حين يرشح رئيس تحرير النشرة خبراً ما لجعله عنواناً رئيسياً.. يتوقف ذلك على أمرين.. إما أن يكون الخبر قد تصدر أخبار الوكالات.. وإما أن يكون حصرياً على القناة وتقتضي هذه الحالة ألا يكون للقناة غرض. مساء الجمعة تصدر خبر اندلاع مظاهرات كبيرة في عدة مدن سودانية نشرات قناة العربية من الساعة الرابعة حتى العاشرة.. ولم تكن الوكالات طرفاً في الخبر.. بما يعني أنه حصري على العربية. أن تنفرد وسيلة إعلامية بخبر ما ويكون لها قصب السبق.. هذا أمر مستطاب في العملية الإعلامية.. ومن شأنه أن يراكم للوسيلة الإعلامية تجربة تضعها في مصاف الصدقية.. وربما يجعلها مرجعية للصدقية وهذا ما فشلت فيه القناة عن طريق الأدوات المساعدة لإثبات ذلك. اتصلت المذيعة بالأستاذ سعد الدين حسن مراسل القناة من الخرطوم تستفسره عن أعداد المتظاهرين وحجمهم وتدخلات رجال الشرطة والأمن.. وكانت واثقة من كثرة عددهم ومن اتساع حجمهم.. وكانت على قناعة أكبر بأن الشرطة سحلتهم ومارست عنفاً منفلتاً بحقهم. غير أن إجابة سعد كانت عكس اللهفة الولهة للمذيعة.. والأهم أن الشرطة لم تطلهم!! حين تنفرد القناة بخبر.. فذلك يعني بداهة أن مكتب القناة ومراسلها هم مصدر الخبر وخلفية المشهد.. لكن حين ينتفي ذلك فهذا ما يعني أن غرفة الأخبار في دبي هي المصدر ومكتب القناة في الخرطوم هو فقط المؤكد!! كنت أتصور أن مركز الأخبار بدبي كان سيكتفي بالنشرتين اللتين تصدرهما خبر انتفاضة السودان.. لكن المدهش أن مربعاً أحمر مكتوباً عليه عاجل.. نهض في الساعة الإخبارية الرياضية مكتوب عليه عاجل: مظاهرات حاشدة في جبرة غرب الخرطوم!! واستمرت القناة هكذا حتى انتصف الليل وأدركها الصباح فسكتت عن الكلام المباح!! نلاحظ أن قناة العربية تتوجه بكاملها بإرادة رجل واحد تحركه مشاعر مضطربة ومتناقضة تجاه خيارات أمته وتجاه الحركات الإسلامية وتجاه السودان بشكل خاص.. رغم قناعتي بأنه يحب السودان وبعض أهل السودان من الذين (يتممون كيفه).. فالرجل مثقف وعولمي وتطبيعي ومعادٍ للإسلام السياسي و(كييف) لكن محو المهنية عن طريق إسقاطات القناعة.. سيضع القناة في مواجهة مصداقيتها.. فلا زلنا نتلمس فيها بعضاً من ظلال المهنية. كانت ما نقلته القناة لمشاهد متقطعة ليست ثورة السودان.. لأنها ضامرة القوام وقليلة العدد ومسترخية لكنها ثورة الراشد التي تشبهه تماماً.. لكن الجديد فيها أن غرفة الأخبار حلت مسرح الحدث وهذا وضع (شاذ) يشبه أيضاً عبد الرحمن الراشد!!