معظم البيانات الصادرة من الحركات بخصوص مفاوضات الدوحة ، وكذلك التصريحات واللقاءات الفضائية قد ذهب معظمها إلى وصف اللقاء التفاوضي في الدوحة بإنه تفاوض بين الإسلاميين برعاية قطر ، وهذا لا يخلوا من صحة بحسابات الإنتماء السابق لقيادات حركة العدل والمساواة ، ولكن السؤال هل إكتشف الإخوة ابناء دارفور حقيقة إسلامية خليل اليوم بعد ان وصل خليل للدوحة وحده ام منذ بروز حركة العدل والمساواة في ساحة دارفور؟ وقد كتبنا عن ذلك الإنتماء عشرات المقالات ونبهنا إلى ضرورة إعلان واضح من خليل ينتقد فيه لفترة عشرة سنوات من المشاركة في حكومة الإنقاذ تم فيها قتل المهمشين في جنوب السودان وجبال النوبة وإشتراكه هو وعدد من كوادر حركته في الجهاد الذي أعلنته السلطة . ورغم ضرورة التعامل مع حركة خليل كواقع ، إلا إن خليل لا يختلف في تاريخه عن المنقسمين عنه مثل إدريس أزرق ولا عن بحر ابو قرده أو جاموس فجميع هذه القيادات كانت جزءاً من الإنقاذ وجزءاً من تجربة الجهاد الاسلامي في جنوب السودان ، ولكن الآخر غير الإسلامي مطالب اليوم وغداً بالفعل ولن يفيد كثيراً التنبية لماضي خليل المعروف للجميع وغير المنكور من قبل خليل ولا حركته . ولكن المطلوب عمل على الارض يثبت إن خليل ليس الحركة الوحيدة عسكرياً فما تسعى له حركة العدل والمساواة هو تأكيد هيمنتها من خلال عملياتها العسكرية ، وبعد أن إعتمد جبريل باسولي المعيار العسكري لتحديد حجم الحركات فليس امام حركات دارفور خيار آخر غير العمل العسكري الميداني لإثبات قوتها أو التحول لحركات مدنية ورفض العمل العسكري والنضال من اجل تعلية هذا الخيار على صوت البندقية وكلا الخيارين يحتاجان لعمل سياسي وقبول متبادل بين الحركات وحوار جاد للهدف النهائ لكل حركة . مفاوضات الدوحة ليست المفاوضات الأخيرة ، والحكومة تعرف ذلك وحركة العدل والمساواة ايضاً تعرف ، وتصريحات خليل إبراهيم الاخيرة تكشف مدى إدراكه لرؤية الحكومة ولذلك سعى للنطق بلسانها واصفاً الحركات الاخرى بإنهم قطاع طرق وهي الصفة الأولى التي أطلقتها الحكومة على الحركات ، كما إنه أبدى إستعداداً كاملاً لفرض الامن على دارفور وقمع الآخرين . وخليل يعرف إن الحكومة تريد إن تأتي بجنجويد آخر لتسلمه دارفور وتستريح ، وهو الدور الذي رفضه مني أركو مناوي حين أرادت الحكومة أن تسلمه امن دارفور لانه يدرك حجم المواجهة الشعبية والمسلحة من الحركات وخليل أيضاً يعرف جيداً إنه لن يستطيع فرض الامن على دارفور مهما فعل ولكنه يصرح بذلك مغازلة للحكومة وتأكيداً لقدرات لا وجود لها كما إنه يتعامل مع منبر الدوحة كخطوة تكتيكية يعرف خليل وتعرف الحكومة ايضاً إنها لن تجلب سلام بل ستزيد من وتيرة العمليات العسكرية وتعطي مبرر كاف للآخرين أن يعتمدوا السلاح كخيار وحيد بعد أن اثبتت منابر التفاوض إنه الوسيلة الوحيدة لإسماع الصوت. السلاح لا يكلف سفراً لتل أبيب ! قرأت وانا اكتب هذا المقال إن الاخ عبد الواحد النور رئيس حركة تحرير السودان قد طلب سلاحاً من إسرائيل خلال زيارته لها الشهر الماضي ، وهو طلب جاء في الوقت الخطأ من زعيم لحركة ثورية تقاتل من اجل حقوق شعب مظلوم ومقهور ويعاني كما يعاني الشعب الفلسطيني المشرد ، وبغض النظر عن رؤية عبد الواحد لإسرائيل ومبررات ذهابه لها ، إلا ان امر السلاح لا يحتاج لهذا السفر فدارفور اليوم مليئة بالسلاح وكل ما يحتاجه عبد الواحد هو تأكيد إستمراره في القتال من اجل حقوق جميع شعوب دارفور والخروج من دائرة الشروط فلن تأت إسرائيل ولا اي قوة أخرى لقتال الحكومة نيابة عنه وإذا أراد عبد الواحد تحقيق تلك الشروط ما عليه إلا أن يتحمل المشقة ويقف قائداً فعلياً لجميع شعوب دارفور وأن يتولى بنفسه مهمة إعادة النازحين إلى حواكيرهم ، وطرد المستوطنيين الجدد وإستقرار الرحل وإعادة الأمل لسكان دارفور ، فعبد الواحد مطالب أن يقدم نفسه قائداً لجميع شعب دارفور وليس قائداً للذين لديهم حواكير فقط ، وأن يعيد قراءة الحواكير وتاريخها لتعرف على الذين ليس لديهم حواكير في دارفور ومن اتو وإنضموا للسلطنة بحواكيرهم في يدهم ، فمسألة الارض التي أصبحت شرطاً مكلفاً ليست بهذه الصورة التي يتحدث بها البعض فللرحل حواكيرهم ووثائقها في يدهم وما على عبد الواحد إلا الجلوس إليهم ليتعرف على الازمة التي يعايشها هؤلاء ، فإفرازات الصراع هناك تجاوزت الاسباب الاولى التي دفعت بعبد الواحد للثورة ، وإذا كانت الحواكير والتفلتات القبلية هي المحرض للثورة ورفع السلاح فاليوم الامر اكبر من ذلك بكثير ، والذهاب لإسرائيل ليس حلاً وعلى عبد الواحد المراهنة على شعب دارفور بمختلف تكويناته القبلية والسياسية وسيجد منهم دعماً اكثر من ما ستقدمه إسرائيل ، كما على عبد الواحد ومستشاريه أن يحللوا اسباب الكشف عن الزيارة ومطالبها في هذا التوقيت الحرج ، ودلالة ذلك في العلاقة مع إسرائيل. فإسرائيل تسعى للتطبيع مع الدول العربية وأن تكسب إعتراف فصيل عربي واحد من الدول العربية افضل لها الف مرة من تأييد كل الافارقة ولذلك الرهان على العداوة بين إسرائيل والعرب كمبرر للتحالف لا تسنده قراءة صحيحة ، وإذا تمثّل قائد حركة تحرير السودان ما خطه الزعماء الافارقة وعلى رأسهم مانديلا من مواقف في العلاقة مع إسرائيل لوجد نفسه في موقف واحد مع الضحايا الفلسطينين ، ورغم الموقف غير المبرر من زعيم حركة ثورية تحررية، فما زالت هنالك فرصة للأخ عبد الواحد أن يلعب دوراً كبيراً في المرحلة القادمة وإلا سيجد جميع فصائل دارفور وقواها تذهب حيث الموقف الذي يخدم شعب دارفور ولن يفيد السلاح إذا نجح أي سلام تتوصل له الفصائل في تحقيق جميع الشروط التي يطرحها الاخ عبد الواحد أو أن تتبنى الفصائل المقاتلة ذات الشروط وتسعى لتحقيقها بنفسه وبطرق واساليب اكثر حفظاً لدماء شعب دارفور وأكثر قبولاً لجميع الاطراف. الآن وبعد أن إستمر منبر الدوحة دون الحركات الاخرى وربما يكون لحظة نشر هذا المقال قد تم توقيع ثنائ بين حركة العدل والمساواة والمؤتمر الوطني ، على الحركات أن تعي المطلوب في المرحلة القادمة ولن يفيد الاعتماد على أي جهة اخرى بل المطلوب ان تأكد الحركات وجودها على الارض ، ورغم إن خيار العمل العسكري ليس مطلوباً وكما يقول أهلنا " حل بالايد ولا حل بالسنون " إلا إن فرص الخيارات الاخرى تضيق وامام الحركات فرص ضئيلة لتأكيد وجودها بعد ان اصبحت رؤية " الدبّابين" من الطرفين هي السائدة ، واصبح معيار العمل الميداني هو الحاكم للتفاوض ، والذي لا يدركه خليل والمؤتمر الوطني إن العمل العسكري متاح وسيتفاجأوا بقدرات عسكرية لم تدخل المعركة خلال السنوات الماضية لحسابات الواقع الدارفوري المعقد ولن يستطيع خليل او أي فصيل آخر قمع شعب دارفور والصعود على جماجمهم للوصول للسلطة والما عندها ضنب يحاحي ليها الله! . [email protected] يوسف عزت الماهري 15 نوفمبر 2009