ليست رواية عن الثأر..فقط..هذا مايكتشفه قارئ شوق الدوريش حال ابحاره..في صفحاتها..حيث تتكشف له آفاق أخرى..أكثر عمقاً ..دفعت بخيت منديل بطل الرواية لهذا المصير..رواية تطرح .. علامات إستفهام.. تتناول الحاضر وتمتد إلى المستقبل..فهل امتلك حمور زيادة.. القدرة علي طرق ابواب المسكوت عنه تأريخياً.. واستشراف مايحدث مستقبلاً..سيما وانه بدأ كتابتها قبل ظهور داعش في المشهد السياسي..رواية تشدك للقراءة.. تمنحك ذلك الشغف الذي يجعلك..اسيراً لصفحاتها..فأين يكمن سرها الباتع ؟..في تفرد شخصياتها..تناقضها ..وتكاملها؟. ..بخيت منديل فتى الجبال الغربية..الذي انهكه الرق.. والظلم.. والاستغلال الجسدي..والسخرة..فجاء انموذجاً حياً..لانسان العالم الثالث المنهك بذات المعطيات وان اختلفت المشاهد..ام يكمن في تشابه الواقع بين الامس واليوم والحال هذه.. مستقبلاً..ايضاً..حيث الحاكم هو ظل المولى عز وجل على الارض..ومن قبل استخدام المعتقد الديني لاستغلال الشعوب والرمي بها في اتون المحرقة مع اختلاف الدافع والظرف التأريخي..سواءً ارتدى الحاكم بزته العسكرية..اوامتطى ظهر ناقة..خرج بها من غياهب الجهل..والتشدد. ام يكمن السر في تعابير الرواية المكثفة رغم لغتها الرشيقة؟..دقة التفاصيل تمنحك كمتلقي ابعاداً ثلاثية لما تقرأ..جدران سجن الساير..تكاد بضيقها تطبق على انفاسك..تتألم من العمود الغائص في لحم بخيت فتمتد يدك..لانزاله من اعلى العمود..ولكن هل حقاً يمكن ذلك..هل حقاًيمكن لاحد حتى الكاتب نفسه انزاله .. والصليب قدره؟!..فهل اختار حمور مصير بخيت..ام ان الظرف الاجتماعي والسياسي هوالذي حاصره بهذا العذاب..وسيحاصر بخيت تاني وثالث وآخر.....هل يكمن السر في مقدرة حمور على الانتقال السلس من فصل لاخر. ومن مشهد لاخر عبر الزمان والمكان. دون تفسير..او تأويل. ..يربك القارئ قليلا.. لكنه يثق كثيراً في ذكاء هذا القارئ..يقول ..ولايقول..عندما وصف حب ثيودورا للخرطوم( ثيودورا احبت الخرطوم. .وصلت للرب..ان تنتمي لهذه المدينة المبهرة..واستجاب الرب لها فحين ماتت على الضفة الغربية للنيل..بعد اعوام عبروا بها شرقاً..ودفنوها في المدينة التي احبتها حيناً من الدهر..)..هكذا..ببساطة لم يقل إنها قتلت غيلةً..وغدراً..لم يقل ذلك عندما تعلقت كقارئ بشخصية ثيودورا..بل قالها باكراً..واحتفظ بالتفاصيل لاحقاً عند تطور الاحداث..فهل هو فن الاحتفاظ بالمسافة والتوقيت الجيد..ام هو امتلاك ناصية السرد؟..ثيودورا هذه الجميلة الرقيقة..لكأنها قادمة من بلاد تسكنها الملائكة..سحرت بخيت منديل واربكته. .دثر والداها جمالها بثوب النسك الطاهر..على مر العصور..فعل الرجل ذلك..حيال الاخت..الابنة ..الزوجة..دثر جسدها بالتراب في العصور السحقية..وهي لاتزال طفلة بعد ..قبل ان تتفتح زهرة احلامها..حتى !..ثم وفي عصور لاحقة..دثره..بثوب زفاف مبكر.. . إبراهيم الشواك التاجر الثري الذي يعرف من اين تهب ريح الربح ويسبح مع التيار الرابح دوماً..مصلحته اولاً..وامتلاءخزائنه اولاً..وثانياً..واخيراً.. .الوطن ومايحيق به من مخاطرليس في دائرة اهتمامه الا بمقدار مايخدم مصالحه الشخصية!! ليس شخصية من القرن التاسع عشر..فقط..ولكنه انموذج لاعمال رجال..ورجال اعمال..يمكن الإشارة إليهم بالبنان اليوم! .. حسن الجريفاوي..حكايته وحدها ..تصلح لتكون رواية قائمة بذاتها..تحمل مقومات نجاحها..المتفردة..دم الطفلة الذي لوث سيفه..والروح..واغرق سفينة نجاته وحول مسار رحلته عكسياً..من اليقين..إلى الشك..والتشظي وعذاب الضمير. (يامهدي الله هل صرت تركياً)..إنحراف الثورة عن مسارها..تسيد التطرف المشهد..الثورات التي نكصت عهدها واكلت بنيها..المصير الحتمي لثورات عالمنا الثالث تم اختزاله في عبارة..واحدة!! . (لو عصى نجى..لو عصى نجى)..وهل هلاكه..وهلاكنا..إلا في طاعة عمياء!! . بعناد طفل يقول بخيت منديل..(قولي لي متى كان الاوان..سارجع بالزمن إليه..سأجبر الشمس ان تعود إلي الوراء..سأتيك قبل فوات الاوان..هل يمكن ان يمتزج الشوق..بقلق اكثر إلحاحاً لإمتلاك اللحظة الهاربة..اكثر..من عبارات بخيت تلك؟كم هي موغلة في الصدق..! مرعبة حكاية..مريسيلة. .ووالدتها..ربما اكثر الحكايات رعباً عن مجاعة سنة ستة..عام الرمادة ذاك..لربما اراد الكاتب هنا..ان يمنحك خلفية..عن الظروف القاسية التي كونت نسيج مريسيلة..الموجودةبمهنتها في المجتمع السوداني..رغم انف مجتمع لايعترف بوجوده هذه المهنة..و أسبابه..! . المشاهد تبدو قاسية عند فتح الخرطوم..ربما لانها من المرات النادرة..إن لم نقل الاولى..التي يتم تناول الحدث التأريخي من ناحية..إنسانية بحتة..يلح هنا صوت الكاتب في إحد حواراته..(عند فتح الخرطوم قتل أكثر من عشرين الفاً..كل هؤلاء ماكان يجب ان يقتلوا) !! بالتالي يمكن ان نعتبر الرواية قراءة جديدة..في تأريخ الملاحم.. هل قصد حمور ان تكون قصة اسر بخيت في بر مصر وهزيمة الحملة بسيطة..كسذاجة..فكرة الحملة عن المجتمع المصري وقتها؟!! في هذه الجزئية من الرواية الجزئية الخاصة بقصة يوسف افندي تبدو ادوات الكاتب السردية كأنها بدأت التفلت من بين يديه..ولكن سرعان ما يستعيدها..عندما تختفي شخصية يوسف افندي بضعفها..من الرواية.. (عند الفراق..فقط يمتلئ القلب بالنزق)..عند الفراق فقط..نتأكد من مشاعر..منعنا الكبرياء من الإفصاح عنها والبوح بها ..هل ثيودورا وحدها..من تشعر بذلك؟!! في كل مرة يهرول شوقه إليها..مرة واحدة يتيمة..يملؤه الغضب..يمتنع عن الذهاب إليها..فيكلل اليتم..والمرار..حياته ..كلها..! موجعة تفاصيل قتلها.. لماذا تتوازي وتفاصيل مقتل الطيار الكساسبة في ذاكرتي..وبالوحشية ذاتها..؟ موجع انها قتلت..موجع مقتلها..في ليلة مباركة..ليلة الاسراء ..درب من مروا إلي السماء!.. وعلى الرغم من خلو تأريخنا تقريباً من فن المنمنمات..الإ ان شوق الدروريش..وحدها منمنمة..تأريخ إجتماعي..نابضة بالإنتصار والإنكسار..بطعم العشق..اللاذع وعذاباته..بالرق..وظلمات العبودية..بالتوق إلي الحرية وقيود المكية..بنعيم اليقين..وتشظي الشك وعذاب الضمير..منمنمة..تغوص في تفاصيل..سحرها كمتلقي..على خلفية قيثارة..اجاد حمور..اللعب على اوتارها..بحرفية عالية . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.