جاء في تقرير نشرته هيومن رايتس ووتش 6 يونيو أن إقليم دارفور شهد المزيد من الانتهاكات الخطيرة خلال فترة الشهور الستة السابقة، فيما تركّز اهتمام المجتمع الدولي على الاستقلال المرتقب لجنوب السودان. وذكرت المنظمة إن مجلس الأمن، الذي من المقرر أن يتلقى في 8 يونيو الجاري تقريراً حول الوضع في دارفور، والاتحاد الأفريقي، عليه أن يتخذ المزيد من الخطوات لضمان محاسبة المسئولين عن جرائم الحرب المستمرة في دارفور ، والضغط أيضا على حكومة السودان بغرض حملها على وقف الهجمات على المدنيين في دارفور ووقف الاعتقال التعسفي بحق الناشطين وإصلاح جهاز الأمن والاستخبارات الوطني. ويوثّق التقرير الذي جاء بعنوان “دارفور: غياب الاهتمام الدولي … هجمات الحكومة السودانية المستمرة على المدنيين وحقوق الإنسان”، تفاقم النزاع خلال الشهور الست الماضية. وجاء في التقرير أن ازدياد الهجمات التي تقودها الحكومة السودانية على المناطق المأهولة في دارفور والقصف الجوي تسبّبا في مقتل عشرات المدنيين وفي تدمير المناطق المستهدفة ونزوح ما يزيد على 70000 شخص، غالبيتهم من المناطق التي يقطنها الزغاوة والفور، الذين تعتقد الحكومة أنهم يرتبطون بالحركات المسلحة . وقال دانيال بيكيل، مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: (دارفور تصدّرت الأنباء في السابق لكنها تواجه في الوقت الراهن خطر النسيان. ثمة حاجة الآن، أكثر من أي وقت مضى، لممارسة ضغوط دولية على السودان لإنهاء الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها الحكومة في دارفور وضمان عدم إفلات مرتكبي جرائم الحرب من المحاكمة ، في وقت لم يتبق فيه سوى أقل من شهر فقط على انقسام السودان إلى دولتين). وذكرت هيومن رايتس ووتش إن إطلاع مجلس الأمن في 8 يونيو الجاري على الجرائم الدولية في دارفور، بواسطة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، سيمنح الحكومات سانحة مهمة للإصرار على السودان كي يتعاون مع المحكمة الدولية وزيادة ضغوطها على الخرطوم. إذ لم يمثل أمام العدالة حتى الآن أي من الذين اتهمتهم المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم في دارفور، بمن في ذلك الرئيس عمر البشير. ويرتكز تقرير هيومن رايتس ووتش على نتائج بحوث اُجريت خلال الفترة من يناير حتى مايو 2011 في كل من شمال وجنوب دارفور والخرطوم. وأجرى باحثو هيومن رايتس ووتش خلال هذه الفترة لقاءات مع ما يزيد على 50 من شهود العيان وضحايا الهجمات وانتهاكات حقوق الإنسان في دارفور، فضلاً على لقاءات مع مسؤولين حكوميين ومحامين وأعضاء في منظمات المجتمع المدني في المدن والقرى ومعسكرات النازحين. وكان القتل في دارفور قد تجدّد في 10 ديسمبر الماضي إثر هجمات شنّتها قوات الحكومة على خور أبشي وجنوبي دارفور وشنقلي طوباية وشمال دارفور، عقب تدهور العلاقات بين الحكومة وأركو مني مناوي، القائد الرئيسي الوحيد في (جيش تحرير السودان) الذي وقّع على “اتفاق سلام دارفور” عام 2006. لا تزال القوات الحكومية مستمرة في انتهاكها لقوانين الحرب خلال عملياتها ضد قوات المعارضين في دارفور دون أدنى محاسبة لمرتكبي هذه الانتهاكات. إذ حدثت مواجهات ووقعت هجمات على المدنيين في شمال وجنوب دارفور، فضلا عن مناطق في شرق جبل مَرّة، حيث أسفر القتال المستمر منذ مطلع عام 2010 عن نزوح عشرات الآلاف من المدنيين باتجاه الجبال.. فخلال منتصف شهر مايو فقط أسفرت الغارات الجوية للقوات الحكومية على مناطق في شمال وجنوب دارفور عن مقتل ما يزيد على 20 مدنياً. وقال بيكيل: “إن أنماط انتهاكات واضحة، تعتمد في الغالب على الخلفية العرقية، قد صاحبت تجدد القتال في دارفور”، وأضاف قائلا: “فشل الحكومة المستمر على مدى فترة طويلة في محاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات أدى فيما يبدو إلى تأجيج الانتهاكات”. ففي واحدة من الحالات التي وثّقتها هيومن رايتس ووتش ضِمن هجمات الحكومة على منطقة شنقلي طوباية في 21 ديسمبر الماضي، حاصرت مجموعة من 20 جندياً حكومياً منزل زعيم محلي ونهبته. وطلب الجنود من الزعيم المحلي معرفة اسم قبيلته، وهدّدت ب”قتل كل الزغاوة واغتصاب جميع نسائهم”. سرقت مجموعة الجنود معدات زراعية يملكها هذا الزعيم المحلي واختطفت قريب له، يبلغ من العمر 22 عاماً، واتهمته بالانتماء لمجموعة “جيش تحرير السودان”. وتوصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان ازدادت أيضاً. ففي 6 مايو الماضي اعتقل مسئولو جهاز الأمن والاستخبارات الوطني الناشطة الاجتماعية حواء عبد الله من معسكر أبو شوك للنازحين في الفاشر، واعتقلت أيضاً موظفاً يعمل في بعثة حفظ السلام المشتركة للأمم المتحدة/الاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد) ، وفي 8 مايو الماضي نشرت وسائل إعلام حكومية موادا اتهمت فيها حواء عبد الله ب”تنصير” الأطفال في معسكرات النازحين، واتهمتها أيضاً بالارتباط بجماعة متمردة – وهي جريمة يُعاقَب عليها بالإعدام في القانون السوداني. كما نُشرت مع المواد صورة لحواء عبد الله وهي تمسك بنسخة من الإنجيل وقدت بدت عليها علامات إنهاك واضحة وكدمات على وجهها. وذكرت هيومن رايتس ووتش إن العشرات من ناشطي ونازحي دارفور تعرضوا للاعتقال في كل من الخرطوم ودارفور لفترات تجاوزت الحد الأقصى المنصوص عليه في القانون السوداني للاعتقال من دون تهمة أو محاكمة. واعتقل جهاز الأمن والاستخبارات الوطني منذ 24 أبريل الماضي ناشطاً سودانياً آخر يعمل موظفاً في بعثة حفظ السلام دون أن توجه له تهمة. كما لا يزال قيد الاعتقال حتى الآن في الفاشر شخصان من معسكر أبو شوك للنازحين في الفاشر اُلقي القبض عليهما غداة زيارة لمجلس الأمن في أكتوبر الماضي. وهناك قيد الاعتقال أيضاً، منذ ما يقارب العامين، أربعة من قادة مجموعة للنازحين لا يزالا قيد الحبس حتى الآن بموجب قانون الطوارئ. ووثّقت هيومن رايتس ووتش أيضاً حالات اعتداء ارتكبها أفراد تابعون لقوات الأمن بحق نازحين داخل المعسكرات، كما وثّقت أيضاً عمليات قمع لمظاهرات طلابية سلميّة وعمليات عنف جنسي ارتكبها أفراد هذه القوات. وفي ظل القيود التي تفرضها الحكومة السودانية على الدخول إلى معظم مناطق دارفور، سواء على قوات حفظ السلام أو على منظمات العون الإنساني، لا يزال مدى المعاناة الإنسانية ومدى انتهاكات حقوق الإنسان هناك غير معروف. وذكرت هيومن رايتس ووتش أيضاً إن الحكومة السودانية تنتهج فيما يبدو “عملية سياسية محلية” داخل دارفور لإشراك أفراد من المجتمع الدارفوري في حوارات حول التوصل لحلول للنزاع في دارفور. إلا ان أثر هذه الحوارات غير واضح على محادثات السلام مع حركات المعارضة في دارفور وعلى الترتيبات الدستورية الجديدة في شمال السودان في أعقاب انفصال الجنوب المرتقب. كما أعلنت الحكومة أيضاً عن إنشاء ولايتين جديدتين غربي وجنوبي دارفور، كما تعتزم كذلك إجراء استفتاء في يوليو المقبل حول الوضع الإداري لدارفور، وهي خطوة ترى حركات المعارضة المسلحة ويعتقد المراقبون أنها ستؤدي إلى تعقيد محادثات السلام. وأعلن كل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة دعم العملية السياسية الجديدة في دارفور شريطة أن يعمل السودان على إيجاد “بيئة مواتية” لضمان حقوق وحريات المشاركين. ولكن لم تتضح بعد قائمة هذه المؤشرات على تغير الوضع في دارفور وكيفية قياس هذه المؤشرات. وقال بيكيل: “على كل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، كطرفين يلعبان دوراً بالغ الأهمية في دارفور، ضمان توفر مراقبة فاعلة من جانب بعثة حفظ السلام التابعة لهما على أوضاع حقوق الإنسان في دارفور”، وأضاف قائلا: “أي دعم يقدمانه للسودان يجب أن يصب في مصلحة ترقية وحماية الحقوق وليس تقويضها”. ففي مارس الماضي قالت الحكومة السودانية إنها ستلغي قانون الطوارئ، الذي يخوّل لها سلطات اعتقال الأفراد من دون إجراء قضائي، وهو تنازل واضح جاء نتيجة المناشدات الداعية للإصلاح قبل الشروع في أي عملية سياسية في دارفور. لكن الحكومة لم تتخذ خطوة في هذا الاتجاه بعد. وكانت المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان قد ظلت على مدى فترة طويلة تناشد السودان بإجراء إصلاحات على جهاز الأمن والاستخبارات الوطني، الذي يملك سلطات تخوّل له اعتقال الأفراد لفترات زمنية طويلة من دون إجراء قضائي، كما معروف عن هذا الجهاز تعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم. جدير بالذكر أن مجلس الأمن أحال عام 2005 الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأصدرت المحكمة فيما بعد مذكرات توقيف بحق ثلاثة متهمين على خلفية تهم تتعلق بارتكاب عمليات إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في دارفور. وتشتمل قائمة المتهمين، بالإضافة إلى الرئيس عمر البشير، أحمد هارون، حاكم ولاية جنوب كردفان، وعلي كوشيب، وهو زعيم لميليشيات “الجنجويد”. وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية في 2010 عدم تعاون الحكومة السودانية في قضيتي هارون وكوشيب، بناء على العقبات التي وضعها السودان أمام عمل المحكمة وفشله في إلقاء القبض على المتهمين. وفشلت حكومة السودان أيضاَ في تطبيق أي من التوصيات الرئيسية المتعلقة بتحقيق العدالة، الواردة في تقرير لجنة الاتحاد الأفريقي حول دارفور، الذي نشر في أكتوبر 2009 مسلطاً الضوء على أهمية إجراء محاكمات للنظر في الجرائم الكبرى التي ارتُكبت في دارفور. [. وقال بيكيل: “أحال مجلس الأمن الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعليه الآن اتخاذ موقف صارم إزاء تعهداته تجاه الآلاف من الضحايا والضغط على السودان لكي يتعاون مع المحكمة”.