Facebook.com/tharwat.gasim [email protected] 1 - مقدمة . في مساء الجمعة 9 مايو 2014 وفي أديس ابابا ، وقع الرئيس سلفاكير والدكتور رياك مشار إتفاقية لوقف العدائيات ، ووقف إطلاق النار ، والبدء في مشاورات لتكوين حكومة إنتقالية تشرف على وضع دستور إنتقالي والتحضير لإنتخابات رئاسية وبرلمانية . هذه هي الإتفاقية الثانية ، فقد تم توقيع الإتفاقية الأولى في أديس ابابا قبل 106 يوماً في يوم الخميس 23 يناير 2014، وصارت حبراً على ورق بمجرد توقيعها . يجمع المراقبون على إن مصير الإتفاقية الثانية لن يكون بأحسن من مصير الإتفاقية الأولى ، لعدة أسباب نورد بعضاً منها في النقاط التالية : اولاُ : لم تكن الإتفاقية الثانية وليدة حوارات وخد وهات بين الطرفين ، كما كانت الإتفاقية الأولى . تم فرض الإتفاقية الثانية على الطرفين من السيد جون كيري ، وزير الخارجية الأمريكي . كتب الإتفاقية الثانية السيد دونالد بوث ، المبعوث الرئاسي الأمريكي لجنوب السودان دون مشاورة الطرفين ، ووقع عليها الطرفان عمياناً وإكراهاً ، وخوفاً من العصا الأمريكية . هكذا دائماً اولاد العم سام ، لا يستوعبون سيكولوجية الأطراف المتصارعة ، كما الحال في مبادراتهم للسلام الفاشلة في فلسطين ، وسوريا ، والعراق ، وأفغانستان . إذن كانت الإتفاقية مفروضة من عل . هل لاحظت التقطيب على وجه الرئيس سلفاكير ، والتجهم على وجه الدكتور رياك مشار وهما يحدران لبعض في حفل التوقيع . وكل واحد يفترض عدم الجدية في تفعيل الإتفاقية في الطرف الآخر . فجوة عدم الثقة التي تفصل بين الطرفين جد واسعة وعميقة ، بل إن شئت فهو الشك القاتل في كل ما ياتي به الطرف الآخر . هذا الشك هو ما سوف يحفر قبر هذه الإتفاقية ؟ ثانياً : يجمع المراقبون على إن أمراء الحرب في الجانبين لا يتلقون الأوامر من الرئيس سلفاكير ، وبالأخص ليس من الدكتور رياك مشار . قادة المليشيات الميدانية كالجيش الأبيض النويراوي ، ومليشيات التايقرز الدينكاوية ، تأتمر بأوامر قادتها الميدانيين المباشرين ، الذين ربما لا يكونون على إتصال مُباشر ومُستدام مع الرئيس سلفاكير والدكتور رياك مشار لصعوبة الإتصالات حتى عبر تلفونات الثريا المربوطة بالأقمار الصناعية ، وبعد المسافات ، ووعورة الطرق التي تفصل بينهما . كمثال من بين عشرات ، في يوم الأحد 11 مايو ، وبعد مرور 48 ساعة على توقيع الإتفاقية ، صرح الناطق الرسمي بإسم قوات الدكتور رياك مشار بأنهم لم يتلقوا أي تعليمات من رئاساتهم بوقف إطلاق النار . كما صرح ، في زمن غابر ، قادة المليشيات النويراوية بالواضح الفاضح بأنهم لا يمتثلون لأوامر الدكتور رياك مشار ، إلا فيما يروق لهم ولمخططاتهم ، ولن يقبلوا بحكومة إنتقالية والرئيس سلفاكير على دست الحكم في جوبا . يصر هؤلاء على رحيل الرئيس سلفاكير اولاً وقبل الإلتزام بأي إتفاقية سلام . الشرط الذي يرفضه الرئيس سلفاكير وبإستنكار شديد . وحتى في الملف السياسي ، فان الدكتور رياك مشار ليس الرئيس المُعترف به من قََِبل مجموعته المعارضة . هناك السيدة ربيكا قرنق ، والسيد باقان أموم ، والسيد دينق آلور وغيرهم من الذين يطمحون لرئاسة المعارضة في منافسة شرسة ضد الدكتور رياك مشار . في يوم الجمعة 25 ابريل وبعد العفو الرئاسي عنه ومجموعته ، صرح دينق آلور بأن الرئيس سلفاكير والدكتور رياك مشار ليسا جزءاً من الحل ، بل أساس المشكلة ؛ ونسي إنه هو شخصياً لا يحق له التعاطي مع السياسة لإختلاسه مبلغ 8 مليون دولار ، لم تتم محاكمته عليها ، لأن الفساد صار من مؤسسات دولة جنوب السودان ؟ كما يُسوق الأمريكان ، كحل وسط ، السيد باقان أموم ليخلف الرئيس سلفاكير بدلاً من الدكتور رياك مشار ؟ في المعارضة ، الوضع ليس أبيض وأسود ، بل تظلله ظلال رمادية جد كثيفة بحيث تحجب الرؤية المبصرة . ثالثاً : ليست هناك آليات لمراقبة ورصد والتحقق من وقف إطلاق النار بين الطرفين . الآلية التي تحدثت بها الإيقاد لمراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار غير موجودة في الميدان ؛ ولم يعبأ الأمريكان ولا الإتحاد الأروبي بتقوية قوات اليونميس لمراقبة وقف إطلاق النار ، وتحديد الطرف الخارق . في هذه الحالة ، يمكن لأي طرف خرق الأتفاقية ، وإتهام الطرف الآخر بالخرق ، دون أن تتأكد الإيقاد أو إدارة اوباما او الإتحاد الأروبي من معرفة الحقيقة . وليس هناك وسيلة أنجع من هذه لقتل الإتفاقية ودفنها ... أي إنعدام أي آلية لمراقبة وقف أطلاق النار وتحديد الطرف الخارق . رابعاً : لم تندمل الجروح بعد . يتذكر النوير مجازر وسلخانات جوبا يومي الأحد 15 والأثنين 16 ديسمبر 2013 ، عندما دهست دبابات مليشيات التايقرز الدينكاوية والجيش الشعبي وسوت الأرض بقطاطي النوير في أحياء جوبا ، وأصحابها النوير نيام بداخلها . ولن ينس الدكتور رياك مشار مصير مسقط راسه ، مدينة ليير ، التي صارت أثراً بعد عين ، والمقابر الجماعية فيها التي قُبر الجيش الشعبي ومليشيات التايقرز والجيش اليوغندي الآلاف من إقربائه ، وبعضهم أحياء ، بداخلها . كما يتذكر الدينكا مجازر وسلخانات بانتيو وبور ، حيث مات الآلاف من افراد قبيلة الدينكا المدنيين ، وهم داخل معسكرات الأممالمتحدة ، برشاشات الجيش الأبيض النويراوي . لا يزال الوقت مبكراً للنسيان والغفران ، رغم إتفاقيات وقف العدائيات التي يفرضها الأمريكان من عل ؟ خامساً : قالت مجلة الإيكونمست إن الصراع في جنوب السودان في مبتدأه وخبره حول دولار البترول ، الذي ذاقه القوم منذ يوليو 2011 ، ولن يستطيع أحد أن يفطمهم منه . لقد صاروا مدمنين عليه ، وبالتالي على السلطة ، التي توصلهم بدولار البترول . صار كل أمير حرب مليونيراً ، ولن يترك دولار البترول لغيره يستمتع به من دونه . ومن ثم الكنكشة في السلطة ، المؤدية لدولار البترول . لم يعد الفساد المالي نقيصة ، او جريمة يُحاسب من يرتكبها جنائياً ، وصار المال العام مُستباح لمن هو في السلطة . في يونيو 2013 ، كتب الرئيس سلفاكير ل 72 من الوزراء ونواب الوزراء ووكلاء الوزارات لكي يتكرموا مشكورين بإرجاع 4 مليار دولار تم إختلاسها من الخزينة العامة ، وتم فتح حساب بنكي في نيروبي لهذا الغرض . ولكن لم يتطوع أحد من الزمرة الحاكمة بإرجاع دولار واحد من المال العام المنهوب . وفي عام 2012 ، حدثت مجاعة قضت على الآلاف من الجنوبيين . رصدت الحكومة مبلغ مليارين من الدولارات لشراء ذرة ، وتم فتح الإعتمادات البنكية لتوريد الذرة . ولم يصل لجنوب السودان جوال واحد من هذه الذرة ، رغم تحويل ملياري دولار لتفعيل هذه الإعتمادات التي لم تلد غير قبض الريح ، فيما أصبح يُعرف بفضيحة الذرة . وترى السيد دينق الور يطمح ليكون رئيس دولة جنوب السودان ، وهو السارق لثمانية مليون دولار في ما يُعرف جنوبياً بفضيحة الخزائن الوهمية . ولكن في دولة جنوب السودان ده براه وده براه ؟ صار دولار البترول هو الهدف ، ولا بد من الوصول اليه حتي عبر التجويع والقتل والإبادات الجماعية ، وإلا صار من نصيب الطرف الآخر . أما العدالة والمحاكم والنيابات فهذه مهزلة أخرى تُضحك ، ولكنه ضحك كالبكاء . قلتم أنى هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم ! إن الله على كل شئ قدير .