شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمي وأم أفريقيا .. بقلم: شوقى محى الدين أبوالريش
نشر في سودانيل يوم 08 - 06 - 2016

كما ترون، وبه تنعمون، هذا الكون يسير بانتظام ودقة متناهية منذ الأزل لأن هناك ربُ فوق البشر يديره في كل مناحيه..الليل والنهار..الصيف والشتاء..الرياح والمطر..الشمس والقمر..البحار واليابسة..الزرع والضرع..الحياة والموت..وكل ذرة في الكون.. وأترك لخيالكم تصوّر شكل هذا الكون لو أسند أمر إدارته إلى البشر أفراداً كانوا أم جماعات..ماذا كان سيحصل؟ خاصة وأنتم ترون الآن أمام أعينكم المهازل وسوء الإدارة ومآسى ومحن في بلدان بعينها، على الأقل في بلداننا العربية والإسلامية. فوضى ضاربة بأطنابها في كل مرفق وظلم وتحزب وجبهات ومصالح وحروبات وقصف جوى وأرضى وتآمر وقتل أبرياء ونهب أموال وثروات وجوع وفقر ومرض.. الخ ...كله أدى إلى مذلة الإنسان الذى كرمه الله فأصبحوا جميعاً يساقون كالأنعام ويذبحون كالشياه ويبحثون عن الطعام في حاويات القمامة تماماً كالقطط والكلاب أعزكم الله..حالة لا تسر العدو كما يقولون.
تعتريني أحياناً كثيرة لحظات تأمل في هذا الكون وحالنا فيه الآن ونتيجة لهذا التأمل مرت بخاطري قبل أيام فكرة.. لماذا لا يكون هناك تصنيف عالمي ُملزم للدول المتخلفة عن الركب تديره هيئة مستقلة أو الأمم المتحدة تقسم فيه الدول إلى شرائح وأولويات وبالترتيب من درجة تحت الصفر (الحضيض) إلى الدرجة العاشرة (مقبول) حسب مستويات الاستقرار ومراعاة حقوق الإنسان في هذه الدول، بشرط أن تكون هنالك سلطة لهذه الهيئة على دول الحضيض لفرض أوامرها وجعلها مُلزِمَة أو حتى التدخل لإدارتها كحكومة، إلى حين، عند الضرورة..أدرى أن هناك مؤسسات ووكالات موجودة ومعترف بها عالمياً لتصنيف الدول والحكومات مثل (إستاندرد آند بورز وموديز وفيتش وإيه آند بست إلخ..) لكن هذا التصنيف يركز على الجانب الائتماني أو المالي للدول وهي اختيارية ولا تملك هذه المؤسسات أو الوكالات سلطات على الدول المُصنفة..وهناك أيضاً (مؤسسة مو إبراهيم الخيرية) والتي من ضمن مهامها تصنيف الدول والحكومات من ناحية التنمية الاقتصادية والتعليم والصحة والحكم الرشيد لربطها بالتقييم السنوي لجميع رؤساء دول أفريقيا لأغراض أخرى. لكن هذا التقييم قاصر على الدول الأفريقية، ثم كذلك ليست لديها سلطات على تلك الدول التي تصّنفها عن طريق لجنة عالمية. الشيء الذي دعاني إلى التفكير في كيفية إدارة الكون وإدارة الدول وعقد هذه المقارنة هي نوبة يأس تام من حال الفوضى والبؤس والتشرد التي أراها أمامي في كل شيء في دولنا حتى في أبسط الأشياء مثل إطلاق الألقاب على الأفراد والجماعات دون أدنى علم أو رابط أو ترتيباً لخدمة مصلحة أو مصالح معينة وهذا هو الموضوع الذي أنا بصدده الآن.
قبل أيام قادتني الصدف لمشاهدة أحداث احتفال كبير نُقل على جميع محطات التلفزة في السودان بمناسبة إطلاق لقب "أم أفريقيا" على المعلمة "الدكتورة سعاد الفاتح" وكان الحضورعلى مستوى رئيس الدولة ونوابه بالإضافة إلى الفريق عبدالرحمن سوار الدهب كرئيس للجنة المنظمة. مبلغ علمي أن دكتورة سعاد الفاتح هي سيدة من جيل القيادات التاريخية للحركة الإسلامية في السودان وتقلدت منصب عميد كلية البنات بجامعة أم درمان الإسلامية وعملت بتدريس البنات وهي ناشطة في العمل السياسي وحالياً عضو المجلس الوطني عن حزب المؤتمر الوطني. أنا لست ضد الاحتفال والتكريم والإشادة بمن أنجزوا وقدموا خدمات جليلة للبلاد والعباد بل على العكس تماماً فأنا من الداعين لذلك. وفى كتابات سابقة دعوت مراراً أن يكون الشكر والتكريم عندما يكون الشخص المعنى على قيد الحياة وهو يمارس نشاطه ليكون في ذلك دافع معنوي له للمزيد من النشاط والعطاء وفي ذات الوقت تشجيعاً للآخرين ليحذوا حذوه لا أن يُكرّم الشخص بعد أن يفنى ويصير تراباً أو التباري في شكره وتعداد أفضاله وإنجازاته عند المقبرة مباشرة بعد انتهاء مراسم دفنه تحت الثرى كما هو الحال دائماً في السودان.. لدرجة أن السودانيين يقولون لمن أحسن أو أنجز: " ألله لا جاب يوم شكرك" وكأن شكر الإنسان، لأي سبب من الأسباب، مرتبط بموته فقط.
الاحتفال الرئاسي بالدكتورة سعاد الفاتح أحسب بسبب كوّنها معلمة وسياسية وقيادية في حزب الحكومة. إلى هنا الأمر عادى جداً.. حيث يكفي أن تكون معلمة، فالمعلمون والمعلمات في السودان وللظروف القهرية التي يعملون تحتها يستحقون التكريم والاحتفال بهم على أعلى المستويات فمن علمك حرفاً صرت له عبداً. والدكتورة سعاد الفاتح تستحق التكريم باعتبار أنها معلمة أسهمت كغيرها من معلمات السودان في تعليم البنات. لكن ما حيرني وأدهشني أن يكون الاحتفال هدفه إطلاق لقب "أم أفريقيا" عليها ! مبعث حيرتي ودهشتي له أسبابه.. أولاً: هي لا يعرفها أكثر الناس في السودان ولم يسمعوا بها..هي ليست أمي وأمك وأم من يعيشون في أصقاع السودان المختلفة.. فكيف تتجاوز الحدود وتصبح أماً لأفريقيا ! ثانياً: ماذا قدمت دكتورة سعاد لأفريقيا ؟ في سيرتها الذاتية المقدمة لم نسمع بها يوماً ناشطة في منظمة من المنظمات الأفريقية أياً كانت أو الاتحاد الأفريقي ولم نراها يوماً زارت الأماكن الساخنة في دول أفريقيا كأنجولا وناميبيا وجنوب أفريقيا والجزائر أو افريقيا الوسطى أو حتى في جنوب السودان وثالثاً: ما هي علاقة أفريقيا بها وبعملها في السودان! حاولت أن أعرف أي رابط فلم أجد شيئاً لكن فوق كل ذي علم عليم.
لم نسمع من قبل أن مناضلات أو سيدات أفريقيات لهن شأن مثل الجزائرية جميلة بوحيرد أو الأفريقية مريم مكبا أو المصرية هدى شعراوي أو السودانيات فاطمة أحمد إبراهيم ونفيسة المليك وحاجة كاشف وعزيزة مكي وسارة نقد الله وخالدة زاهر وغيرهن من النساء المشهورات توجن بلقب "أم أفريقيا" أو حتى أشهر نساء أفريقيا في العالم مثل السيدة الإعلامية والإنسانية أوبرا وينفرى إحدى أقوى نساء العالم وأشهرهن أو السيدة الفنانة المعروفة أم كلثوم سيدة الغناء العربي قد منحن هذا اللقب. كذلك لم نسمع بأن مناضل أفريقيا الأشهر نلسون مانديلا أو المناضل الجزائري أحمد بن بلة أو المناضل الكونغولي باتريس لوممبا أو الزعيم الكيني جوموا كنياتا أو المناضل التنزاني جوليوس نايريرى والزامبي كينيث كاوندا والغيني أحمد سيكوتوري والموزمبيقي سمورا ميشيل والغاني كوامي نكروما والسنغالي ليوبولد سنغور وغيرهم من رجال أفريقيا المناضلين وزعماءها، بغض النظرعن توجهاتهم السياسية، منحوا لقب مثل "أب أفريقيا". فقد كانوا جميعاً أحق وأولى بالألقاب التي تتعلق بأفريقيا تقديراً لنضالهم وتضحياتهم وإسهاماتهم الثرة نحو استقلال بلدانهم من براثن الاستعمار ورفعة شعوبهم التي أنهكها وذلها الجوع والمرض والفقر. وفى يقينى كان أولى بمثل هذه الألقاب الرؤساء الأفارقة الأربع (رؤساء الرأس الأخضر، وموزمبيق، وبوتسوانا وناميبيا) الحائزين على جائزة (الملياردير مو إبراهيم) البالغ قدرها خمسة ملايين دولار والمعروفة باسم جائزة افريقيا للحكم الرشيد والإنجاز في القيادة .
عندما نطلق الألقاب لا بد من الاختيار أو الانتخاب من بين قائمة تضم عدداً من المتنافسات المؤهلات وفق معايير محددة، كما هو الحال بالنسبة لجوائز نوبل وغيرها من الجوائزالعالمية، ولا بد أن تكون هناك أسباب حقيقية مقنعة وإلا فهي مجرد تطاول وسطو على ممتلكات الغير. ولذلك جاءتني فكرة وجود هيئة مستقلة لتحكم هذه الدول وتضع لها الضوابط في كل شيء لحفظ الحقوق وحتى الموافقة على منح الألقاب لمستحقيها بعد دراسة الأسباب. بيد أنه ليس القصد أبداً النيل أو التقليل من مكانة الدكتورة سعاد فمكانتها محفوظة، ويكفي أنها تمارس أشرف المهن وأهمها، فالعلماء ورثة الأنبياء. لكن الحكمة أن نضع الأمور في نصابها الحقيقي ولا نطلق الألقاب جزافاً بدون حساب حتى لا تفقد معناها وغرضها وحتى تكون مناسبة للوضع أو الشخص المعنى ولضمان الديمومة ثم أخيراً حتى لا يكون فيه تصغير وضآلة لمانح اللقب.
إن إطلاق الألقاب هو أمر طبيعي منذ القدم عند جميع المجتمعات، وبشكل عام تطلق الألقاب على بعض الشخصيات الرائدة أو تلك التي قدمت أعمال وخدمات جليلة ويكون لها خلفيات معينة أو للدلالة على حقيقة ما. وبالأصل يجب ألا يكون اللقب مخالفاً للواقع أو يكون فيه عدم دقة أو مبالغة في الوصف بما يضلل الآخرين للوصول إلى المصالح الضيقة للشخص أو لفئة دون اعتبار للوعي السياسي والفكري والثقافي الذي يملكه الآخرون. وفي يقيني أن اللقب إذا لم تسنده حقائق لا يحوز على اعتراف الناس به وبالتالي يبقى هذا اللقب محفوظاً داخل الجدران أو حبيساً لا يبارح صالة الاحتفال. فالألقاب تفرض نفسها بنفسها على الشخص المعنى بسبب الواقع المعاش وأهمية ذلك الواقع على الآخرين وما يتركه من أثر فيهم. ولتوضيح ذلك أضرب لكم مثلاً بأربعة ألقاب معروفة على نطاق واسع ومتداولة منذ وقت طويل وهي: "فنان أفريقيا الأول" و "أمير الشعراء" و "كوكب الشرق" و"المتنبى" ونأخذ كل واحد من هذه الألقاب على حِدة:
فنان أفريقيا الأول.. عندما أطلق هذا اللقب على الفنان الكبير محمد وردى، رحمه الله، لم يكن ذلك جزافاً أو منح له في احتفال رئاسي إنما كان عبر استفتاء طوعي حقيقي خارج السودان..فعلمي أن هذا اللقب ارتبط بالحفل الذي أقامه الفنان وردى في إستاد أديس أبابا الأولمبي في عام 1994والذى وصفته الصحف آنذاك بالحفل الأسطوري، وكانت أديس أبابا قد خرجت عن بكرة أبيها لحضور هذا الحفل والمشاركة فيه، ولم تشهد أديس أبابا حتى الآن، وبعد أكثر من أربعة وعشرون عاما، مثل ذلك الحفل من ناحية العدد والتعبير عن الحب والمشاركة. وكان ذلك استفتاءاً واقتراعا لجماهيريته في أفريقيا، كما أن وردى قد حفر بفنه مكانة سامية في وجدان كثير من شعوب أفريقيا والقرن الأفريقي وجنوب مصر وتشاد والنيجر والسنغال ونيجريا وليبيا وموريتانيا، كما أن مسيرته الفنية لأكثر من ستين عام والحافلة بأكثر من أربعمائة أغنية شامخة تجعله أسطورة فنية سودانية أفريقية خالدة وموسوعة موسيقية شاملة، ثم أن كفاحه ضد الظلم السياسي والأنظمة الدكتاتورية بفنه وأناشيده وشعاراته الوطنية ثم اعتقاله ودخوله السجون مراراً في كل العهود العسكرية جعلته مناضلاً جسوراً ومعروفاً لا يقل نضالاً وجماهيراً عن الزعماء والمناضلين الأفارقة. هذا الإرث الفني والنضالي والسياسي كفيل بأن يجعل الرجل مشهوراً تتجاوز شهرته حدود السودان إلى أفريقيا وغيرها من القارات فاستحق اللقب عن جدارة.
أمير الشعراء.. الشاعر أحمد شوقي صاحب ديوان "الشوقيات" شاعر وكاتب مصري يعد من أعظم وأشهر شعراء العربية في العصور الحديثة حيث يعتبر من أكثر شعراء العربية إنتاجاً منذ ولادة الشعر إلى يومنا هذا.. وحصل على لقب أمير الشعراء نتيجة للكم الهائل من قصائده العصماء في كل مناحي الحياة.. في الوطن والأم والملوك والأمراء والفن والحب والجمال والنيل فكانت مبايعته من كافة الشعراء العرب في حفل أقيم في دار الأوبرا الملكية في القاهرة عام 1927حيث أعلن الشاعر الكبير حافظ إبراهيم باسم الشعراء مبايعته لأحمد شوقي بإمارة الشعر وألقى قصيدة عصماء من درر قصائده استهلها بقوله:
بلابل وادي النيل بالشرق أسجعى....... بشعر أمير الدولتين ورجعي
أمير القوافي قد أتيت مبايعاً......... وهذى وفود الشرق قد بايعت معي
فغن ربوع النيل وأعطف بنظره..... على ساكني النهرين وأصدح وأبدع
حقاً لقد خلد الرجل موسوعة شعرية ومجداً تفخر به الأجيال. فقد بدأ أحمد شوقي شاعراً للملك والأمير ثم أميراً للشعراء دون منازع فاستحق هذا اللقب.
كوكب الشرق.. المطربة الكبيرة سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم أٌطلق عليها لقب كوكب الشرق اعترافا بفنها وأداءها وبلونيتها الغنائية المتفردة حيث بدأت المديح والغناء منذ عام1921، وهي ما تزال بنتاً صغيرة لم تتجاوز سنواتها العشر، وكونت فرقة موسيقية بقيادة الموسيقار محمد القصبجي في عام 1926 وذاع صيتها بعد تعاونها مع الملحنين رياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب وبليغ حمدي، وحققت نجاحات كبيرة بأغنياتها "نهج البردة" و "أراك عصى الدمع" و "سلو قلبي" و "الأطلال". وقد عاشت أم كلثوم أزهى عصورها الفنية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وحتى وفاتها في عام 1975. وبوفاتها فقدت مصر هرمها الرابع وشيعت إلى مثواها الأخير في جنازة مهيبة حيث رافقها أكثر من ثمانية ملايين شخص.. ومَن مِنا لا يحب أم كلثوم.. ومَن مِنا لا يردد أغانيها وموشحاتها... ومَن مِن العرب في مشارق الأرض ومغاربها لم يعشق أغاني أم كلثوم حيث جابت كل بلاد العالم وحصدت العديد من الأوسمة الملكية والرئاسية من الأردن والمغرب وتونس ولبنان وفلسطين والسودان والعراق.. فقد كانت الصوت الذي يجمع العرب حينما تفرقهم السياسة.. ولذلك أطلق عليها المذيع محمد فتحي الشهير "بكروان الإذاعة"، والذي كان ينقل حفلاتها على الهواء مباشرة طوال الأربعينات "بكوكب الشرق" لتميّزها عن غيرها من النجوم والكواكب. وهكذا استحقت لقب "كوكب الشرق" بالإضافة إلى لقب سيدة الغناء العربي.
المتنبي .. ربما لا يعرف البعض أن المتنبي الشاعر الأشهر اسمه أحمد بن الحسين بن الحسن أبوالطيب وهو من حضرموت جنوب اليمن، كما أن البعض ربما لا يعرف سبب إطلاق هذا اللقب الذي له معنىً. الشاعر أحمد بن الحسين كان رجلا نادراً وأعجوبة عصره بل حتى أعجوبة عصرنا هذا. فقد أبدع في قول شعر الغزل والمديح والهجاء والحب والجمال وقد ظلت أشعاره إلى يومنا هذا حِكم تخاطب النفس والروح والوجدان. وكان هذا الشاعر واثقاً من نفسه ومن شعره إلى درجة الغرور حيث قال يوماً أجمل الأبيات مادحاً نفسه:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ..... وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها..... ويسهر الخلق جراها ويختصم
فأرجو أن تتأمل لبرهة من الزمن هذه الأبيات والكلمات القوية المقنعة والتحدي بتسخير اللامعقول في البيت الأول ثم الهدوء والاطمئنان المفاجئ لينام مرتاح البال حين يتصارع الناس فيما قاله من أدب كما ذكر في البيت الثاني..عجباً لهذا التفكير! بل ما هو أعجب هذا التعبير! أما أسباب إطلاق لقب المتنبي، الذي سار عليه وغطى على اسمه الحقيقي، فهو ثقته وإعجابه بنفسه لدرجة أنه تسامى فوق البشر وادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه عدد كبير من بنى كلب وغيرهم لحلاوة كلامه وبلاغته إذ كان يقرأ على البوادي شعراً جميلاً ذكر أنه قرآن أنزل عليه فصدقه عدد كبير لعذوبته وحلاوته. فخرج عليه لؤلؤ أمير حمص نائب الإخشيدي وأسره ثم حبسه مما أدى لتفرق أتباعه وتم في الحبس زمناً طويلا إلى أن استتاب وأُطلق سراحه وصار لقبه المتنبي باعتبار ما كان.
بعد هذا الغوص غيرالعميق في بحر الألقاب أعود بكم إلى لقب "أم أفريقيا" الذي لا يعنى شيئاً إذا كان خالياً من المحتوى والجوهر والمضمون كما أوضحت سابقاً، لكن لا عجب في بلد يوزع الألقاب والصفات والدرجات العلمية (من ماجستير ودكتوراه وبروف إلخ...) لغير مستحقيها... لا جهد ولا علم ولا إنتاج ولا إسهام حتى فقدت معانيها وبريقها. ربما يكون من الأجدى والأنسب والأولى أن نركز في بلدنا ومحيطنا.. في لقب مثل "أم السودان" ونحتفل بكل الأمهات والمعلمات وخاصة الرعيل الأول منهن واللاتي خضن تجارب صعبة وعراقيل في مواصلة تعليمهن بسبب التقاليد والأعراف ونظرة المجتمع آنذاك. وبهذه المناسبة وددت أن أذكر لكم تجربة مربية الأجيال والشاعرة الست "هانم حسن دهب"، أطال الله عمرها ومتعها بالصحة والعافية، والتي امتهنت التدريس في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي. فقد سافرت من وادي حلفا إلى أمدرمان عام 1936 بحثاً عن العلم، ودرست المرحلة الأولية هناك ثم التحقت بأول معهد لتدريب المعلمات بأمدرمان والذي أنشئ عام 1921 خصيصاً لإعداد خريجات مهمتهن الأولى القيام بالتوعية وتشجيع تعليم البنات ثم للعمل كمدرسات في المدارس الأولية، وقد كانت مدة الدراسة عامين بعد إكمال المدرسة الأولية. الشاهد.. في ذلك الزمان الغابر كان التعليم في حد ذاته محظوراً وعيباً اجتماعيا للبنات دعك من السفر بمفردهن من البوادي إلى بلاد بعيدة كأمدرمان حيث حياة المدينة وما فيها. اقتحمت الست "هانم حسن دهب" هذه الأجواء بل هذا السياج المانع بطموحها وعزيمتها وإصرارها وبتشجيع من رجل، ولا كل الرجال، هو طيب الذكر العمدة صالحين عيسى والذي أصبح ناظراً للخط بوادي حلفا فيما بعد. وإمعاناً منه في تشجيع التعليم لها ولغيرها من البنات أرسل معها ابنته الكبرى "هانم صالحين" ليدرسا سوياً في أم درمان. وقد كان في ذلك تشجيعاً لطالبة ثالثة تسمى أيضاً "هانم محمد على" انضمت لهن للدراسة في أم درمان، ولذلك أطلق عليهن اسم أو لقب "الهوانم الثلاث". لكن في السنة الأولى توفت والدة الطالبة "هانم " ابنة العمدة صالحين فقطعت الدراسة وعادت أدراجها إلى أهليها لتسد ذلك الفراغ الكبير الذي خلفته والدتها وخاصة وهم كانوا عُمد وأهل كرم لا تنطفئ نيرانهم ليلاً ونهاراً. وفى نفس العام الدراسي أصيبت الطالبة الثانية "هانم محمد" بصدمة نفسية تسبب فيه خبر مزعج لها أدى إلى فقدانها المفاجئ لصوتها وأصبحت خرساء تتحدث بلغة الإشارة. ولما لم يُجدِ معها العلاج في أم درمان والخرطوم قطعت الدراسة وعادت أدراجها إلى أهلها وهكذا عادت "الهانمان" تاركتين زميلتهن "الهانم الثالثة" وحيدة لتكمل دراستها في المعهد. لكن من الغرائب في هذه الدنيا ومن كرم الله وفضله أن الطالبة هانم التي كان قد أصابها الخرس ويئست من العلاج وقطعت الدراسة وعادت لأهلها تعالجت بمحض الصدفة..فعندما كانت تسير يوماً في طريقها إلى منزل عمتها المجاور لهم، فجأة هجم عليها كلب شرس لم يسكت من النباح في وجهها ومن هول الخوف والمفاجأة صرخت صرخة مدوية حتى تجمع الجيران وأنقذوها من قبضة الكلب. لكن من محاسن ذلك الكلب أنه بعد تلك الصرخة مباشرة انطلق لسانها ورجع صوتها مدوياً كما كان، لكنها للأسف لم تعد لتواصل الدراسة خوفاً.. هذا في الوقت الذي أكملت فيه الطالبة "هانم" الباقية الدراسة ورجعت كمعلمة لتفتتح أول مدرسة أولية في دبيرة بمجلس ريفي وادي حلفا في عام 1942حيث كانت تذهب للأسر في بيوتهم لتشرح لهم أهمية التعليم وكان يصاحبها العمدة صالحين في تجوالها وكانا يوزعان بعض الهدايا تشجيعاً للبنات ولإقناع الآباء والأمهات بفوائد التعليم المختلفة وضرورة الالتحاق بالمدرسة. ومع مرور الزمن استجاب الكثير منهن بفضل مجهودها والدعم اللامحدود من قِبل العمدة صالحين..واكتمل العدد المطلوب وتخرج بعضهن كمعلمات وبدورهن خرّجن أجيالاً أخرى .. وهكذا تواصلت وانطلقت مسيرة التعليم في وادي حلفا كأول المناطق التي دخل فيها التعليم في السودان. وقد ظلت الست "هانم" مواصلةً لمهنة التدريس لفترة طويلة حتى ولدت الفقير لله.. ولمرض جلدي أصابني في طفولتي استدعى علاجي في مصر اضطرت أن تترك مهنة التدريس وتتفرغ لتربية أبنائها وبناتها بعد أن افتتحت ومهدت الطريق لتربية وتعليم أجيال من بنات المنطقة.
هذا السجل الحافل بالطموح والاقتحام والجهد والعطاء الذي بذلته الست "هانم حسن دهب" في مسيرة التربية والتعليم لتنير دروب أجيال من البنات في زمن غابر لم يحتفل به مفتش تعليم أو أي مسئول في الوزارة دعك من احتفال رئاسي. وظلت الست هانم "أم هدى" وإخواتها وإخوانها تنعم بالتقدير والتبجيل من خريجاتها أينما حلت.
ولأن شهادتي مجروحة، فقد أوردت الوالدة كمثال، عايشته عن قُرب، لواحدة من آلآف ممن تخطتهن الألقاب والإحتفالات الرسمية وهن الأجدر بها بلا منازع. لقد ذهب التقدير المعنوى بين الناس.
وفي هذا المقام لا يسعنا إلا نكرر أجزل الشكر وعاطر التحايا لشباب دبيرة والنادي النوبي بالخرطوم الذين أثنوا على طموحاتها وعدّدوا إنجازاتها وثمنوا دورها الرائد في إقناع وتعليم البنات في الاحتفال الكبير الذي أقيمت فعالياته في النادي النوبي عام 2013.
دامت ودمتم جميعاً في حفظ المولى.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.