غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    صقور الجديان" تختتم تحضيراتها استعدادًا لمواجهة غينيا الاستوائية الحاسمة    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    استقبال رسمي وشعبي لبعثة القوز بدنقلا    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالصورة.. "الإستكانة مهمة" ماذا قالت الفنانة إيمان الشريف عن خلافها مع مدير أعمالها وإنفصالها عنه    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الجوع".."قفة الخضار".."حلة الملاح": صناع وقادة الإنتفاضة القادمة فى السودان!؟
نشر في السودان اليوم يوم 28 - 09 - 2011

حكمت دولة الفساد و الإستبداد شعب السودان الصابر الأبي لفترة تزيد على العقدين من الزمان بقوة الحديد و النار. وقد إستنبطت فى سبيل ذلك العديد من أساليب القمع والترهيب، والتعذيب، والتنكيل، والإذلال ما لم يخطر بعقل بشر. وقد كان أشهر تلك الأساليب شراسة إعتقال المناضلين المعارضين لها فى منازل خاصة، بعيدا عن أعين مؤسسات الدولة الرسمية، على علاتها، لفترة قد تمتد الى أشهر من الزمن، يقوم خلالها زبانية الدولة الرسالية بممارسة صنوف من التعذيب و الإذلال للمعتقلين يشيب لها الولدان. وقد أسمت عبقرية شعبنا تلك المعتقلات ب"بيوت الأشباح"، لأن اللذين قاموا بتأسيسها، و أشرفوا عليها، ومارسوا تعذيب المناضلين فى داخلها، نوع خاص من البشر وصل درجة من الإنحطاط الأخلاقي، و القذارة، و الجبن، أصبح بمقتضاها 'يخجل‘ من نفسه لدرجة أنه يغطي وجهه بخمار، حتى لا تتضح ملامحه أمام الأبطال الذين يقوم بتعذيبهم، وذلك خوفا من القصاص الذى سيطالهم يوما ما دون أدنى شك.
لقد تفقت'عبقرية‘ قادة دولة الفساد و الإستبداد عن أساليب أخرى لا تقل مكرا ودناءة عن أساليب البطش و الإرهاب التى إبتدعوها لتكسير عظام معارضيهم، وذلك ل"تكسير" أدوات النضال الجماهيري المجربة فى صناعة و إنتصار الإنتفاضات، كالنقابات، التى إستبدلتها 'عبقريتهم‘ بنقابات المنشأة، مما مكن لبروفيسور فى جامعة الخرطوم من أن يكون رئيسا للإتحاد العام لنقابات عمال السودان!
إن هذان العاملان، البطش المطلق بالمعارضين لها بالإضافة الى تكسير أدوات الإنتفاضة، قد مكنا لدولة الفساد و الإستبداد من بسط سيطرتها المطلقة على البلاد لما يزيد على إثنين وعشرين عاما بالتمام و الكمال. وقد أعمت سكرة السلطة المطلقة هذه عيون وبصيرة قادة الدولة الرسالية، إن كان لهم بصيرة أصلا، عن رؤية الواقع الذى يعيشه شعب السودان على حقيقته. وقد ظنوا، وفقا لقصر نظرهم وعمى بصيرتهم، بأن الدنيا قد دانت لهم فإبتعدوا رويدا رويدا عن المسوح و الشعارت الدينية الزائفة التى خدعوا بها شعب السودان الطيب فى بداية عهدهم، بعد أن إجتازوا فترة 'التمكين‘ لكوادرهم، و المؤلفة قلوبهم معا، بدرجة عالية من النجاح.
إن إجتياز قادة دولة البدريين لفترة التمكين بذلك القدر الهائل من النجاح قد عزز الثقة فى نفسهم ومقدراتهم لدرجة ظنوا معها بأنهم لن يسلموا السلطة، التى سلبوها قهرا وبأساليب الغدر و الخيانة، إلا الى السيد المسيح، عليه السلام. عندها ظهرت أخلاقهم الحقيقية، والتى لا تمت الى أخلاق الشعب السوداني بأية صلة، و أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك، بأنهم ليسوا سوى حفنة من شذاذ الآفاق، أتوا لحكم البلاد كجيش أجنبي غازى. لذلك لم تأخذهم بشعب السودان أية رحمة أو رأفة، فإغتالوا البسمة فى شفاه مواطنيه، كبيرهم وصغيرهم، و سرقوا ثروات البلاد، ونهبوا مقدرات شعبه.
إن أخلاق قادة دولة الفساد و الإستبداد الحقيقية قد تمثلت فى إزدراء الشعب السوداني، و تحقيره، وعدم التورع فى وصفه بأحط الصفات من قبيل 'الشحاتين‘، وكذلك فى إفترائهم عليه، و الظهور بمظهر 'الفتوات‘ من خلال تلفظهم بجمل و كلمات سوقية، لا تقل إنحطاطا عن سابقتها، من قبيل 'لحس الكوع‘. إن سكرة السلطة المطلقة التى شربوها من كأس البطش والإرهاب قد أوصلتهم مرحلة من الإفتراء لم يسبقهم عليها أحد من قبل، حيث صرح رئيسهم بأنهم قد،"قلعوها بالسلاح و الراجل الداير ياخدا مننا اليشيل سلاحو ويجي"!!
إن هذه الجملة بالذات قد عكست نوع تربيتهم و أخلاقهم ورؤيتهم لحكم البلاد. لكن هذا الرئيس الذى توهم بأنه 'أرجل‘ رجال السودان، لأنه قد واجه قيادات 'الكنكشة‘ التى فقدت البوصلة السياسية والتى وصل بها التردد مرحلة جعل أبناءهم، ناهيك عن كوادرهم وعضوية أحزابهم، تصيح فى وجوههم،'تقدموا..أو..ترجلوا‘. لهذا لم يخطر ببال السيد الرئيس أصلا بإمكانية وجود سلاح آخر أكثر بترا من أسلحة 'الكلاشنكوف‘، و'الدبابة‘، بل وسلاح الجو التى يمتلكها نظامه القمئ ليقتل بها الأبرياء من بنات و أبناء الشعب. هذا السلاح هو سلاح الجوع الكافر. ولم يخطر بباله كذلك بأن هنالك أدوات أكثر فاعلية فى الإطاحة بأنظمة الفساد و الإستبداد من سلاح النقابات، وهي 'قفة الخضار‘، و'حلة الملاح‘.
لقد أفقرت دولة الفساد و الإستبداد شعب السودان بأجمعه، ما عدى القلة المتنفذة من أصحاب الحظوة من قادة دولة 'البدريين‘ ومن لف لفهم. إن إثبات هذه الحقيقة لا يحتاج الى إحصاءات، فقط نستدل عليه من تصريحات هؤلاء الأبالسة أنفسهم. وهل هنالك دليل أقوى من دعوة الرئيس نفسه للمواطنين بمقاطعة أي سلعة يرتفع سعرها بإعتباره أنجع وسيلة لمحاربة الغلاء!؟ أعتقد أن الكثيرين منكم، أعزائي القراء، قد أصيب بالدوار عند سماعه لهذا التصريح الذى أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه غير مسئول! هل يمكن لرئيس أي حكومة،أو سلطة تنفيذية فى هذا الكون، أن يدلى بمثل هذا التصريح وهو على رأس عمله؟ بربكم هل هذا رئيس جمهورية، أم رئيس نقابة عمالية، أم رئيس جمعية حماية المستهلك؟! إنه دليل مادي على عمى البصيرة الذى أشرنا إليه سابقا، ويقف كذلك دليلا على الإستهبال السياسي الذى ميز أداء 'هؤلاء الناس‘، و الذى أشرنا إليه فى عدة مقالات سابقة.
إن دعوة السيد الرئيس تعني ببساطة أن يهيئ الشعب السوداني نفسه الى صيام صمدي، لأن نار الغلاء قد إكتوى بها الجميع، وقد طالت جميع السلع، الضرورية منها و الكمالية، على حد سواء، وليس هنالك أدنى أمل لإنخفاضها فى ظل هذا النظام البائس. وسنأخذ مؤشر واحد لتبسيط الموضوع، وهو سعر الدولار الذى وصل الى (4500) جنيه بالتمام و الكمال، حتى لحظة كتابة هذا المقال، وهو مرشح للزيادة، وليس الإنخفاض. ربما لا يذكر جيل الشباب من القراء تصريحات أحد 'عباقرة‘ قادة الدولة الرسالية فى تبريره لإنقلابهم المشؤوم حينها، بأنه لولا هبتهم المبروكة تلك، وسرقتهم للسلطة السياسية فى ليل بهيم، لوصل سعر الدولار الى عشرين جنيها!
ونود أن نذكر سيادته، 'الحي وموجود‘، بأن سعر الدولار قد تضاعف لأكثر من مائتي مرة، أي بواقع أكثر من عشرة أضعاف فى كل عام، فقط لا غير، منذ إستلابهم للسلطة، وفقا لتوقعاته ' المتشائمة‘ تلك! ليس هذا فحسب بل إن هذا الرجل، و قادة دولته الرسالية، قد أعدموا مواطنا سودانيا، هو المرحوم مجدي محجوب، لأنهم قد وجدوا دولارات فى خزينته، وداخل منزله الخاص، كسبها من حر ماله، بحكم عمله وعمل أسرته الحلال بالتجارة، ولم يسرقها من مال الشعب، أو يكتسبها بأساليب 'الهمبتة‘ التى برع فيها قادة دولة 'البدريين‘، دون أن يتعرضوا لمجرد المساءلة من أحد، لأنهم فوق كل شرع وقانون!
إذن لنعود مرة أخرى لموضع الجوع، والغلاء، والدولار. ما هي العلاقة بين إرتفاع سعر الدولار و أسعار السلع الأخرى؟ العلاقة، وببساطة شديدة، تتمثل فى أن دولة الفساد و الإستبداد، فوق أنها قد سرقت ونهبت موارد البلاد وجيرتها لمصلحة متنفذيها، قد أهملت القاعدة الإقتصادية المنتجة، وبالأخص قطاع الزراعة، وعاثت فيه فسادا، وجربت عليه أكثر السياسات حماقة وبلادة. لقد بدأ تلك الهجمة البلهاء التى دمرت قطاع الزراعة نفس ذلك العبقرى، الذى تنبأ بإرتفاع سعر الدولار، حينما كان رئيسا للجنة الإقتصادية. وقد أفتى حينها بأن مشروع الجزيرة ليس سوى مؤسسة من مخلفات الإستعمار البريطاني، و أنه لم يؤسس سوى لمد مصانع لانكشير بالقطن. لذلك فقد أفتي سيادته بإستبدال زراعة القطن بزراعة القمح فى طول المشروع وعرضه، دون أدني سند علمي من هيئة البحوث الزراعية بإمكانية نجاح مثل هذا 'الهراء‘ الإقتصادي، ورفع لهذه الحملة الشعواء شعاره المضحك، 'نأكل مما نزرع‘، حتى قضى على الأخضر و اليابس بمشروع الجزيرة. لذلك فإننا نقول لسعادة المستشار 'العبقري‘ الذى وصف شعب السودان ب'الشحاتين‘، بأن هذا 'العبقري‘ الآخر هو الذى وصل بشعب السودان الى هذا الدرك السحيق من المسغبة، وليس الحكومات السابقة لدولتكم الرسالية.
إن عدم الإستثمار فى قطاع الزراعة وتدميره قد بدأ بمشروع الجزيرة، وهذه قصة أخرى ليس هنا مجال تفصيلها، ولم ينتهى عند ذلك الحد بل إمتد ليشمل الزراعة المطرية، و الثروة الحيوانية و الغابات كذلك. وقد إزدادت وتيرة هذا التدهور عند ظهور البترول، ونشوب الحروب الأهلية فى مناطق الإنتاج المطري فى غرب السودان وشرقه. لقد نتج عن شح الإنتاج الزراعى أن شعب السودان أصبح 'يأكل مما يستورد'، بعد أن كان 'يأكل مما يزرع‘ فعلا لا قولا، قبل قدوم 'هؤلاء الناس‘. أصبح السودان يستورد كل شئ من الخارج فى ظل الدولة الرسالية، بدءا من إبرة الخيط، مرورا بالأدوية وحليب الأطفال، و إنتهاءا بالملابس، التى بشرنا هؤلاء 'العباقرة‘ كذلك فى بداية عهدهم المشئوم بأننا س'نلبس مما نصنع‘!
شعارات فارغة وجزافية وصفتها عبقرية شعبنا بنكتته الخالدة ‘نضحك مما نسمع‘، تخليدا لهذا الإرث الثقيل من البله و الهبالة، ليس فى الجبهة الإقتصادية فحسب، بل فى جميع مناحي الحياة. وحينما تمتزج النكتة السياسية بالأسي سيتولد عنها مشهد تعجز العقول القاصرة لقادة الدولة الرسالية عن إستيعابه إلا ضحى الغد!
وحينما تدمر قطاع الزراعة، وتقتل الدجاجة التى تبيض ذهبا، ماذا تتوقع إذن؟ لقد جفت مصادر العملة الصعبة بإنهيار مشروع الجزيرة. وبدد قادة الدولة الرسالية عائدات البترول بصرفها على أجندتهم الحربية، و'لغف‘ ما تبقى منها لمصالحهم الخاصة. لذلك لم يتبقى لهم، لتوفير العملة الصعبة لإستيراد السلع الضرورية، وليس الكمالية منها، سوى 'الشحدة‘ من الدول الأخرى، أو القليل من الدولارات التى يحولها المغتربون لإعالة أهلهم وذويهم الذين أفقرهم هؤلاء الأبالسة. وكلا المصدرين غير مأمونين لأنه لم يتبقى لقادة الدولة الرسالية سوى القليل من الأصدقاء، من أمثال أحمدي نجاد، الذى يعاني هو الآخر من العزلة الدولية، ولا يتوفر لديه إحتياطي كبير من العملات الصعبة ليمد لهم يد العون. لذلك يصبح عطاءه لهم، إن حدث ذلك، سوى 'عطية مزين‘، لا تسمن ولا تغني من جوع. أما أموال المغتربين فتذهب لذويهم عن طريق 'السوق الأسود‘، الذى سوف لن يفعل شيئا سوى سكب البنزين على نار الغلاء المشتعلة أصلا.
وحينما إتسعت فجوة العجز الداخلي، على الرغم من الكم الهائل من الضرائب و الجبايات التى تم فرضها، وكذلك إتساع العجز الخارجي، ورأى قادة دولة الفساد و الإستبداد بأن الأمور قد وصلت حدا لا يمكن السكوت عليه من قبل الشعب، وبأن رجال السودان قد أصبحوا عاجزين عن توفير 'قفة الملاح‘ لأسرهم، وبالتالى فإن نساء السودان قد أصبحن غير قادرات على توفير 'حلة الملاح‘ لأطفالهن، خرجوا علينا متقدمين الصفوف منادين فى 'براءة الأطفال‘، بأن أفضل وسيلة لمحاربة الغلاء الفاحش، وتخفيض أسعارالسلع الإستهلاكية، هو مقاطعتها، وعدم شرائها، وأطلقوا شعار 'الغالي متروك‘. لكنهم قد تناسوا حقيقة أساسية فى هذا الشأن، وهي أن السلع التى ينادون بمقاطعتها هي سلع أساسية وضرورية تستحيل الحياة بدونها كحليب الأطفال، و الأدوية، و اللحوم، و الخضار، بما فى ذلك تلك التى كانت تباع ب'تراب الفلوس‘ ك'البندورة‘، ولذلك يستحيل مقاطعتها لفترة زمنية طويلة، وإن تم ذلك بنجاح لأيام معدودات!
ولكننا نقول لقادة دولة الفساد و الإستبداد بأن هنالك وسيلة أخرى أكثر فعالية ونجاعة من وسيلة المقاطعة التى تدعون لها لمواجهة غول الأسعار، و إرتفاع تكاليف المعيشة، التى لا تحسون بها و أنتم ترفلون فى ثياب المال الحرام. تلك الوسيلة هي مواجهة السلطة السياسية التى تسببت فى ذلك الغلاء الفاحش، وهي سلطة الدولة الرسالية المستبدة،و الإطاحة بها. ليس هنالك من سبيل آخر للخروج من الأزمات المستفحلة التى صنعتها هذه السلطة المجرمة، و التى يعتبر أقلها شأنا الأزمة الإقتصادية، و إن كانت ستكون بمثابة القشة التى قصمت ظهر البعير بالنسبة لهم، سوى الإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد، سبب وأس كل بلاء ألم بالوطن و المواطن.
إن ما سيوحد شعب السودان للإطاحة بدولة الفساد و الإستبداد ليس النقابات، التى قضوا عليها وعلى نفوذها تماما، و ليست هي الأحزاب التى يصرح بعض قادتها بأن الإنتفاضة القادمة فى السودان لن تكون إنتفاضة الجياع، و إنما الذى سيوحد شعب السودان هو الجوع الكافر الذى فرضه عليهم هذا النظام الفاسد بفضل سياساته الخرقاء فى جميع الميادين.
وقديما قال الإمام علي، كرم الله وجهه، لو كان الجوع رجلا لقتلته، ناهيك عن أن يكون نظاما فاسدا مستبدا كنظام الإنقاذ، يستحق القتل مئات المرات! و إن الخيط السميك الذى يربط فيما بين بنات الشعب السوداني و أبنائه هو الفقر المدقع و المسغبة، و الذى أسميته، مرارا وتكرارا، ب'خط الموت‘ فى مقالات سابقة. و إن آليات تنفيذ الإنتفاضة، التى أصبحت أقرب الى هؤلاء الأبالسة من حبل الوريد، ستكون 'قفة الخضار‘، و'حلة الملاح‘، اللتان عجز أكثر من تسعين بالمائة من أفراد الشعب السوداني عن توفيرهما.
وحينما لا يوجد هنالك من خيار آخر أمام الفقراء من أبناء وبنات شعبنا سوى الموت البطئ جراء الجوع الكافر الذى فرضه عليهم قادة الدولة الرسالية، أو الموت بالرصاص الحي الذى أطلقوه على صدورهم العارية فى عدة محاولات جرت من قبل للخروج فى المظاهرات السلمية ضد سياسات نظامهم الفاسد المستبد، التى فتت البلاد وقسمتها الى دولتين، و أحالت نهار شعب السودان الصامد الأبي الى ليل بهيم، فإنه سيكون أفضل لهم و أكرم ألف مرة الموت بالرصاص الحي، بدلا من الموت البطئ.
وحينما يعجز الأب عن توفير 'قفة الخضار‘ لأسرته، وتعجز الأم عن توفير 'حلة الملاح‘ لأطفالها ستشتعل نار الإنتفاضة بفضل الجوع الكافر، وستستمر ما إستمرت حالة العجز عن توفير ضروريات الحياة، وإلى أن يتم الإطاحة بأركان النظام الذى ترك شعب السودان الصابر فى تلك الحالة البائسة. وحينما يخرج الجياع الى الشوارع كالسيول الهادرة، ويكون فى القلب منهم شباب أحزابنا الوطنية، سيرى قادة دولة 'البدريين‘ فروسية، و'رجالة‘ أبناء السودان، كالشمس فى رابعة النهار، بعد أن توهموا بأنها قد ذهبت أدراج الرياح مع مجئ نظامهم الظلامي البائس.
وحينها سيتمكن الشعب السوداني البطل من كنس نظام الإنقاذ الى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه، و تهيئة الأرضية الصالحة لسودان جديد ليس فيه مكان لتجار الدين، أو مجموعات الهوس الديني. سودان يسع الجميع، ويعيش جميع مواطنيه تحت ظلاله الوارفة متساوين فى الحقوق و الواجبات، ولا فرق بينهم بسبب الجنس، أو اللون، أو العرق، أو الدين. حينها سيتضح لأبالسة الإنقاذ، وبالدليل العملي، بأن الجوع الذى يقود الإنسان الى الكفر بالدين، قد قاد شعب السودان الى الكفر بنظام التوجه الحضاري الفاسد المستبد الى الأبد، وبأنهم إنما كانوا يمكرون، ويمكر الله، و الله خير الماكرين. وسيعرف الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون!!
ابراهيم الكرسني
[email protected]
28/9/2011م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.