سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    images (21)    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة شيخنا عبد الله من الإيمان إلى الكفر


مصطفى عبد العزيز البطل
[email protected]
لم يحيّرني من أمر هبة الفتيان والصبايا وتداعياتها شيء مثلما حيرني موقف شيخي الدكتور عبد الله علي إبراهيم منها.
وضع الرجل كل بيضه في سلة الهبة منذ يومها الأول فداهمته حُمّى الثورة، وارتفعت درجة حرارة الشيخ إلى ما فوق ال37 درجة مئوية، المعدل الطبيعي لدرجة حرارة الإنسان السليم، الأمر الذي أثار قلقي على شيخي وجزعي على سلامته.
وقد رأيته وقد داخلته حالة انفعالية عصبية مستحكمة، وأخذت بتلابيبه حماسة ثورية جاوزت المدى وبلغت المبلغ، وما أظن أن الثوار من الفتيان والصبايا ومرشديهم من قادة الحراك أنفسهم أدركوا تلك الحالة من الانفعال والحماسة، أو حنقوا على الإنقاذ وسدنتها مثلما حنق الشيخ.
وكنت أفغر فاهي مثل قروي دخل المدينة للمرة الأولى وأنا أقرأ لحبيبنا عبد الله يكتب ويسهب في همة يحسد عليها سيناريوهات درامية رهيبة يصور فيها نهاية الحقبة الراهنة من عمر السودان. وأذهلتني نظريته عن (سقوط المدن) واحدة فواحدة، بافتراض راكز عنده أنها ستصل ذروتها بسقوط الخرطوم في يد الثوار في وقت رآه قريبا، كما سقطت من قبل في يد أنصار الامام المهدي!
كان حديثه وقت التبشير بسقوط المدن عن تظاهرات اندلعت في ديسمبر من العام الماضي في مدائن مثل الدمازين وعطبرة والقضارف بسبب أزمة المحروقات والضوائق المعيشية وارتفاع أسعار الخبز، وصحبتها ابتلاءات الحرق والتدمير والتخريب على نحو ما رأى ورأينا، ثم انتهت وانقضى أجلها بانقضاء أسبابها.
وبدا لي الشيخ في حالته المدهشة تلك كمن ألقى عمامته على الأرض ووضع ذيل جلبابه بين أسنانه وانطلق هو نفسه يهرول في قلب التظاهرات، يهتف مع الفتيان والصبايا في الخرطوم: "تسقط بس.. كدة بالواضح ما بالدس"، أو مع ثوار المهاجر في بلاد الفرنجة: "العرقي يكون مجان / والبنقو محل الشاي"!
هالني أني وجدت شيخي على تلك الحال، وهو في الأصل مفكر رزين لم أعرف عنه الزعيق والصفير ونفخ المزامير.
وخطرت لى خاطرات وأنا أعصر ذهني عصراً محاولاً الاجتهاد في تفسير هذه (الهوجة) التي تندُّ عن حكمته وتجربته، واستكناه ما كان من ظاهرة اندفاعه المفاجئ إلى التحريض الفطير عوضاً عن ما يتقنه ويعشقه من شغل التنظير.
خطر لي أن الرجل ربما نظر في ما استدبر من أمره مع العصبة المنقذة فاكفهر وجهه وصعُبت عليه نفسه وأصابته الحسرة على ما سبق منه من مصانعة، بل قل مؤازرة للانقلاب ومواددة ومؤاخاة مع قادته على مدى ربع قرن، فتندّم على ما سكب من عرق، وتأسف على ما بذل من طاقة وما أبدى من رباط ومثابرة، فما انفك يوالي الإنقاذ ويناصحها، وينفق عليها من فكره وعلمه بغير حساب.
ويعلم الله أن نهضته تلك في أمر فلاحها كانت مبرأة من أغراض الدنيا وأهواء النفس، خالصة لوجه الله مثل العسل المصفّى.
وأنا أعرف عن شيخي أنه لا يصانع تحرياً للدراهم والدنانير ولا يؤازر طمعاً في المناصب والامتيازات، فليس هو ممن يطلب ما في أيدي الناس.
وإنما طلب شيخي الرشاد للعصبة والفلاح لخطتها في الحكم والتنمية، ومجاهداتها في تثبيت أركان الشريعة، ولكن القوم استغشوا ثيابهم وتمنّعوا وتصعّروا، إذ تشككوا في أمر هذا الحبيب وارتابوا في بضاعته وبخّسوها برغم متانتها وجودة صناعتها، مع أن القرآن بين جنبيهم يقول: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم).
والفارق مهول بطبيعة الحال بين شيخي عبد الله وبين خدنه ورفيقه أستاذنا محمد المكي إبراهيم الذي استقل سفينة الإنقاذ غداة الانقلاب وتوهط في برلمانها وغشي مؤتمراتها ومجالسها، وكان على رأس وفودها الخارجية يبشر بميلادها ويبلغ رسالاتها، ويصرح لصحف الخارج: "إن ما يجري في السودان صراع بين قوى منتصرة وقوى منهزمة". ولكن العصبة أنكرته هو أيضا فلم تحسن وفادته ولم تنزله منزلته، فخرج صاحبي مغاضباً، وانتهى به الحال لائذاً بحمى الفرنجة العلوج يأكل الطعام ويمشى في تظاهرات الثوار، ويرتدي ال(تي شيرت)، وهو الشيخ الذي بلغ من العمر عتيا، وقد كتب عليه: البشير تو أي سي سي!
أقول إن الفارق مهول لأن عبد الله صمد وثابر ومد الحبال مدا، بينما أصاب الضجر صاحبي الآخر فقفز من المركب و(قدّ السلك) باكراً، فغفر له بعض المعارضين ما تقدم من ذنبه، وتشدّد آخرون في أشراط التوبة.
يا شيخنا عبد الله، نسأل الله أن يهيئ لك مخرج صدق من (شوال دقيق) الإنقاذ، كما هيّأ لك مدخل صدق من قبل. ولكني لك من الناصحين: إن صح عزمك على مفاصلة الانقاذ فلا تحرق اللساتك أمام بيت الأصهار، فلا أنت محمد مختار الخطيب ولا أنت عمر الدقير. وعليك بفراق الاحسان، والتمس المخارج الآمنة، وليكن خروجك هوناً ما، وئيداً متمهلاً بغير جلبة، أو قل بغير كثير جلبة.
واستصحب معك في حلك وترحالك من تراث السوادنة السياسي المتراكم عبر ثلاثة عقود من الزمان، الحكمة التي تقول: "دخول حمام الإنقاذ مش زي خروجه"!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.