ظل السودان في حالة تأرجح بين العداء والتعاون المتواضع مع الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ وصول حكومة الإنقاذ إلى السلطة، وان غلب على هذه العلاقة الوتر، رغم سعي الخرطوم الجاد في عملية التطبيع مع أمريكا وتقديمها لمهر التقارب أكثر من مرة إلا إن الحراك المتصاعد لم يسفر عن تحول حقيقي وظل الغموض عنواناً لعلاقة اتسمت بالعدائية المتبادلة في غالب الأحيان، ولم تشفع التنازلات والقرابين التي قدمتها الحكومة السودانية لرفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب رغم تعاونها اللا محدود في الفترة الأخيرة مع واشنطن طلباً لتطبيع العلاقات وشطبها من القائمة السوداء، رغم اعتراف الأخيرة بتعاون السودان في ملف مكافحة الإرهاب بحسب ما جاء في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية. تحولاً مرئياً بات يتجلى في السياسية الخارجية الأمريكية تجاه السودان في الفترة الأخيرة عقب تصاعد "الديمقراطيين" وزحفهم على الوزارات المهمة في الولاياتالمتحدة، ومنذ إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما السناتور جون كيري وزيراً للخارجية خلفاً لهيلاري كلينتون بدأ نجم هذا التحول يسطع بهدوء من خلف المواقف المتطرفة والجماعات المتشددة "الصقور" التي ظلت تقود حملات شرسة ضد هذه التوجهات. وبحسب مراقبين أرجعوا توتر العلاقات بين البلدين في الفترة السابقة إلى صعود نجم "المحافظين الجدد" وسيطرتهم على السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بوش الابن، ومع ورود إشارات وتلميحات من أوباما وفريق إدارته نحو تغيير سياسة أمريكا الخارجية تبقى التساؤلات مشرعة: إلى أي مدى ستتحسن العلاقات السودانية الامريكية أم أنها ستبقى متوترة وفقاً للخط البياني غير الثابت.. وهل نتوقع حلولاً أخرى وفقاُ للمساومات المعروفة في عالم العلاقات الدولية إذا أخذنا موقف السيناتور الأمريكي جون كيرى الذى يتصف بالمرونة والذي سبق له زيارة السودان لمراقبة الإستفتاء الذي أدى إلى انفصال دولة جنوب السودان عن جسد الشمال؟! وكان أن صرح الرجل أكثر من مرة أن واشنطن "قد ترفع اسم السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب في حال تم الاستفتاء كما هو مقرر له" ، إلا أنه اشترط ذات الخطوة بتحسن الأوضاع في إقليم دارفور. وفي تطور جديد في مسارات العلاقات بين الخرطوم وواشنطون رمى السيناتور وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حجراً في بركة العلاقات الساكنة بين البلدين أمس الأول في أديس أبابا بتصريحات إيجابية، فيما يخص تحسن العلاقات بين السودان وأمريكا، حيث عقد وزير الخارجية السوداني علي كرتي، لقاءً نادراً مع نظيره الأمريكي جون كيري، على هامش القمة الإفريقية الجارية حالياً في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وأبدى كيري خلال اللقاء رغبة بلاده الحقيقية في تحسين العلاقات مع السودان، وأبلغ كرتي الصحافيين عقب اللقاء، أن هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها حكومة بلاده بصورة واضحة رغبة أميركا في تحسين العلاقات مع السودان، وقال كرتي: "لقد أبدى كيري رغبة بلاده في مواصلة المساعي لتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين". وإن ما سمعناه يمثل رغبة حقيقية عند حكومة أميركا باعتبار ما قاله وزير الخارجية الذي يمثل الإدارة الأميركية، وما أشرع أبواب التفاؤل لدى المراقبين بتحسن العلاقات بين البلدين أن اللقاء تم بطلب من وزير الخارجية الأميركية لمقابلة وزير الخارجية السوداني علي كرتي الذي أكد أن كيري أبدى خلال اللقاء التزام بلاده الواضح بالضغط على الحركات المتمردة للجلوس إلى مائدة التفاوض من أجل إحلال السلام في السودان، وقال إن كيري شدد من جهة أخرى على أن بلاده ستتحدث مع حكومة جنوب السودان بصورة واضحة بعدم دعم الحركات ذات التوجه السالب نحو السلام في السودان، وأضاف كرتي: "لمسنا توجهاً إيجابياً بعودة العلاقات وإنه لأول مرة. تكون هنالك مبادرة من مسؤول أمريكي تجاه العلاقات بين البلدين وإحيائها" إلى ذلك أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنه سيعين مبعوثاً خاصّاً للسودان وجنوب السودان قريباً جداً ليحل محل برنستون ليمان، وقال إن إحدى أولويات المبعوث الجديد ستكون المساعدة على حل وضع منطقة أبيي الغنية بالنفط، وثمة توقف هنا أيضاً يقع في خانة المؤشرات الإيجابية يتمثل في تعيين مبعوث مشترك بين السودان ودولة جنوب السودان من قبل أميركا ما يعني- بحسب مراقبين- توحيد ملف البلدين والسير به إلى طرقات الحلول وهو ما صرح به كيري خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الإثيوبي أدهانوم تدروس، على هامش قمة الاتحاد الإفريقي في إثيوبيا، وقال إنه سيعمل مع الاتحاد الإفريقي لوضع حد للعنف على الحدود بين السودان وجنوب السودان. الخبير الدبلوماسي ومدير معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية الدكتور عبد الرحمن أبو خريس قال ل "الأخبار" عن راهن العلاقات بين السودان والولاياتالمتحدةالأمريكية ولقاء وزير الخارجية كرتي بنظيره الأمريكي كيري، إنه مؤشر جيد لتنامي العلاقات بين البلدين، خاصة أن اللقاء تم بطلب من الوزير الأمريكي، ما يعني اهتمام حكومة واشنطون بملف العلاقات مع السودان، إلا أنه قال إن هذا الموقف يجب أن لا يجعلنا نُفرط في التفاؤل خاصة وأن الإدارة السياسية الأمريكية تخرج من مؤسسات عديدة أهمها "الكونجرس" المعروف بمواقفه العدائية تجاه السودان، وأوضح أبوخريس أن وزارة الخارجية وظيفتها أن تتبنى الخطوط المرنة والإيجابية، بعيداً عن التطرف بحسب قواعد الدبلوماسية، وأشار أبو خريس إلى أن هناك تحولاً كبيراً على الأرض انعكس على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه السودان، وقال إن الولاياتالمتحدة هي التي تبنت انفصال دولة جنوب السودان وتسعى إلى استقرار الدولة الوليدة، وهذا بالضرورة يتطلب استقرار الأوضاع في السودان لضمان مرور النفط، بالإضافة إلى محاصرة التمدد الصيني المنافس لهم في إفريقيا، بجانب أن تحسن العلاقات مع السودان يمكن أن يساهم في استقرار عدد من بلدان المحيط العربي والإفريقي الموجودة فيها المصالح الأمريكية. وعلى ذات المنوال مضى المحلل السياسي الحاج حمد محمد خير في حديثه ل "الأخبار" وقال إن واحدة من تناقضات السياسة الأمريكية هي مسألة الصراع بين توجهات الحكومة الأمريكية الخارجية والكونجرس الذي تسيطر عليه جماعات الضغط المتطرفة، وأوضح أن اللوبي الصهيوني الكنسي المعروف بعدائه للسودان هو من يعطل ملف العلاقات بين البلدين، وأشار لأن إسرائيل تدعم العمل المسلح في البلاد بينما حكومة أوباما تدعم الخيار السلمي والتحول الديموقراطي في السودان لخدمة مصالحها، وأضاف: بين هذا وذلك يتأرجح ملف العلاقات بين البلدين. نقلاً عن صحيفة الأخبار 27/5/2013م