إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحجر القلوب
نشر في سودانيات يوم 01 - 07 - 2011

[Dim_Security NOT IMG="http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSfjeX3oDlpYwm_oFN6QQTm3_8pXWJy6L0pfor4tO7P08J54Ptb"]
تحجر القلوب
شوقي بدري
[email protected]
قبل ايام سمعنا عن موت عشرات الاطفال المشردين في السودان . عندما اتى جماعة حقوق الانسان لزيارة المساجين السياسين في بداية الانقاذ في سجن كوبر , قاموا بسؤالهم : ( ماذا تحتاجون ؟ ) . فقال لهم الدكتور خالد الكد رحمة الله عليه , السؤال ليس ماذا نحتاج , السؤال هو لماذا نحن هنا ؟ .
السؤال المهم هو لماذا هنالك متشردون , و أطفال يسكنون المجاري و يقتاتون من القمامة , في دولة تدعي انها رسالية . و لماذا هنالك شماسة في دولة بترولية . و لماذا هنالك اطفال جياع يرتدون الاسمال , و حكومتهم تتبرع للآخرين بالعلاج و اللحوم و السيارات و تصرف ملايارات الدولارات في السلاح .
الأنسان هو الانسان و الروح ياها الروح ( زي ما بقولوا ) . و كما تحب زوجتي اطفالها فلشماسة الخرطوم امهات حملوهم تسعة اشهر و عانوا الآم المخاض , و أرضعوهم و هدهدوهم . بالنسبة لي ليس هنالك أي فرق بين اطفالي و شماسة الخرطوم . بل أن الشماسة أحق بالحب و العطف و الحنان من أطفالي , لأنهم محرومون و مظلومون .
بقليل من الاجتهاد و التنويم المغنطيسي الذاتي , و ربما بمساعدة اخرين عن طريق غسيل مخ , يمكن ان تتحجر قلوبنا . فالمعادلة بسيطة و هي انا و انت و الآخرون , و ليذهب الآخرون الى الجحيم . و لكي نعفي انفسنا من أي تهمة أو تأنيب ضمير نقول : ( ما هم شماسة أو متشردين , ما يستاهلوا يعيشوا , موسخين البلد , كلهم حرامية , فاضحننا قدام الأجانب ) . و في حرب الجنوب كان البعض يقول : ( شنو ما عبيد جنوبيين ) .
في بداية 1956 طالب المزارعون بحقوقهم في مشروع جودة . و لم يكن قد استلموا حقوقهم لثلاثة سنوات . تدخلت الشرطة . و كانت مذابح . و أمتلئت حقول القطن بجثث المزارعين . ثم حشر ما يفوق المائتين من المزارعين في عنبر صغير . و عندما كانوا يستجدون بعض الماء و يموتون بالأختناق , كان العسكر يسبونهم و يسبون امهاتهم . و عندما مد احد الشباب يده طالباً المساعدة , قام أحد الجنود بطعنه بالسونكي في يده . و لقد قال الرائع الشاعر صلاح احمد ابراهيم رحمة الله عليه قصيدتة التي حفظناها و نحن من زغب الحواصل , و يقول فيها :
لو انهم فراخ يصنع من أوراكها الحساء *** لنزلاء الفندق الكبير في المدينة
لوضعوا في قفص لا يمنع الهواء *** و لقدم الحب لهم و الماء
لو انهم حزم جرجير يعد لكي يباع *** لوضعوا في الظل في حصيرة
و لبلبلت شفاههم رشاشة صغيرة *** إلا انهم رعاع من الحثالات التي في القاع
المؤلم و المضحك أن ممثل السودان في الأمم المتحدة , يقول قبل أيام وباللغة الأنجليزية , بأن من ينام و بطنه مليئة و جاره جائع ليس بمسلم . و يذكر الحديث الشريف و يتحدث عن المرأة التي دخلت النار بسبب هرة حبستها و لم تدعها تأكل من خشاش الأرض . هرة يا مفتري , الشماسة ديل بشر , بعضهم مسلمون من أصلاب مسلمين .
الدكتورة آمنة الصادق بدري زوجة العميد قاسم بدري قامت مشكورة بأنزال كثير من صور اسرة آل بدري . و أكتشفت أنني لا أعرف الكثير منهم . ثم نشرت آمنة بدري ما عرف بالوصايا العشرة , و ما كتبة بابكر بدري قديماً , كقاعدة لأطفال الأسر السودانية . و استوقفني شيئان , الأول عدم اللعب مع أولاد الشارع , و الوصية الثانية هي عدم شتم أو معاملة الخدم بطريقة غير جيده ما معناه انه من المفروض ان يكون هنالك دائماً خدم و سادة في مجتمعنا السوداني . و هذا امتداد للرق القديم .
ابن عمتي و استاذنا في الثانوي الطيب ميرغني شكاك الذي كان شيوعياً في شبابه , ذكر هذه الوصايا في كتابة حوش بابكر بدري . و لأنه ولد بعد وفاة والده و ابن عم والدته , تربى في حوش بابكر بدري . و الطيب ميرغني قام بأرسال الكتاب لي قبل نشره . فأثنيت في خطاب الكتاب و علقت على موضوع اولاد الشارع و قلت له مازحاً : ( أولاد الشوارع الكانوا بمنعوكم تلعبوا معاهم ديل ما نحن ) . و توقفت المراسلة عند هذه النقطة .
و بدأت أفكر في جدنا الكبير محمد بدري قال , و هذا ما اورده بابكر بدري في تاريخ حياته , أنه كان يتعب و يشقى في الساقية و هو صبي صغير . و كان من تعبه عندما تحضر له والدته طعام العشاء , ينام من التعب و يده في القصعة . و عندما يستيقظ يواصل الأكل . فقال له بابكر بدري: ( لكن يا ابوي ما بتكون خايف يكون جا كلب و دخل قدومه في الاكل ) . فقال محمد بدري الكبير : ( كلب شنو البجي الرباطاب يسوي شنو ؟) . فقال بابكر بدري لوالده : ( المقعدكم يا ابوي في بلد الكلب ما بجيها شنو ؟ ) .
و الحقيقة ان من طرد اسرتنا من الرباطاب هو الجوع و شظف العيش . بعد اغتراب جدنا الكبير محمد بدري الى الصعيد تبعه ابنه بابكر بدري راكباً في الدرجة الاولى , و هو في الرابعة من عمره . و كان هذا خلف عمه محمد علي على حماره . و حتى بعد ان وصل بابكر بدري الى الصعيد مرت بهم ظروف لم يكن عندهم من الطعام سوى بعض الدقيق . و كان اخوه سعيد يحضر الصمغ لكي يخلطوه بالدقيق . و كان بابكر بدري من جوعه الشديد يقوم بلعق الصمغ الذي يلتصق بثوب اخيه . و لكم ان تتصوروا حالة الثوب , لأنه قديماً كان للسودانيين ثوب واحد عبارة عن قطعة قماش . و هذا الثوب يلف على وسط الانسان عندما يعمل في الحقل . و يستعمل كغطاء في الليل . و هكذا كان حال اغلب السودانيين .
الأخ عبد الرحمن عبد الماجد من حلة عبد الماجد خارج المناقل , كان يقول لي ان البعض كان يأتي من خلف الترعة , و هذا في الخمسينات , و قول له : ( قول لأبوك اديني السروال , انا ماشي المناقل ) . و السروال لم يكن متوفر لكل السودانيين .
بابكر بدري كذلك ذكر في تاريخ حياته انه عندما كان صبياً , اضاع ثوبه في رفاعة . فقام بسرقة ثوب أحد العبيد الذين كانوا يسبحون في النيل . و لأن الثوب كان كبيراً فلقد نصحه احد اصدقائه بأن يقطعه و يرمي بالزياده . أذكر أن البروفيسور فاروق كدودة كان يقول و نحن في القاهرة في نهاية التسعينات : ( كل سوداني يقول ليك انا ابوي و انا جدي ... و انا ابوي ... , أي سوداني جدو كان يا راعي يا تربال ( مزارع) , مافي حاجة تاني ) . فقال احد الأخوة بأن جده كان ارستقراطياً و بالسؤال وضح ان جده كان نواتياً ( عامل في مركب ) . فضحكنا .
ليس هنالك ما اكرهه اكثر من تشدق البعض بأنهم اولاد قبائل أو اولاد عوائل . و كنت ارد بحده على كل من استعمل هذا التعبير . و كنت اضع بيني و بينه حاجزاً و لا أسمح لنفسي ابداً بان اقيم معه اي علاقة . فعندما يتحدث الانسان عن نفسه بأنه ابن عائلة او ابن قبيله , فهذا اقصاء للآخرين . و هذا يعني انا و انت ابناء عوائل و الآخرون شماسة لا يستحقون العيش . الشيك و اليوغسلاف و البولنديون الذين كانوا يوصفوننا بالعبيد و القرود , واجهوا التفرقة العنصرية و القتل و الأحتقار من الألمان . و لقد قال هتلز : ( لقد كرهت الاشتراكية لانها تساويني انا السيد الآري بالاسلاف الخنازير ). و كلمة اسلاف في اللغات الجيرمانية و الاسكندنافية تعني عبد . و الكل يريد أن يكون أحسن من الأخر .
احد الالمان اكتشف بعد ان قارب سنه الاربعين , بأنه بولوني الأصل . أخذه الألمان كطفل اشقر و اعطوه لأسرة المانية . و كان كل حياته يسمع الالمان يتحدثون عن البولونيين كصبمنش أو شبه بشر , ليكتشف اخيراً انه شبه انسان .
هذه الصفات و التشبيهات كانت تعطي البعض تبريراً لأطهاد , احتقار , و حرق الآخرين . و لهذا ينظر الناس الى الشماسة كقاذورات . و الآن بعد أن تركزت بعض الثروة في يد مجموعات معينة , صاروا يعيشون في نادي من صنعهم و صاروا يتزاوجون فيما بينهم و يتخاطبون بلغة معينة , و يستبعدون الآخرين , و بعضهم كان من أهل النعمة قبل ظهور الأنقاذ . و عندما قال أحد اصحاب الدكاكين لأختي نفيسة شبيكة رحمة الله عليها : ( البضاعة دي ما ليكم انتوا . دي ليها ناسها ) . فقالت له : ( دي ما زمن شبع بيوت الجوع , و جوع بيوت الشبع ) .
حكى لي الأخ صلاح عبد الجليل من أمبده و الذي هو شيف في مطعم فاخر في كوبنهاجن , أنه كان برفقة الأخ الخليل محمد خليل و أرادوا شراء بعض عش الغراب ( فطر) . قالوا لصاحب المتجر العربي ان المعروض في خارج المتجر ليس بجيد و أنهم يريدونه لحفلة شواء . و يسألون اذا كان عنده نوع جيد في الداخل . فقال لهم العربي : ( دي غلطة الدنماركيين البجيبوا امثالكم .. و بقيتوا تعملوا باربكيو كمان ) . فطلب صلاح من صاحب الدكان ان يرسل ابنه بعيداً , فأحس العربي بخطورة الموقف , فأمسك بيد ابنه الصغير . لأنه احس بأن السودانيين لن يضربوه و ابنه موجود .
الدكتور محمد خليفة من النيل الأبيض و من بلدة الجملاب , و هذا الدكتور طويل و اصفراني و من يوصفوا في السودان بعرب العرب , شاهد شطة خضراء و سعرها 17 كرونة , و هنالك نوع آخر ب 25 كرونة و بالأستفسار عن السبب كان الرد النوع التاني دا مش لأمثالك . دا تشتريهوا لمن تكسب اليانصيب . و هذا هو نفس صاحب الدكان . و الذي آتى قبل سنوات طالباً اللجوء السياسي و كان يكذب و يتوسل الدنماركيين . و الآن صار يترفع عن الأفارقة السودانيين .
بعد هزيمة ود النجومي , اسر بابكر بدري . و قتلت القنبلة التي سقطت في وسطهم شقيقه و شقيقته الصغيرة و أمتلأت جبته بدم و مخ شقيقته . و ماتت شقيقته الآخري بالعطش . و مات اهله من حوله . و تعرض بابكر بدري للصفع و الضرب و الأهانة الى ان كان الدم يخرج من الأذنين . و اغتصب المصريون النساء . و عمل بابكر بدري في أعمال السخرة . و اضطر لأن يغرف البراز بيديه عندما سخر لنظافة المراحيض . ثم قسم الأسرى على المصريين و كان من نصيب اسرة كانت حتى لا تطعمه الا قليلاً . لدرجة انه فكر ان يخرج في الليل لأن يتسول الطعام . إلا انه صبر نفسه حتى لا يوصف ابناءه و لم يكن قد ولدهم بأولاد الشحات .
بعد سنين الأسر و زواجه من جدتنا حفصه أتى ماشياً مع شقيقاته و والدته و زوجة ابيه كل الطريق الى امدرمان .
لماذا طالب جدنا بابكر بدري ابنائه و اسرته بأن يبتعدوا من اولاد الشوارع . ما يؤلمني جداً ان أغلبية آل بدري قد صاروا نخبويين , إلا من رحم ربي . و صار كثيراًُ من الاسر الامدرمانية الذين كانوا يسكنون بيوت الجالوص و يأكلون الويكة و الكسرة . و يتحدثون عن المحشي الذي اكلوه في عرس فلان أو فرتكان كحدث . هذه الأسر صار ابنائها ينسون ان اباؤهم و جدودهم كانوا ينامون على حبال العنقريب بدون لحاف . وهذا في امدرمان . و لم يكن هذا بعيداً . و صاروا يترفعون و يحتقرون ابناء الطبقة الوسطى . ناهيك من الشماسة الذين من المفترض ان يعتبروا مرتبة أعلى قليلاً من الصراصير .
فما يهم البشر الآن حتى في العالم الثالث هو الحدائق الواسعة و النوافير و الملاهي . و ليس هنالك ملاجئ للمشردين أو منازل للعجزة . هذه التغير بدأ في الأربعينات و الخمسينات . و قديماً كان الفرح هو فرح كل الناس و يشارك الجميع . و في الخمسينات صار الناس يأتوا بالبوليس و السواري لمنع ( الآخرين ) . عمي موسى بدري رحمة الله عليه , كان أول طيار سوداني . و كان طيار الملك السنوسي في ليبيا . و عندما اشادت طالب الطب وقتها عزيزة موسي بدري بوالدها في تشسلوفاكيا , قلت لها بأن والدها قد تصرف تصرفاً مشيناً عندما اشهر مسدسه في حفل و طلب من أولاد الزرقاء بمقادرة الحفل .. انت و انت و انت و ... يلا برة . و كنت عادةً أقول لنفسي كيف يسمح حفيد محمد ود بدري الذي طرده الجوع من بلاد الرباطاب بأن يترفع عن الآخرين .
لفترة سكن موسى بدري خلف منزلنا في السردارية , و كان يفصلنا زقاق ضيق . و كان يسكن في ذلك المنزل مع زوجته المصرية . و كان هو و زوجته و أولاده يتحدثون باللهجة المصرية , ولا يختلطون بأي انسان . و كان أولاد العباسية يسألونني مراراً لكي أؤكد لهم بأن هذا عمي . و لم أدخل داره إلا مرة واحدة في حياتي , و هذا عندما احضرت جارتنا الخالة حليمة حسين زوجة العم الطيب جبارة الله عصيدة بملاح شرموط و سمن بلدي , لوالدتي قبل فطور رمضان . كالعادة الامدرمانية القديمة . فطلبت مني والدتي ان آخذ العصيدة لعمي موسى بدري ( لأنه بيكون مشتاق لأكلة سودانية ) . وقتها كنا نستأجر منزل القائم مقام مصطفى الكمالي . و نستأجر كذلك منزل عديله و قريبه الاستاذ عز الدين أبو القاسم . و هنالك نفاج مفتوح بين المنزلين . و كان هنالك نفاج مفتوح كذلك على منزل العم محمود جبارة الله والد زميلنا في مدرسة الأحفاد مزمل . و منزل العم محمود جبارة الله مفتوح على منزل شقيقه الطيب جبارة الله . و كان أبنه جعفر اخي و لصيقي يرافقني في كل مكان . و كانت ابنته ناديه صديقة لصيقة بشقيقتي ابتسام . و كن في المدرسة الثانوية يتناقشن و يتشاجرن في بعض الاوقات كشقيقتين . و كانت المنازل الاربعة مفتوحة على بعضها . و كنا كأسرة واحدة . العم جبارة الله كان أحد الدينكا و كان من قدامى الظباط . و لهذا كنت استغرب لماذا لم يذهب ابي ابداً لمنزل اخيه موسى بدري و هو على بعد خطوات . و كيف صرنا نحن و آل جبارة الله اسرة واحدة . و ربما لهذا اشهر عمي موسى بدري مسدسه في وجه من يختلفون عنه . و أبراهيم بدري لم يكن نخبواياً عاش كدينكاوي و منفتحاً يتقبل الجميع . والدتي رحمة الله عليها عاشت كل حياتها قبل زواجها في جبال النوبة و في تلودي . و الاثنان كانوا يعطونا مساحة كبيرة و حريات واسعة , بل يطالبونا بأحترام الآخرين و حب البسطاء , و عدم اقصاء اي انسان .
فتوة امدرمان كبس الجبة قتل في حفل آل خاطر . اطلق عليه العم خاطر النار من قرب. و قام محمد احمد المحجوب بالدفاع عن العم خاطر و هنالك القصة المشهورة . و الفخ الذي نصبه المحامي محمد احمد المحجوب , عندما قال الشاهد نحن لما جينا ما كنا دايرين مشاكل . فسأل المحجوب : ( انتوا منو ؟) , فقال الشاهد: ( انا و المرحوم كبس و حبس كبس و راس الميت و قدوم زعلان ) . فقال المحجوب للمحكمة : ( دي هسي اسامي ناس اولاد ناس ؟ مادايرين مشاكل ؟ ) و برأ العم خاطر . انها دائماً بين اولاد الناس و أولاد الكناس , نحن و الآخرون . لهذا يموت الشماسة , و لا يتحرك المسئولون . قبل الرئيس الاشتراكي لولا في البرازيل كان هنالك قسم خاص في الشرطة مهمته القضاء على الاطفال المشردين في البرازيل . و كانت الشركات الكبرى و الاثرياء يدفعون حوافز سخية لهولاء الابطال الذين يصطادون الشماسة في البرازيل . و قبل اسبوع سألت الاخ خوسيه الذي كان أحد هؤلاء الشماسة قبل ان يأخذه السويديون وسط مجموعة من الأطفال الى السويد بعد ان ابتاعوا له حذاء لاول مرة , ( هل لا تزال الشرطة تغتال المشردين ) و لسوء الحظ الرد كان نعم و لكن ليس بطريقة رسمية كما كان يحدث من قبل .
الى سنة 1967 لم يكن أهل استراليا الاصليين الاباورنجال , لم يكونوا مصنفين تحت خانة البشر . و قبل حوالي مائة سنة كان بعض الصيادين يوظفون لكي يقتلوا حيوان الكنغارو و كلاب الدينقو و بعض الحيوانات الضارة . و كان هذا يشمل الاباورجنال كذلك . القانون الأمريكي الذي يتشدق به اهله و خاصة التعديل الخامس و السابع , هذا الدستور لم يكن يشمل السود و الهنود الحمر أهل البلاد . و حتى في الستينات و السبعينات كان السود يخصون و يشنقون و يعذبون و يحرقون , و يعرف القاتل و تقوم هيئة المحلفين المكونة من 12 شخص من البيض بتبرأة القاتل .
جورج واشنطن الرجل العظيم الذي حرر امريكا , كان مدفوعاً بحقد شخصي , فكظابط في الجيش الاحتياطي أراد ان يقابل الجنرال كامبل البريطاني , لكي يقدم له بعض النصائح بخصوص هزائمهم ضد الفرنسيين المدعومين بالهنود الحمر . و لم يتمكن من مقابلة الجنرال بعض ان قضى اسبوعاً خارج مكتبه . و كانت الانتفاضة . و عندما عبر واشنطن نهر البوتماك و فاجأ جنود الهوسار النمساويين الذين اتى بهم الانجليز كمرتزقة , في يوم عيد الميلاد و الجنود نيام و سكارى . طلب قائد الهوسار مقابلة واشنطن . فرفض واشنطن مقابلته أولاً قائلاً انه يحارب من أجل المال . فقال أحد الظباط لواشنطن : ( نحن كذلك نحارب من أجل المال ) . فالثورة الأمريكية بدأت بحفلة بوستن للشاي , و السبب كان الضرائب الانجليزية , و الامريكان كانوا يقولون : ( لن ندفع ضرائب بدون تمثيل ) .
و بعد ان استلم واشنطن السلطة حارب الامريكان بضراوة اكبر . و فرض عليهم ضرائب اقسى . و واشنطن كان من صانعي الخمور و مصدرينها خاصة الى غرب امريكا و لقد اثرى بسبب الخمور . و ليس هنالك من يفكر في واشنطن كأنسان عنصري متعسف و تاجر خمور .
أن الانقاذ الآن في حالة حرب مع شعبها و المؤلم و المخزي أن الأنجليز كانوا خيراً منا , و أرق كبداً , لقد كان الانجليز يوظفون المعوقين . و حتى المكفوفون كانوا يوظفون في المخازن و المهمات , و عملهم ينحصر في عد اقلام الرصاص و الكراسات و الطابشير و وضعها في صناديق و كراتين , و أعمال اخرى . و كانت لهم مرتبات و علاوات و معاش بعد الخدمة و الخ ...
كالعادة هذا الكلام من الذاكرة و قد تكون هنالك بعض هنات أو غلطات و أرجوا المعذرة .
التحية ع. س. شوقي بدري
نشر بتاريخ 01-07-2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.