سافرت الى مدينه بورتسودان بدعوه كريمه من الاخ الكريم مولانا حسن محمد شيخ ادريس قاضى المستشار القانونى سابقا ومؤسس او نيابه عامه بمدينه كسلا . واخر وزير اسكان اتحادى فى الديمقراطيه التى اغتيلت نهارا جهارا . وكان فى استقبلنا بمدينه بورتسودان الاخ الصديق فكى ابو فاطمه فكى طاهر مدير التخطيط العمرانى السابق لولايه كسلا . وعند دخولنا الى ولايه البحر الاحمر هبت علينا نسائم طيبه وتسارعت اللوحات بسرعه البص الذى كنا نستغله . وكم كانت المفاجأه الكبيره . كاننى كنت فى حلم . فقد تبدلت معالم المدينه وتسامت حتى كادت ان تناطح السحاب و صارت تضاهى مدن البحر المتوسط جمالا ونظافه . وما ان حل المساء حتى تلالات المدينه واكتست حله تضاهى المدن الاروبيه . وكل ذلك بفضل واليها الهمام د محمد طاهر ايلا العبقريه الفذه . من ناحيه تاريخيه فقد ذكرت كتب التاريخ بان مدينه بورتسودان كانت قريه صغيره تسمى ( شيخ برغوث ) ويسميه الهدندوه حتى اليوم باسم ( برؤوت) . وقد بدأ العمل الفعلى لانشاء ميناء بورتسودان بتاريخ 1905 تحت اشراف مهندسى البحريه الملكيه البريطانيه . وقد رفض كل من ونجت واللورد كرومر تسميه الميناء باسم اى منهما ليكون الاسم ( بورتسودان) . وقد بدات الميناء العمل فى عام 1906 حيث تم افتتاحه بواسطه خديوى مصر عباس حلمى الثانى . الا ان مدينه سواكن اكثر عراقه من بورتسودان كما هو معروف تاريخيا . فقد كانت سواكن فى يوم من الايام محافظه وقد كانت ابنيتها متقدمه كثيرا وكانت مشيده من الحجر المرجانى الذى يتم استخراجه من البحر , وكانت المبانى على الطراز الشرقى واكثر مبانيها من طابقين او اكثر , وكان لها سور منيع معزز بابراج المراقبه والتى تسمى فى ذاك الزمن ( الطوابى) .. وقد كان بها خطا للسكه حديد يربطها يمدينه بربر وكانت سوق تجاريه هامه حيث تجلب اليها البضائع من مصر والهند والحجاز , وما زادها اهميه كانت هى طريق الحج لاغلب دول افريقيا . ولا احد يعلم زمن تاسيسها , الا ان التاريخ اشار الى انها مركز تجارى من عهد البطالسه وان بطليموس قد جعلها مخزنا لسن الفيل . وقد افتتح السلطان سليم العثمانى سواكن سنه 1530 وظلت تابعه للباب العالى بتركيا وكان ولاتها من الحجاز الى تنازل الاتراك عنها لمصر . وكان يسكنها الارتيقه والاشراف , وكان الارتيقه هم الامراء ويذكر ان من كبار رجال الارتيقه الشيخ محمود بك ارتيقه . وقد تم افتتاح اول مكتب بريد بالسودان بسواكن عام 1867 م بالرغم من ان عهد المكاتبات الرسميه بالسودان قد سبق هذا التاريخ . الا ان تاريخ افتتاح اول مكتب بريد بسواكن يمثل التاريخ الرسمى لخدمه البريد المنظمه بالسودان . هذه نبذه تاريخيه قصيره لكل من بورتسودانوسواكن وقد قصدنا منها الاشاره الى عراقه المنطقه . ونعود مره اخرى الى نهضه مدينه بورتسودان فقد راينا ما لم نراه بالعاصمه القوميه من طرق ونظام بديع وسفلته لكل الشوارع واضاءه بلوريه عامه بكل انحاء المدينه . وليت ايلا يتجول بكل مدينه لمده عام واحد ليغير الوجه القبيح لكل مدينه ويحرق الجيف المنتنه بها . وليته يكون واليا لكسلا تلك المدينه الجميله القذره . التى لم تحسن حكومه الولايه ادارتها او الاهتمام بها .وفى كل مره كنت اقارن ما بين كسلاوبورتسودان التى حباها الله باحد ابناء المنطقه ليكون حاديا لركبها . وكانت المقارنه ما بين كسلاوبورتسودان صفر كبير لكسلا ودرجه الامتياز لبورتسودان . فقد رايت احدث المبانى بمدينه بورتسودان والتى تمثل طفره عمرانيه متقدمه , وقل ان تجد مبنى شبيه بالاخر . فسعاده والى كسلا عندما شيد فلل الوزراء كان المشهد مكررا فيها مما افقدها الجمال . وانت تنظر اليها كانك تنظر الى طقم شاى يتكون من خمسه اكواب واناء سكريه . او كانها تكرار ( لقطاطى السكه حديد ) . مع العلم بان خبراء تصميم الاوانى والاكواب اليوم جعلوا من الطقم الواحد عده اشكال للبعد الجمالى والتشكيلى . ولكن من منا يستطيع ان يقول لوالى كسلا ( بغم ) . زيارتنا لم تستغرق اكثر من 60 ساعه وفى اليوم الاخير قررنا زياره القريه السياحيه بعد ان اخطرنا مؤسسها الرجل العالم والشيخ الوقور محمد نور هداب . ووصلنا اليها قبل صلاه العصر . وبعد ادء صلاه العصر تحركنا صوب المتحف التاريخى المتفرد والذى خصصه مؤسس القريه لمدينه سواكن . فقد جمع اكثر من الف قطعه بالمتحف بعضها من عصور قديمه جدا مصنوعه من الحجر وعدد لا يستهان به من الصناعات النحاسيه والخشبيه والجلديه . متحف لتراث سواكن استطاع هذا الرجل وبماله الخاص ان يحفظ تاريخ مدينه سواكن من الضياع , وقد خصص ركن خاص للامير عثمان دقنه وجدنا فيه سيف الامير صاحب العبقريه العسكريه و( درقته) وجبه الدراويش الخاصه به وكل ذلك تزينه لوحه زيتيه صورت فيها احدى المعارك التى خاضها الامير عثمان دقنه . والمتحف يمثل تاريخ متكامل لمدينه سواكن بل للسودان يوم كانت سواكن هى عاصمته التجاريه وبوابه السودان للعالم الخارجى وقد شاهدنا العديد من المخطوطات النادره والقيمه بالمتحف ورسائل كثيره من عده دول تشييد بهذا العمل الذى قام به فرد واحد . ان ما قام به الشيخ محمد نور هداب هو جهد دوله او مؤسسه . وهذا رجل جدير بالاحترام والتقدير وليت الدوله على مستوى المركز والاثار المركزيه تقدم له المساعده لمواصله هذا العمل الجبار . والشيخ محمد نور هداب من القلائل الذين اهتموا بجمع التراث والذى يمثل تاريخ مدينه سواكن فى حقب مختلفه. وتذكرت متحف كسلا الذى تم تحويله الى جامعه كسلا , واعلم بان هناك لجنه كانت قد طافت الاقليم الشرقى وجمعت كثير من التراث وكان على راسها على ما اذكر المرحوم الاستاذ الطاهر عبد الكريم .وتم ايداع ما تم جمعه من اثار ومخطوطات بمتحف كسلا . والسؤال الذى يطرح نفسه بقوه , اين ذهبت مقتنيات متحف كسلا , فقد طافت اللجنه كل مدن الاقليم الشرقى وحضره وبواديه من اجل جمع ما يمكن ؟ هل نجد اجابه من وزاره الثقافه بكسلا ؟ وهل هذا التراث محفوظ بمكان امن ام تم تهريبه الى الخارج ام وضع فى منازل الخواص . اجيبونا يرحمكم الله . مره اخرى نشييد بالجهود الجباره والكبيره والمميزه التى بذلها الدكتور محمد طاهر ايلا والذى رايناه يتفقد المدينه ليلا يقود سيارته بنفسه , يتحدث الى الناس هنا وهناك . يدخل المخابز ليزن الرغيف للمراقبه , يتجول فى الشوراع لرقابه الاناره والنظافه . يدخل المطاعم ليرى مستوى الخدمات . لا يكل ولا يمل . لا تتبعه عربات السارينا . انه ابن مدينه بورتسودان حفظه الله ورعاه . وليت رئيس الجمهوريه يعينه واليا لكسلا . وشتان ما بين بورتسودانوكسلا . وشتان ما بين حكومه بورتسودان وحكومه كسلا . وشكرا للعم محمد نور هداب مؤسس القريه السياحيه بسواكن . عبد الله احمد خير السيد المحامى/ كسلا [email protected]