بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    حادثت محمد محمد خير!!    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إمارة المترفين وحتمية انهيار النظام الاقتصادي الرأسمالي .. بقلم: د.صبري محمد خليل
نشر في سودانيل يوم 19 - 01 - 2015

د.صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
التدمير الإلهي لاماره المترفين : تنباْ القران الكريم بتدمير الله تعالى لإمارة المترفين في قوله تعالى (وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا۟ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا 0لْقَوْلُ فَدَمَّرْنَٰهَا تَدْمِيرًۭا ) ( الإسراء: 16). وقد نقل المفسرون اختلاف القراء في قراءه لفظ (أمرنا ) ، والمشهور هو قراءه التخفيف. كما اختلف المفسرون في معنى أمرنا مترفيها : فقال بعضهم أمرنا مترفيها امرأ قدريا ، وقال بعضهم أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا فيها بمعصية الله، وقال آخرون جعلنا مترفيها أمراء ففسقوا فيها ، يقول ابن كثير (اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله " أَمَرْنَا " ، فَالْمَشْهُور قِرَاءَة التَّخْفِيف وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهَا، فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا أَمْرًا قَدَرِيًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " أَتَاهَا أَمْرنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " إِنَّ اللَّه لَا يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ قَالُوا مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَخَّرَهُمْ إِلَى فِعْل الْفَوَاحِش فَاسْتَحَقُّوا الْعَذَاب، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَمَرْنَاهُمْ بِالطَّاعَاتِ فَفَعَلُوا الْفَوَاحِش فَاسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَة . رَوَاهُ اِبْن جُرَيْج عَنْ اِبْن عَبَّاس وَقَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا، وَقَالَ اِبْن جَرِير يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء قُلْت إِنَّمَا يَجِيء هَذَا عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " أَمَّرْنَا مُتْرَفِيهَا " ). وورد فى تفسير الطبري (الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : اختلف الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله "أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا "فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق "أَمَرْنَا "بِقَصْرِ الْأَلِف وَغَيْر مَدّهَا وَتَخْفِيف الْمِيم وَفَتْحهَا . وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ الْأَغْلَب مِنْ تَأْوِيله : أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا بِالطَّاعَةِ , فَفَسَقُوا فِيهَا بِمَعْصِيَتِهِمْ اللَّه , وَخِلَافهمْ أَمْره , كَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ كَثِير مِمَّنْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ . . وَقَدْ يَحْتَمِل أَيْضًا إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاء فَفَسَقُوا فِيهَا , لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : هُوَ أَمِير غَيْر مَأْمُور . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : قَدْ يَتَوَجَّه مَعْنَاهُ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ إِلَى مَعْنَى أَكْثَرْنَا مُتْرَفِيهَا ). وفيما نرى فانه لا تعارض بين هذه المعاني فيجوز الجمع بينها .
ثنائيه الاستكبار/ الاستضعاف الاقتصادي- السياسي: وإمارة المترفين هى شكل من أشكال ثنائيه الاستكبار/ الاستضعاف الاقتصادي- السياسى، الناتج من اسناد " الربوبيه " الفعل المطلق" ،وصفاتها " من ملكيه وحاكميه ... لغير الله تعالى، وبناءا على هذا فان المترفين في هذه الايه ليسوا الذين يمتلكون المال فقط ، بل الذين يمتلكون المال ، ويعملون على الإبقاء على الواقع القائم على ثنائيه الاستكبار / الاستضعاف ، ومعارضه تغييره إلى الاستخلاف ، ورد في تفسير ابن كثير ("إِلا قال مترفوها" وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة, قال قتادة: هم جبابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر).
النظام الاقتصادى الراسمالى شكل من اشكال اماره امترفين : ومن اشكال اماره المترفين ، و التى تاخذ بالتالى حكمه ، فى حتميه خضوعه للتدمير الالهى، النظام الاقتصادى الراسمالى الربوى، والذى قانونه الاساسى المنافسه الحره على الموارد، والابقاء للاقوى ، والذى يستند الى فلسفه طبيعيه ، ومنهج قائم على القانون الطبيعى الذى مضمونه " ان مصلحه المجتمع ككل تتحقق حتما من خلال سعى كل فرد لتحقيق مصلحته الخاصه " ، وهو جزء من نظام متكامل علمانى فى موقفه ومن الدين ، ديموقراطى ليبرالى فى موقفه من الدوله ، فردى فى موقفه من الاخلاق ..." لان هذا النظام يستند الى فلسفه تسند ملكيه المال " وكذا الحاكميه والتشريع " للانسان _ الفرد.
الازمات المالية العالمية مؤشرات على انهيار النظام الراسمالى: ان الازمات الماليه العالميه المتعاقبه ، هى مؤشرات على انهيار النظام الاقتصاد الراسمالى ،على المستويين النظرى والعملى، فهى بذلك تاكيد على صحه النبوءة القرانيه الوارده بخصوص التدمير الالهى لاماره المترفين ، فهذه الازمات ليست ازمات ماليه بحته، بل هى ازمات اقتصاديه ترجع جذورها إلى صميم النظام الاقتصادي الرأسمالي المستند إلى الليبرالية كمنهج والقائلة بان" مصلحه المجتمع ككل ستتحقق حتما من خلال محاوله كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة" ،اى النظام الاقتصادي القائم على عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع ،وهو ما اثبت واقع المجتمعات الاوربيه ذاته خطاه ،إذ قبل أن ينتهى القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمه في كل المجتمعات الاوربيه، وان اختلفت في مدى هذا التدخل. إلا انه بعد انهيار الكتلة الشرقية وظهور نظام عالمي أحادى القطب ممثلا في الولايات المتحدة ظهرت الدعوات التي تشكك في ضرورة تدخل الدولة وهذه الدعوات شكلت الأساس الايدولوجى للازمات الاقتصادية المتعاقبه الاخيره. فهذه الازمات الاقتصادية المتعاقبه الاخيره هى مؤشر لبدايه نهاية النظام الاقتصادي الراسمالى العالمي على ارض الواقع ، فتاريخ النظام الاقتصادي الراسمالى هو تاريخ النمو من خلال الأزمات التي تكاد تتكرر بصوره دوريه،والازمات المتعاقبه الاخيره هي احد هذه الأزمات الدورية ،والتي يتم تجاوزها دائما من خلال تدخل الدولة، اى من خلال نفى الأساس الفكري الايديولوجى الذي يستند إليه النظام الاقتصادي الراسمالى. اى أن هذه الازمات الاقتصادية هي تأكيد على انهيار الأساس الفكري للنظام الاقتصادي الراسمالى،رغم استمراره فى الواقع، غير ان هذه الاستماريه فى الواقع اصبحت فى الفتره الاخيره متعثره ، نسبه لتقارب فترات الازمات الاقتصاديه، ولضخامه حجمها.
مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى ومحاوله التوفيق بين الاقتصاد الاسلامى والراسمالى واقامه اماره المترفين فى المجتمعات المسلمه: اما عند الحديث عن المجتمعات المسلمه ،فاننا نجد مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى، والذي مضمونه محاوله تفسير مفهوم الاقتصاد الاسلامى،استنادا إلى مفاهيم وقواعد وقيم النظام الاقتصادي الراسمالى، والذي يمثل التطبيق الاقتصادي للفلسفة الليبرالية، فهو- على المستوى النظرى - محاوله للتوفيق بين الاقتصاد الاسلامى والاقتصاد الراسمالى، كما انه – على المستوى العملى محاوله لاقامه اماره المترفين فى المجتمعات المسلمه .
المستوى النظرى :
التناقض:
ا/ التناقض العقدى: فمذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى يتجاهل أن النظام الاقتصادي الراسمالى يتناقض مع الفكر الاقتصادى الاسلامى ، سواء على مستوى أصوله النصية الثابتة ، او فروعه الاجتهادية المتغيرة، تناقضا لا يقبل التوفيق أو التلفيق او التزويق، وبالتالى فان الموقف السليم من هذا النظام الاقتصادي ليس القبول المطلق _ كما فى هذا المذهب _ بل هو الموقف النقدي.
فعلى سبيل المثال فان الفلسفة الاقتصادية الاسلاميه تنطلق من مبدا إسناد ملكية المال لله تعالى وحده ،اى إسناد ملكية كل شئ لله تعالى وحده، فالملكية طبقا لها هي صفة من صفات ربوبية الله تعالى﴿ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ (المائدة: 17)، ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾(النور: 33)،وعن علي أبن أبي طالب (فانتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لأحد على احد)، والمقصود بالملكية هنا حق التصرف المطلق بالمال ،وهو ما يقارب مفهوم الملكية الخاصة في الراسماليه ، وبناءا على هذا فان الفلسفة الاقتصادية الإسلامية ترفض إسناد الملكية (حق التصرف المطلق بالمال) إلى غيره تعالى ، لان ذلك الإسناد هو شكل من أشكال الشرك" الاعتقاد او العملي" في الربوبية ،يقول تعالى﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ (إلا سراء: 111)، وهو شكل من أشكال الاستكبار،إذ الاستكبار هو إسناد صفة من صفات ربوبيته تعالى إلى غيره. وقد عرض القرآن النماذج له:.ففرعون اسند ملكية مصادر الثروة في مصر إلى نفسه ﴿أو ليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي﴾ وقارون بدلا من إسناد ملكية المال "الذي أتاه الله" إلى مالكه الأصلي (الله تعالى) أسنده إلى نفسه وعلمه فكان جزاءه الخسف( قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ).
ان ما سبق يوضح لنا خطا مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى فى قوله بان الإسلام يقر الملكية الخاصة، كما فى الفلسفة الاقتصادية الليبرالية والنظام الاقتصادي الراسمالى، ووجه الخطأ في هذا المذهب انه يخلط بين الملكية الخاصة المتعلقة بوظيفة الملكية، التي مضمونها حق المالك فى التصرف المطلق بالمال(كما فى الاقتصاد الراسمالي )، والملكية الفردية المتعلقة بالشكل القانوني للملكية، والتي مضمونها حق الفرد في التصرف المقيد بالمال(كما فى اقتصاد الاسلامى )، ويستدل هذا المذهب بعده أدله سنعرض لها ونتناولها بالنقد:
الدليل الأول: وضع الإسلام حد السرقة وجعل عقوبتها قطع اليد، والاستدلال هنا غير صحيح ، إذ أن الحدود هي (محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة تجب حقا لله تعالى)، وما كان حق الله يعني ان وضعه كان لحماية مصلحة الجماعة ، لا مصلحة الفرد يقول الكاساني (والمقصود بحق لله كل فعل أو امتناع ترجع علة إيجابه أو النهي عنه إلى الجماعة)(بدائع الصنائع، ج7، ص 33،56)،وهذا دليل على أن حد السرقة إنما وضعه الشارع تعالى لحماية مصلحة الجماعة ،التي لها حق الانتفاع أصلا وأن كان الانتفاع بيد الفرد،إذ لو كان المراد إقرار الملكية الخاصة كما فى الراسماليه لكانت عقوبة السرقة قصاص لا حد، إذ المقصود بالقصاص(ما وجب إتيانه أو الامتناع عنه لحق الفرد)( المرجع السابق، ص320(إي أن القصاص وضع لحماية حق الفرد ولذا يجوز العفو في القصاص ولا يجوز في الحد.
الدليل الثاني: أنه لا يجوز للدولة أن تأخذ من مال الفرد سوى الزكاة،وهو رأي خاطئ،ومن أدلة ذلك قوله تعالى (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِيا لْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ والسائلين وَفِي الرقاب وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ اِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(البقرة: 177)، وفي تفسير القرطبي (استدل بها من ذهب إلى إن في المال حق سوى الزكاة ،وقيل الزكاة المفروضة،والأول أصح لما أخرجه الدار عن فاطمة بنت قيس قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن في المال حقا سوى الزكاة ثم تلي الآية.
* يذكر ابن حزم (انه صح عن الشعبي ومجاهد وطاووس وغيره قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) في المال حق سوى الزكاة "قال فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة لا مخالف لهم منهم.
* قال عمر رضى الله عنه( لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على الفقراء المهاجرين*وقال علي رضي الله عنه (إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم)
الدليل الثالث: انه لا يجوز للدولة أن تأخذ مال الفرد جبراً، بل على الفرد أن يعطي باختياره، وهو رأي خاطئ والأدلة:عندما احي عمر رضي الله عنه أرضا بالربدة وكانت لقوم فجاءؤا وقالوا: يا أمير المؤمنين إنها بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في إلاسلام علام تحميها،فاطرق عمر ثم قال: المال مال الله والعباد عباد الله والله لو لا ما احمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبر في شبر".ويقول الإمام ابن حزم "وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، يجبرهم السلطان على ذلك أن لم تقم الزكوات، ولا في سائر أموال المسلمين فيقم لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه ،ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك ،وبمسكن يقيهم من المطر والصيف والشمس وعيون الماره ". وعلي بن أبي طالب عندما صادر أموال بني أميه قال "والله لو وجدته قد تزوج به النساءوملك به إلا ماء لرددته".
كما ان الفلسفه الاقتصاديه الاسلاميه قائمه على مبدا استخلاف الجماعة في الانتفاع بالمال، اى ان الجماعة هي المستخلفة عنه تعالى أصلا في الانتفاع بالمال، على الوجه الذي يحدده ملك المال تعالى المنزه عن الانتفاع به ، أما الفرد فنائب وكيل عنها فى الانتفاع به، يقول تعالى: ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ الحديد: 7). في تفسير ألنسفي "يعني إن الأموال التي في أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها للاستمتاع به وجعلكم خلفاء في التصرف فيها، فليست هي بأموالكم في الحقيقة، وما انتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله تعالى وليكن عليكم إلا نفاق منها كما يهون على الرجل إلا نفاق من مال غيره إذا أذن له فيه –أو جعلكم مستخلفين عمن كان قبلكم" ...وهذا المبدا يتناقض مع اولويه الفرد على الجماعه ، والقطاع الخاص على القطاع العام فى النظام الراسمالى
التناقض الحضاري والقيمى : كما ان مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى يتجاهل التناقض الحضارى والقيمى بين النظام الاقتصادي الراسمالى والقيم الدينيه والحضارية للشخصية المسلمة، فهذا النظام الاقتصادي هو تنظيم للتمرد على القيم الدينيه و الحضارية المشتركة للشخصية المسلمة، وأولاها قيمه المشاركة الحضارية،حيث إن علاقات الإنتاج في ظل هذا النظام الاقتصادي تصبح مصدر للانانيه والفردية التي تتحول من خلال أطرادها إلى قيمه اجتماعيه تفسد عن طريق عن العدوى بالتفاعل باقي القيم الحضارية للشخصية المسلمة في الاسره (المشاكل الاسريه، التفكك الأسرى، ارتفاع نسبه الطلاق,...) في العلم( تحول العلم إلى تجاره) في الفكر( اتخاذ المفكرين لموقف الدفاع عن الواقع ، بدلا من اتخاذ موقف الدعوة إلي تغييره بتقديم حلول للمشاكل التي يطرحها..) في الأخلاق( التدهور الاخلاقى في كافه مجالات الحياة)... الخ نرى الأثر المخرب للقيم الراسماليه: الفردية التي تتقدم على أشلاء الآخرين ،والنظام الراسمالى بحكم طبيعته نظام استغلالي، ولا يمكن لاى إنسان في ظل الراسماليه إلا إن يكون طرفا في علاقة استغلالية مستغلا أو ضحية استغلال بشكل مباشر أو غير مباشر ،إزاء هذا لا تجدي النصائح والوعظ المثالي وحسن النية، بل أن حسنى النية هم ضحايا جاهزة للاستغلال، ولا يمكن إلغاء الاستغلال وباقي القيم السلبية إلا بالعمل على مقاومه النظام الاقتصادي الراسمالى الذي يكرس للمربع المخرب(الفقر والجهل والمرض و البطالة) و يفرز هذه القيم السلبية، واقامه نظام اقتصادي يعبر عن القيم الحضارية للشخصية المسلمة و يهدف إلى تحقيق مصلحه المجتمعات المسلمه ككل.
المستوى العملى :كما ان مذهب التفسير الراسمالى للاقتصاد الاسلامى يتجاهل النبؤه القرانيه بتدمير الله تعالى لاماره المترفين(والنظام الراسمالى شكل من اشكالها كما وضحنا سابقا )، لما تفرزه من فساد قيمى واخلاقى عبر عنه القران الكريم بمصطلح "ففسقوا فيها"، وان هذا التدمير الالهى سيطال حتما كل اماره للمترفين فى كل زمان ومكان.
للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:
1- د.صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات https://www.google.com/url?url=https://drsabrikhalil.wordpress.com/&rct=j&frm=1&q=&esrc=s&sa=U&ei=EyuTVLegG8rmarnrgCA&ved=0CBQQFjAA&usg=AFQjCNHyOTliiAMtReEm00MDa0luvgTuVg
https://drsabrikhalil.wordpress.com https://drsabrikhalil.wordpress.com/
2- د صبري محمد خليل Google Sites https://www.google.com/url?url=https://sites.google.com/site/sabriymkh&rct=j&frm=1&q=&esrc=s&sa=U&ei=ciuTVM3hIoXzarH0grgE&ved=0CDoQFjAO&usg=AFQjCNF_2V0LjxEo7PygWqHaEXTFrwJ9QA
https://sites.google.com/site/sabriymkh
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.