مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"قوش" السودان كاد يفعلها
نشر في سودان سفاري يوم 29 - 11 - 2012

عندما أطلت خيوط شمس يوم الخميس الماضي، لم يكن السودانيون يحفلون بما تسرب من شائعات حول محاولة تخريبية . فعادة خلال السنتين الماضيتين، تنتشر هكذا أخبار، تكون مصادرها غالباً السلطات الأمنية نفسها، فيما يعرف بالأمن الإيجابي والاستطلاعي لردود فعل الشارع السياسي، لكن الخبر حظي بالاهتمام مع ارتفاع شمس النهار، وانتشار نبأ اعتقال “قوش"، فاللقب وحده يدفع بقرون الاستشعار، فصلاح عبدالله الشهير ب"قوش" كان رجل الحكومة القوي، حتى قبيل إبعاده من قمة جهاز الأمن والمخابرات أولاً، ثم من مستشارية الأمن القومي في القصر الرئاسي، واستمر الجدل مثيراً حول الرجل الطموح الذي أتى به الرئيس البشير بجواره في الرئاسة حتى يكون تحت عينيه، تحاشياً واستباقاً لذلك الطموح .
قبيل مغيب شمس يوم الأربعاء، طرق أحدهم باب الفريق المتقاعد صلاح قوش، وطلب منه مرافقته، بعد أن كشف هويته، إلى مباني جهاز المخابرات لبعض التوضيحات، وكانت تلك بداية حملة الاعتقالات، حسب مصادر مقربة من النظام، لكن هذه الرواية تصطدم برواية أخرى، نقلها ل"الخليج" مصدر من أبناء منطقة الزومة في الولاية الشمالية، حيث أكد أن قوش مع أبناء المنطقة بالخرطوم يحتفلون بصعود فريقهم إلى الدرجة الثانية، وكان يوزع الهدايا ويبارك على الجميع، حتى قبيل منتصف الليل، غير أن الثابت أن ضابطاً رفيعاً من جهاز الأمن استأذن الفريق صلاح قوش أن يغادر معه للاستدعاء في القيادة، وتم ذلك بطريقة سلسة ومن دون أي مقاومة، وجرى الأمر ذاته مع بقية المعتقلين .
ومع اقتراب منتصف ليلة الخميس، بدأت الآليات العسكرية تنهب شارع عبيد ختم، المقابل للمطار والموازي لشارعه، والقريب نسبياً من منطقة القيادة العامة وبيت الضيافة، وعد شهود عيان أربع مدرعات ودبابتين تتجهان صوب منطقة وسط الخرطوم، وبدأت تعزيزات أمنية امام مداخل الجسور، تأخذ موقعها، واستمر الحال حتى فجر يوم الخميس، رغم أن الأوضاع الأمنية بدت في الصباح شبه عادية أو هادئة، وليس هنالك ما يشير لأي انقلاب أو محاولة تخريبية، ما جعل الكثيرين يشككون أن تكون العملية برمتها “خطوة احترازية" أو استباقية لها ما بعدها . لاحقاً تردد أن مكالمة بين شخصين من الموقوفين قادت للبقية بعد التوصل لنحو (20) شريحة هاتف سيار مسلسلة لإحدى شركات الاتصال كانت تتم بها الاتصالات بين المجموعة بعيداً عن الأرقام المعروفة للمتهمين .
سيل الشائعات
حين أعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة “أن السلطات الأمنية ألقت القبض على الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات الفريق أول صلاح عبدالله قوش، واللواء عادل الطيب، والعميد محمد إبراهيم عبدالجليل، ضمن ثلاثة عشر شخصاً وعسكريين ومدنيين تم القبض عليهم في تخطيط تخريبي يرمي إلى إطاحة حكم الرئيس عمر البشير، وكان يزمع تنفيذه الخميس السابق، ولظروف وصفت ب"التكتيكية" اختار المخططون تأجيل التنفيذ إلى الخميس الماضي، وبعدها اندلق سيل من الشائعات .
ومع الإعلان الرسمي عن المحاولة إلا أن سيل الشائعات لم يتوقف، بل ظلت تقوى وتستند إلى معطيات، منها استدعاء القيادي البارز في الحركة الإسلامية د .غازي صلاح الدين الذي يقود تيار الإصلاح، لكنه لاحقاً سخر من تلك الإشاعات، وقال “أنا الآن وسط أحفادي وأفراد أسرتي"، أما شائعة مشاركة قائد عملية تحرير هجليج اللواء كمال عبدالمعروف، فقد دفعت الجيش، إلى نفي علاقة اللواء بالمخطط، وذهب إلى التأكيد أن عبدالمعروف يؤدي عمله ومهامه العسكرية بولاية جنوب كردفان بعيداً عن هذه الأحداث، ومضى البيان إلى التشديد على أنه لم يتم إعلان مشاركين من القوات المسلحة في هذا المخطط، وأن ذلك مرتبط بسير التحقيق وما يتمخض عنه .
قمة الصراع
لكن المحاولة الانقلابية، لم ترتبط بشخصية صلاح قوش فقط، فهي أصلاً نتاج لصراع الإسلاميين، بين الصقور والإصلاحيين، ويرى أنها واحدة من مخرجات مؤتمر الحركة الإسلامية الأخير الذي انعقد في الخرطوم مطلع أسبوع المحاولة، وتعد القيادات العسكرية التي أعلن عنها، من أكبر الرتب في القوات الأمنية والجيش والدفاع الشعبي، وتشي أسماؤهم وخلفياتهم العسكرية والسياسية، بأن الصراع بلغ ذروته، فكل المجموعة من القيادات البارزة المحسوبة على الحركة الإسلامية، ونظامها الحاكم برئاسة المشير عمر البشير .
وتعبر أسماء القادة الثلاثة عن حالة التململ والتذمر المتصاعدة منذ حين، في صفوف القوات النظامية، وتشير إلى أن ما جرى هو محاولة لتعبير العسكر عن عدم رضاهم عن تدهور أداء الجيش والخلل الذي أصاب أجهزته . وتكشف المحاولة أن “للمجاهدين" رأياً واضحاً في وزير الدفاع، وخاصة بعد سقوط منطقة هجليج النفطية في يد حكومة الجنوب بكل سهولة ويسر، وبعد مشاركتهم في تحرير هجليج قدم المجاهدون مذكرة للحكومة قالوا فيها إن أزمة المؤسسة العسكرية تتمثل في هذا الوزير، وطالبوا برحيله .
خلفية المحاولة
كان المسرح السياسي مهيئاً ومعبأ، كما يقول مراقبون، وعوامله معلومة، أرهقت كاهل الدولة بالحروب والانفصال، من تدهور اقتصادي وحرب حدودية، واتفاق سلام متعثر مع الجنوب، ذهب بعضهم إلى وصفه بأنه مجهض، وصراع الإسلاميين، وبروز تيارات ارتفع صوتها، وتململ داخل المؤسسة العسكرية، كلها عوامل تفضي إلى مثل تلك المحاولة .
ويحمل سياسيون معارضون وفي الحكومة، مؤتمر الحركة الإسلامية، مسؤولية المحاولة، فهم يرون أن انعقاده وتداعياته ومخرجاته كانت سبباً فيها، بعدما شهد نقاشات وجدل حول علاقة الدولة بالحركة، وبرزت انتقادات لاذعة لأداء السلطة التنفيذية والتشريعية وتفشي الفساد والإخفاق في معالجة الأزمات المتوالية، وعلت أصوات تطالب بإتاحة الفرصة للكوادر المؤهلة لانتشال الحركة من براثن الفساد والمحسوبية التي ميزت صفوفها في الفترة الأخيرة . وتعتبر هذه التيارات امتداداً لمذكرات إصلاحية صدرت في خلال الأشهر الماضية من مجموعة من الإسلاميين أعضاء حزب “المؤتمر الوطني" الحاكم .
ويرى مراقبون أن صراع التيارين، أضعف قوة النظام، وأغرى بمحاولة التغيير، وأدخلت النظام لأول مرة في معركة مع أبنائه العسكريين، مشيرين إلى أن كل الصراعات السابقة والآنية كانت سياسية بحتة، وحتى محاولة الانقلاب المزعومة بحق د .الترابي خلال قمة الصراع معه، لم تصمد طويلاً . ويضيف آخرون حالة الاستقطاب وسط الإسلاميين التي زادت وتيرتها قبيل المحاولة وبعد إعلانها . ثم كانت تداعيات مرض الرئيس البشير وإجرائه عمليتين جراحيتين، فتحتا الحديث بشأن خلافته .
سيناريو آخر
المدهش أن محللين، شككوا في المحاولة برمتها، ونفوا وجود محاولة انقلابية أو تخريبية حقيقية، وأدخلوها في توتر العلاقات بين بعض قادة الجيش ووزير الدفاع التي بلغت حد المواجهة العلنية، ورجحوا أن يكون توتر العلاقة هو السبب، وراء حملة الاعتقالات، باعتبار أن كل من يعارض الفريق عبدالرحيم محمد حسين هدف محتمل لمثل هذه العمليات . ووصفوا الأمر بأنه مجرد تصفية حسابات وعمليات إقصاء متعمدة لبعض المتململين بين صفوف الإسلاميين، وعملية تخويف للآخرين، وآخرين ذهبوا إلى أن تكون هذه المحاولة “بروفة" لعمل حقيقي يأتي بعدها، وأنها مجرد تمهيد للأجواء لحدوث هذا العمل .
بيان الإصلاح
ويلخص بيان، أصدره “السائحون" او “الدبابون" أو شباب الحركة الإسلامية، وكلها أسماء تفضي إلى “المجاهدين" الذين يقودهم تيار إصلاحي متشدد، ما يدور في المسرح السياسي الإسلامي، وجاء البيان الذي مهر باسم صهر القيادي غازي صلاح الدين، وهو المجاهد عبدالغني أحمد إدريس، تحت مسمي “المنبر الإصلاحي" يشير مراقبون إلى أنه الجسم السياسي للمجموعة، التي طالبت باتباع الإجراءات التي ينص عليها القانون مع الموقوفين على ذمة (المحاولة التخريبية) . وشن هجوماً عنيفاً على مخرجات المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية، ودعا إلى الصبر وضبط النفس أولاً والتحلي باليقظة والانتباه . وانتهى بالآية الكريمة “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"، كإشارة قوية لما هو آت، واعتبر كأول بيان علني يتحدث عن كيان إصلاح داخل الحزب الحاكم . وطالب البيان بوقف الحملات الإعلامية التي وصفها بالمسعورة، باعتبار أنها دعاية سوداء تحمل إساءة وتشهيراً وتجريحاً تصيب الحاكمين أولاً قبل أن تنال من أشخاص الرجال الموقوفين حالياً . ومع مرور أيام الأسبوع، بدا الصحافيون أكثر الحاحاً، وضاق به المسؤولون، لمعرفة مستجدات الأحداث، إلا أن وزير الإعلام أحمد بلال أكد أن المتهمين يجدون معاملة جيدة في معتقلاتهم، والتحقيق يجرى معهم وفقاً للقانون . وأضاف “سيتم الإعلان عن معلومات جديدة خلال مؤتمر صحفي (الأحد)، لكن المؤتمر تم تأجيله إلى وقت لاحق، غير أن بلال حرص على تأكيد عدم ظهور أسماء جديدة ضالعة في المحاولة بخلاف التي أعلن عنها، وجدد التأكيد أيضاً على أن المحاولة لم تلق بأي ظلال أمنية سلبية على البلاد، وليست لديها امتدادات داخل الأجهزة الأمنية، مؤكداً أن الأمور عادت لطبيعتها وسيتم إحاطة الرأي العام بالمعلومات بصورة فورية" . وعزا التأخير إلى أن الحكومة لا تريد تنصيب نفسها مدعياً عاماً يوجه الاتهامات على الموقوفين في المحاولة التخريبية، وأضاف: “نريد أن تجري التحقيقات في جو معافى" .
ماذا بعد؟
الاجتماعات المارثونية التي انتظمت حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وطاقمه القيادي، تكشف خطورة المحاولة الانقلابية، وتدلل على أن النظام أخذها على مأخذ الجد، ومن بين التحركات المكوكية، تلك التي يقودها الأمين العام للحركة الإسلامية الزبير أحمد الحسن، كاول مهمة “تنفيذية" له بعد اختياره في المنصب قبيل يومين من المحاولة، وسعى بمبادرة لتنقية الأجواء بين الإسلاميين، وزار د .غازي صلاح الدين ضمن زياراته لعدد من القيادات والرموز الإسلامية والقطاعات المختلفة .
وأجرى الحسن في لقاءات منفصلة، اجتماعات مع نافذين في الدولة والمجموعات الساخطة على احتجاز قيادات “المجاهدين"، وهي محاولة وصفها مراقبون بأنها الخطوة الضرورية والعقلانية الوحيدة، وسط حالة ارتباك ما بعد محاولة الانقلاب، وأشاروا إلى أهميتها لاحتواء غضب واسع وسط الإسلاميين المتشددين بسبب اتهام قادتهم بالضلوع في محاولة تخريبية . وكان الحسن أعلن غداة المحاولة، أنه سيتقدم باستقالته من كافة المناصب السياسية والتنفيذية، ولم يستبعد استحداث أمانات جديدة، ويعتقد مراقبون في إعلان الحسن تهدئة وإغراء في إطار سلسلة لقاءاته مع مجموعة من “المجاهدين" في إطار السيطرة عليهم .
حليمة وعادتها
رغم تلك التحركات، فوجئ الجميع بحزب “المؤتمر الوطني" وهو يمارس عادته القديمة، وبدءاً قللت قياداته، من المحاولة الانقلابية، ومن بيان مجموعة “منبر الإصلاح"، ووصفته بأنه عمل خارج مؤسسات الحزب، وأطلق اتهامات لجهات، لم يسمها، بالمراهنة على المحاولة التخريبية الأخيرة، بأن تحدث انقساماً ووهناً في صفوف “الإنقاذ"، ووصف منفذي المحاولة ب"المجموعة الصغيرة"، ولم ينس التلويح بضلوع المعارضة، رغم أن بيانات الحكومة الرسمية، لم تشر إليها، وكان الاتهام واضحاً لاسماء “في قلب الحركة الإسلامية"، بيد أن الحزب نفسه، عاد وتعهد بالنظر في قضية الإصلاح بكثير من التدبر، وهو ما يطالب به من طالهم الاتهام الرسمي . وتكشف تصريحات لنائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم الدكتور مندور المهدي، أن من وراء المحاولة هم اهل البيت، حين يضيف أمام “نفرة العزة" التي نظمها قطاع الفكر والثقافة بالحزب “أن الإنقاذ شهدت أكبر انقسام لها في عام ،1999 لكنها خرجت أكثر قوة وعزيمة ولم يضعف الانقسام عزيمتها وإرادتها"، بيد أن إحدى القيادات، نحت منحى آخر، حين حذر من منتجات المحاولة، وقال إنها ستفتح على السودان باباً جديداً من الصراع الداخلي، ومضى القيادي إمام مسجد الشهيد الشيخ النذير عبدالجليل الكاروري، ينبه ويدعو لمجابهة ما يحاك ضد البلاد من مؤامرات واستهداف خارجي بدلاً عن التنازع على السلطة، ويلفت إلى أن دعوات الإصلاح مطلوبة .
تورط المعارضة
وعلى الرغم من أن المعارضة السودانية لم ترد ضمن المتهمين في المحاولة في بيان الناطق الرسمي، فإن وزير الإعلام أشار إلى مدنيين معتقلين يجري التحقيق معهم، ومع أنه تحفظ على اسمائهم، إلا أنه قال إن المخطط كان مرصوداً وهناك اتصالات خارجية وداخلية مراقبة بدقة، ضمن حلقات المخطط الساعي إلى زعزعة الاستقرار والأمن . لكن المعارضة سارعت ونفت صلتها بالمحاولة وقال الناطق الرسمي باسم تحالف المعارضة، فاروق أبو عيسى “لقد سمعنا عنها، وهذا أمر خاطئ"، وأضاف “نحن نؤيد تغييراً ديمقراطياً وسلمياً للسلطة، عبر الإضرابات والتظاهرات لإسقاط النظام، وأشار إلى أن جميع المتهمين من رجالات البشير وحاشيته، ومن عمق سلطته، فنحن سعداء بأنهم انكشفوا، ليجسدوا للعالم الانشقاقات الحاصلة في داخل النظام . وأضاف: “نرفض الانقلاب لتغيير السلطة، فقد اكتوينا بنار الانقلابات العسكرية، فأضرتنا ولم تنفعنا" . وسخر أحدهم من قول أحد المعتقلين، وفقاً لمسؤول أمني “إن أحد الأحزاب المعارضة كان في طريقه للاستيلاء على السلطة، وأنه حاول التصدي إليهم واستلام السلطة قبلهم" .
مستقبل قاتم
يقول مراقب إن أكبر مأزق تواجهه “الإنقاذ" هو الصراع مع كوادرها وبعض قياداتها، من الذين وجدوا أنفسهم بعد أن سدت أمامهم أبواب الإصلاح من داخل الحركة الإسلامية والحزب الحاكم على صعيد واحد مع المعارضين للنظام، سواء في الشارع أو الأحزاب السياسية، أو حتى في الحركات المسلحة، وهو ما يجعل الأوضاع في السودان كله على المحك، وكثيرون من كوادر الحركة الإسلامية يجأرون الآن من حالها، ومما آل إليه السودان في ظل حكمها .
وتنبري أقلام إسلامية للقول إن مشروع التغيير الذي جاء به حكم الإنقاذ عام1989 كان يستهدف إقامة حكم على هدى الإسلام، فما الذي أديناه لهذا الاستحقاق الذي نلنا به السلطة ونظام الحكم؟ ويقول آخر “الإسلاميون كان أمامهم فرصة أن يقوموا بهذا التصحيح، لكنهم أضاعوه بصمتهم الطويل، أو تواطئهم بالصمت على هذا الوضع، حتى وصل الأمر إلى هذه الحالة المزرية، وبالتالي ما نحتاج إليه الآن ليس إنقاذ النظام أو الحركة الإسلامية، بل هو إنقاذ السودان نفسه أو ما تبقى منه" . وينبه آخر، إلى “أن الحدث يدلل على تآكل النظام الحاكم من داخل القلب الذي يعتمد عليه، خاصة أن التحرك نفذ من قبل عسكريين إسلاميين، بجانب أن اكتمال تحديد ساعة الصفر يعني أن العدد كافٍ لتنفيذ الانقلاب" .
ويرى المراقبون أن قبضة الرئيس عمر حسن البشير على السلطة التي استمرت نحو ربع قرن متمتعاً بدعم الجيش والأجهزة الأمنية وقطاعات الإسلاميين، ليست هي نفس القبضة اليوم، فعندما يعتقل قوش، بتهمة التآمر “لإحداث الفوضى" الذي كان يوماً الذراع الأيمن للبشير، وأحد أقوى الشخصيات نفوذاً في دائرة المحيطين به، فإن الأمور لم تعد كما كانت وسيرتفع الشعور بالقلق إلى معدلات كبيرة، بجانب التوتر والصراع الذي يعيشه النظام أصلاً .
وتترى تحذيرات من محاولة الحكومة إيجاد ذريعة لاتخاذ مواقف للسيطرة على الشارع وإسكات الأصوات أمام مزيد من الإجراءات الاقتصادية، وتهيئة المسرح لمزيد من التنازلات أمام اتفاقيات وقعت مع دولة الجنوب لم تر النور، وهي معرضة للانهيار في أي لحظة في ظل عودة التوترات على حدود البلدين . وأيضاً هناك تخوفات من أن تقود الاعتقالات لرموز إسلامية عسكرية لنقل الصراع من داخل الغرف إلى العلن، وأن تتطور العملية للعنف وتنفيذ اغتيالات وسط الإسلاميين قد تقود لفوضى ربما داخل العاصمة الخرطوم .
وطوال أسبوع المحاولة التي تنتهي أيامه اليوم (الخميس)، ظلت مجالس الخرطوم سوقاً رائجاً لتبادل الشائعات ومحاولات البحث عن إجابات لأسئلة تاريخية، ظلت منذ أول محاولة انقلاب بين أكثر من 11 انقلاباً ناجحاً أو فاشلاً، منذ استقلال السودان، وثورتان شعبيتان أطاحتا حكمين عسكريين قويين، وحكم عسكر 45 عاماً مقابل 11 عاماً لحكومات مدنية ديمقراطية، يظل السودان على سطح صفيح ساخن، يتقلب مع نظام حكم الرئيس عمر البشير الذي جاء بانقلاب في 30 يونيو 1989 بمشاركة الجبهة الإسلامية القومية بزعامة حسن الترابي الذي نأى بنفسه، وترك رفيقه يواجه صراعات الإسلاميين .
المصدر: الخليج الاماراتية 92/11/2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.