مسألة الولاء للتنظيم على حساب الولاء للدولة تبقى المعوق الأساسي والمانع المتعاظم أمام كل معتنقي الإسلام السياسي للخروج من عالمهم الإفتراضي الذين يعيشون فيه إلى رحاب الواقع الذي يعيش فيه بقية سكان الأرض. من قرأ حوار البروفسير حسن مكي في الإسبوع الأخير من فبراير الماضي في جريدة الوفاق والذي أجراه معه الصحفي الأستاذ بهاء الدين أحمد السيد يجد فيه بعض الركون الغالب إلى نظرية المؤامرة في شكل الإختراق لتبرير الأخطاء الكارثية التي وقعوا فيها ( الإنقاذيين ) ففي رد له على أحد الأسئلة أشار مكي إلى أن حرق داعش للطيار الأردني كان نتيجة لأنها مخترقة من الموساد وهذا كما أشار أمر طبيعي في الثورات وأضاف : نحن في السودان حينما قامت الإنقاذ ألم تقوم بإعدام أحد التجار بسبب ( حفنة دولارات ) الآن ملايين الدولارات يشترى بها ( لعيبة كرة قدم )* لاحظوا هنا أن بروفسير حسن مكي يعقد المقارنة بين دولارات قتل صاحبها لانه تجرأ وتاجر بها ودولارات أخرى قام أصحابها بصرفها لشراء لاعبين بينما كان من المفروض أن تكون المقارنة بين الجريمة والعقاب حين تمت من قبل مواطنين *عاديين تاجروا أو تعاملوا بالدولار بغض النظر عن الكمية فتم إعدامهم ، وحين تمت نفس الجريمة من مئات من المتنفذين والتابعين للنظام الذين تاجروا بالدولار بغض النظر عن الكميات لم يصيبهم عقاب . . بل أثروا بها علنا عيانا بيانا وبدعوات لله وابتهالات ليبارك لهم فيها وذلك بعد مباركة الدولة دون أن يمس لهم طرف *ويعكر لهم صفو . وكما ننتقد الجانب الذي نراه مخطئا في خطاب بروفسير مكي لا بد أن نشير الى الحقيقة التي أشار لها حين سئل الآتي : إذا كانت (داعش ) قد ولدت من رحم الظلم فماهي دوافع قيام الحركات المتطرفة في السودان ؟ *أجاب مكي : الفكر التكفيري سببا في ذلك والسودان الآن يا أخي على مفترق طرق هنالك طرح علماني تقدمه حركات دارفور وحركات جبال النوبة وبالمقابل هناك تطرف في الخطاب الرسمي ( نصلي في كاودا ) والحقيقة في كل ذلك أننا فشلنا في الإمتحان الوطني. أقر البروفسير حسن مكي بفشل الإسلام السياسي في الإمتحان الوطني وما لبث أن لحقه تصريح البشير في أحد خطاباته بأنه لا مكان للعلمانية في السودان ليأكد مجددا *الفشل في هذا الإمتحان . وفي مقال آخر للدكتور عبد الوهاب الأفندي نشر في صحيفة القدس العربي بتاريخ الثاني من مارس الحالي تحت عنوان (إيقاع الكابوس المصري . . غربة الشرفاء وسقوط العرب ) كتب دكتور الأفندي ما نصه : *لم يتوقف الأمر هنا، بل إن قطاعات واسعة من العرب العاربة خارج مصر تؤيد هذه البربرية الفاشية وتحتفل بها. فقد قرأت لكثير من المثقفين والمفكرين العرب، واستمعت كذلك لعدد وافر منهم، وهم يتبارون في تبرير فاشية السيسي وبربرية بشار الأسد، ويستصغرون جرائمهم بحجج أوهى من بيت العنكبوت. بل إنني قرأت لسودانيين كثر وهم يحتفلون بوأد الديمقراطية في مصر، والفتك بالمعارضين السلميين، في الوقت الذي يطالبون فيه في بلدهم بإعطاء المعارضة المسلحة قيادة الساحة السياسية. وقد قلت لبعض من صرح بمثل هذا الاستحسان لجرائم السيسي في حضرتي: إذا كان ما يحدث في مصر يرضيكم، فلماذا تحتجون على نظام البشير؟ ففي السودان على الأقل، الحكومة تدعو المعارضة للمشاركة في انتخاباتها المزورة، بينما السيسي أعلن المعارضة تنظيماً إرهابياً، مما يعني أن كل عضو فيها يستحق القتل بدون محاكمة. وفي الخرطوم، المعارضون في الغالب آمنون في بيوتهم، ومقرات أحزابهم مفتوحة ترفرف عليها راياتهم، بينما كانت مقرات الإخوان المسلمين تحرق حتى ومرسي ما يزال في القصر الجمهوري، وقد حوكم بعض من نجا من حرقها بالأمس بالإعدام، مما يذكر بأن من حرق ومن يحاكم اليوم هو الشخص نفسه. وهل يعني هذا أن المعارضة السودانية تنوي، إذا جاءت للحكم، أن تفعل ما فعله السيسي وقضاؤه العادل من مجازر وقتل وذبح ودون كيشوتية واستئساد على الضعفاء، وخزي وتخاذل أمام الأجانب، إما طمعاً في أموالهم أو جبناً عن مواجهتهم؟ إذا كان الأمر كذلك، فسنكون من أول مؤيدي استمرار البشير في الحكم . إنتهى الإقتباس أعتقد أنني لست في حاجة لكي أوضح مدى الإستلاب الذي يعيش فيه الدكتور الأفندي والذي جعله حتى يقلب ترتيب الأحداث الزمني ليتوائم مع عالمه الإفتراضي . . فهو مثلا يبرر فظائع حكم الإسلاميين في السودان والذى بدأ وبدأت عام 1989 بما حدث للإسلاميين في مصر بدءا من عام 2013 !! بل ويورد إمكانية إستخدامها كذريعة لبقاء البشير في الحكم لمدة أطول . ويصل الإستلاب مداه حين تجد أن *خطاب الأفندي مملوء بالبكاء على شهداء غزة والإسلاميين *الضعفاء في مصر وسوريا وليبيا بينما لا تجد فيه إشارة ولا رائحة لشهداء دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وشهداء سبتمبر وماقبلها وبعدها ولا أية رائحة لمئات الآلاف من الضعفاء والمساكين الذين شردتهم حكومة الإسلاميين من وظائفهم وقطعت أرزاق أسرهم *. قد يقول البعض لماذا ترغبون في أن يكون الولاء للدولة بينما تحجرون علينا أن يكون ولائنا للدين فأرد في عجالة وهل الدين حصرا على الناطقين بالعربية من ذوي البشرة البيضاء ؟؟ ملحوظة أولى : أهل السودان من المسلمين عرب وزنوج أولى بثروة بلادهم من غيرهم *. ملحوظة أخيرة : كفى كذب و سرقة ونهب وتسلط وتنفذ على السودانيين المساكين باسم الدين . *. اتقوا الله .* ** اللهم ارحمنا أجمعين أكرم محمد زكي*