مناوي: المدن التي تبنى على الإيمان لا تموت    الدعم السريع يضع يده على مناجم الذهب بالمثلث الحدودي ويطرد المعدّنين الأهليين    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    بالصورة.. "حنو الأب وصلابة الجندي".. الفنان جمال فرفور يعلق على اللقطة المؤثرة لقائد الجيش "البرهان" مع سيدة نزحت من دارفور للولاية الشمالية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    القادسية تستضيف الامير دنقلا في التاهيلي    تقارير تتحدّث عن قصف مواقع عسكرية في السودان    بمقاطعة شهيرة جنوب السودان..اعتقال جندي بجهاز الأمن بعد حادثة"الفيديو"    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالفيديو.. عودة تجار ملابس "القوقو" لمباشرة البيع بمنطقة شرق النيل بالخرطوم وشعارهم (البيع أبو الرخاء والجرد)    مانشستر يونايتد يتعادل مع توتنهام    ((سانت لوبوبو الحلقة الأضعف))    شاهد بالصورة والفيديو.. حكم راية سوداني يترك المباراة ويقف أمام "حافظة" المياه ليشرب وسط سخرية الجمهور الحاضر بالإستاد    شاهد بالفيديو.. مودل مصرية حسناء ترقص بأزياء "الجرتق" على طريقة العروس السودانية وتثير تفاعلا واسعا على مواقع التواصل    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    شاهد بالفيديو.. "بقال" يواصل كشف الأسرار: (عندما كنت مع الدعامة لم ننسحب من أم درمان بل عردنا وأطلقنا ساقنا للريح مخلفين خلفنا الغبار وأكثر ما يرعب المليشيا هذه القوة المساندة للجيش "….")    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بالصور.. أشهرهم سميرة دنيا ومطربة مثيرة للجدل.. 3 فنانات سودانيات يحملن نفس الإسم "فاطمة إبراهيم"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البحر الأحمر ,,, الطبيب الأبكم ! .. بقلم: م/ عمر علي عثمان شريف
نشر في سودانيل يوم 02 - 11 - 2014

عرفت مياه البحر الاحمر منذ زمن بعيد بمعالجة جملة من الأمراض المزمنة في شرق السودان , حيث درج أهالي المنطقة على العوم والغطس في مياهه المالحة الشفافة لساعات طويلة للتخلص من الامراض او لتخفيفها..
وقد اشتهر شاطئ مدينة سواكن بحي كاس الدور امام المدرسة الاميرية كموقع رئيسي لمرتادي مياه البحر الاحمر وطالبي العلاج من الرجال والنساء على السواء, حيث يعوم الرجال على الناحية الجنوبية وتعوم النساء على الناحية الشمالية ( ماتئ بهر).
والمقصود بالعوم او الغطس هنا مجازا ,غمر الجسم كاملا ماعدا الرأس بماء البحر والجلوس بهدوء في الماء ولساعات طويلة بدون حركات كثيرة . والمياه هنا ضحلة ومناسبة لإرتياد كل الأعمار ولمسافة ثلاثين متر تقريبا داخل البحر. وأنا شخصيا تعلمت العوم في صغري في بحر سواكن ههنا وفي سقالة باحيدر في الجهة الشمالية قبالة الجزيرة , حيث كنا نقضي فصل الشتاء بسواكن.
ولعلي - والى تاريخ اليوم - لا أعرف مكانا يقصده سكان الولاية لخوض مياه البحر للعلاج والتداوي بها , إلا شاطئ سواكن امام المدرسة الاميرية العريقة ذات الطابقين, وهي اشهر بقعة للعلاج الشعبي على الساحل السوداني.
وقد كان عمي الحاج ابوعلي عثمان الملقب ب ( وهاج بابا) من الذين حجوا الى بيت الله الحرام اكثر من سبع مرات وكان ابا للجميع ورجل اعمال مشهور وناجح , يأخذنا الى سواكن والبحر ونحن صغار ويقول لنا ان البحر طبيب ابكم ! ويقولها بالبجاوية ( حكيميب قلوسيب) ! وهذا في رأيي ابلغ تعبير عن الاهمية الطبية للبحر الاحمر ومياهه المالحة المشبعة بالمركبات المعدنية والعناصر المفيدة . وكان عمي ينزل في مياه البحر في سواكن باكرا بعد صلاة الصبح مباشرة ويمكث فيها جالسا الى شروق الشمس. وبعد خروجه من البحر يطعمنا افطارا منوعا وشهي , لكن يخصص لنا اطيب انواع الاسماك لوجبة الغداء.
لقد قضينا على هذا الشط , وكلمة الشط من صديقنا الصحفي هاشم بابكر صاحب عمود من على الشط,. نحن قضينا اجمل سنوات العمر والصبا على شط سواكن وفي مياه البحر الاحمر, تعلمنا السباحة والغوص في المياه الغريقة عند سقالة باحيدر, المياه مالحة ولطيفة الملمس, لكنها شفافة نرى من خلالها الشمس كبرتقالة معلقة في السماء. كنا نقذف بليمونة صفراء داخل الاعماق تجاه ساحل الجزيرة ونتسابق بالحصول عليها في اعماق البحر. نتلاعب مع امواجه كيفما شئنا حيث لم نسمع ان البحر غدار كما لم ترتعش ابداننا في يوم من الايام خوفا من هاوية او دوامة او عرق ماء او موجة غدارة.
ههنا شاهدنا البحارة ومراكبهم وطقوس الانطلاق او الإنزال, وسمعنا اهازيجهم الجميلة , أخضر يا ليموني , وبنات المكلا,, وياليل يا صنارة ,, وسهران يا سهارى ,, وغيرها من الاهازيج الطروبة وكلها انغام على السلم السباعي ,,. لكنها تقترب من السلم الخماسي عبر الاصوات القوية لمبحوحة ذات النبرة الجميلة.
ورأينا اكواما من سمك الساردين الذي يتركه البحارة بعد عودتهم على رمال الشاطئ ولا احد يلتقطها , حيث كانوا يسمونه اللعف وتستخدم فقط كمصيدة للاسماك في الصنارة ولا يأكلها احد في ذلك الزمن. ايضاعرفنا الجلب والخيط والصنارة والشبكة وابومقص والجمبري وسمك الساردين والعربي والبياض والشاعور والكشري والسليماني والناجل وكذلك الشراع والمجداف ومد البحر والجزر والموج والباورة . والنوة والعاصفة ورياح الأذيب والخماسين.
ذكر الرحالة ابن بطوطة في ( تحفة الانظار في غريب الامصار) ان عمق الماء بين جزيرة سواكن والقيف المقابل لها ضحل ويمكن قطعه خوضا. اما المقريزي فقد سمى البحر الاحمر عند ميناء عيذاب ببحر جدة, ربما لشهرة ساحل الحجاز برحلات الحجيج. غير ان المحافظ ممتاز باشا قام بتشييد الجسر الترابي بين الجزيرة والقيف لتسهيل إنسياب المرور والتنقل وذلك في النصف الاخير من القرن التاسع عشر ميلادي في عهد التركية السابقة.
ايضا ذكر المقريزي ان جزيرة سواكن مستديرة وسطحها مرجاني , قطنتها جماعات من الهمج حتى العام 1255م حيث مارسوا النشاط البحري.
يعود إزدهار ميناء سواكن الى دمار ميناء عيذاب في بداية القرن الخامس عشر الميلادي حيث صارت سواكن ميناء الحجاج الرئيسي في افريقيا واصبحت اول مدينة يقطنها السكان المحليون والوافدون حيث استقرت بها الاسر الكبيرة من قبائل البجا , وسميت سواكن ( أوسوك).
تناوش على احتلال ميناء سواكن المزدهر العثمانيون والبرتغاليون والمماليك حتى غزاها السلطان سليم الاول وضمها الى املاك العثمانيين والحجاز في العام 1517م. وفي نفس الحقبة اتخذها الفونج ( السطنة الزرقاء ) كميناء بحري لصادراتهم تحت الادارة العثمانية .
تزوج الشريف محمد الحسيني القادم من مكة المكرمة من إحدى الاسر الكبيرة في سواكن وأنجب ابناءه , أجداد قبيلة الاشراف , كما تزوج السلطان الشيخ عجيب ابن الشيخ عبدالله جماع مؤسس السلطنة السنارية من اسر سواكن الكبيرة وانجب ابنه عثمان جد قبائل الأتمن في شرق السودان.
كما حضر إلى سواكن شيخ الطريقة الختمية السيد محمد عثمان تاج السر وبنى مسجده بجوار المدرسة الاميرية كما حضر شيخ الطريقة المجذوبية السيد محمد المجذوب قمرالدين وبنى مسجده بالقرب من المدرسة الاميرية.
ولد في مدينة سواكن حيث تقيم اسرته, الامير عثمان دقنة ( 1840م– 1926م ) امير شرق السودان وقائد قوات الثورة المهدية في الشرق. وقد بدأ حياته العملية بممارسة التجارة بين سواكن والحجاز , لكنه هاجر الى الابيض (1882م) لمبايعة الامام محمد احمد المهدي والانضمام الى الثورة المهدية حيث تم اختياره أميرا للشرق.
ظهرت المباني الكبيرة في جزيرة سواكن على الطراز العثماني والفونجي والمملوكي , غير ان المباني العثمانية اصبحت السمة الغالبة. وقد تشابهت سواكن في معمارها مع مدينة جدة في نظام الروشان والمشربيات واستخدام الحجارة المرجانية البيضاء وطلاء النورة او الجير الابيض.
كان لقبيلة الارتيقة في سواكن مجد ونظارة وكانوا اصحاب جاه ومكانة, حيث ورثوا امارة البلو في سواكن وذلك في القرن السادس عشر ميلادي .
يقول المؤرخ الأستاذ ضرار صالح ضرار في كتابه هجرة القبائل العربية إلى وادي النيل:
هبط الحضارمة ( الأرتيقه ) في سواكن وبدؤوا في مصاهرة زعماء البجة حتى يأمنوا على أنفسهم وأموالهم غائلة الإغارة والمشكلات0 وأخذوا يمارسون تجارتهم بهمة ونشاط .
فلما استقر بهم المقام في سواكن وما حولها أظهروا شمائلهم التي عرفوا بها والتي كانت تتمثل في الصدق والأمانة وحسن المعاملة بالإضافة إلى الابتعاد عن كل ما يمكن أن يسئ إليهم من قريب أو بعيد0 وكانوا لا يعتدون على أحد من أبناء البجة ، ولا يثيرون أي فرد من الأهالي الذين كانوا يسكنون معهم0 وكانوا بما عرف عنهم من خلق حسن ، وخصال حميدة قد جعلوا من أنفسهم سادة ونبلاء وأشرافا مما أجبر البجة أهل البداوة أن يحترموهم ويقبلوا على توقيرهم وأطلق الأهالي عليهم لفظ أرتيقه وهي كلمة تحمل معنى الزعامة والنبل والشرف والسيادة
أخذ نفوذ الأرتيقه الاقتصادي يتزايد وينمو ليصبح نفوذا سياسيا أيضا0 وقد وصل ذلك إلى القمة في سنة 663ه / 1264م عندما خلت المدينة ( سواكن) من أميرها وكل من كان بجانبه من البلويين0 وكانت سمعة هؤلاء القوم الأرتيقه وتحضرهم ونفوذهم الاقتصادي قد جعل منهم خير من يتولى أمور سواكن وما حولها من قبائل البادية0 (انتهى)
وعن تاريخ سواكن واسمها يقول المؤرخ الكبير محمد صالح ضرار ان تاريخها قد شابته الأساطير والخرافة. والبعض ينسبه إلى الجن ويقول بأن أحد ملوك الحبشة قد أهدى سبعين جارية الى النبي سليمان – حقبة قبل الميلاد- فاستراحت السفن في طريقها من مصوع إلى القدس في جزيرة سواكن واستطابت الإقامة فيها , فواطأ السواكنيون (أو الجن كما يزعمون أولئك الجواري) .
ثم وصلن القدس وظهرت عليهن آثار الحمل وعرف سيدنا سليمان بالأمر وأمر بردهن إلى سواكن وأن يقمن بها نهائيًا. واندمجن مع ذريتهن بأهل الجزيرة. وأمر سيدنا سليمان أن تكون سواكن سجنًا للمجرمين ( سواجن ) . أما قديمًا وفي عصر الفراعنة فقد اتخذها رمسيس الثاني قاعدة لأسطوله التجاري الذي كان يرتاد ثغور البحر الأحمر والمحيط الهندي، لتسهيل سبل التجارة بين بلاده والشرق الأقصى. فخضع ملك البجة لسلطانه.( انتهى).
يقول الصديق الاستاذ محمود ابوعائشة في كتابه سواكن ام المدن, والذي تشرفت بالمشاركة في تنقيه أبوابه قبل الطبع وذلك بالسعودية في العام 2000م, ان مدينة سواكن بلغت أوج إزدهارها في العام 1881م. وقد اورد سجلا لعدد البواخر القادمة الى ميناء سواكن والمغادرة وبعض المعلومات عن البضائع المتداولة ( وارد وصادر) وذلك في سجل يومي وشهري لفترات مختلفة.
لقد شاهدت صورة فوتغرافية مأخوذة في عشرينات القرن العشرين الميلادي للعمارات الشاهقة في جزيرة سواكن والطرقات النظيفة المأهولة بالحركة. وهذا دليل ان سواكن حافظت على بريقها ردحا من الزمن في حقبة الحكم الثنائي. لكن يظن الكثيرون وبالخطأ ان المهندس البريطاني ماكدوقال كنيدي هو السبب في انهيار ميناء سواكن واضمحلال مدينة سواكن باكتشافه مرفأ ميناء بورتسودان في العام 1905م كبديل لميناء سواكن لعيب في مدخل مينائه وتكاثر الشعب المرجانية به. بينما الذي نظنه ونزعمه ان السبب الرئيسي لانهيار ميناء سواكن يومئذ هو انعدام مياه الشرب وندرتها وشح المياه في آبار شاطا وقلة مياه الكونديسة بسواكن. وهي ذات المشكلة التي تعاني منها سواكن الى اليوم.
لقد توفرت مياه الشرب بالقرب من ميناء بورتسودان في خور اربعات حيث المياه العذبة الرقراقة تجري بين صخور الإيلابوك وبكميات كافية آنئذ.وكانت تلك حجة دامغة لتأسيس الميناء الجديد الذي سمي بورتسودان في العام 1905م وافتتحه الخديوي عباس حلمي الثاني في العام 1909م.
بعد افتتاح ميناء بورتسودان بدأت مدينة بورتسودان التي خططها المهندس البريطاني كنيدي تنمو رويدا رويدا بينما مدينة سواكن تتراجع بهدوء وسكينة وتسير نحو الموت ببطء. تم تشييد مباني مدينة بورتسودان ( المدينة الرئيسية ووسطها ) بحجارة المرجان البحرية بدون استخدام الاسمنت على نفس طراز مباني جزيرة سواكن.لكن كثرت في المدينة البيوت الخشبية المسماة ( سترينة) حيث ترتفع ارضيتها الخشبية عن الارض بدرجين او ثلاثة وخاصة حي نمرة خمسة يجوار البحرية وكذلك ديم المدينة وديم سواكن وديم جابر والسكة حديد وديم عرب وابوحشيش و ديم سلبونا.
ظهر الاثر البريطاني الهندسي والمتمثل في شكل العلم البريطاني في تخطيط حديقة بلدية بورتسودان. كما ظهر الاثر الانجليزي في اسم المدينة بورت سودان.
كان حتما على سكان سواكن ان يتحركوا حيث بدؤوا ينتقلون الى المدينة الجديدة بورتسودان وبحذر اسرة تلو اسرة كل يوم وبدأت قصول النسيان والاهمال على مدينة سواكن حيث صارت عمارات الجزيرة تتهرأ وتتساقط حجارتها المرجانية البيضاء بسبب الهجران. كما بدأت المؤسسات الحكومية والوكالات البحرية تنتقل الى مدينة بورتسودان.
اكتنلت حلقات الرحيل المر بعد صبر وجلد على خواتيم العام 1964م تقريبا حيث تركت عمارت جزيرة سواكن مفتوحة للنسيان ونعيق البوم وعربدة القطط الضالة وسميت بالخرابات. فحامت حولها الاساطير.
وبالتالي فإن الفترة وحسب تقديري من العام 1964م وحتى العام 1991م هي اصعب حقبة زمنية مرت على مدينة سواكن حيث انفض سامرها وجار عليها الزمان وتخلخلت سكانيا, فعاشت عزلتها المجيدة (27 عام) تجتر دكريات مجدها الذي أفل. بقيت في سواكن الاسر القابضلة على الجمر والتي صبرت مع ومضة لسفينة حجاج تقف في البحر بعيدا بين الفينة والاخرى على ساحل الكرنتينة المنسية.
ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر العمدة محمد الامين ارتيقة واهله عموما والشيخ محمد نور هداب واهله وآل ابوزينب القاضي وآل اوكير وآل جيلاني ابومحمد وآل العمدة علي علي موسى ومحمد علي موسى وآل مجذوب وآل كاظم وآل شلية وآل محمد احمد سنوكة ومحجوب وآل الشريف محمد طاهر عبيسى وآل جيلاني ابوفاطمة وآل شنقولي وآل بوشاي وآل عبدالرحيم الحيدرابي وآل اوكش وآل الشريف ابوطاهر السواكني وآل شيبة وآل فكي وآل محمود ابوعلي جيلاني وآل سلطان وآل الشريف محمد ادريس وشنقراي ودرير وسناري وآل الشريف كركر وآل ابوالحسن شاذلي وآل أداراب وآل طيفور وآل الشريف الكرار وآل الشريف عثمان بابكر وآل الشريف ابرقلهيت وآل نقيب الاشراف وآل طه ابوعلي وآل سيدنا وآل محمود جرتلي وآل شاشكيل وآل اوشي وآل ابوعيشة وآل يسن وآل اوهاج حسين وآل كرشون وآل بافلي وآل رجب وآل محمد سعد وآل شيخ طه وآل عثمان محمد طاهر وآل جعفر مدني وباكويت وآل محمد شريف وآل عاولي عيسى وآل شناب وآل احمد وموسى قربة وآل سقاف وآل قرموشي وآل جكنون وآل العمدة موسى الكرار ابوحوة وآل الكردي وآل ابن عوف وآخرين ممن لم اتمكن من ذكرهم في هذه العجالة فارجو المعذرة وخاصة فان سواكن ظلت بوتقة لجميع سكان السودان.
الاسر التي دكرتها ومن معهم استمروا في سواكن في كل العهود قابضين على الجمر في احيائهم السكنية العريقة خارج الجزيرة القيف وكاس الدور والليلي والمشيل والملكية والاندارا وشاطا وديم الهوسا وخور حجاج.
ونحن لا ننسى اهم الجوامع والمساجد التي ظلت ترفع النداء والاذان للصلاة في تلك الحقبة الهادئة وخاصة الجامع الحنفي والشافعي بالجزيرة الذين صمدا ردحا من الزمن وكذلك جامع المجيدي في القيف وجامع السيد تاج السر الميرغني وجامع الشناوي وخلوة المجاذيب وزاوية الانوار بجوار المدرسة الاميرية ومسجد كركر بالاندارا ومسجد الاشراف بالمشيل.
في العام 1991م افتتح ميناء الامير عثمان دقنة بسواكن فديت الحياة مرة اخرى في اوصال المدينة التاريخية لتعاود مسيرة النماء والازدهار وتستعيد قبسا من بريقها الآفل مرة اخرى. وتوافد إليها السكان من كل صوب وحدب.
غير ان اللافت للنظر ان سواكن في فترة عزلتها المجيدة التي ذكرناها ظلت نابضة بإيقاع هادئ في مجال زوار البحر وطالبي العلاج بمياه البحر في ساحل كاس الدور امام المدرسة الاميرية . كما درج بعض المهتمون بالآثار والسياحة والرحلات يتوفدون على جزيرة سواكن للتامل في عماراتها العريقة الآيلة للسقوط والتأمل في فنون الروشان والمشربية.
في آخر زيارة قمت بها الى مدينة سواكن بعد عيد الفطر المبارك وانا في طريقي الى ميناء الامير عثمان دقنة في مهمة عاجلة مررت بالساحل العريق امام المدرسة الاميرية فخطف نظري الكورنيش الجديد الممتد على طول الساحل وبهرني,, إنه عمل رائع اضاف مسحة جمالية كبيرة على الشاطئ كما فصل البحر عن المنازل والاختراقات مما اعاد الهيبة الى الساحل .واصبح الكورنيش متنفسا لسكان المدينة في الامسيات. شكرا لحكومة الولاية متمثلة في واليها الدكتور محمد طاهر ايلا وهيئة الموانئ البحرية متمثلة في مديرها الدكتور جلال شلية على هذا الانجاز الذي يستحق الثناء.
لقد لاحظت ان الكورنيش يخلو من منفذ الى البحر او مهبط بدرج لراغبي دخول البحر كالعادة, وقد اصبح دخول العجزة والنساء والاطفال غير ممكنا بالوضع الراهن . نحن نرى اهمية تخصيص مكان للرجال في هذا الموقع امام المدرسة بمنفذ, على ان يخصص مكان للاطفال والنساء في ساحل القيف والليلي في الناحية الشمالية.
نأمل دائما ان تحافظ سواكن على مكانة بحرها بالنسبة لسكان الشرق في التداوي كما اشتهرت بذلك وأن البحر الاحمر سيبقى في الوجدان الجمعي هو الطبيب الابكم, وسواكن والبحر صنوان .
,,,,,,,,,,,,,,,
م/ عمر علي عثمان شريف / هاتف / 0915011336 / بورتسودان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.