إبراهيم أبوشوك
1
أثارتْ تصريحاتُ المفوضيّةِ القوميّة للانتخابات بالسُّودان يوم الأحد 7 سبتمبر عام 2014، "أنَّ ترسيم الدوائر الجغرافية للانتخابات النيابية القادمة بالسُّودان سيشمل منطقة حلايب"، ردودَ فعلٍ غاضبةٍ في القاهرة. فقد أعلن السفير بدر عبد العاطي، المتحدّث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، في يوم الأثنين 8 سبتمبر، "إنَّ منطقتي حلايب وشلاتين جزءٌ لا يتجزأ من الأراضي المصرية التى لا يمكن اجتزاؤهما، أو التفاوض حولهما مع دولة السُّودان الشقيق." ثم تحدث السفير عبد العاطي يوم الخميس 11 سبتمبر، وأوضح في مقابلةٍ أوردتها شبكة تلفزيون "النيل" الرسمية، نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط، أنَّ "قضية حلايب وشلاتين قضية محسومة؛ لأنها جزء من الأراضي المصرية." وواصل السفير عبد العاطي استخفافه بالموقف السُّوداني من حلايب مضيفاً أنَّ "طرح هذه القضية في وسائل الإعلام، سواء السُّودانية أو المصرية، هدفه تعكير صفو العلاقات بين البلدين فقط لا غير." وكتب السيد عباس الطرابيلي مقالاً في صحيفة الوفد يوم الثلاثاء 9 سبتمبر بعنوان "حلايب.. والاستفزاز السُّوداني الجديد." أشار الكاتب في المقال إلى تبعيّة حلايب لمصر، وأنه لا تفاوض في هذا الأمر، وأدّعى "أنَّ كل الوثائق تؤكد سيادة مصر علي مثلث حلايب.. وهو ما كشفتُه شخصياً هنا في الوفد منذ أوائل التسعينيات، ولم أتوقف إلا بعدما استعادت مصر سيادتها كاملةً علي هذا المثلث." أما عن إعلان حلايب منطقة تكامل فقد ذكر الكاتب "وحتي فكرة «التكامل الاقتصادي» في هذه المنطقة التي شاعت في سنوات عصر الرئيس حسني مبارك الأخيرة، رفضتها شخصياً.. فإذا أردنا تكاملاً مع السُّودان فليكن بعيداً عن أي منطقة «تدعي» الخرطوم أنها.. سودانية." أما الإعلامي المصري عمرو أديب فقد "اتهم الرئيس المعزول محمد مرسي بإعطاء مدينة "حلايب" الحدودية الجنوبية لدولة السُّودان، واصفاً إياه ب"الغير وطني الإرهابي والجاسوس."
سنوضّح في هذا المقال أنَّ كل الانتخابات التي جرت في السُّودان، ابتداءً من انتخابات عام 1953 وانتهاءً بانتخابات عام 1986 قد شملت منطقة حلايب، ولم ينتج عنها أي اعتراضٍ أو ملاحظاتٍ من القاهرة، وذلك بخلاف الانتخابات السُّودانية لعام 1958. ويثبت هذا المقال أن الحكومة المصرية لم تجر أية انتخاباتٍ مصريةٍ في منطقة حلايب على الإطلاق، وظلت حلايب وحدةً إداريةً تابعة لمحافظة البحر الأحمر السُّودانية إلى أن احتلتها القوات المصرية عام 1992.
2
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الأولى عام 1953
جرتْ أول انتخابات برلمانية في السُّودان في شهر نوفمبر عام 1953، بمقتضى قانون الحكم الذاتي الذي تمَّ الاتفاق عليه بين الأطراف الثلاثة – انجلترا ومصر والأحزاب السُّودانية – في بداية ذلك العام. وقد تمَّ الاتفاق على تشكيل لجنة انتخابات مختلطة، تكّونت من سبعة أعضاء، ثلاثة منهم سودانيون عيّنهم الحاكم العام، بينما تمّ تعيين الأربعة أعضاء المتبقين من انجلترا ومصر والولايات المتحدة الأمريكية والهند. وتمَّ الاتفاق على أن يترأس ممثلُ الهند، السيد سوكومار سن، لجنة الانتخابات (راجع مقالات الدكتور أحمد إبرهيم أبوشوك بعنوان: لجنة الانتخابات السُّودانية من "سُكومار سن" إلى "مختار الأصم": قراءة تقويمية؟ المنشورة بموقعي سودانايل والراكوبة)."
وقد اختارت مصر السيد عبد الفتاح حسن مندوباً وممثلاً لها في لجنة الانتخابات السُّودانية لعام 1953م. بالإضافة إلى عضوية مصر في لجنة الانتخابات فلا بد من التذكير بمسألتين أخريتين ترتبطان بمسألة قبول مصر إجراء الانتخابات في منطقة حلايب. فالسُّودان كان ولا يزال في تلك الحقبة التاريخية مستعمرةً انجليزيةً مصريةً، تديرها الدولتان بموجب اتفاقياتٍ وقّعتاها معاً. عليه فقد كان لمصر دورٌ في إدارة شؤون السُّودان. وقد ازداد ذلك الدور بتعيين مجلس الحاكم العام، بموجب قانون الحكم الذاتي، والذي كان أحد أعضائه مصرياً، وهو السيد حسين ذو الفقار. وقد ظل السيد ذو الفقار ممثلاً لمصر في السُّودان ومستشاراً للحاكم العام حتى نهاية شهر ديسمبر عام 1955.
لهذه الأسباب فقد شاركت مصر مشاركةً كبيرةً وفاعلةً في انتخابات عام 1953 التي شملت دوائرها الانتخابية منطقة حلايب. وقد فاز في دائرتها (الدائرة 70 الأمرأر والبشارين) السيد محمد كرار كجر عن الحزب الوطني الاتحادي. كما جرت الانتخابات في القُرى التي كانت تقع شمال وادي حلفا وخط 22 شمال (وشملت قرى سره وفرس ودبيره وأرقين والتي كانت تُعرف ب "نتوء حلفا")، وفاز في دائرتها الانتخابية (الدائرة 29 وادي حلفا) السيد محمد نور الدين عن الحزب الوطني الاتحادي أيضاً.
3
لم تُثِرْ القاهرة، على الرغم من وضعها الدستوري بصفتها إحدى دولتي الاستعمار للسودان، مسألة إجراء السُّودان للانتخابات في منطقة حلايب، كما لم يُثِرْها أو يعترض أو يحتج عليها الممثل المصري في لجنة الانتخابات السيد عبد الفتاح حسن. كما بارك تلك الانتخابات وتفاصيلها ونتائجها – بما في ذلك انتخابات حلايب - السيد حسين ذو الفقار العضو المصري في مجلس الحاكم العام، وهو المجلس الذي أشرف على الانتخابات، ووافق على نتيجتها.
عليه فقد أوضحت انتخابات عام 1953 تبعيّة منطقة حلايب للسودان تبعيّةً كاملة، وقبول مصر الكامل لذلك الوضع. وقد تمَّ تأكيد ذلك الوضع بمذكرة الاعتراف المصرية باستقلال السُّودان. لم تحمل تلك المذكرة أية إشارةٍ إلى منطقة حلايب أو تبعيّتها لمصر، ولم تتضمّن المذكرة أي شروطٍ لذلك الاعتراف. وهكذا جاء الاعتراف المصري باستقلال السُّودان عام 1956، بحدوده السياسية التي تشمل حلايب ونتوء حلفا، دون أي شرطٍ أو قيد.
4
ولا بُدَّ من مقارنة الموقف المصري تجاه حلايب بالموقف الإثيوبي تجاه منطقة قامبيلا التي كانت تحت إدارة السُّودان وقتها. فقد طلبت الحكومة الإثيوبية من حكومة السيد إسماعيل الأزهري إعادة المنطقة إلى إثيوبيا قبل أن تقوم الحكومة الإثيوبية بالاعتراف باستقلال السُّودان. وقد قامت حكومة السيد الأزهري بإعادة منطقة قامبيلا إلى إثيوبيا في أول يناير عام 1956. وتمّ في ذلك اليوم إنزال العلمين الإنجليزي والمصري، ورُفِعَ العلم السُّوداني لدقائق ثم تمّ إنزاله. ثم رُفِعَ العلم الإثيوبي، وتمّ تسليم المنطقة للحاكم الإثيوبي الجديد وطاقمه الإداري وفرقته العسكرية.
5
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الثانية عام 1958
بدأت الاستعدادات للانتخابات البرلمانية الثانية في شهر سبتمر عام 1957، وأُعلن يوم 27 فبراير 1958 اليوم الأول لبداية الاقتراع في كل أنحاء السُّودان. وفي ذلك المناخ الانتخابي قرّرت مصر فجأةً ولأوّلِ مرّة إثارة مسألة مثلث حلايب في 29 يناير عام 1958، حيث بعثت الحكومة المصرية إلى حكومة السُّودان مذكرةً، تعارض فيها إدخال منطقة حلايب الواقعة على سواحل البحر الأحمر، وكذلك المنطقة الواقعة شمال وادي حلفا، ضمن الدوائر الانتخابية السُّودانية، تذرعاً بأن ذلك الإجراء يناقض اتفاقية 19 يناير 1899، ويشكّل خرقاً للسيادة المصرية. وبناءً على هذا الإدعاء قامت الحكومة المصرية بإرسال فرقةٍ عسكريةٍ إلى منطقة حلايب. وأردفت تلك المذكرة بمذكرةٍ أخرى مؤرخة في 9 فبراير عام 1958، سلّمها اللواء محمود سيف اليزل خليفة، السفير المصري في الخرطوم، إلى السيد عبد الله خليل، رئيس وزراء السُّودان آنذاك، وذلك في يوم 13 فبراير 1958. وتقضي تلك المذكرة باشراك سكان منطقتي حلايب وشمال وادي حلفا في الاستفاء على قيام الجمهورية العربية المحتدة بين مصر وسوريا.
وفور تسليم تلك المذكرة، أعلن السُّودان رسمياً في 13 فبراير عام 1958 رفضه التام للاستفتاء الذي قرّرت مصر إجراءه في حلايب ووادي حلفا، بحجة أن المنطقتين أراضي سودانية بمقتضى تعديلات اتفاقية الحكم الثنائي والتفاهمات التي تلتها، وبحكم الإجراءات العملية والإدارية التي قام بها السُّودان في منطقة حلايب أثناء فترة الحكم الثنائي وسنوات الحكم المدني الأول (أي بين الأعوام 1902 وحتى عام 1958).
توالت مجموعة من التطورات بعد تلك المذكرات، وشملت شكوى السُّودان لمجلس الأمن، وتراجع مصر عن قرارها إجراء الاستفتاء وسحب كتيبتها العسكرية، والسماح للسودان بإجراء انتخابات عام 1958 في منطقة حلايب (راجع مقالات الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان عن نزاع حلايب وشكوى السُّودان لمجلس الأمن المنشورة في موقعه الالكتروني وفي موقعي سودانايل والراكوبة).
وقد جرت الانتخابات السُّودانية في شهري فبراير ومارس عام 1958. تمّ تقسيم دائرة حلايب إلى دائرتين. الدائرة الأولى الأمرأر 96، وفاز فيها السيد محمد حمد موسى عن حزب الشعب الديمقراطي. أما الدائرة الثانية فقد كانت البشارين 97، وفاز فيها السيد حامد كرار أحمد عن حزب الشعب الديمقراطي أيضاً. واحتفظ السيد محمد نور الدين بمقعده عن دائرة حلفا (الدائرة 143)، أيضاً عن حزب الشعب الديمقراطي.
وهكذا تمَّ إجراء الانتخابات البرلمانية الثانية في كل أنحاء السُّودان بما في ذلك منطقة حلايب التي أصبحت دائرتين انتخابيتين. ومما لاشك فيه أن التراجع المصري، وإجراء الانتخابات السُّودانية، وعدم إجراء الاستفتاء المصري هي بيناتٌ في كامل القوة، تعضّد بوضوح موقف السُّودان تجاه نزاع حلايب.
6
انتخابات المجلس المركزي لعام 1963
لم تصدر حكومة الفريق عبود دستوراً لحكم البلاد خلال سنواتها الستة في السلطة. وفي حقيقة الأمر فإن الحكومة لم تقم حتى بتشكيل لجنة لصياغة مشروع دستورٍ للبلاد خلال تلك السنوات، وظلّت البلاد تحكم بالأوامر الجمهورية التي كان يصدرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقد كوّن المجلس لجنةً برئاسة رئيس القضاء السيد محمد أحمد أبو رنات عام 1959، بعد عامٍ من وصول الفريق عبود للسلطة، لدراسة المشاركة الشعبية في حكم البلاد. أصدرت اللجنة مقترحها بقيام مجالس محلية مُنتخبة في كل أنحاء السُّودان، على أن تقوم هذه المجالس في كل مديرية من مديريات السُّودان التسعة بانتخاب مجلس لتلك المديرية، ثم يقوم كلٌ من مجالس المديريات التسعة بانتخاب ستةٍ من أعضائه للمجلس المركزي في الخرطوم. وبالإضافة إلى أعضائه الأربعة والخمسين المنتخبين انتخاباً غير مباشر، يقوم رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتعيين ثمانية عشر عضواً ليرتفع عدد أعضاء المجلس المركزي إلى اثنين وسبعين عضواً.
غير أن حكومة الفريق عبود لم تلتفت إلى مقترحات لجنة القاضي أبو رنات حتى عام 1963، عندما شرعت في الانتخابات وتشكيل المجلس المركزي. وقد جرت انتخابات المجلس المركزي في كل أنحاء السُّودان، بما في ذلك منطقة حلايب، دون أي اعتراضٍ من الحكومة المصرية. وتشكّل المجلس المركزي في منتصف عام 1963.
7
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الثالثة في عام 1965
بعد سبعة أشهر من نجاح ثورة أكتوبر عام 1964 وسقوط نظام الفريق إبراهيم عبود، تم إجراء ثالث انتخاباتٍ برلمانية في تاريخ السُّودان. وقد شملت الانتخابات التي جرت في شهر يونيو عام 1965منطقة حلايب التي تمّ تقسيمها هذه المرة إلى ثلاث دوائرٍ. وكانت نتيجة الانتخابات فيها كالآتي:
أولاً: الدائرة 176 عتباي، وقد فاز فيها السيد محمد عثمان الحاج تيته عن الحزب الوطني الاتحادي.
ثانياً: الدائرة 177 الأوليب، وقد فاز فيها السيد محمد كرار كجر عن الحزب الوطني الاتحادي.
ثالثاً: الدائرة 178 سيدون، وقد فاز فيها السيد أحمد علي عبد الله عن الحزب الوطني الاتحادي.
وقد جرت تلك الانتخابات في الدوائر الثلاثة دون أن تثير مصر معارضةً أو حتى ملاحظةً حولها، ودون أن تشير إلى قرار مجلس الأمن الذي كان مفاده العودة إلى الوضع الذي كان سائداً في حلايب قبل 29 يناير 1958، ومناقشة الطرفين السُّوداني والمصري للخلاف بعد الانتخابات السُّودانية في مارس عام 1958.
8
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الرابعة في عام 1968
جرت الانتخابات الرابعة في عام 1968 إثر حلِّ الجمعية التأسيسية في فبراير من ذلك العام. وقد تواصل تقسيم منطقة حلايب إلى ثلاث دوائر كما حدث في انتخابات عام 1965. وقد كانت نتائج الانتخابات كالآتي:
أولاً: الدائرة 176 عتباي، وقد فاز فيها السيد محمد عثمان الحاج تيته عن الحزب الاتحادي الديمقراطي.
ثانياً: الدائرة 177 الأوليب، وقد فاز فيها السيد محمد الأمين الطاهر عن الحزب الاتحادي الديمقراطي.
ثالثاً: الدائرة 178 سيدون، وقد فاز فيها السيد أبو الناس إبراهيم الهندي عن الحزب الاتحادي الديمقراطي.
لا بد من اإاشارة هنا إلى أن حزبي الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي اللذين تبادلا الفوز في دوائر حلايب في انتخابات عام 1958، وعام 1965، كانا قد اندمجا تحت مظلة الحزب الاتحادي الديمقراطي عام 1967. ومثلما حدث عام 1965 فإن مصر لم تبدِ أية اعتراضاتٍ أو ملاحظاتٍ حول انتخابات حلايب عام 1968.
9
الاستفتاء على رئيس الجمهورية عام 1971
تم الاستفتاء على رئاسة الجمهورية الذي أصبح بموجبه العقيد جعفر نميري أول رئيسٍ للجمهورية في السُّودان في شهر أغسطس عام 1971، بعد أسابيع قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها الرائد هاشم العطا. وقد شمل الاستفتاء منطقة حلايب، ولم تُبدِ مصر أي احتجاجٍ أو ملاحظات، بل إن الباحث المتمعّن لأحداث تلك الحقبة من تاريخ السُّودان لا بُدّ أن يتوصّل إلى نتيجة أن الرئيس المصري أنور السادات كان ممن دفعوا بالعقيد جعفر نميري ليصبح رئيساً لجمهورية السُّودان، وكان واضحاً أن مسألة إجراء الاستفتاء في منطقة حلايب لم تكن بالنسبة للرئيس السادات أمراً يتطّلب من مصر التوقّف عنده أو التدقيق فيه، لأن فوز العقيد نميري برئاسة الجمهورية في الخرطوم كان يمثل الأهمية الاستراتيجية السياسية القصوى للقاهرة في ذلك الوقت.
10
الانتخابات السُّودانية البرلمانية الخامسة عام 1986
جرت الانتخابات البرلمانية الخامسة في السُّودان في شهر أبريل من عام 1986، بعد سنةٍ من سقوط نظام المشير جعفر نميري. وقد شملت الدوائر الجغرافية، مثلما حدث في الانتخابات السُّودانية الماضية، منطقة حلايب. وقد تمّ ضمُّ الدوائر الثلاثة السابقة (عتباي، والأوليب وسيدون) في دائرة واحدة وأُعيد تسميتها "دائرة حلايب 203." وقد فاز في تلك الدائرة السيد عيسى أحمد الحاج محمد عن الحزب الاتحادي الديمقراطي. ولا بد من إضافة أن إعادة ترسيم حدود دوائر حلايب كان يتمّ وفق حدود مجلس ريفي الأمرأر والبشارين، الذي عُدل اسمه في عهد حكومة مايو إلى مجلس ريفي حلايب.
ومثل تعاملها مع بقية الانتخابات السُّودانية السابقة، فقد لزمت القاهرة الصمت، ولم تبدِ أي اعتراضٍ أو ملاحظاتٍ على اشتمال منطقة حلايب في الدوائر الجغرافية للانتخابات السُّودانية البرلمانية الخامسة عام 1986. لزمت القاهرة الصمت رغم أن العلاقات بين الخرطوم والقاهرة كانت قد ساءت كثيراً في ذلك العام بسبب رفض مصر تسليم السُّودان الرئيس المخلوع جعفر نميري الذي كان قد لجأ إلى القاهرة بعد الإطاحة به في انتفاضة أبريل عام 1985 وهو في طريقه من واشنطن إلى الخرطوم. كما لزمت القاهرة الصمت رغم تسمية الدائرة لأول مرة في تاريخ الانتخابات السُّودانية باسم "دائرة حلايب"، مما يجب أن يكون قد أزال أي غموضٍ حول مدلولات إجراء الانتخابات السُّودانية في تلك المنطقة.
وقد كانت الانتخابات البرلمانية الخامسة التي جرت عام 1986 هي آخر انتخاباتٍ تُجرى في السُّودان قبل استيلاء الجبهة القومية الإسلامية على السلطة في الخرطوم عبر انقلاب 30 يونيو عام 1989، ثم دخول القوات المصرية حلايب واحتلالها عام 1992.
11
وبهذا العرض نصل إلى نتيجة مفادها أن كل الانتخابات السُّودانية التي تمَّ إجراؤها منذ عام 1953 وحتى عام 1986 شملت منطقة حلايب، ولم يتم إجراء أية انتخابات مصرية في المنطقة خلال تلك الحقبة التاريخية. وإن محاولة مصر إجراء استفتائها في حلايب عام 1958 كانت المحاولة الوحيدة التي لم يُكتب لها النجاح، بل إن مصر نفسها تراجعت عن عقد الاستفتاء قبل يوم واحد من التاريخ المحدد له، وذلك بعد أن اعترض السُّودان بشكوى أمام مجلس الأمن الدولي. غير أن هذا الوضع تغيّر تغييراً جذرياً منذ عام 1992 عندما دخلت القوات المصرية حلايب واحتلتها، إثر تدهور العلاقات بين نظام الإنقاذ ونظام مبارك، ثم أعلنت القاهرة ضمَّ حلايب رسمياً لها عام 1995، إثر فشل محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والتي تمَّ اتهام نظام الإنقاذ بالمسؤولية الكاملة عنها.
وقد توقّف السُّودان منذ ذلك التاريخ عن ممارسة سيادته وحقوقه وواجباته في منطقة حلايب، وظلّ ولا يزال الصمتُ هو الموقف الرسمي الحكومي للوضع والتطورات في حلايب، وموقفَ أحزاب المعارضة السُّودانية أيضاً.
لهذه الأسباب فإن المفوضية القومية للانتخابات بالسُّودان تعي جيداً أنه ليس بمقدورها إجراء الانتخابات القادمة (عام 2015) في حلايب، مثلما حدث تماماً في انتخابات عام 2010. كما أن المفوضية نفسها تعي أن تصريحاتها تلك ليست أكثر من محاولةٍ لاكتساب بعض الزخم الإعلامي في مواجهة اللامبالاة الشعبية الواسعة للمفوضية، ولفكرة الانتخابات نفسها.
المصدر: صحيفة السوداني، الجمعة، 26 سبتمبر 2013م.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.