أفق بعيد ليس باسمنا فيصل محمد صالح [email protected] إلى جون ورقة واللواء سمير خميس وأنجلينا مأمون...وليس إلى استيلا قايتانو..فهي قادرة على أن تأخذ حقها وحقنا بقلمها ولسانها السليطين. في زمان مضى كان السودان ومصر بلدا واحدا، ثم اختار السودانيون الحكم الذاتي ومن ثم الاستقلال، وكان هناك عشرات الآلاف من السودانيين يعملون بمصر، في الجيش والشرطة والمصالح الحكومية والقطاع الخاص، فقامت الحكومة المصرية بتخييرهم بين الجنسيتين السودانية والمصرية، قولوا واحد. اختار قلة من السودانيين الجنسية المصرية، ومنحت لهم على الفور، بينما أصر الأغلبية على جنسيتهم السودانية، لاحظ أنهم هم من أصر على رفض الجنسية المصرية، وليس الآخرين الذين قاموا بالتصويت في السودان، لم تخرج ضدهم المظاهرات، ولم ينبري لهم منبر السلام المصري ليطالب بطردهم من مصر لعدم وفائهم لها، ولا منعهم أحد الوزراء من حقنة العلاج. عاشوا مواطنين سودانيين في مصر يتمتعون بكل حقوق المواطنة المصرية، ظلوا في وظائفهم الحكومية وفي الشرطة والجيش حتى مرحلة المعاش، ولا تزال كثير من الأسر تصرف معاشها من الحكومة المصرية، وهنا قول اتنين. عاشوا مواطنين كاملي المواطنة في مصر، يتعلم أبناءهم في المدارس الحكومية مجانا، ويتعالجون في المستشفيات الحكومية مجانا، وحين كانت كل السلع التموينية في مصر مدعومة، كانوا يتسلمون بطاقتهم التموينية، ويقفون في صفوف الجمعيات يزاحمون المواطنين المصريين الفقراء ومتوسطي الحال في اللقمة الشحيحة، لم يمن عليهم أحد ولم يمنعهم. عاشوا كذلك رغم انهم رفضوا الجنسية المصرية التي عرضتها عليهم الحكومة المصرية، قولوا تلاتة. ثم جاءت الموجة الكبيرة للطلاب السودانيين في جامعات مصر في السبعينات والثمانينات، في سنواتنا كنا 15 الف طالب سوداني، ندفع رسوم الدراسة مثل الطلاب المصريين، ونزاحمهم في المدن الجامعية، ونزاحمهم أيضا في صفوف التموين، وحين نصل لموظف الجمعية الذي يسأل عن البطاقة التموينية، نخرج له جوازنا الأخضر، يقلبه، ثم يسأل:طلبة؟ نجيب نعم، فيصدق لنا بالزيت والسكر والشاي واللحم والفراخ المدعومة، خصما من حق فقراء مصر، وقد نتشاجر مع من يقف معنا في الطابور حول أولوية الوقوف، قولوا اربعة. في الزمان الحاضر لم نستطع أن نكون بربع كرم مصر والمصريين معنا، رغم أننا أعلى الأصوات في الحديث عن النخوة والشهامة والكرامة، عجزنا عن أن نتعامل مع إخوة الوطن بجزء من تعامل مصر والمصريين معنا. عفوا جون ورقة، واللواء سمير خميس، وآخرين، فقد طردتكم حكومتنا من وظائفكم، وأسمت ذلك تكريما. شردتكم انتقاما من مواقف الحركة الشعبية، اجتمعوا في الظلام وأوحت لهم وساوسهم بأن تعالوا نزيد من مصاعب الحركة الشعبية ، ونرسل لها عشرات الآلاف من الجنوبيين بعد طردهم من وظائفهم، لنرى كيف تطعمهم وتسقيهم، ثم خرجوا يتضاحكون وهم يمسحون على لحاهم. عفوا يا أخوتنا، فقد حرموكم حق الانتماء للوطن الذي اخترتموه، وقدمتم له شبابكم ونضارة أيامكم الزاهيات، لم تتوقفوا يوما لتسألوا عن الشمال والجنوب، بل اعتبرتم أنكم أبناء السودان ....وكفى، وكان هذا كافيا لمعاقبتكم. أنسوا الجنسية المزدوجة وانسوا الحقوق الخاصة والحريات الأربع، قبل كل هذا كان لكم حقكم الإنساني في الاختيار، لكن حتى هذا تم حرمانكم منه. إلى وجوهكم النضرة والحزينة، وإلى دموعكم الحيرى، وإلى صاحبة ذلك المنظر الذي أبكاني، تلك الموظفة الجنوبية التي انحنت تقبل ثرى أمدرمان وتبلله بدموعها، إلى تساؤلاتكم الحيرى: ماذا جنينا في حق هذا الوطن ومواطنيه؟ لم تجنوا شيئا، بل نحن الجناة، ما تم ليس باسمنا، لم يكن قرارنا ولا باستشارتنا، لم ننتخب من اتخذوه، ولا فوضناهم، لكنا جنينا حين سكتنا. هل يجدي أسفي إن قلت إني على الصعيد الشخصي آسف لكم؟ هل سيكفي لمسح دمعة واحدة ومحو آثار الحيرة؟ وعفوا أنجلينا مامون وأنت تحدثيننا عبر الهاتف صبيحة التاسع من يوليو: ما خلاص أصلهم ساقونا عشان رفع العلم دا، وخلاص رفعناه ورقصنا وغنينا، بعد ده انا عايزة أرجع الخرطوم! ليتك تستطيعين يا أختي، وليتك تتخيلين بعض ما قد ينتظرك هنا، لكن اعلمي من الآن، أنه ليس باسمنا. الاخبار نشر بتاريخ 11-07-2011