ساهمت الحكومات الغربية والمنظمات المنطلقة من الدول الغربية كثيراً في تقسيم السودان إلي بلدين، وصورت الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها الغربيون (باستخدام ناجح جداً لأدوات المجتمع الدولي) جنوب السودان ضحية لشمال السودان. صممت هذه الصورة مع وضع كل العبء علي الشمال وإعفاء كامل لحكومة جنوب السودان وكل القوي السياسية هناك من أي نوع من المسؤولية أو المساءلة أمام شعبها. وعلاوة علي ذلك، لم تكن هناك جهود جادة في تأسيس مؤسسات جديدة للأمة جديدة؛ بدلاً من ذلك، استخدمت بعض جماعات الضغط (في الواقع، بالغت في استخدام) الأمة الجديدة ضد شمال السودان لتنفيذ انقسامات جديدة في الشمال. بالطبع نحن نؤيد العدالة، نرفض الإفلات من العقاب، ولكن المدخل الأفضل للمجتمع الدولي والمنظمات المنطلقة من الدول الغربية، المدخل الأفضل لوضع العدالة في حيز التطبيق هو الاعتراف بأخطائها التاريخية السياسية، وتحمل مسؤوليتها وعبئها الأخلاقي لا للبحث عن كباشي جنوب سودانية بفرض فداء اللاعبين الكبار في الدول الغربية. السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة كتب مقالاً في لوس أنجلوس تايمز تحت عنوان "جنوب السودان: أمل بشق الأنفس يتحول إلي رماد". ودعا للعدالة قائلاً:"إن المسلحين من الجانبين مذنبون بممارسة الاغتصاب والمذابح وتجنيد الأطفال، ويجب أن يواجهوا هم وقادتهم العدالة". ووضع كي مون المسؤولية السياسية علي كير ومشار، قائلاً: "كير ومشار عليهما مسؤولية أخلاقية وسياسية لقيادة جنوب السودان بعيداً عن حافة الكارثة". بالنسبة لي، يبدو أن المسؤولية السياسية سوف تتحول إلي جنائية، وبعد ذلك ستكون كل الأعباء علي كير ومشار ومن معهما، أما الجهات الفاعلة الغربية فتكون بريئة من أي مسؤولية حتي الأخلاقية. نشرت هيومن رايتس ووتش تقريراً في 92 صفحة بعنوان: "الحرب الجديدة في جنوب السودان: الانتهاكات تمت بأيدي قوات الحكومة والمعارضة". ويقول دانيال بيكيل، مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش إن الجرائم ضد المدنيين في جنوب السودان خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك عمليات القتل العرقية، سيتردد صداها لعقود ومن الضروري لكلا الجانبين لإنهاء دائرة العنف ضد المدنيين أن يقرأ سويا بالحاجة إلي العدالة. اقترحت هيومن رايتس ووتش خيارين "آلية قضائية دولية وطنية مختلطة مع محققين، ومدعين عامين، وقضاة دوليين" أو "إحالة الوضع في جنوب السودان من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلي المحكمة الجنائية الدولية". ما يحدث الآن ليس جلب المجرمين إلي العدالة لكن توفير حماية للحكومات الغربية والمنظمات المنطلقة من الدول الغربية من أي نوع من أنواع العدالة أو حتي من عبء المسؤولية الأخلاقية. نقلا عن صحيفة السوداني 31/8/2014م