تستمر استنكارات القيادات الفكرية والسياسية والمدنية لإغتصاب ناشطة حركة قرفنا البطلة صفية اسحق بواسطة عناصر جهاز الأمن يوم الأحد 13 فبراير. وقال الصحفي والروائي والناشط في حقوق الانسان الاستاذ خالد عويس : (...إذا مرت هذه الاتهامات علينا مرور الكرام، فإن ذلك يعني دعوة خجولة لكي يغتصبوا بناتكم أمام عيونكم ولن يكون أمامكم غير أن تخفضوا أبصاركم وتكفكفوا دموعكم، لأنكم قتلتم شهامتكم ومروءتكم يوم صمتم ولذتم بعاركم الأبدي وجبنتم عن نجدة طالبة جرى اغتصابها تحت أبصاركم وأسماعكم. إذا مرت هذه الاتهامات علينا مرور الكرام، فإن ذلك يعني أن يبصقوا على وجوهنا لأننا نستحق أسوأ من ذلك لفرط ذلنا وإهدارنا كرامتنا. إذا اكتفينا بمشاهدة الفيديو وكأنه فيلم أميركي أو هندي مسلٍ ولم نفعل شيئاً، فعلى كرامتنا السلام، وعلى فخرنا بآبائنا وأجدادنا وأمهاتنا السلام، لا آباء ولا أجداد ولا أُمهات لنا. سيُنكرنا كل هؤلاء لأننا لن نكون من نسلهم، ولن نكون بشراً أسوياء. سنكون أدنى مرتبة من ذلك وأكثر وضاعة من ذلك، أمةٌ تستحق أن يتبول الجلادون عليها وعلى تاريخها. أمةٌ لا يحركها حتى اغتصاب بناتها. أمةٌ لا يحركها – من فرط خنوعها وجبنها – شيء. أمةٌ لا تستحق العيش لأنها لم تعرف أن تعيش بكرامة ! وعلينا أن نكف فوراً عن التفاخر بالرجولة والكرم والشهامة والشجاعة. علينا أن نطوي صفحة مآثرنا، وندوس على أية ذرة للكرامة بدواخلنا، لنموت بعد سنوات كالأغنام وسائر الدواب...). (حريات) فيديو الاغتصاب.. (بلغت الروح الحلقوم !) خالد عويس صُدم الملايين من السودانيين داخل وخارج الوطن أيّما صدمة بفيديو وضعته حركة (قرفنا) على عددٍ من المواقع الإلكترونية السودانية يحوي إفادات طالبة جامعية سودانية تدرس (الفنون) في جامعة السودان عن واقعة اعتقالها يوم 13 فبراير الجاري بواسطة رجلين قالت إنهما من جهاز الأمن السوداني اقتاداها إلى سيارة بعد أن أبلغاها بأنها توزع منشورات تحض على التظاهر. الطالبة السودانية قالت في الفيديو إن السيارة توجهت بها إلى الخرطوم بحري حيث أُدخلت إلى بيت هناك وجرى ضربها بقسوة ثم تناوب على اغتصابها ثلاثة من رجال الأمن وهم يسمعونها ألفاظاً في غاية البذاءة حسب روايتها. ونوّه ناشطون وناشطات إلى أن الطالبة الجامعية خضعت لفحص طبي أثبت واقعة الاعتداء الجنسي الكامل عليها، وقالوا أيضاً إن محامين يتولون قضيتها حالياً. ولابد من التذكير هنا أن أكثر من طالبةٍ جامعية أُعتقلت في 30 يناير الماضي بواسطة جهاز الأمن خرجت من المعتقل لتروي لصحيفة (حريات) الإلكترونية عن محاولات اغتصاب وتحرش جنسي. والواقع أن صلاح نجل السيد مبارك الفاضل قال للصحيفة المذكورة أيضاً بعد إطلاق سراحه إن أفراد جهاز الأمن هددوا عدداً من المعتقلين الذكور باغتصابهم. وقال ناشطٌ سياسي شاب إن ضابطاً بجهاز الأمن يحمل رتبة ملازم ويُدعى فضل الله سأله في مكاتب الجهاز في الخرطوم بحري عن التعذيب الذي يتوقعه هنا، فأجابه الناشط: الضرب، التعليق من مروحة السقف، والصعق بالكهرباء، وقد جرّب هذا الناشط كل هذه الصنوف من الأذى أثناء اعتقاله منذ 30 يناير. أجابه الضابط: هناك ما هو أكثر ..مثل الاغتصاب ! ما لم يتوقعه الناشط هو أن يخرج ضابط جهاز الأمن عضوه الذكري أمامه ! ولابد من التذكير أيضاً بسجلٍ طويل من الانتهاكات والعنف والتعذيب بل والقتل (د. علي فضل مثلاً) نسجت على مدى عقدين من الزمان سمعة سيئة للغاية لهذا الجهاز، وجعلته العدو الأول بالنسبة للشعب السوداني. وبات أي اتهام بأي فعل يرتكبه جهاز الأمن قابلاً للتصديق بنسبة كبيرة لأن الذاكرة السودانية احتشدت بشواهد كثيرة على ما يجري في (بيوت الأشباح) التي اعترف بها رأس النظام دون أن يعتذر لشعبه ودون أن يعاقب أحداً !! في مطلع التسعينيات اتهم ضابط كبير سابق في الجيش السوداني هو العميد محمد أحمد الريح، اتهم جهاز الأمن بتعذيبه وإهانته واغتصابه. كان العميد الريح رجلاً فائق الشجاعة في مجاهرته وكشفه هذه الجريمة البشعة. والآن، وفي غضون أسبوعين فحسب، اتهم عدد من الطالبات والطلاب والناشطين والنشاطات، اتهموا جهاز الأمن تحديداً بانتهاك حقوقهم وحقوقهن وبمحاولات جرت لاغتصاب بعض الطالبات وتهديد طلاب وناشطين بالاغتصاب، أما الكارثة فهي هذا الفيديو الجديد. ولئن صمت السودانيون عن كلِّ ما حدث طوال 21 سنة، فليس مقبولاً أبداً أن يصمتوا اليوم تحت أية ذريعة، لا الحرص على المصالح وقوت العيال، ولا الجبن، ولا القول إن هذا النظام يحكم بشرع الله، ولا حتى بالحجة السخيفة بالسؤال عن البديل، لأن البديل هو الحرية والكرامة لا الشخوص، ولأن الأمر الآن يمس كل واحد منّا، ولأن الأمر أضحى يمرّغ كرامة كل سوداني وسودانية في التراب. على الشعب السوداني أن يتصدى بكلِّ قوة وبالطرق السلمية كافة التي تكفلها له دساتير العالم كلها لهذه الجريمة التي ستتكرر كثيراً بصمتنا وتجاهلنا لما يحدث تحت ذرائع الجبن والخوف. على الشعب السوداني أن يمهل نظام البشير 48 ساعة إلى 72 ساعة لإجراء تحقيقٍ عاجل وشفاف حول هذه الاتهامات، وتقديم الجُناة إلى المحكمة بأقصى سرعةٍ ممكنة حتى ينالوا عقاباً رادعاً إذا ثبتت الاتهامات بحقهم. وهذا لا يكفي، فالمطلوب أيضاً إجراء إصلاحات عاجلة في جهاز الأمن الذي أضحى علامةً فارقة في تاريخ السودان كله وفي فضح مصداقية النظام في عزمه على الإصلاح والتغيير. ننتظر من مدير جهاز الأمن تفسيراً يقدمه للشعب السوداني لما يحدث الآن في جهازه والخطوات التي سيتبعها في التحقيق المطلوب حيال هذه الاتهامات التي تحاصر جهاز الأمن. ننتظر من الفقهاء والعلماء الذين أفتوا في كل شيء حتى مباراة مصر والجزائر أن لا يصمتوا على هذه الاتهامات. ننتظر من القوى السياسية التي تحاور النظام أن تعلن مقاطعتها لهذا الحوار السخيف. ننتظر من القوى السياسية كلها ومنظمات المجتمع المدني والمثقفين والناشطين والمثقفات والناشطات وقفةً حازمة. ننتظر من أئمة المساجد والمصلين ومن القساوسة خطاباً واضحاً إزاء هذه الاتهامات. ننتظر من كل سوداني وسودانية ألّا يركنوا للصمت، فالصمت في مثل هذه الحالة ذلٌ ما بعده ذل، وعارٌ ما بعده عار، سيظل ملتصقاً بنا إلى الأبد. ننتظر من رأس النظام أن يبرهن للشعب السوداني كله جديته في محاربة الفساد، هذا الاتهام الخطير فسادٌ ما بعده فساد، وانتهاك للحرمات ما بعده انتهاك، فليكن على قدر المسؤولية وليأمر عاجلاً بتشكيل لجنة تحقيق في هذه الحادثة. ننتظر من الشعب السوداني كله أن يدَع السلبية والأنانية ويفعل كما تفعل الشعوب الحرة التي تحس بكرامتها. الشعب التونسي ثار لأن شرطية تونسية وقحة صفعت شاباً هو محمد البوعزيزي على وجهه فأحرق نفسه غضباً لكرامته. الشعب المصري ثار لأن ضباطاً فاسدين قتلوا بدمٍ بارد ناشطاً شاباً هو خالد سعيد، فنشط شباب وشابات في المطالبة بحقه. الشعب الليبي يثور الآن ويواجه أسوأ مجزرة وأفظع مذابح بواسطة مضادات الطائرات والدبابات بل وبالطائرات الحربية ذاتها ومع ذلك فإنه يعد كرامته فوق كل شيء، يقدم أرتالاً من الشهداء، ويثبت للعالم بأسره كيف هي الشعوب الحرة تصنع تاريخاً عظيماً. إذا مرت هذه الاتهامات علينا مرور الكرام، فإن ذلك يعني دعوة خجولة لكي يغتصبوا بناتكم أمام عيونكم ولن يكون أمامكم غير أن تخفضوا أبصاركم وتكفكفوا دموعكم، لأنكم قتلتم شهامتكم ومروءتكم يوم صمتم ولذتم بعاركم الأبدي وجبنتم عن نجدة طالبة جرى اغتصابها تحت أبصاركم وأسماعكم. إذا مرت هذه الاتهامات علينا مرور الكرام، فإن ذلك يعني أن يبصقوا على وجوهنا لأننا نستحق أسوأ من ذلك لفرط ذلنا وإهدارنا كرامتنا. إذا اكتفينا بمشاهدة الفيديو وكأنه فيلم أميركي أو هندي مسلٍ ولم نفعل شيئاً، فعلى كرامتنا السلام، وعلى فخرنا بآبائنا وأجدادنا وأمهاتنا السلام، لا آباء ولا أجداد ولا أُمهات لنا. سيُنكرنا كل هؤلاء لأننا لن نكون من نسلهم، ولن نكون بشراً أسوياء. سنكون أدنى مرتبة من ذلك وأكثر وضاعة من ذلك، أمةٌ تستحق أن يتبول الجلادون عليها وعلى تاريخها. أمةٌ لا يحركها حتى اغتصاب بناتها. أمةٌ لا يحركها – من فرط خنوعها وجبنها – شيء. أمةٌ لا تستحق العيش لأنها لم تعرف أن تعيش بكرامة ! وعلينا أن نكف فوراً عن التفاخر بالرجولة والكرم والشهامة والشجاعة. علينا أن نطوي صفحة مآثرنا، وندوس على أية ذرة للكرامة بدواخلنا، لنموت بعد سنوات كالأغنام وسائر الدواب. خالد عويس روائي وصحافي سوداني