أثيرت ضجة كبيرة وما تزال مثارة داخل البلد وخارجه حول إعادة علاقات السودان مع الولاياتالمتحدة الاميركية. دون شك للحدث أهميته النابعة من كون الولاياتالمتحدة هي الدولة الاولى المؤثرة في العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وللحقيقة يعتبر الحدث حدث أميركي خالص جاء نتيجة لإلغاء اميركا لعدد من قوانين داخلية شرعتها بدء من عام 1997 حيث فرضت بها عقوبات اقتصادية وتجارية ومالية على السودان بدعوى دعمه للارهاب العالمي وانتهاكاته لحقوق الانسان. يرى محللون أنه كان في تقدير الادارة الاميركية السابقة أن لا حاجة لابقاء بعض الملفات مفتوحة أو ربما كان ذلك من باب المكايدة الحزبية وتعقيد الامور من جانب أوباما تحسباً لاحتمال انتخاب ترمب. من بين هذه الملفات على سبيل المثال ، الى جانب الملف السوداني ، ملف ادانة سياسة اسرائيل الاستيطانية في الاراضي الفلسطينية التي ايدتها الادارة الاميركية هذه المرة في مجلس الأمن على غير عادتها بل ولم تستخدم الفيتو. لقد ظلت اميركا تستخدم هذه العقوبات على السودان كورقة ضغط سياسية وحققت بها اغراضها واهمها فصل الجنوب. وحقيقة الامر أن حكومتنا كانت مستعدة نفسياً للاذعان ولم تفكر في بدائل لا محلية ولا خارجية ودخلت قفص العقوبات باذعان مذل، وظلث تلهث وراء قفل هذا الملف مدة طويلة وفشلت الى أن لفظت الادارة الاميركية تلك العقوبات ، ربما لفقدها جدواها ، في الاسابيع الاخيرة من عهد اوباما. والسؤال هو ما هي الجهود التي بذلتها الحكومة السودانية ، بمعنى أي أوراق ضغطت بها لتجبر الادارة الاميركية لتفعل ما فعلت. لا نسمع إلا تنازلات فالتحليلات التي طالعناها في الوسائل الاعلامية الشعبية والرصينة ترجح أن السودان قدم تنازلات من بينها أن يطبع علاقاته مع اسرائيل، وبئس الجهود تلك. الجهود الدبلوماسية الحقيقية تبذلها ايران (التي تمنينا لو لم تكن شيعية بهذا التطرف) فقد اطلقت صواريخها البالستية وهددت بضرب القطع البحرية الاميركية اظهاراً لقوتها في وجه الضغوط الدولية عليها، واللفتة الدبلوماسية التي أبدتها العراق بتهديدها اميركا بالمعاملة بالمثل حين مُنع مواطنوها من دخول الاراضي الاميركية بقرار ترمب الذي لم يصمد. إن اميركا ما تزال مؤثرة بقوة في الاقتصاد العالمي وفي السياسة الدولية ولكنها أيضاً تعاني ، نعم تعاني من ضعف إذ تشعر بمهددات لعظمتها السياسية والاقتصادية – كما بدا واضحا في خطاب ترمب في حفل تنصيبه رئيساً – وهي مهددات حقيقية ناتجة عن متغيرات عالمية كثيرة منها تحديات الصين وروسيا كمنافستين قويتين ومنها نمو تجمعات اقتصادية اقليمية مؤثرة. وفي ظل هذه المتغيرات وبسببها ربما تحاول اميركا استعادة وتنمية مصالحها الاقتصادية في دول مثل السودان وفي دول افريقيا عموماً. ألا تدرك حكومتنا هذه الحقائق التي يصدح بها المحللون بل يدركها أي مواطن سوداني مطلع على آخر الاخبار، ألا تجد حكومتناً ثغرة أو ممسكا اقتصادياً أو تجارياً تلوح بها مهددة ، بدلاً عن هذه التنازلات والاوراق الامنية المقيتة. ألم يستطع وزيرالخارجية ابراهيم غندور ان يرى علاقتنا باميركا بغير المنظار الامني والتعاون معها في هذا المجال الذي تطوع به في خطابه الى وزير الخارجية الاميركي الجديد. إن التحدي أمام السودان هو أن يعرف كيف يستثمر إعادة العلاقت الاقتصادية والتجارية مع اميركا استثماراً مجدياً ، فهل تستطيع الحكومة أن تفعل هذا دون تخبط ؟ جزماً أنها لا تستطيع وسوف لن تستطيع لأنها لا تعرف صناعة الاوراق الدبلوماسية المؤثرة في مجالات الاقتصاد والتجارة الدولية وهذه لا تأتي من بيئة داخلية خانقة سياسياً وضعيفة اقتصادياً. إن كل مآسينا نابعة من تخبط الحكومة في سياساتها الداخلية والخارجية وهذا هو ما يدفعها الى إثارة الضجة بادعاء الانجاز في موضوع دبلوماسي عادي مثل فرض عقوبات ورفعها من طرف دولة واحدة مهما عظمت. ولولا هذا التخبط وهذا الضعف المقيم ما كان ينبغي أن يكون لتلك العقوبات ذلك التأثير الجسيم والفاضح على بلد غني بموارده كالسودان. والآن يبشروننا بخير عميم قادم بعد الغاء دولة اخرى قوانين لها ، بعد أن نجحت بها في فضح هشاشة حكومة متشبثة بالحكم تشبث المرعوب من تركه، فأي بشريات ننتظر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.