Facebook.com/tharwat.gasim [email protected] 1 - مقدمة . هرب المتنبي من مصر كافور في عيد الأضحى، وتغنى برائعته التي سارت بها الركبان : عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ وقال الدكتور طه حسين في أيامه بأنه لم يقرأ في الشعر العربي قاطبة ارق واجمل من بيت المتنبي في هذه القصيدة الذي يتسآل فيه : أصخرة انا مالي لا تحركني ... هذي المدام ولا هذي الأغاريد وجاء أمل دنقل ( 1940 – 1983 ) من أقصى المدينة يسعى ، برائعته التي يقول فيها محاكياً المتنبي ، وكانه يستسنسخ مصر السيسي ، وتحالفها مع صهاينة إسرائيل ضد رُضع وأطفال غزة الذين تضيق عليهم الخناق وتشيطنهم وتمنع عنهم الماء والدواء المُرسل من شيعة إيران : قال : عيد بأى حال عدت يا عيد ؟ بما مضى ؟ أم لأرضي فيك تهويد؟ نامت نواطير مصر عن عساكرها ... وحاربت بدلاً منها الأناشيد! ناديت: يا نيل هل تجري المياه دماً ... لكى تفيض، ويصحو الأهل إن نودوا؟ عيد بأى حال عدت يا عيد؟ لوعاش امل دنقل 31 سنة أخرى حتى وصل الى يوليو 2014 ، وراى ما يحدث في غزة من تواطؤ مصري مشين مع إسرائيل ضد الفلسطينين ، لردد لنفسه المكلومة : ناديت: يا نيل هل تجري المياه دماً ... لكى تفيض، ويصحو الأهل إن نودوا؟ وتسآل أهل السودان بدورهم ( عيد بأى حال عدت يا عيد؟ ) ، وهم يخوضون في اوحال سيول عيد الفطر الخامس والعشرين ، وهم يخضون في أوحال سياسات نظام الإنقاذ البئيسة التي اوردتهم موارد التهلكة التي نهى عنها سبحانه وتعالى في محكم تنزيله . أهل بلاد السودان في حيرة من أمرهم ، يحاكون حيرة صديقك العائد إلى سنار ، وهم قعود ممحنون على طرف الشارع ! تردى الوضع من الإستقطاب إلى الإحتقان والتأزم ، ولا يحتاج لأكثر من القشة الأسطورية لينفجر ، وتصير البلاد إلى غزات وسوريات وصوماليات وعراقيات وليبيات وما رحم ربك من كافكاويات تشيب لها الولدان . خسر السودان الكثير في الأنفس والأرواح والثمرات وصار دولة منبوذة وثالث طيش بل طيش الدول الفاشلة والدول الفاسدة والدول المستبدة ، بل يرمز لكل ماهو شين وكعب وقبيح حسب المؤشرات الدولية . وكل ذلك الخسران المبين ليس كراهية في السودان وأهل السودان ، فهم قوم طيبون ، وإنما نتيجة مباشرة لسياسات نظام الإنقاذ البئيسة طيلة ربع القرن الماضي . يخسر السودان ، وسوف يخسر أكثر واكثر إذا لم يرحل هذا النظام غير مأسوف عليه . الهدف من هذه المقالة إستعراض نموذج ، كمثال من بين عشرات وليس للحصر ، يوضح كيف خسر السودان ويخسر وسوف يخسر كثيراً وبالأخص نوعياً ، نتيجة إستمرار النظام في الحكم وعدم رحيله . سوف نحصر إستعراضنا فيما خسره السودان وسوف يخسره مستقبلاً من عدم المشاركة في القمة الأمريكية – الأفريقية ، التي حرمته منها سياسات نظام الإنقاذ البئيسة . 2- القمة الامريكية – الأفريقية ؟ دعى الرئيس اوباما قادة ورؤساء الدول الأفريقية لقمة تبدأ في واشنطون يوم الأثنين 4 أغسطس وتستمر حتى يوم الأربعاء 6 أغسطس . لأسباب عديدة لم تتم دعوة الرئيس البشير للمشاركة في القمة ، والمر الأمر لم تتم دعوة حتى دولة السودان للمشاركة بمندوب ينوب عن الرئيس البشير . تجاهلت إدارة اوباما السودان ورئيسه تجاهلاً تاماً وكاملاً ، وكانهما لم يكونا ؟ هل نبحث عن العيب في إدارة اوباما ورؤساء الدول الأفريقية المشاركين في اللقاء ، أم إن العيب فينا ،ونحن نرفض أن نرى عوجة رقبتنا التي أوقعتنا في هذه الحفر بينما الآخرون يتسابقون في إعتلاء القمم؟ ولتزيد واشنطون العقاب كيل بعير ، فقد إلغت ندوة في واشنطون ينظمها ابو شنب المسمى علي مهدي عن الروائي العالمي الطيب صالح ، وكان مقرراً لها الإنعقاد يوم الأثنين 4 أغسطس بالتزامن مع القمة الأمريكية – الأفريقية ؛ وسبب الإلغاء المُعلن إحتمال تمويل حكومة الخرطوم الرشيدة للندوة ، ذلك إن عناصر من منظمة ( أنقذوا دارفور ) قد شاهدت ابو شنب في معية عناصر من سفارة الخرطوم في واشنطون . وكان أن وقع الفاس على رأس ابوشنب ؟ يتميز لقاء القمة بستة خصائص متفردة كما يلي : اولاً : هو اول لقاء قمة مشترك على مستوى رؤساء الدول الأفريقية يتم عقده في التاريخ الأمريكي قاطبة ، ربما لأن الرئيس الأمريكي الحالي من أصول افريقية ؛ ثانياً : شعار اجتماع القمة هو ( الإستثمار في الجيل القادم ) بالتركيزعلى التعليم ، وبالأخص العلوم والتكنولوجيا . لأول مرة تهتم الولاياتالمتحدة بنشر الحدود القاطعة من العلوم والتكنولوجيا في افريقيا . ثالثاً : يدشن الإجتماع ، لأول مرة ، فكرة أن يكون التعاون بين الولاياتالمتحدة والدول الأفريقية تعاون الند مع الند الإيجابي المفيد للطرفين ، بدلاً من علاقة اليد العليا واليد السفلى والمانح والمتلقي السلبية ؛ رابعاً : يحاول الاجتماع ، ولأول مرة ، إبتكار فكرة أن يتعلم الأفارقة صيد السمك من الأمريكان بدلاً من إستلام السمك جاهزاً للأكل ، أي تجنب ثقافة المستهلك السلبية كما في الإغاثات والمنح والهبات والإعانات ؛ خامساً : يحلم اوباما بتدشين مشروع جديد ( فيالق السلام في العلوم والتكنولوجيا ) Peace Corps في افريقيا . في عام 1960 دشن الرئيس كينيدي مشروع فيالق السلام ، وكان أعظم هدية من الشعب الأمريكي لدول العالم الثالث ؛ سادساً : سوف تركز فيالق السلام هذه المرة ، ومثلها معها من الخبراء والمشروعات المشتركة الثنائية الأخرى على تفعيل برنامج إستم التعليمي . ولكن ماهو برنامج إستم التعليمي ؟ 3- برنامج إستم التعليمي ؟ برنامج إستم التعليمي هو الإختصار لإسم برنامج : Science, Technology, Engineering and Mathematics (STEM) Education هذا برنامج سحري سوف تعمل إدارة اوباما ، في إطاره ، على نشر قيم وادوات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الدول الأفريقية ، ويُحرم منها السودان . يقول لك الامريكان إن سر تفوق النموذج الأمريكي وغلبته عالمياً هو برنامج إستم التعليمي. فيالق السلام الاوبامية سوف تُعني بنشر برنامج إستم التعليمي في الدول الافريقية ، وهي مساعدة نوعية تُقدر بمليارات الدولارات لخاصيتها التكاثرية على اساس كل واحد يعلم واحد . وبعدها سوف يتم فطم الدول الأفريقية من الإعتمادعلى المعونات والهبات والإغاثات الأجنبية بفضل برنامج إستم التعليمي . 4- كيف خسر السودان ان يكون إسرائيل ثانية في مجال العلوم والتكنولوجيا ؟ التعاون في إطار برنامج إستم التعليمي بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل هو سر التفوق النوعي الإسرائيلي على كل الدول العربية مجتمعة . منذ بداية هذ التعاون في عام 1959 ، حاز العلماء الإسرائيليون على 43 جائزة نوبل في مختلف التخصصات العلمية . لم تبدأ الولاياتالمتحدة أي تعاون في إطار برنامج إستم التعليمي مع أي دولة افريقية في الماضي ، وسوف يعلن لقاء قمة واشنطون تدشين بدء التعاون في إطار هذا البرنامج ، لتصير كل دولة افريقية إسرائيل ثانية في التكنولوجيا في مدى العقود الثلاث القادمة بفضل فيالق السلام الاوبامية في إطار هذا البرنامج السحري . في إطار هذا البرنامج ، سوف تساعد إدارة اوباما الدول الإفريقية في تنمية مواردها البشرية في مجالي العلوم والتكنولوجيا الرقمية . للأسف لن يستطيع السودان الإستفادة من التقدم التكنولوجي الأمريكي في إطار هذه المبادرة الخيرة بفضل سياسات الحكومة التي جعلتها منبوذة بين الدول ، وتتم معاقبتها بحرمانها وحرمان شبابها من فرص التعامل مع والإستفادة من التكنولوجيا الحديثة ، بحيث يستمر شبابها في العيش في أمية تكنولوجية ورقمية قاتلة . وبالتالي لن يستطيع السودان ان يحل مشكلة البطالة والفقر المُصاحب والأمراض الناتجة عن الفقر . فقد السودان فرصة ذهبية ليكون إسرائيل ثانية في مجالي العلوم والتكنولوجيا ، بفضل سياساته البئيسة ؟ 5- تعلم صيد السمك بدلاً من أكل السمك في دارفور ؟ كان برنامج المساعدات والتعاون الأمريكي مع الدول الأفريقية في الماضي وحتى تاريخه يعتمد على تقديم منتوجات جاهزة لإستعمال المستهلكين السلبيين في شكل إغاثات ، وادوية ، وجرارات وعربات وما رحم ربك من منتوجات جاهزة للإستعمال الإنساني . بتدشين برنامج إستم التعليمي سوف تتوقف هذه العلاقة القديمة من طريق ذي إتجاه واحد ( مانح ومتلقي ؛ ويد عليا ويد سفلى ) لتكون من طريق ذي إتجاهين ، يتفاعل المتلقي مع المانح ليعتمد على نفسه في المدي الطويل . دعنا نأخذ دارفور كمثال . تصرف الاممالمتحدةعلى قوات اليوناميد والإغاثات ، وتصرف امريكا والاتحاد الأروبي وبعض الدول الأخرى على الإغاثات والإعانات الأخرى ، ما يفوق 8 مليار دولار كل سنة طيلة العشر سنوات المنصرمة ( أكثر من 80 مليار دولار ) . ولكن إذا توقفت هذه الإغاثات اليوم وغادرت قوات اليوناميد دارفور الساعة السادسة صباح اليوم التالي ، فسوف نجد قاعاً صفصفاً ، ولن نجد اي بنيات تحتية بشرية مدربة لتقوم بتنمية دارفور ، كما في إطار برنامج إستم التعليمي . هذه ال 80 مليار دولار تم إستعمالها للإغاثات ورواتب لعناصر قوات اليوناميد ، ولم يستفد منها الإنسان الدارفوري لتنمية نفسه ، وليعلم نفسه صيد السمك بدلاً من أكل السمك الجاهز الذي يستلمه مع الإغاثات . بزوال يوناميد والإعانات الإنسانية بغتة ، يجد المواطن الدارفوري نفسه أباطه والنجم ؟ الهدف الحصري من برنامج إستم التعليمي يمكن إختزاله في تعليم المواطن الافريقي صيد السمك ، بدلاً من إستهلاكه . مع برنامج إستم يصير المواطن الافريقي فاعلاً بدلاً من مفعول به ، وصانعاً بدلاً من مستهلكاً . 6- قلتم أني هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم ! في إطار برنامج إستم التعليمي ، سوف تقوم إدارة اوباما بتدشين مشروع لتدريب 100 الف خريج جامعي من الجامعات الافريقية في مختلف قطاعات برنامج إستم التعليمي في الجامعات والمعاهد التخصصية الامريكية ، ليرجعوا لبلادهم وينشروا تخصصات برنامج إستم التعليمي فتتضاعف الفائدة اضعافاً كثيرة . كما سوف يتم إرسال علماء ومهنيين امريكان في إطار برنامج فيالق السلام الأوبامية لنشر وتدريب الأفارقة في تكنولوجيات برنامج إستم التعليمي . طريق من إتجاهين يصب كل إتجاه في مصلحة الدول الأفريقية المشاركة في البرنامج والتي ليس من بينها ، للأسف ، السودان ، بفضل سياساته البئيسة . يقول اوباما للرئيس البشير وأهله في السودان : يسمكم في برنامج إستم التعليمي ، فأنتم محكوم عليكم ان تبقوا بين الحفر ، تغرقوا في شبر مويات السيول ؟ قلتم أني هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم !