يبدو واضحا للعيان لم يعد الجيل الجديد يقرأ الكتب , إلا نادرا , ويعتقد البعض أن عزوف الشباب عن القراءة عموما وقراءة الكتب خصوصا ,يرجع الي عدة أسباب , لعل في مقدمتها ظهور الأنترنت ووسائل الأعلام المتعددة وضيق الوقت ومشاغل الحياة اليومية وأرتفاع أسعار الكتب .ولكن هذه الأسباب في تقديري لن تقف حائلا أمام من يحرص علي القراءة كطقس دائم من طقوس حياته. وربما السبب الرئيسي وراء العزوف عن قراءة الكتب الجادة هوعدم شعور الشباب بالحاجة الي القراءة .هذا أمر مؤسف , ربما لأنهم لايعرفون قيمة الكتب في حياة الناس وتطور المجتمعات وفي تاريخ البشرية , فالقراءة يا الشباب أحدي سمات المثقف الواعي والأمم المتحضرة , يحث عليها علماء النفس , ولا يمل المربون من تأكيد ضرورتها لكل الفئات العمرية , فهي وحدها تفتح أمام القارئ عوالم لا نهاية من العلم والمعرفة والمتعة وهي مفتاح الثقافة والحضارة والتقدم . وكل كتاب جيد -خبرة جديدة وتواصل من العقول الذكية , عقول العظماء الذين يدفعون بالقارئ الي التفكير في أمور لم تخطربباله , أو لم يكن يعرف عنها كثيرا , ولا يحسن التعبير عنها .. كما يجد فيها القارئ وصفا لتلك المواقف والمشاكل الحياتية التي قد تواجهه , وأجوبة عن الأسئلة التي تعذبه . أننا عندما نسهر الليل في هذه الغرفة الصغيرة ونكتب عن قراءة الكتب نظرا لأهميته , ولا نعني بذلك هواية أقتناء الكتب لغرض تزيين رفوف المكتبة المنزلية أو صالون الأستقبال , من أجل التباهي بثقافة صاحب المنزل , فثقافة المرء لا تقاس بعدد الكتب التي يمتلكها بل بعدد الكتب الكلاسيكية الخالدة , والكتب الجديدة القيمة , في شتي ميادين المعرفة والثقافة , التي قرآها بتمعن وتمحيص وتفاعل مع مضامينها وأطال التفكير فيها وأستخلص منها ما هو مفيد له في الحياة , وما يعينه علي بلوغ مرتبة أعلي من الأنسنة أن صح التعبير . يتباهي البعض بكثرة الكتب لديه وبضخامة المكتبة التي يمتلكها , وعندما تتحدث اليه لا تشعر علي الأطلاق بأنه أستفادة حقا ولوقليل من الكتب التي قرأها , والأرجح له لم يقرأ معظم ما يمتلكه من كتب أو أنه قرأها بلا مبالاة ودون التعمق في معانيها , ولم يتفاعل معها قط , حيث لا يظهر شئ من أثر القراءة المعمقة في ثقافته وسلوكه وأسلوبه في الكلام .قراءة أفضل الكتب بتمعن شئ , وقتل الوقت بالقراءة السطحية شئ آخر تماما . أنني أقصد في هذا المقال نتحدث عن القراءة الجادة التي ترتقي الي مستوي التفاعل مع أراء المؤلف وأفكاره. مثل هذه القراءة لها فوائد معرفية وثقافية وصحية وأجتماعية عديدة نحاول أيجازهافي نقاط محددة : قراءة الكتب بتمعن مفيدة في مختلف مراحل العمر , المهم هو ماذا نقرأ ؟ من المشكوك فيه أن تلعب القراءات الخفيفة المسلية أي دور في أثراء معلوماتنا أو تنمية عقولنا . من الممكن أن نقرأ لغرض الترفيه عن النفس وتمضية الوقت أو مجرد حب الأستطلاع , ولكننا أذا قرأنا شيئا من روائع الأدب الكلاسيكي ونتاجات الفكر الأنساني , فأنا نعتاد عليها ولا يمكننا الأقلاع عنها بسهولة . الكتب الخالدة عبر التريخ الأنساني تتضمن عصارة الفكر وناج العلم ودوحة التجارب وعطية القرائح وثمرة العبقريات علي حسب وصف العلماء . ينبغي لكل مثقف أن يقرأها مثل هذه النتاجات لن تفقد قيمتها بمرور الزمن أبدا , رغم تغير الأجيال ونظم الحكم والتقدم الحضاري . قراءة الكتب العلمية عن نشوء الكون ونظام المجموعة الشمسية تؤدي توسعة مداركنا ومخيلتنا وتحسن تصوراتنا وفهمنا لقوانين الطبيعة . والكتب الثقافية والتاريخية تزيد من معلوماتنا , وقد نستخلص منها العبر والدروس لبناء حاضرنا ومستقبل أبنائنا . أما قراءة كتب السيرة الذاتية والمذكرات الشخصية فأنها تتيح لنا الأطلاع علي خلاصة التجارب الحياتية لشخصيات مثيرة للأهتمام , أسهمت في صنع التاريخ أو كانت شاهدة عليها . ويمكننا بكل تأكيد الأستفادة من تجاربهم وخبراتهم الحياتية التي تفيدنا مستقبلا في حياتنا العملية . وصفوة القول أن قراءة الكتب القيمة سواء كانت تخصصية أو ثقافية عامة لا غني عنها لكل أنسان يعرف قيمة التراث الأنساني العظيم في العلم والفكر والثقافة . الأنسان الذي لا يقرأ يعيش حياة واحدة فقط , هي حياته , أما من يطلع علي تجارب الآخرين فإنه يعيش حيوات كثيرة . كانت النخبة المثقفة تقرأ كثيرا حتي الي عهد قريب , ربما بسبب عدم وجود مصادر كثيرة للمعلومات والتسلية والترفية . لم يكن هناك أنترنت ولا فيس بوك ولاتيوتر ولا الهواتف الذكية ولا حتي قنوات التلفزيون فقد كانت محلية وعددها محدودا وتقدم برامج بريئة بالقياس ما تعرضه القنوات الفضائية اليوم وما أكثرها . العزوف عن القراءة يبدو لي ظاهرة عالمية غير مقصورة علي شبابنا ,بل حتي هنا نحن نعيش في الغرب قلت القراءة علي الكتب بل اتجة الجميع الي انشغال بالهواتف الذكية وبرامجها الكثيرة وما أكثرها. صحيح ان الأقبال علي قراءة الكتب في الغرب وخصوصا كبار السن لا يزال كبيرا ولكنه أنخفض كثيرا منذ ظهور الأنترنت . الجيل الجديد في كل أنحاء العالم يبحث عن بدائل أخري للكتاب عبر المدونات والمنتديات ومواقع التواصل الأجتماعي . ولكن لا شئ يمكن أن يكون بديلا للكتب الجيدة . وهي وحدها تزودنا بالمعارف المتعمقة وتؤثر في تشكيل رؤيتنا للحياة والعالم . برغم أن الحياة المعاصرة تتيح للأنسان أمكانات كبيرة للتراخي الذهني أكثر من التفكير العميق والتأمل ومع ذلك لا ننسي ايها الأخوة الشباب ,دور الكتب في أضاءة الطريق . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.