شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    الدفعة الثانية من "رأس الحكمة".. مصر تتسلم 14 مليار دولار    قطر تستضيف بطولة كأس العرب للدورات الثلاثة القادمة    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني في أوروبا يهدي فتاة حسناء فائقة الجمال "وردة" كتب عليها عبارات غزل رومانسية والحسناء تتجاوب معه بلقطة "سيلفي" وساخرون: (الجنقو مسامير الأرض)    شاهد بالصورة والفيديو.. طفلة سودانية تقلد الفنانة هدى عربي في أغانيها ورقصاتها وتضحك الجمهور والحاضرين الذين قاموا بتصويرها    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    سعر الدولار في السودان اليوم الأربعاء 14 مايو 2024 .. السوق الموازي    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    حصار ومعارك وتوقف المساعدات.. ولاية الجزيرة تواجه كارثة إنسانية في السودان    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    صندل: الحرب بين الشعب السوداني الثائر، والمنتفض دوماً، وميليشيات المؤتمر الوطني، وجيش الفلول    هل انتهت المسألة الشرقية؟    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    تقارير تفيد بشجار "قبيح" بين مبابي والخليفي في "حديقة الأمراء"    أموال المريخ متى يفك الحظر عنها؟؟    المريخ يكسب تجربة السكة حديد بثنائية    قطر والقروش مطر.. في ناس أكلو كترت عدس ما أكلو في حياتهم كلها في السودان    مدير عام قوات الدفاع المدني : قواتنا تقوم بعمليات تطهير لنواقل الامراض ونقل الجثث بأم درمان    لأهلي في الجزيرة    تامر حسني يمازح باسم سمرة فى أول يوم من تصوير فيلم "ري ستارت"    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    شركة "أوبر" تعلق على حادثة الاعتداء في مصر    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    هل يرد رونالدو صفعة الديربي لميتروفيتش؟    لاعب برشلونة السابق يحتال على ناديه    محمد وداعة يكتب:    انتخابات تشاد.. صاحب المركز الثاني يطعن على النتائج    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    السودان..اعتقالات جديدة بأمر الخلية الأمنية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعايير المنهجية في نقل الأخبار وتحليلها

يبدو أن العمل في المجال القضائي والتحكيمي قد أثر في طبيعتي تجاه تلقي الأخبار والحكم عليها، فقد أصبحت لا أتفاعل مع الأخبار إذا تعددت أطرافها، مهما بلغت من الغرابة والإثارة ؛ذلك أن تجربتي القضائية قد علمتني أن كثيرا من الأخبار التي يدلي بها أطراف الخصومات لو وجد في أصلها شيء من الحقيقة سرعان ما يغرق في يم المبالغات والزيادات والانطباعات... التي تجعل من الحبة قبة!!
وتأسيسا على هذه النظرة فقد تابعت –كغيري من الناس- الأخبار والتحليلات، التي تناقلتها الصحف والمواقع وبعض البرامج التلفزيونية، حول ما عرف بأزمة القيادة عند الإخوان المسلمين في مصر، وقد بُنيتْ على هذا الكمِّ من المعلومات مجموعة من التحليلات، قادت إلى تسجيل مجموعة من المواقف، وإصدار جملة من الأحكام القاسية على المرشد ومكتب الإرشاد، بل وعلى الصف الإخواني كله.
والأغرب في هذه التحليلات أنها رسمت لمستقبل الإخوان –في ظل هذه الأزمة- صورة، يظن الناظر فيها أن النزاع بين الإخوة في مكتب الإرشاد وقيادة الجماعة، قد وصل حدا لا يمكن معه استمرار اللحمة التنظيمية والتربوية التي عرفت بها هذه الجماعة، رغم كل المحن التي تعرضت لها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل خضعت كل هذه التقارير للمعايير المنهجية في نقل الأخبار وتحليلها ؟ وهل احترمتْ المنهج الوسطي في الحكم على مواقف الناس وقراراتهم الخاصة ؟ .
الجواب - في نظرنا -واضح جلي لكل ذي بصر وبصيرة، وهو أن أكثر هذه التحاليل والأحكام التي صدرت في حق قيادة الجماعة ومرشدها، لم تراع المنهج الإسلامي الوسطي في الحكم على الوقائع، أوبناء المواقف تجاه الأحداث.
ولإثبات صحة ما أقول فإنني أطالب كل طالب للحق ممن يشغله همّ العمل للإسلام والدعوة إليه أن ينظر إلى هذه المنظومة التي تشكلت عند أصحابها ممن تحدثوا وحللوا وحكموا على مستقبل هذه الجماعة عبر مستويات ثلاثة:
المستوى الأول: مستوى تلقي الأخبار، ومنهج الإسلام في ذلك.
المستوى الثاني: مستوى تحليل الأخبار عبر المنهجية الإسلامية المنضبطة بالموضوعية والحيادية والابتعاد عن التعميم ونحوها من الضوابط.
المستوى الثالث: مستوى إصدار الأحكام وتحديد المواقف، وفق المنهجية الإسلامية في ذلك.
وفي محاولة لإسقاط أكثر ما كتب بشأن هذه الأزمة على هذه على هذه المستويات الثلاثة، يمكننا أن ندرك قرب أو بعد ما انتهت إليه هذه الكتابات من المنهجية الوسطية في بناء المواقف، والحكم على الأخبار.
المستوى الأول: مستوى تلقي الأخبار
في هذا المستوى حصل لغط كبير، وتجاوز واضح للمنهج الإسلامي في تلقي الأخبار، والتعامل معها، ومما يؤسف له أن هذا التجاوز صدر عن زمرة من الكتاب الإسلاميين ، وبعض طلبة العلم والمشايخ، ونشر بصيغة تنمّ عن الرضى به في صحف ومجلات ومواقع إلكترونية إسلامية.
وقد كان الواجب على الجميع أن يلتزم المنهج الإسلامي في تلقي الأخبار، الذي طالما نظّرنا له، وملأنا الصحف بتأصيله وتقعيده، وما كان لهؤلاء أن ينساقوا خلف الإثارة الإعلامية، وهم يعلمون أن أكثرها مبني على الزور والبهتان، والغش المندس تحت ستار الإثارة والسبق الصحفي.
ولا نريد أن نفصل في منهجية تلقي الأخبار في ديننا، لكن يكفينا أن نذكر بأعظم أصولها، ألا وهو التثبت المؤسس على قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" [الحجرات الآية 6] هذا الأساس العظيم الذي ركّز عليه القرآن، وأظهره بصور متعددة، وطرحه في مناسبات شتى بأساليب متنوعة ؛لئلا يقع المسلم في سلسلة من الأخطاء نتيجة للخبر الموهوم أو الناقص أو القاصر عن إدراك الحقيقة .
ولئلا يظل حديثنا محلقا في الفضاء، فإن هذه الشائعات التي تناقلتها وسائل الإعلام بدأت بخبر استقالة المرشد العام للإخوان السيد محمد مهدي عاكف، على خلفية نزاع بينه وبين أعضاء مكتب الإرشاد، بشأن عضوية الدكتور عصام العريان في مكتب الإرشاد.
ثم بدأ التعامل مع هذا الخبر وكأن أصحابه قد انتقلوا جميعا إلى الدار الآخرة في لحظة واحدة، أو اختفوا من مسرح الوجود دفعة واحدة كما وقع لأصحاب الكهف.
وهذا في الحقيقة ابتعاد واضح صريح عن منهج التثبت، وإلا فإن المشكلة التي تناولتها الأخبار قد وقعت في مكان معلوم، وزمن معلوم، مع أشخاص ما زالوا جميعا على قيد الحياة، ولعلهم لا يبعدون عن مكان طبخ الأخبار التي وقعت إلا ببضعة أميال.، فلماذا لا سبيل للتأكد من هذه الأخبار من مصدرها الأصلي؟ ولماذا يصدق في حق أهلها عند هؤلاء الكتاب المثل الشهير: "إذا اتفقت الجماعة أنك أعمى فخذ العصا وتوكل." ؟!!
زيادة على ذلك فإن فضيلة المرشد العام وهو المسؤول الأول عن هذا الحدث قد تكلم بكل صراحة ووضوح عن هذه القضية ، وبين بشكل قاطع أن ما نشر إنما هو زيغ عن الحقيقة، وأن المسألة أهون مما قيل، وأنه لم يستقل من منصبه، وأنّ موضوع الدكتور عصام يحكمه الأداء المؤسسي واللوائح التنظيمية والقيم الإدارية وعلى رأسها إلزامية الشورى.
لذلك ما كان لهؤلاء الكتاب المحترمين أن يخرجوا على أصل التثبت والتبين، ورحم الله الشيخ بكر أبو زيد عندما قال ناصحا للمسلمين: "فالتزم واجب التبين للأخبار، والتثبت منها ؛إذ الأصل البراءة وكم من خبر لا يصح أصلا، وكم من خبر صحيح لكن حصل عليه من الإضافات ما لا يصح أصلا، أو حُرِّفَ وغُيِّرَ وبُدِّلَ وهكذا، وبالجملة فلا تقرر المؤاخذة إلا بعد أن تأذن لك الحجة، ويقوم عندك قائم البرهان كقائم الظهيرة."
ولا يقولن قائل إن هذا الكلام من بدهيات القول، فالعقلاء وأهل التجربة والخبرة قد اتفقوا على أن البدهيات تزيغ عنها الأبصار عند التطبيقات العملية، والالتزامات الواقعية، ولذا يحتاج أهلها دوما إلى التذكير فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
وبالجملة فإن الذي يظهر للمتتبع المنصف، أن الأخبار التي نقلت عن هذه القضية هي عبارة عن كلمة مقتطعة من سياقها هنا، وكلمة مبتورة من هناك في محاولة من أصحابها لصياغة خبر واحد متكامل يلبس لباس الصدق وأنّى لهم ذلك.
المستوى الثاني: مستوى التحليل لهذه الأخبار
المطالع لما كتب حول هذه المسألة بما فيه كتابات الأخ عصام تليمة يشعر وكأن لهؤلاء الكتاب مشكلة مع جماعة الإخوان، فهم يتعاملون معها من منطلق الأحكام المسبقة والمواقف الجاهزة، ويتفاعلون مع هذه الإشاعات بمنطق:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا عني وما سمعوا من صالح دفنوا
فيخيل إليك وأنت تقرأ بين سطور كتاباتهم أنك أمام شخص موتور، متوتر الأعصاب، مقبوض النفس، يتأنق في صناعة العناوين البراقة، وطرح الأوصاف العجيبة، والتصنيفات الغريبة، متأثرا بفوبيا العسكر، وعقدة حكام الحديد والنار.
والأخطاء في هذا المستوى تعود غالبا إلى ثلاث قضايا منهجية :
القضية الأولى: البناء على الأوهام
فالتحليل الصحيح لأي قضية يتطلب أول ما يتطلب أن يستكمل صاحبه جميع حقائقها، فإذا كانت الأخبار المنقولة قد احتوت في أحسن أحوالها على أخبار صحيحة، مضاف إليها كثير من انطباعات أصحابها، وزيادات رواتها، ونُزِّلت منزلة الخبر اليقين، فإن التحليل المبني عليها لا جرم أن يكون ركوبا للوهم، وامتطاء للخيال.
القضية الثانية: معرفة مفتاح التحليل للأخبار
فبمعرفة مفتاح التحليل للأخبار يتم الدخول إلى البيوت من أبوابها؛ إذ هو الأصل المنهجي الكلي الذي يمكن من خلاله فهم ما حصل.
فهل ما وقع يعود لأزمة فكرية لدى الجماعة؟ أو يعود لأزمة تربوية؟ أو هو أزمة قيادة عسكرية؟ أم هو أزمة سياسية خالصة؟ أم هو خليط من مجموعة أزمات؟
والسؤال المطروح الآن هو من أين نبدأ في تشخيص هذه الأزمة –إن صح وصف ما حدث بأنه أزمة-؟ وعلى أي أساس منهجي نتكئ؟ .
وبعبارة أدق إن نقطة الانطلاق في تحليل أي أخبار هي البداية الصحيحة للتحليل، فإن لم تحرر هذه النقطة فإن المحلل سيظل في واد وتظل الحقيقة في واد آخر.
والذي يظهر في هذه القضية المتناولة أن المسألة تعود لمنطلقات تنظيمية مؤسسية، وإن كانت لا تخلو من بعض المؤثرات الأخرى، فلو صح تسمية ما حصل بالأزمة، فإنه أزمة تعود لأسس تنظيمية، فالذي يريد أن يحلل أبعادها، ويرسم صورة لمستقبلها عليه أولا أن يكون مستوعبا لعدة مفاهيم تنظيمية أهمها ما يسمى بالنظرية التنظيمية الضابطة لعمل التنظيم ، إذ هي الحاكمة لعمل أي حركة أو تنظيم أو مؤسسة، وعلم النظريات التنظيمية علم دقيق ضعفت عناية طلبة العلم والدعاة به في عصرنا الحاضر -للأسف الشديد- مع أنه الفلسفة التنظيمية التي تبنى عليها كل المسائل الأخرى، ولذا فإن الذين كتبوا في تحليل الأزمة الإخوانية – حسب تعبيرهم - تحدثوا عن اختلالات في اللوائح والنظم والإجراءات .
والصحيح أن النظم واللوائح الضابطة لسير أي مؤسسة، إنما تمثل المرحلة الثالثة من مراحل التفكير التخطيطي، فاللوائح والنظم تضبط مسار الهيكل التنظيمي، وهذا الهيكل تم اختياره بناء على مجموعة من المحددات الواقعية الخاصة بأي تنظيم، وهذه المحددات وغيرها من المعطيات يطلق عليها بمجموعها النظرية التنظيمية الحاكمة أو الضابطة لحركة هذا التنظيم وعليه فإن المحلل لهذه الأزمة قبل أن يتحدث عن عقم اللوائح الإخوانية، أو عسكرية القيادة، عليه أن يفهم النظرية التنظيمية الحاكمة لعمل الإخوان في مصر، ويعرف على وجه دقيق هل هذه النظرية بكل مكوناتها ومقوماتها تجعل من هذا التنظيم تنظيما مكافئا للواقع أم لا؟ ومن لا يتفهم مكونات هذه النظرية السياسية والأمنية والدعوية والتربوية وغيرها كيف يمكنه أن يفهم لماذا اختار الإخوان هذه اللوائح والنظم لضبط مسار حركتهم!؟.
القضية الثالثة: الإنصاف والعدل
كل تحليل لا بد أن يخضع لعوامل متعددة، ومن ضمن هذه العوامل الخصائص النفسية، والمكونات الشخصية للمحلل الأخبار، فحينما تكون عند المحلل مواقف سابقة، ونزاعات قديمة، لا بد أن تلقي بظلالها على التحليل، فتثير العدوان الكامن، وتحرك الأحقاد الدفينة، وعندها يصبح المحلل عاجزا عن رؤية الحقيقة بعينين اثنتين، فهو لا يرى إلا بعين العداواة التي لا تريه إلا المثالب والمساوئ، وقل مثل ذلك عندما تهب نسمات المحبة، فإن الرؤية لا تكون إلا بعين المحب، التي هي عن كل عيب كليلة.
فالواجب هو بذل الوسع، واستكمال الأدوات التحليلية، الموصلة إلى العدل والإنصاف.
وبإسقاط ما تقدم على الواقع نقول: هل التزم كثير ممن حلل ما بلغهم عن نزاع الإخوان، وخصومة أعضاء مكتب الإرشاد مع الدكتور عصام العريان بحدود الإنصاف ومقتضيات العدل ؟ أم أن النزاعات التنظيمية السابقة لدى هؤلاء الكتاب وشعورهم بالظلم والغبن كان هو المسيطر على الموقف؟ .
هذه ثلاث قضايا منهجية متعلقة بمستوى التحليل للأخبار، أحببنا أن ننظر من خلالها إلى الكم الهائل من التحليلات التي قرأناها وسمعناها، حتى يشقّ القارئ طريقا موضوعيا إلى التحليل المنهجي، يفرق به بين ما كان من هذه التحليلات قريبا من الواقع و ما كان منها بعيدا منه بعد المشرقين.
المستوى الثالث: مستوى الحكم وتحديد المواقف
المنهجية الإسلامية في ضبط هذا المستوى مليئة بوافر من الضوابط والأصول، ولكنها وللأسف قد غابت عند عدد ممن أصدروا الأحكام، وحكموا على الإخوان في مصر قيادة وصفا، بأنهم على حافة النهاية وقرب الزوال.
ولعل من أعظم هذه الضوابط غيابا في الأحكام التي صدرت والمواقف التي اتخذت هو ضابط التعميم وضابط التصنيف.
أما مسألة التعميم ِأي تعميم الحكم على المواقف والأشخاص، قد ظهر جليا عند أصحابه الذين قالوا بأن الذين عارضوا ترشيح عصام العريان، هم ممن يخافون من دخوله لمكتب الإرشاد حرصا على مناصبهم، أو خوفا على توليه منصب النائب الأول للمرشد العام، هذا التعميم هو عين البعد عن الموضوعية التي أمر بها الشرع، ونادى بها علماء هذه الأمة.
وبالنسبة للتصنيف أي تصنيف المكتب أو القيادة على أنهم قد انقسموا إلى قسمين، فهذا أيضا بعد عن المنهجية الإسلامية، فليس كل من عارض ترشيح الدكتور عصام العريان هو من "المحافظين"، وليس كل من وافق هو من "الإصلاحيين"، وإنما هذا مجلس للتشاور تحكمه الأمانة ويقوده الصدق، فإذا صدر عن بعض أفراده رأي أو اختار قرارا ما، فينبغي أن تحمل تصرفاته على أحسن المحامل، بدلا أن نتورط في الحديث عن النيات والمقاصد التي لا يعلمها إلا الله.
وختاما فإنني أحببت بذكر ما سبق أن نتذكر بعض الأسس والقواعد التي ينبغي أن لا تغيب عنا، ونحن نتعامل مع مواقف الآخرين وتصرفاتهم.
وتبقى كلمة ختامية أقولها لشيخي الذي لا يمكن أن يزايدني أحد على حبه وفهم منهجه وفقهه فضيلة الإمام القرضاوي حفظه الله، بشأن التصريح الذي نقل عنه بخصوص هذه الأزمة، فقد توقفت كثيرا قبل تصديق ما نقل عن شيخنا، ولكن بعد أن نشر هذا الخبر على موقعه، لم يبق لي عذر في أُن أعمل واجب النصيحة التي علّمَنا إياها شيخنا، وحثنا على التزامها على الدوام.ونصيحتي عبارة عن وقفات مختصرة مع هذا الموقف.
أولا: ما نقل عن شيخنا من توصيف أفراد الجماعة بأنهم إذا لم يرشحوا عصام العريان فلن يبقى فيهم غير المتردية والنطيحة، هو تجن كبير على خيرة الدعاة الذين يبذلون أنفسهم وأرواحهم وأموالهم في سبيل الدعوة إلى الله بهذه الأوصاف، نسأل الله أن يعفو عن الجميع.
ثانيا: بالنسبة للتعميم الذي حرص عصام تليمه على نسبته للشيخ وهو "أن هذه الجماعة لا تستحق الحياة"، فهو تعميم مخالف للوسطية التي عرفناها وتعلمناها من شيخنا، وكان يسعه أن يتكلم عن مكمن الخطأ -إن صح- دون أن يعمم فلا خير في أمة دعاتها لا يستحقون الحياة.
ثالثا: حصيلة الموقف النهائي المنقول عن شيخنا وقع فيه خلل في المستويات الثلاثة التي ذكرنا (أي على مستوى تلقي الأخبار، وتحليلها، والحكم عليها).
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء الصراط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.