وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد.. مقطع فيديو للفريق أول شمس الدين كباشي وهو يرقص مع جنوده ويحمسهم يشعل مواقع التواصل ويتصدر "الترند"    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منبر الرأي: الإسلام الحضاري'..وتوابعه

عندما سُئل الشاعر -(اليساري أحمد فؤاد نجم)- هل تواظب على الصلاة والصيام وبقية العبادات أجاب قائلا :" أنا مسلم حضاري يعني آخذ من الإسلام القيم الإنسانية العامة مثل كرامة الإنسان وحريته والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان والأخلاق الطيبة فالمسلم الحضاري لا يهتم بالعبادات الفردية إنما بالعبادات القلبية والمبادئ التي تسير على كل البشر دون تفرقة " ..انتهى كلام نجم .
الصورة: عبد الله بدوي رئيس وزراء ماليزيا
يقول أحد جهابذة العلمانية : " الإسلام الحضاري يدعو إلى فض الاشتباك بين العروبة والإسلام وإقامة جسر من التواصل بدلا من العداء بين القوميين والإسلاميين من خلال الإطار الحضاري ، وإزالة الميراث السلبي الذي خلفته فتاوى تجريم القومية العربية وأيضا إغلاق باب (التكفير) لإقامة منتدى حواري يعلي من قيمة الاجتهاد ويعترف بالحق في الاختلاف وتعدد الآراء ، ويعلي من قيمة العقل الواعي على النقل الجامد ويسعى لاستعادة النهضة والخلاص من التبعية والتخلف." انتهى كلام الجهبذ...
يقول رئيس الوزراء الماليزي مطمئنا أمريكا والغرب عن مشروع الإسلام الحضاري الذي تطبقه حكومته :"الإسلام الحضاري ليس دولة دينية ، فهو لا يتعارض مع الديمقراطية الغربية فهو دين بلا سياسة يشمل كل البشر ويقبل كل الحضارات في منظومته". انتهى كلام رئيس الوزراء الماليزي.
يفرق أحد "فقهاء الإسلام الحضاري" بينه وبين "الإسلام السياسي" فيقول:"(الإسلام الحضاري يبدأ من أسفل إلى أعلى عكس السياسي فهو يبدأ من أعلى إلى أسفل،والحضاري يبدأ من القاعدة إلى القمة ومن الجمهور والقرى إلى القادة والساسة بطريقة منظمة ومتدرجة وبالتركيز على الأولويات حيث العبرة بالمعاني والمقاصد لا بالألفاظ والعبارات ) .انتهى كلام الفقيه الحضاري .
يفهم من كلام "الجهابذة والفقهاء"السابقين أن هذه دعوة إلى إسلام مفرغ من محتواه يلتزم إطارا اسميا لا يطبق أصول الشريعة وحدودها ولا يلتزم بالجهاد ولا بالنظام السياسي والإجتماعى والاقتصادي المميز للإسلام فهو يطبق النظام الغربي في السياسة والاقتصاد والاجتماع ويدعي أنه يبع الأمور العامة للبشرية التي جاء بها الإسلام . إذا أخذنا الإسلام على إنه هذا الإطار المائع الذي يتبع الغرب مع قشرة اسمية إسلامية-ذرا للرماد في العيون- يتخلى فيها من يريد عن العبادات ولا يطلق عليه كافر لأنه مسلم حضاري ! وهذا الدين الحضاري المزعوم يأخذ بالقصص والحكايات ويترك جوهر الإسلام .
توابع"الإسلام الحضاري" :
أولا : اختراع ما يسمى "بالفقه الحضاري": باعتباره علما ( شرعيا جديدا ) يطرح فيه الغرب تصوراته لتطوير الإسلام بما يتفق مع رؤاها، كتب أحد أدعياء الفكر الإسلامي الوسطى الحضاري يقول :"الفقه الحضاري فقه يعني بالأمور الكلية المطردة التي تشمل قطاعات كبيرة من البشر ، ربما تكتنف البشرية كلها ، وهو حسن الفهم للمسألة الحضارية برمتها وللمسائل المتفرعة عنها بما فيه من تكليف كلي وتنظيمات وتأسيسات داخل الحضارة الواحدة وفيما بين الحضارات . والفقه الحضاري يبدأ بالقبول والاستيعاب الحضاري للقضايا والقيم والأفكار من الحضارات الأخرى مع الإدراك الحضاري لمنزلة قضايا الحضارات بين المقاصد والوسائل ، والعام والخاص ، والعالميات والخصوصيات ، إلى أن يصل هذا الفقه إلى توجيه السلوك البشري.) انتهى كلام الفقيه المتحضرج.
ثانيا :اختراع ما يسمى بأصول الفقه الحضاري:
على غرار علم الفقه وعلم أصول الفقه في العلوم الإسلامية ، يقول أحد المتفيهقين حضاريا: ( أ صول الفقه الحضاري هي مصب لعدة عناصر :لناظم معرفي يتمثل الجمع بين "قراءة الوحي وقراءة الكون " ولآليات توليد فكري عمادها "الاجتهاد والتجديد "،ولتكامل المنهج بالجمع بين "فقه النظر"و "فقه الواقع"،و"فقه التنزيل".،وفي إطار هذا التأصيل لفقه حضاري يستوعب المسائل العالمية الكبرى المطروحة اليوم " من قبيل :العولمة ،العالمية ،الأمن الدولي،النظام العالمي،حقوق الإنسان،مشكلات البيئة التي تهدد البشرية كلها،في طي ذاك تبرز الحضارة الإسلامية). انتهى كلام فقيه الإسلام الحضاري.
بعد هذا الطرح الموسع الذي يحاول بكل السبل أن يبعد المسلمين عن حقيقة الإسلام وشريعته يمكن أن نفهم أغراض إثارة هذا المصطلح ومن يقفون خلفه ، والتي تتركز في :بلبلة أفكار المسلمين حول القرآن والسنة والعلوم الإسلامية المتعارف عليها من قبل الأمة واستحداث علوم ومصطلحات وألفاظ جديدة بعيدة عن فهم وتفسير واستخدام السلف، يتم عن طريقها الدخول إلى القرآن والسنة وإعمال التعديل والتحريف فيهما بما يتوافق والأهواء والتأويلات الغربية ، فمثلا ما هو الفرق بين الوحي والتنزيل ؟ وما هي طبيعة قراءة الكون المزعومة؟وما هو فقه النظر والفرق بينه وبين الفقه التقليدي الذي أخذناه عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ومن الذي سيعمل الاجتهاد ويحدث التجديد؟ وهل هذا الاجتهاد سيكون مع وجود النص أم بعيدا عنه وفي إطار المستحدثات والبدع والتأويلات العقلية العلمانية؟ وقبل كل هذا وذاك ما هو المقصود بالحضارة الإسلامية ؟ وهل هناك ما يسمى بالمسيحية الحضارية واليهودية الحضارية؟ وما هو الفرق بين الدين الإسلامي والإسلام الحضاري؟
ثالثا : الإسلام الحضاري ومشروع النهضة الماليزي:
طرح رئيس وزراء ماليزيا( داتوا سري عبد الله أحمد بدوي)مشروعا لنهضة الأمة يقول:" إنها على هدي تعاليم الإسلام ، وذلك من أجل استعادة دور الحضارة الإسلامية ، ويسمى هذا المشروع ب ( الإسلام الحضاري) وهو اصطلاح يقصد به المنهج الحضاري الشامل لتجديد الإسلام في ماليزيا ، ويستخدم كمحرك للأمة نحو التقدم والتطور والريادة والإنسانية".كما يعرض هذا المشروع منهجا شاملا ومتكاملا للعمل بالإسلام على نحو يميزه عن مناهج الدعوة والعمل الإسلامي الأخرى المتواجدة حاليا كالصوفية والحركات الإسلامية السياسية فضلا عن جماعات العنف والتكفير . ويحدد عبد الله بدوي الأسباب التي دفعته لطرحه هذا فيقول: "إن الإسلام الحضاري جاء لنهضة وتقدم المسلمين في الألفية الثالثة ، ومن أجل المساعدة على( دمجهم في الاقتصاد الحديث - "اقتصاد السوق ،والجات ،ومنظمة التجارة العالمية)- كما أنه يصلح أن يكون الترياق للتطرف والغلو في الدين ، وذلك لأنه يشجع على التسامح والتفاهم والاعتدال والسلام. وفي بلد متعدد الأعراق والثقافات فإن الإسلام الحضاري يهدف لمصلحة الجميع على اختلاف عقائدهم وأديانهم و أعراقهم ، ويضيف: من المؤكد أننا كمسلمين يجب أن نعامل غير المسلمين بالحسنى والإنصاف والمساواة، مشيرا إلى أن هذا المشروع سوف يؤدي إلى الامتياز والتفوق وسيكون مصدرا للفخر ولاعتزاز ليس للمسلمين وحدهم وإنما لغير المسلمين أيضا" . انتهى كلام رئيس الوزراء الماليزي.
ستتضح الصورة بشكل أكبر بعدما نتعرف على المبادئ العشرة للإسلام الحضاري (وهي: (الإيمان بالله وتحقيق - الحكومة العادلة والأمينة "عن طريق الديمقراطية والحرية في الاختيار-حرية واستقلال الشعب- التمكن من العلوم والمعارف-التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة- تحسين نوعية الحياة- حفظ حقوق المرأة - حفظ حقوق الأقليات-القيم الثقافية الحميدة والأخلاق الفاضلة-حفظ وحماية البيئة-تقوية القدرات الدفاعية للأمة ) أما مظاهر الإسلام الحضاري فيحددها في Lالعالمية -الربانية -الأخلاقية - التسامح-التكامل-الوسطية-التنوع - الإنسانية ).
عناصر الإسلام الحضاري، يحددها في عشرة عناصر هي (التعليم الشامل- الإدارة الجيدة-التجديد قي الحياة-زيادة جودة الحياة-قوة الشخصية-الحيوية والنشاط-الشمول والسعة-العملية والواقعية-الاستقلال وعدم التبعية-تعزيز المؤسسة الأسرية)ثم يحدد رئيس الوزراء الماليزي التحديات التي تواجه المشروع بست تحديات هي ( الجمود والتقليد - التطرف - الانعزال والرهبانية-العلمانية-أحادية المعرفة-الضعف في إدارة الوقت).
واضح أن هذا المشروع يصلح لأي دولة ولأي أمة مهما كانت عقيدتها فأين التميز الإسلامي في المشروع؟
رابعا:الإسلام الحضاري وإصلاح المؤتمر الإسلامي:
وافقت لجنة من كبار الخبراء بمنظمة المؤتمر الإسلامي على اعتبار مفهوم" الإسلام الحضاري "، الذي طرحه رئيس الوزراء الماليزي أمد عبد الله بدوي ، هو الأساس الذي تبنى عليه الخطط الرامية لإصلاح المنظمة التي تضم جموع المسلمين في أنحاء العالم . وذكرت وكالة الأنباء الماليزية "أن المناقشات شهدت جدلا قويا مفاده أن وقت إصلاح ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي قد حان ليكون مبررا في مواجهة الأوضاع العالمية المتغيرة.
وقد بررت لجنة الخبراء في المنظمة سبب قبولها للمشروع لأنه برنامجا وليس أيديولوجية جديدة ولا تيارا متطرفا في الفكر الإسلامي بل نجا جديدا لقيادة المسلمين لا يتعارض والواقع الإسلامي والدولي.
الإسلام الحضاري المزعوم
يا أتباع الإسلام الحضاري المزعوم يقول الله تعالى:"(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) ، فبدأ بالعبادة ثم ثنى بالحياة مطلقة فهذه الحياة يجب أن تكون لله تعالى في كل مجالاتها فإن النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية يجب أن تكون تعبدية لله أما الذين يريدون تفتيت الإسلام وتجزيئه بغرض إقصاؤه وتذويبه في النظريات الغربية فسيخذيهم الله ويفشل مكرهم ، إنما الإسلام بكليته وشموله. كتلة واحدة ومنظومة واحدة ولا يأتي لعلاج عيوب أنظمة أخرى بل يٌؤسََسَ له من الجذور حتى الفروع والأوراق والثمار ، ( شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء).
المصدر: وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ)
اكتشاف الروح خطوة لتجديد روح الإسلام
بقلم الأستاذ عون الشريف قاسم
من أبرز النتائج المترتبة على قصور الفكر وعجزه عن متابعة حركة المجتمع بالرصد والتقويم والترشيد من أجل وصل روح الماضي بالحاضر، خلق فجوة وجدانية ضخمة في نفوس الناس وعقولهم بين موروث الناس وما درجوا عليه من مواضعات، وبين الجديد المكتسب الذي طرأ على حياة الناس، وأصبح واقعاً معاشاً، دون أن يتصدى له الفكر بالتقويم، فيرفضه أو يقبله أو يبرره، ومن ثم يمنحه جواز المرور إلى حصيلة التجربة الوجدانية الكامنة في أعماق النفوس المتجانسة مع روح التراث.
وينجم عن ذلك هذه الثنائية التي تحدثنا عنها، والتي تتمثل في ازدواج الشخصية وتمزقها بين ماض يقوم عليه كيانها العقلي والنفسي والاجتماعي، وبين حاضر يهجم عليها في كثير من مظاهره من خارج هذا الكيان، يعارض ويسعى إلى الغلبة على ما سواه. ومما يعمق من حدة هذه الازدواجية جفاف هذا الماضي وجموده، لارتباطه بحضارة جمدت لقرون طويلة وماتت فيها روح الإبداع والأصالة، فاستكانت إلى التقليد والتكرار في عفوية وخدر دون وعي أو إدراك لما تفعل، تسيرها العادة فتترسم خطى آبائها الأولين في صمت رتيب.
لا خيار للمسلمين اليوم إلا أن يفعلوا ما فعل أسلافهم بالاهتداء بروح الإسلام الحية، وبتجاوز الماضي واستشراف المستقبل، باكتشاف روح الأصالة الكامنة في نفوسهم،
ويبدو قصور هذه الشخصية القائمة على موروث هذا الماضي على أشده في مجال المقارنة بالشخصية الغربية القائمة على مكتسبات الحضارة الحديثة، فيحس الفرد وكأنه مشدود إلى وتد يعوقه عن الحركة، أو كأنه يحمل على كتفيه جثة هامدة، في حين ينطلق الآخرون في رحاب الزمان في حرية وخفة. ومما يضاعف من حدة الأزمة أن انطلاق هذه الشخصية التقليدية من عقالها رهين بتحول عام في منحى الحضارة التي تنتمي إليها يعيد إليها حيويتها ويبعثها من جديد. وعلى هذه الحضارة أن تفعل كل ذلك في وجه خطير، وتحت ظروف غير متكافئة، كما هو حال كل الحضارات التقليدية في وجه حضارة الغرب الحاضرة وجبروته. وأمام هذه الظروف القاسية يبدو لكثير من الناس استحالة هذا البعث وعدم جدواه، ويرون أسلم الطرق في الانخراط في الحضارة الجديدة، واختصار الطريق إلى الحداثة، زاعمين أن هذه الحضارة ملك للجميع، وهي فوق ذلك تتخطى حدود الإقليم والعنصر واللون.
ولعله من المفارقات الكبيرة في تاريخ الحضارة الإسلامية أن يكون مصدر قوتها وغنائها الكامن في شموليتها وتنظيمها الدقيق لحياة الناس الاجتماعية والروحية عاملاً من عوامل اضمحلالها وضعفها في عصور الانحطاط التي ما تزال تعيش تحت ظلها. فإذا تجاوزنا للحظة الحرب الشعواء التي يتعرض لها الدين عامة من قبل هذه الحضارة الغربية، التي قامت في كثير من جوانبها كرد فعل على تسلط الكهنة والبابوات على حياة الناس وعقولهم، وكل ذلك مما يثير الشبهة، ويلقي بأكثف الظلال على كل حضارة ترتكز في صميمها على الدين، مثلما تفعل الحضارة الإسلامية، فإذا تجاوزنا ذلك فإننا لابد أن نلحظ موقفاً عقلياً هو في بعض صوره امتداد لفترة الاجترار والتقليد التي مرّ ذكرها. وهذا الموقف العقلي يفترض إصلاح الحاضر بإعادة الماضي بحذافيره، لا نتصرف فيه إلا في أضيق الحدود. وهذا الفهم ناجم من أن النظام الإسلامي نظام شامل يخطط للفرد وللمجموعة، وأنه يرتكز على القرآن الذي حوى كثيراً من الأحكام العامة والخاصة، التي فصلتها السنة الشريفة، وتوسعت في تبيين جزئياتها، ثم جاء الفقهاء والمجتهدون من أصحاب المذاهب فاستنبطوا مختلف الأحكام والتشريعات الدقيقة، بحيث لم تصبح للمسلم قضية، وما عليه في ضوء هذا الفكر إن أراد صلاح الدنيا والآخرة إلا أن يطبق هذا النظام الكامل الموروث، فتمتلئ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً، ويعم الإخاء والمودة العالمين.
وخطورة مثل هذا الفهم أنه يفترض أن النظام الإسلامي الوارد في القرآن والسنة وفي اجتهاد المجتهدين نظرية تطبق، وليس حياة تمارس وتعايش، ويتعذب الناس، بل ويموت بعضهم، في سبيل تطويعها وتطويرها لتصبح حياتهم أكثر انسانية، وأعظم روحانية، بمقدار نشاطهم العقلي والاجتماعي الذي يكسب مفاهيم الاسلام العامة والخاصة رواءها ورونقها. أن الإسلام حياة عريضة تتفتح في رحابها كل العقول، وتزدهر كل النفوس، وهو روح حر طليق قبل أن يكون نصاً أو مؤسسة أو حداً، فلذلك لا يمكن أن نحده بحدود اجتهاد قرن بعينه، ولا أن نقبل في فهمه وتفسيره ما أتانا عن المتأخرين من الرجال في العصور الأخيرة، الذين يلحون على النص فيقتلون الروح، وتتحول سماحة الإسلام الكامنة في نفوس المسلمين إلى جفاف وغلظة في أفواه المتحدثين باسمه وعقولهم، فيزداد نفور المسلمين من اسلامهم الكامن في ضمائرهم، لأن كل المتحدثين باسمه عجزوا عن اكتشاف ما في ضمائر المسلمين البسطاء، والتعبير عنه. وهذه هي القضية! فالإسلام الذي يتحدث عنه الناس وكأنهم يأتون للناس بشيء غريب لم يعهدوه، ليس جديداً على الناس، بل هو جزء من حياتهم، وهم في جوهرهم صياغة حية لفكرة الإسلام، والمطلوب من المجتهدين في العصر الحديث اكتشاف هذا الإسلام الحي في نفوس البسطاء من الناس، وإزالة الشوائب عنه، وتفجير طاقاته الخلاقة، وربطه بحياة العصر بحيث لا يشعر المسلم الذي هو النموذج الحي لفكرة الإسلام، بالغربة في القرن العشرين. وسبب هذه الغربة أن هذا الإسلام الكامن في النفوس، والذي صاغ شخصيات المسلمين وأعطاها كينونتها وذاتيتها نسيج حضاري حي، يتفاعل مع البيئة، ويؤثر فيها ويتأثر بها ككل كائن حي، فيتطور الفرد ويتطور المجتمع أيضاً، لأنه روح حية وليس شكلاً جامداً، وإلا لما أمكن أن ينظم حياة الناس وعقولهم وهي متجددة أبداً لاهثة أبداً وراء الجديد. والعبرة ليست بما صار إليه الإسلام في حياة المتأخرين وعقولهم، فإن ذلك الصورة الجامدة للإسلام الذي توقف عن النمو والحركة بتوقف المجتمع المسلم عن النمو والحركة. وإنما العبرة بما كان عليه الإسلام في حيويته وانطلاقه وهجومه الكاسح على معاقل الحضارات واحتوائه لها وهضمه لكل جديد وقديم فيها من الفكر والاجتماع وتجديد نفسه بالانفتاح على ثمرات الفكر والحياة حيثما نزل، وبذلك تبرز قوته وتبدو روحه التطورية المعبرة عن روح العصر في كل مجالات الإبداع والابتكار، ولا نستثني من ذلك الشريعة نفسها التي ضرب لنا مفكروها الأول المثل الحي للطواعية والمرونة وانفتاح الذهن على تجدد الحياة واختلاف صورها وإدراكهم الواعي لهذه الحركة المتصلة في أعماق المجتمع، وسعيهم الحثيث للتعبير عن ذلك في فهمهم الكبير للنصوص وتفسيرها وتأويلها بما يحقق أكبر قدر من الفائدة للمجتمع، ويتيح لطاقات النص أن تنطلق بالقدر الذي يسمح به تطور الحياة في حدود الزمان والمكان.
يبدو قصور هذه الشخصية القائمة على موروث هذا الماضي على أشده في مجال المقارنة بالشخصية الغربية القائمة على مكتسبات الحضارة الحديثة، فيحس الفرد وكأنه مشدود إلى وتد يعوقه عن الحركة، أو كأنه يحمل على كتفيه جثة هامدة، في حين ينطلق الآخرون في رحاب الزمان في حرية وخفة
ومن هنا كان عقل المسلم الذي شحذته دعوة القرآن للقراءة والتزود من العلم والاستزادة منه رائداً للفكر، طالباً للعلم، يأخذه من حيث جاء ولو في الصين، وبذلك تغير المزاج العقلي والفكري والديني أيضاً بمجرد أن خرج العرب من جزيرة العرب واتصلوا بأصحاب الحضارات من الفرس والروم والهنود ومن إليهم. ولم يقل مفكرو الإسلام علينا الوقوف عندما ورثناه من آبائنا، بل طوروه بالانفتاح على الجديد الذي وجدوه، هاضمين له، مطوعين فكرهم وموروثهم للتعبير عن الوضع الجديد بحيث يصعب علينا اليوم أن نقدر الثراء العقلي الذي أضفته حركة أهل الكلام والفرق الإسلامية المختلفة على تراث الإسلام، ثم ما أعقب ذلك من نشاط الفلاسفة وعلماء الطبيعة المسلمين الذين بلغوا الذروة في النظر العقلي، بحيث لم يغيروا من حياة المسلمين العقلية والاجتماعية فحسب، بل غيروا من مسار الفكر البشري عامة وطوروه حتى أسلموا الشعلة لأوروبا في العصور الحديثة. وهذا هو الإسلام الحي. الإسلام الروح. الإسلام المتطور الذي يتغذى بالتجربة ويتلون بالبيئة ويثري الحياة ويؤثر فيها ويتأثر بها ويهدف أبداً إلى الأمثل في كل شيء متجاوزاً حدود الماضي مستشرفاً المستقبل. ومن هنا كان تجدد روح الإسلام في الشريعة وفي الفلسفة وفي الفكر وفي نمط الحياة الاجتماعية. ولولا ذلك لظل البدوي الذي نزل عليه القرآن حيث كان وحيث هو. ولكنه باسترشاده بروح الإسلام بلغ ذروة الحضارة في أقل من قرن ونصف قرن.
ولا خيار للمسلمين اليوم إلا أن يفعلوا ما فعل أسلافهم بالاهتداء بروح الإسلام الحية، وبتجاوز الماضي واستشراف المستقبل، باكتشاف روح الأصالة الكامنة في نفوسهم، ورفدها بتيارات الحياة الجديدة، لبناء حضارة إسلامية انسانية جديدة لا تقف في وجهها القيود، ولا تحول دون انطلاقها السدود.
المصدر: وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.