وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ الصادق عبدالله عبد الماجد في حوار الجذور والبذور

يحفل تأريخ السودان بعيده وقريبه بالعديد من الشخصيات المهمة التي لعبت أدواراً مؤثرة على الأصعدة المختلفة وخلال حقب متباينة، ولكن الكثير منا يجهل الجوانب الاخرى في حياة هذه الشخصيات، وأعني هنا الجوانب التي لم تكن مرئية للآخرين من حياتهم الممتدة.
وما لايحمد له أننا شعب لايهتم كثيراً بالتدوين والتوثيق رغم أهميتهما ولا يزال الكثير مما مايستحق توثيقه في صدور الرجال والنساء أيضاً، وبالرغم مايبذل هنا وهناك إلاّ أنه يظل في إطار الجهد الفردي وليس المؤسسي.
ومن أجل التوثيق لحياة الشخصيات العامة في بلادنا عبر حوار البذور والجذور لمعرفة الجوانب المختلفة في حياتهم والوقوف على تجاربهم والإستفادة منها، كان هذا الحوار مع المراقب السابق للأخوان المسلمين الذي يعتبر من اوائل المؤسسين لحركة الأخوان المسلمين في السودان وهو الشيخ الصادق عبد الله عبد الماجد، جلسنا إليه عدة جلسات لإجراء هذا الحوار الذي إمتد لأيام لكثافة المعلومات التي كان يسردها على نحو ممتع وبترتيب تأريخي لم يعرف النسيان طريقه إليه (متعه الله بالصحة والعافية)، وكانت بداية الحوار..
* دعنا نبدأ بأولى الصفحات في حياتكم؟
ابدأ اولأً بأسرتي وهي أسرة متوسطة على رأسها الشيخ عبد الله عبد الماجد عمل معلماً طيلة حياته وهو من قبيلة الجعليين تحديداً من منطقة قري، إفتتح العديد من المدارس الأولية على قلتها إذ كان الإستعمار حريصاً أن لا ينتشر التعليم في السودان وكانت تلك المدارس في كل من كردفان، القلابات، أمدرمان (مدرستي الهجرة وابوروف)، طوكر، وبورتسودان وأسهم بفضل الله في تخريج عدد من الدفعات مع زملائه.
والدتي السيدة عائشة سيد أحمد وهي من قبيلة المحس، كان كلاهما يسكن حي الشهداء بأم درمان موقع نادي الخريجين حالياً، والدي كان من اوائل الذين قطنوا مدينة ودنوباوي عام 1926 ولم يكن فيها من البيوت الا ماتعد على أصابع اليد الواحدة، شيد والدي منزلنا في فضاء مطلق بجوارنا منزل واحد فقط وهو منزل عمر الإمام ولاتزال الأسرتان تقطنان في المنزلين، الموقع الذي تقف عليه المركبات حالياً في الشهداء كان يضم منزل أسرة والدتي التي كانت تسكن مع والدها وشقيقيها طه والنور سيدأحمد، والدها كان شيخ الخلوة التي كانت بنفس البيت.
عدد أفراد أسرتي (4) أبناء و(7) بنات توفي منهم إثنان من الأبناء وثلاث من البنات، وبحمد الله تفرعت الأسرة الآن وبلغ عددها (250) فرداً، قلت لأسرتي أن عائلة( الناظر) بعد سنوات قليلة ستصير قبيلة كاملة، تزوجت من قبيلة المحس ولم يكن ذلك مخططاً شاءت إرادة الله ان لا أرزق بابناء * لحظة الميلاد أين كانت ومتى؟
شهدت مدينة الرهد ميلادي في العام 1926م وروت لي الوالدة الكثير عن قرية الرهد التي قصد الإنجليز أن يضعوا فيها المدرسة، اما سنوات الطفولة فقد شهدتها في مدينة بورتسودان ذات الملامح الجمالية والتي كانت تختلف كثيراً عن الرهد وطوكر، كانت طفولتي أكثر وضوحاً كانت توحي بنوع من الإضاءة الفكرية.
* ماذا كان نصيبك من التعليم ووالدك من المؤسسين للتعليم الأولي؟
بحكم أن والدي معلم كان من المفترض أن أتلقى تعليماً مكافأة له ولكن لم يحدث ذلك، كنت أشعر أنه مظلوم لأن المعلمين في ذلك الوقت لم يكن يملكون شيئاً غير العلم والمعرفة، أول مدرسة إلتحقت بها كانت مدرسة طوكر لأنني كنت أصطحب الوالد في تنقلاته دون افراد الاسرة الأخرين، لم تكن هناك دراسة بالمعنى إلى أن تم نقله للخرطوم والتحقت معه في مدرستي أبي روف والهجرة، ووقف بي التعليم عند المرحلة المتوسطة إذ كانت مدارسها قليلة ولكن المناهج كانت قوية والمعلم كان بحق إنساناً بمعنى الكلمة، تخرجت من مدرسة أم درمان الأميرية المتوسطة ولم تكن هناك مدارس ثانوية سوى مدرسة واحدة في بورتسودان.
* هل إنتهى مطاف التعليم عند المرحلة المتوسطة؟
عندما ضاق بنا الحال ولم نتمكن من مواصلة التعليم يممت شطر مصر فيما يشبه المغامرة لأن التعليم في مصر كان صعباً جداً وقد سبقنا عدد من الطلاب السودانيين الذين شكلوا النواة الأولى لهجرة الطلبة السودانيين فيما بعد، وبعد محاولات ومجاهدات إستطعت الإلتحاق بمدرسة حلوان الثانوية في بداية أربعينات القرن الماضي ظللت بها حتى أكملت المرحلة الثانوية ومدتها خمس سنوات وكانت تسمى البكالوريا.
كانت رغبتي أن أدرس اللغة العربية وبالفعل إلتحقت بجامعة فؤاد كلية الآداب ولكن بعد عام واحد تحولت الى كلية القانون حتى نلت الليسانس وعدت بعدها للسودان عام 1954م
* فترة الدراسة الجامعية بالتأكيد شهدت مواقف مثلت نقاط تحول في حياتكم أرجو أن تحدثنا عنها؟
فترة الدراسة الجامعية كان لها أثر كبير في حياتنا، كنا اربعة طلاب من السودان عشنا أياماً صعبة لم ننسها لكنها أسهمت في بناء شخصياتنا على نحو جيد وكانت الجرعات التي أخذتها من والدي قد أفادتني وأعانتني كثيراً في العيش في أصعب المواقف التي واجهتنا، و كان من الذين سبقونا السفير بشير البكري وهو من أول الدعامات الطلابية في مصر ساعد الطلاب الذين كانوا يفدون الى هناك وعاون الكثيرين في القبول والمراحل المختلفة وقاسى ما قاسى في بدايته، كان بحق سفيراً بلا سفارة، وكنا أول من وضع اللبنات الأساسية للتعليم في مصر.
في المرحلة التي ذهبت فيها الى مصر لم يكن المصريون يعرفون شيئاً عن السودان، ظروفي كانت صعبة، لم تكن هناك مصاريف ترسل لنا غير جنيه واحد كنت اتسلمه كل شهر، كنا نسكن في فندق درجة عاشرة عند قبولي بمدرسة بني سويف وللخروج من الفندق كان من المفروض تسديد الحساب ولم يكن من المال مايمكننا من تسديد الحساب فذهبنا إلى السيد علي البرير ومحمد عبد المنعم اللذين صارا رجال أعمال فيما بعد كانا يزاولان التجارة في أسواق الموسكي أخبارناهما بموقفنا في الفندق فدفعا لنا الفاتورة، بعد ذلك ذهبت الى موقف البصات لأسافر الى بني سويف، حينها لم يكن بجيبي ما أدفع به قيمة تذكرة البص كان ينقصني خمس مليمات كنت محرجاً كثيراً ومتألماً في نفس الوقت مستقبلي كله كان رهيناً بهذه المليمات، كنت أحمل طابع بريد غير مستعمل إلتفت إلى يميني كان أحدهم واقفاً بجانبي أخبرتهم بقصتي عرضت عليه طابع البريد وبالفعل تمكنت من بيعه له وأكملت قيمة التذكرة، كان ذلك تسولاً ولكن بشرف وعزة من أجل المستقبل " الاّ من أكره وقلبه مطمئن بالايمان " ربما كان ذلك إختباراً، كان الوضع صعباً للغاية وعدد الطلاب السودانيين كان في إزدياد، هناك طرفة حدثت لنا سأحكيها لك، كنت أسكن مع زملاء لي في شقة صغيرة، ذات مرة شعرت بجوع شديد ولم يكن لدي شئ من المال إشتري به طعاما وفي مقابل شقتنا كانت هناك بقالة أخذت قرشاً من أحد زملائي ذهبت الى البقال واشتريت منه رغيفة وعسل وطحينة لتخفيف حدة العسل عندما عدت الى البيت وبدأت في مزجهما رأيت كتلة صغيرة داخل الطحينة وإكتشفت انها صرصار كنت في موقف صعب مابين الجوع الشديد وعدم وجود نقود اشتري به بديلاً، قررت التخلص من الصرصار وتناولت مزيج العسل والطحين ولك أن تتصوري ذلك، رويت هذه الطرفة لتبصرة الطلاب والطالبات وحثهم على تحمل المعاناة من أجل التعليم، مضيت في فترة الدراسة الجامعية رغم هذه الظروف ونحن في بلد أخرى بدون أب او أم بحماية ذاتية، حينما قلت لوالدي أريد السفر إلى مصر لأكمال تعليمي قال لي على بركة الله وأردفها بعبارة " أبقى على نفسك عشرة " كانت هذه العبارة أمام عيني طيلة فترة الدراسة في مصر والحمد لله كانت فترة في منتهى العفة والطهر رغم الحياة المفتوحة ووجود السينما والمراقص والأشياء التي تغري الشباب.
* كيف بدأت علاقتك مع الأخوان المسلمين مع مصر؟
في المدرسة التي كنت أدرس بها كان هناك صديق تعرفت عليه وكان من الأخوان المسلمين توطدت علاقتي به وصرنا أصدقاء نلازم بعضنا البعض في الحل والترحال، كان يحدثني كثيراً عن الأخوان وأسلوب التربية وعن علماء الدين والشيخ حسن البنا الذي كون هذه الجماعة، كنت إستمع إلى كل ذلك لأول مرة وبشغف شديد عرفت الكثيرالذي لم أعرفه، إذ أننا لم ندرس الدين إلاّ عبر مادة التربية الإسلامية التي كانت تدرس في المدارس الأولية أو كان يخصص لها الحصة الأخيرة ويقوم بتدريسها أحد المعلمين من كبار السن، صديقي كان يشرح لي كل شئ عن الإسلام وشجعني على حضور المحاضرات بمركز الأخوان في حي الحلمية الذي كان يمتلئ عن آخره بكل بكل القطاعات كل ذلك كان له معنى في نفسي، كان أسلوب الدعوة من قبل الأخوان أسلوباً خفيفاً ومبسطاً.
في ذلك الوقت كان الشهيد سيد قطب يسكن مدينة حلوان قريب من الداخلية التي كنا نسكن فيها وكان معنا إبن أخته محمد بكر الشافعي، طلبت منه أن يصطحبني معه لمنزل قطب وبالفعل قمنا بزيارته وأصبحت الزيارة تتكرر كل جمعة لم يكن وقتها قد إنضم للأخوان المسلمين كنا نذهب إليه باعتباره رجلاً أديباً كان متعلقاً بمحمود العقاد يدافع وينافح عنه إلى أن تحول للعمل الإيجابي مع الأخوان
عند عودتنا في إحدى العطلات للسودان في بداية الأربعينات ومعي إثنين من الزملاء هما محمد خير عبد القادر وعبد الباقي عمر عطية حملنا بعض رسائل البنا، عند وصولنا عرفنا أن هناك خمسة أشخاص في كلية غردون يتدارسون في السيرة النبوية في كتاب واحد إذ لم تكن هناك مكتبات وكتب، الكتاب كان لمحمد حسنين هيكل، تعرفنا على هؤلاء الأخوان وهم محمد يوسف محمد، بابكركرار، مولانا محمد محمد علي وهو أول شهيد للأخوان عوض محمد عبد الله ويوسف حسن سعيد، تعرفنا إليهم وأخبرناهم أننا قدمنا من مصر.
* إذن كيف بدأ الأخوان المسلمون نشاطهم في السودان؟
مثلما ذكرت سابقاً فقد ارسل الشيخ حسن البنا وفدين إلى الخرطوم زارا عدداً من المدن للتبشير بحركة الأخوان المسلمين، كان في الوفد الأول جمال الدين سنهوري وهو من اوائل الأخوان، من مدينة دنقلا كان خطيباً مؤثراً توفي قبل عام رحمه الله، و في الوفد الثاني سكرتير الأخوان عبد الحكيم عابدين وهو شاعر قصائده منتشرة حتى الآن، وطاف الوفدان معظم المدن الكبيرة ونجحوا في تثبيت أرضية لحركة الأخوان في السودان ولكن أعابهم أنهم لم يتركوا مهاماً لاشخاص في السودان،
من هنا كانت بداية النشاط لحركة الأخوان في السودان، بدأ أعضاؤها مخلصين مؤمنين بالفكر (الأخواني) إلى حد كبير، ولأن البداية كانت في أوساط الطلاب في المدارس الثانوية (وادي سيدنا، حنتوب، خور طقت، بورتسودان) الذين كانوا أكثر حماساً وفعالية بدأت الحركة تحقق نجاحاً وأخذت في الانتشار،، وفي عام 1952م زار وفد مصري السودان بقيادة عبد البديع صقر إنضممت له أنا وعبد الباقي عطية زرنا حنتوب والمدهش أن معظم الطلاب كانوا يعرّفون أنفسهم بأنهم أخوان مسلمون منهم جعفر شيخ إدريس، عثمان خالد مضوي محمد قسم السيد، الحماس كان بادياً عليهم، إستقبلنا جعفر شيخ إدريس في (البنطون)، وكان عبد البديع أكثر دهشة لأن مدير المدرسة كان إنجليزياً والأدهى من ذلك أن الوفد أمضى ليلته في المدرسة ولم تعلم الادارة بذلك العمل كان يتم بسرية تامة.
* إطلاق إسم (الإخوان المسلمين) كان سبباً لأول إنقسام في صفوف الحركة ما صحة ذلك؟
ماحدث أنه في عام 1954 زاد عدد الأخوان في العاصمة والقرى كان فتحا مبيناً واصبح بعض الأخوان يتولون الدعوة في المناطق المختلفة
تطور الأمر بعد ذلك، وأراد الأخوان أن يطلقوا إسماً على المجموعة،
وعقد إجتماع كبير في نادي الخريجين بامدرمان الثقافي ضم كل الأخوان العدد كان كبيراً جداً وطرح الإسمان في الإجتماع وخضع الأمر للتصويت ففاز إسم الأخوان المسلمين باغلبية، أراد بابكر كرار إطلاق إسم (الجماعة الإسلامية) التي سميت فيما بعد الحزب الإتحادي الإشتراكي كان من أعضائه ميرغني النصري، عبد الله محمد أحمد (السفير)،وبعدها إنسحب بابكر كرار لعدم فوز الإسم الذي إختاره ومعه مجموعة صغيرة وكونوا الجماعة الإسلامية، بابكر كرار كان قيادياً وذا كلمة مسموعة، إستمر الامر بهذا الاسم حتى عام 1966 م وخلال هذه الفترة وقع انقلاب كان له أثر سلبي على الحركة.
* واجه دخول الأخوان المسلمين للبرلمان بعض المواقف التي أثرت في مسيرته أرجو أن تحدثنا عن ذلك؟
أول دخول للاخوان في البرلمان كان عام 1968م في هذا الوقت كان للحركة وجود كبير على الساحة واجريت انتخابات شارك فيها عدد من الاخوان منهم الدكتور الترابي الذي فاز في دوائر الخريجين ودخل البرلمان خمسة من اعضاء الحركة، ثم حل البرلمان لاسباب سياسية واجريت انتخابات أخرى عام 1969م ودخل البرلمان عدد من الاخوان.
عندما برزت فكرة خوض للانتخابات دعا الاخوان لاجتماع كان الترابي مسئولأً عن هذا العمل بين الاخوان الذي كان يتسم بصفاءالنية وحسن القصد، وتم بالفعل عقد اجتماع موسع، وكان رأي الترابي أن لا يتم الترشيح للانتخابات باسم الاخوان المسلمين وانه لابد من تغيير الاسم وبعد أخذ ورد في الإجتماع تم الاتفاق على اسم جبهة الميثاق الاسلامي وإتخذت لها داراً في امدرمان بداية شارع العرضة وانشأت صحيفة بهذا الاسم واستمرت مايقارب العام ونصف العام ونزل الاخوان الإنتخابات وظلوا داخل البرلمان عاماً كاملاً من مايو 1968 الى 25 مايو 1969 حتى تم حل البرلمان بانقلاب جعفر نميري.
الانقلاب كان للشيوعيين صلة كبيرة ومباشرة به، نميري لم يكن له أي فكر سياسي كان مجرد عسكرياً التف حوله الشيوعيون، وفي يوم 26مايو أي بعد يوم واحد من الانقلاب كان الاخوان المسلمون اول من أدخلهم نميري سجن كوبر كانت القوائم جاهزة ومعدة وكان هذا اول اعتقال سياسي، ولم يكن هناك اي اعتقال في عهد عبود كان مهذبا ولم يمس احد من الاخوان.
* من هم أبرز الذين إعتقلهم نميري؟
يسن عمر الامام،ربيع حسن احمد، الشفيع ابراهيم سعيد، حسن الترابي، عبدالرحيم علي، عبد الجليل النذير الكاروري، توفيق طه، مبارك قسم الله، عبد الرحيم حمدي، أحمد زين العابدين، مصطفى أبكر.
كان عدد الاخوان المعتقلين كبيراً، وظللنا في المعتقل من مايو 1969 الى عام 1972 م، الاعتقال كان بدون منطق، بعدها جرت تنقلات لبعضنا، وبصورة مفاجئة تم نقلي وعبد الرحيم حمدي الى سجن مدني بعد عام واحد أمضيناه في كوبر، وبعد فترة قصيرة أعادوا حمدي الى كوبر وأعادوني بعد ثلاثة أشهر، وفي اليوم المحدد لعودتي للخرطوم لاحظت أن السيارة التي ستنقلني تتبع لسجن كوبر وكنت مندهشاً لذلك فسألت الضابط المشرف على نقلي لماذا احضرت سيارة من الخرطوم ولماذا لايتم نقلي بسيارة سجن مدني، لم يجب الضابط على سؤالي وكان الأمر محيراً بالنسبة لي، ولكن بعد وصولي سجن كوبر عرفت أن السيارة التي أقلتني كان بها الترابي وتم تحويله الى مدني، والطريف أنه وضع في الغرفة المجاورة للغرفة التي كنت بها ولو نظرت بداخلها وانا خارج منها لعلمت بالامر.
* ولكن قيل أن جعفر نميري طلب مقابلتكم فيما بعد للاعتذار لكم هل كان هذا صحيحاً؟
نعم هذا صحيح، نميري بعث الي شخصي برغبته لزيارتي في منزلي فأخبرت الحبر يوسف وجاويش وبالفعل زارني نميري بحضور هؤلاء الاخوان وكان حضوراً ايضاً عبد المطلب بابكرالذي حكم نميري عليه بالاعدام في حادثة الامام الهادي المهدي إذ كان مرافقاً له في هجرته الى الحبشة مع بعض الاخوان وهم الوحيدون الذين ساندوه وكان قد تم القبض عليهم في الحدود عند مدينة الكرمك بعد أن علم نميري بالأمر وارسل قوة من الضباط وراءهم واعدم الهادي في لحظته، وفي اللقاء الذي تم بمنزلي قال نميري أنا حكمت على عبد المطلب بابكر بالاعدام والمفارقة أن الاخير أصبح سكرتيره لاحقاً.
* ماقصة المؤتمر الذي عقد قبل انقلاب نميري؟
انعقد مؤتمر في منتصف أبريل عام 1969 في الخرطوم بحري إستمر ثلاثة أيام بلياليها، إحدى جلساتها استمرت اربعاً وعشرين ساعة، كان مؤتمراً صاخباً، كان تقييم الترابي أنه يدل على حالة صحية للجماعة،كان رأيه ضربة قاصمة للحركة لأن عدم الروح الاخوانية في المؤتمر كان عكس تقييمه، المؤتمر بالفعل كان صاخباً وأبكى الكثير من العيون
الترابي كان جالساً نهاية القاعة ومعه مجموعة من الاخوان.
* من كان معه من الاخوان؟
كان معه عبد الرحيم حمدي، ربيع حسن أحمد، عبد الله حسن احد واخرون، عندما جاء وقت الترشيح لرئاسة الحركة قرر الأخوان ترشيحي لها وكان من المؤكد فوزي بها واذكر بالخير هنا الأخ جعفر شيخ ادريس إذ كان داخل الاطار الترشيحي، ولكن مجموعة الترابي خرجت بمبادرة تقول (اذا لم ينتخب الترابي سننسحب من المؤتمر) وحرصاً على الوحدة تم أنتخابه مسئولاً عن الحركة
* الأخوان المسلمون شاركوا في الحرب الفلسطينية الإسرائيلية 1948 م ما تفاصيل ذلك؟
الأخوان المسلمون كان لهم دور كبير في حرب الفلسطينيين ضد إسرائيل، إنضم بعض الأخوان في الجيش المصري وذهبوا الى فلسطين وقاتلوا الاسرائيليين واستشهد البعض منهم حينها أنباء المعارك كانت تملأ الدنيا وعرف الناس أسماء بعض من الأخوان الذين كانوا يقاتلون مع الفلسطينيين الى أن إنعقدت الهدنة التي قام بها عبد الرحمن عزام ووقف القتال وطلب من الجيوش العربية أن تعود الى بلادها وعاد الجيش المصري وكان الضابط الذي أمر بعودتهم هو جمال عبد الناصر بعد ذلك إضطر الأخوان للعودة وقبل وصولهم القاهرة أخذوا الى معتقلات كانت مجهزة لهم وكان هذه المرة الأولى التي يعتقل فيها الأخوان وخرجوا منها ليعتقلوا مرة أخرى.
*كيف سارت الأمور بعد إنقلاب جعفر نميري؟
بعد إستيلاء نميري على السلطة والتف حوله الشيوعيون الذين كانت مقدرتهم عالية في الجانب التنظيمي والسياسي وكان قد تم إعتقال عدد مقدر من الأخوان المسلمين، وكان للحزب الإتحادي بقيادة اسماعيل الازهري دور كبير في حل الحزب الشيوعي داخل البرلمان وكانت ضربة حقيقية لهم.
* لماذا تم حل الحزب الشيوعي؟
يعود تفاصيل ذلك الى ندوة أقيمت في معهد المعلمين العالي في العام 1966 م تحدث فيها يوسف الخليفة ابوبكر ودكتورة سعاد الفاتح، الندوة كانت حول الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته وكان ضمن الحضور احد اعضاء الحزب الشيوعي الذي تحدث بحديث غير لائق في حق الرسول الكريم وبعبارات جارحة، وكانت هذه اول الشرارة، فقام الطلاب في نفس الليلة بترديد الهتافات ضد الشيوعييين وفي صباح اليوم التالي وفي منزلنا بود نوباوي حضر إليّ عدد من الأخوان كانوا مستائين جدا لما حدث في الندوة وبعدها ذهبت مجموعة من جبهة الميثاق الاسلامي الى مقر الاتحاد العام للطلاب السودانيين ثم الى الجامعة الاسلامية وتحول الأمر الى موكب أخذ يتوسع ويزداد عدد المشاركين فيه وتحركوا الى السوق يرددون هتافات شديدة ضد الشيوعيين وتحولت الى مظاهرة كبيرة، وتكرر الأمر مساء اليوم نفسه في نادي الخريجين وكان السيد اسماعيل الازهري يرأس إجتماعاً بمنزله وعندها إقتحم المتظاهرون منزله وصعدوا الى سطح المنزل وطالبوه بحل الحزب الشيوعي واستجاب لهم بقوله غداً سنحل الحزب.
وفي البرلمان طلب الحزب الاتحادي مسألة مستعجلة خلال الجلسة وكانت أعداد كبيرة من الجماهير تحيط بالبرلمان يرددون الهتافات وإستمروا في هذا الوضع حتى الساعة الرابعة عصراً فيما كان نقاش ساخن يحتدم داخل الجلسة واستنكار شديد من قبل الاعضاء على ماحدث في الندوة وإنتهت جلسة البرلمان التي كان يرأسها بابكر عوض الله بطرد أعضاء الحزب الشيوعي وحل الحزب.
* هل صحيح ان الشيوعيين قاموا بما أشبه بالإنتقام من الأخوان المسلمين؟
كان لما حدث في البرلمان تأثير كبير على الشيوعيين وعلى مكانتهم وتنظيمهم مما جعلهم يلتفون حول جعفر نميري الذي لم يكن له سند حينما قام بانقلاب مايو، واستطاعوا أن يسيطروا عليه واستولوا على بعض الوزارت في مقدمتها وزارة الداخلية لأن كل الوثائق التي تدين الحزب الشيوعي كانت موجودة هناك فقاموا بابادتها، وتحصلوا كل مايتعلق بالاخوان المسلمين وقدموا تقارير الى نميري مصحوبة بقوائم واسماء الاخوان ولم يتردد نميري في إعتقال معظم القيادات،
حينما تم إعتقالنا بسجن كوبر، وكان الاخوان اول من دخلوا المعتقلات بعد انقلاب مايو مباشرة، وبعد ذلك تم إعتقال الأنصار وأعضاء الحكومة بما فيهم الزعيم اسماعيل الازهري ومعه وزراء منهم خضر حمد، أحمد السيد حمد،
اعضاء الحكومة تم اعتقالهم في البدء داخل بيوت الضيافة ثم تم نقلهم رويداً رويداً الى سجن كوبر، أشد ماساءني أن الزعيم الازهري تم وضعه في غرفة صغيرة كانت عبارة عن مخزن بباب واحد دون نوافذ وحينما ينتصف النهار كانت الشمس تدخل فيها فلا يجد الازهري ظلاً يجلس فيه، معاملة الازهري لم تكن كريمة وظل في هذا الحال إلى أن توفي شقيقه وكانت علاقته به قريبة وقوية يحبه كثيراً، وسمحوا له بالخروج مؤقتاً لتلقي العزاء وبعد أسبوع واحد فقط من وفاة شقيقه انتقل الأزهري الى رحمة مولاه ودار وقتها حديث طويل حول اسباب الوفاة وأنها غير طبيعي، كان تشييع الازهري ضخماً لم يكن له مثيل شارك فيه المئات من المواطنين لدرجة أن هناك طائرات كانت تراقب التشييع.
* ولماذا لم تثر أسرة الازهري ماكان يتردد حول وفاته؟
لأن نميري قبضته كانت نافذة ومسيطرة وربما خشوا منه لذلك لم يستطيعوا إثارة الأمر
* وماذا تم بعد إعتقالكم؟
إستمر الإعتقال ثلاث سنوات وأمضينا الفترة في سجون كوبر، بورتسودان وشالا وتم إطلاق سراحنا عام 1972 ولم يكن بصورة نهائية إذ تم إعتقالنا مرة أخرى ولكن تحفظيا ولمدة عام وشمل ذلك كل من الدكتور حسن الترابي ويسين عمر الامام وشخصي، وللحقيقة كانت المعاملة داخل السجن جيدة، ولكن حدث أمر غريب سأحكيه لك، أثناء الاعتقال جاء وفد من مصر لتفقد السجن ورفضنا إستقبالهم وهددنا إدارة السجن بأنه إذا مر الوفد من القرب منا سنقوم بالاعتداء عليه، وبالفعل لم يأتوا، وبعد خروجهم أخبرنا مدير السجن أن الوفد كان مندهشاً لمعاملة المعتقلين بصورة جيدة وعدم وجود تعذيب للمعتقلين وقالوا أن سجن كوبر عبارة عن فندق خمسة نجوم، وبعد عودة الوفد الى بلاده قدموا دعوة لكمندان السجن بزيارة مصر وسجونها وبعد عودته قال أنه رأى هناك مايشيب له الولدان وشاهد المعاملة السيئة للسجناء.
وبعد عامين من الاعتقال إتصلت بجهاز الأمن وقلت لهم اريد السفر خارج البلاد وكان رد رئيس الجهاز على طلبي: هل تريد حضور مؤتمر جدة؟ رديت عليه بأنني أريد السفر للحج، وبعدها سمحوا لي بالسفر وخرجت من البلاد عام 1974 م
* وما قصة مؤتمر جدة الذي تحدث عنه رئيس جهاز الأمن؟
في هذا الوقت تكونت الجبهة الوطنية المعارضة وضمت كل الرموز التي كانت تعارض جعفر نميري منهم الشريف حسين الهندي، الصادق المهدي، احمد عبد الرحمن، عثمان خالد مضوي، عمر نورالدائم، مهدي إبراهيم ووجدت عدداً من الأخوان في جدة.
كان عدد المنتمين للجبهة في تزايد مستمر، وبدأت في إجراء إتصالات بالزعيم الليبي معمر القذافي الذي وافق على إحتضان الجبهة، وذلك لأن علاقته بنميري كانت سيئة وفتح لها معسكرات التدريب وقدم لهم المساعدات على أقصى درجة إلى جانب أنه إفتتح لهم مكتباً بلندن، كانت المجموعة نشطة على رأسها الشريف حسين الهندي والصادق المهدي ولكن لم تكن علاقتهما على وئام كامل بسبب أن المهدي كان ينفرد برأيه وسبب آخر أنه أجرى إتصالات بنميري لم يخطر بها الهندي وهذا مازاد الجفوة بينهما.
إستمرت الجبهة معارضة إلى أن خططت للإنقلاب على نميري وكادت المجموعة أن تستولى على الاذاعة وفيها أحمد سعد وإبراهيم السنوسي ولكن فشل الإنقلاب ولم ينته أمرها بل إستمرت الجبهة في التدريب.
في هذا الوقت عملت بجريدة (المدينة) بعد أن جاءني أحمد عبد الرحمن وزكريا بشير إمام وقالا لي سيتم تعيينك في (المدينة) وعملت بها سكرتير تحرير من 1976 1977، وكان قد زارني في (المدينة) الأخ زين العابدين الركابي الذي كان يرأس تحرير مجلة( المجتمع) في الكويت قال لي عندما ترغب في التوقف من (المدينة) أرجو أن تحضر الى الكويت وفعلاً ذهبت له نهاية 1977 وظللت في مجلة (المجتمع) عاماً ويزيد لكنني لم استطع الاستمرار، وأنا بالكويت دعيت الى دبي من قبل البنك الاسلامي كان لديهم مشروع اسلامي، مكثت فيها اربعة أشهر وإعتذرت عن الاستمرار بعد إنتهاء المشروع بالرغم من المغريات التي قدمت لي.
* وجودكم في الكويت شهد أحداثاً مهمة تتعلق بوضع الأخوان أرجو أن تحدثنا عنها؟
هذا صحيح، وجودنا في الكويت شهد مرحلة في غاية الأهمية، كنا أسرة إخوانية تضم الى جانب شخصي الاخ محمد حسن طنون، دكتور سامي خليفة ومحمد عبدالله غبشاوي ونحن هناك جاءنا من يحمل صحيفة سودانية كان عنوانها الرئيسي (الترابي يعلن فض الجبهة ويعقد مصالحة مع نميري)، كان الأمر بالنسبة لنا مفاجئاً لم نكن نتوقعها على الاطلاق، قرأنا الخبر مثلنا مثل غيرنا من القراء لم يخبرنا أحد بأن الأخوان يريدون المصالحة مع نميري، فقمنا بارسال رسالة لقيادة الجبهة وإستفسرناهم عما حدث لم يردوا على الخطاب وإنما بعثوا إلينا شخصين هما يسن عمر الإمام ومولانا التجاني أبوجديري الذي كان مسئولاً عن الاخوان في أمريكا، وقالا لنا : ( لماذا أنتم فقط من ترسلون برسالة) وكان ردي عليهم : هل وصل الأمر هذه الدرجة؟ وسألناهم من الذي قرر المصالحة مع نميري بعد ثمانية أعوام من المعارضة وكيف؟ قالا لنا أنه تم إنتداب مندوبين من الأقاليم يعني (إنتخاب غير مباشر) إجتمعوا بهم وطرح عليهم الأمر بأن المصالحة أفضل من المقاطعة، وعرفنا أن الترابي كان وراء ذلك، إستنكرنا عدم الاتصال بنا وبالآخرين، قلت لهم هذا كلام فارغ وسأعود الى السودان وكان هذا الموقف بداية الإنقسام بين الأخوان المسلمين.
* هل قاطعت الأخوان بعد عودتك للسودان أم ماذا حدث؟
بعدها عدت الى السودان وفوجئت بمن يأتي ويدعوني لاجتماع مجلس الشورى وقلت له أذهب وقل لمن أرسلوك انني لست عضواً في هذا الاجتماع وهذا موقفي ولن اتراجع عنه، بعد هذا الموقف كنت أُدعى للمشاركة في ندوات كانت تقيمها الجبهة لترسيخ الخطوة التي إتخذتها وبالفعل كنت أشارك بها في سبيل الدعوة، وشاركت في ندوة إتحاد طلاب الاسلامية كنا أربعة من المتحدثين ثلاثة منهم مع الخطوة وانا ضدها، ودُعيت كذلك للمشاركة في ندوة بجامعة الخرطوم وكان معي الراحل السفير أحمد عبد الحليم الذي كان يتحدث عن المصالحة واتحدث أنا ضدها، وأصبحت الندوات تتكرر ولم يتغير موقفي أرسلوا أحد الأخوان من المكتب السياسي قال لي أن الأخوان يطلبون منك عدم مهاجمة النظام طالما إتجاهنا معه، قلت لهم إذن لاتدعوني لندواتكم حتى لا أهاجم النظام.
والواقع أنني قررت إصدار بيان حاولت التكتم عليه في البدء، ولكن وصل الخبر إلى شخص مسئول، وسبق ذلك أنه تم فصل تسعة من الاخوان على رأسهم دكتور الحبر يوسف نور الدائم وعلي جاويش، وقمت باصدار بيان من تسع صفحات وحمّلت الترابي ما يجري للأخوان، فأرسل لي الترابي إثنين من الأخوان يحملان رسالة كان مضمونها : (تلاحظ أنك تعقد إجتماعات تنتقد فيها التنظيم وقياداته بصفة مستمرة، ولمّا كان التنظيم إتخذ قراراً بفصل بعض أعضائه ومقاطعتهم وتلاحظ أنك تعقد إجتماعات معهم وعليه فإن التنظيم يرى فصلك منه على أن ترعى العلاقة مارعيتها).
والشاهد أنه لم أعقد أي إجتماعات مع المفصولين وإنما كانت هناك ندوة تحدثت فيها والأخ عصام أحمد البشير بمسجد المسرة بالمزاد وكانت عن غزوة أحد في 17 رمضان، وبعد هذه الرسالة تركنا التنظيم، وكان علينا أن نتخذ خطوة بشأن إكمال المشوار والعمل لإستمرار حركة الأخوان وبدأنا الاتصالات إلى أن تجمع عدد كبير وبدأنا مسيرة جديدة بعد أن أصبح بيننا وبين الترابي جدار وإستمر الحال هكذا الى عام 1991م الذي شهد إنعقاد مؤتمر بدار الأخوان في (أمبدة) وحدث في هذا الإجتماع مخالفات ما كان يجب أن تحدث كانت نتيجتها أنها وضعت أول بادرة للخلاف داخل مجموعتنا، حدثت بعض التجاوزات أدت الى عدم رضا مجموعة كبيرة من الأخوان، ورغم هذا أعتبر البعض أن ما تم في هذا الإجتماع كان قانونياً فيما كان البعض الآخر يرى غير ذلك وكان الأمر يتعلق بالإنتخابات داخل الحركة فبدأ إعادة تكوين جديد يأخذ طريقه في حين أن الجانب الآخر توقف بل أخذ في تكوين جهاز إداري آخر وفيه معظم الأخوان منهم دكتور الحبر وشخصي وآخرون، بينما بقي ياسر عثمان جادالله وسليمان ابونارو وحسن عبدالحميد في المجموعة الثانية، وحدث خلاف في مجموعة أبونارو ووضع له منهجاً إختلف مع أخوانه حوله، فانقسمت مجموعة بقيادة ياسر عثمان، ومن البشريات في علاقة الأخوان المسلمين أن هناك مساعي إخوانية إسلامية حميدة تعمل عملاً جاداً في سبيل توحيد هذين الطرفين ليعود صفاً واحداً كما كان وبذلك يضرب الأخوان المسلمين مثلاً في التوحد وإعادة العلاقات الطيبة بين بقية الأحزاب وغيرها.
تشارك حركة الأخوان المسلمين في حكومة الوحدة الوطنية الحالية ولنا ثلاثة أعضاء في المجلس الوطني، وخمسة أعضاء في المجالس التشريعية، وثلاثة معتمدون ووزير صحة في البحر الاحمر ووزير دولة في الرعاية الإجتماعية وعلاقتنا جيدة مع المؤتمر الوطني.
المصدر: جريدة السوداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.