بكل ثقة وقوة وإبانة، عاد السيد الصادق المهدي إلي الاضطلاع بدوره المشهود كرجل المصالحات الوطنية الإستراتيجية. في اللقاء الجماهيري الحاشد بميدان الخليفة طرح المهدي، دون لبس، موقف حزبه المعارض لاستمرار النظام القائم، لكنه لم يكتفي بتجديد انتقاداته الحادة للنظام، بل انتقل من النقد السلبي إلي طرح البديل الذي يتبناه حزبه ويري فيه مخرجا من أزمات السودان المتلاحقة. للوصول إلي ذلك البديل المقترح أرسى الإمام الصادق جملة من المرتكزات: أكد أن محاولة تغيير النظام بالقوة لن تفلح وستؤدي إلي نتائج عكسية، وهو بذلك ينأى عن التحالفات التي تعتمد العنف المسلح أداة رئيسية لتحقيق أهدافها. من ثنايا أطروحته يتضح أن مشروع الحل الذي يقترحه لا يستثني ولا يقصي أحدا من المشاركة في الحياة السياسية والحكم. حرصه علي سلامة المنطلقات الوطنية دفعه لمطالبة كل المعارضين بقطع صلاتهم بالأجندات الخارجية.. تلك الصلات التي وصمت بعض عناصر العمل المعارض طيلة الفترة الماضية ويشهد جميع المراقبين أن السيد الصادق لم يتورط بربط طرحه الوطني الاستراتيجي بتلك الأجندة الخارجية. يدعو السيد المهدي قوى المعارضة السياسية للتوحد، ولا شك أن التقاء المعارضة علي برنامج موحد أمر مطلوب لملحة الوفاق الوطني بين النظام ومعارضيه. وحدة المعارضة ستجعل التعاطي مع الخلافات، بينها والنظام، أكثر يسراً ولسلاسة، إذ أن الوصول إلي توافق بين موقفين رئيسيين أسهل من محاولة التوفيق بين عشرات المواقف المتباينة. بلور الإمام الصادق المهدي كل هذه المرتكزات في دعوة مباشرة لعقد مائدة مستديرة للوصول إلي صيغة حل توافقي بين مكونات الساحة الوطنية. ومن حيث الشكل، ينبغي أن لا يثور أي خلاف حول فكرة المؤتمر، إذ المقصود من فكرة المائدة المستديرة هو الجلوس المتكافئ للحوار بين جميع القوى. أما من حيث مضمون الحلول المقترحة فمن الواجب ترك ذلك لمجريات الحوار وعدم استباق الأحداث بتصورات تفصيلية قد تقطع الطريق أمام قيام جلسات الحوار. أهم ما خرجت به ندوة حزب الأمة الأخيرة أنها كشفت عن نضوج ورشد تنظيمي في عهد هذا الحزب، وقد تجلي ذلك في انضباط الخطاب وعقلانيته وتصويبه نحو الجانب الموضوعية وابتعاده عن الإثارة المفتعلة.. وإذا ساد مثل هذا المسلك اللقاءات الجماهيرية للأحزاب الأخرى فان ساحات حرية التعبير عن الآراء والمواقف ستزداد اتساعاً. ندوة السبت الماضي هي اعتراف عملي من السلطات الرسمية بأحقية الأحزاب في مخاطبة جماهيرها، بل جماهير الشعب قاطبة. ولنذكر دائماً أن النضج يقابله نضج والتحدي يستدعي التحدي المضاد.. والإقبال علي التوافق جزاؤه القبول بالوفاق. نقلا عن صحيفة الخرطوم 2/7/2013م