بشفافية حلو السكر ولا جرّاى الحصان حيدر المكاشفي ٭ قيل أن جحا عندما نوى الاغتراب الى بلدة بعيدة اصطحب معه في سفره جوالاً من السكر فأثار ذلك دهشة البعض فسألوه لماذا، قال لأن الغربة مُرّة... وفي مرة إرتقى جحا المنبر ووقف في الناس خطيباً وقال: أيها الناس هل تعلمون ما اريد أن اكلمكم به؟، قالوا كلا لا نعلم، قال جحا فماذا أقول لكم وأنتم لا تعلمون ثم نزل وانصرف، وعاد في اليوم التالي وصعد المنبر وقال أيها الناس هل تعلمون ما أريد قوله لكم، قال الحاضرون وكانوا قد اتفقوا على أن يجيبوه بغير إجابة الامس، نعم نعلم ما تريد قوله، قال جحا إن كنتم تعلمون فما حاجتكم الى قولي ثم نزل وانصرف، وعاد في اليوم الثالث وكرر ذات السؤال وانقسمت اجابات الحضور كما اتفقوا مسبقاً، بعضهم قال نعلم وبعضهم قال لا نعلم، قال جحا حسناً إذن فليعلم الذين يعلمون الذين لا يعلمون ثم نزل وشق طريقه بين الجمع منصرفاً لا يلوي على شيء.. وبعد.. تأملوا السؤال الاول وتمعنوا في عبثيته ولا منطقيته، فما علاقة السكر بالحصين، وما علاقة حلاوة هذا بسرعة ذاك، إنها مجرد (حلبسة وخستكة)، ولو كان السؤال مثلاً، أغلى السكر ولا أغرق البحر لكان فيه شيء من المنطق والمعقولية، ثم تأملوا ما فعله جحا في الحالتين حين حمل معه جوال سكر في غربته وحين صعد المنبر ثلاثة مرات دون أن يقول حرفاً اليس في ذلك أيضاً إستهبال واستخفاف لا يليق إلا بالحبرتجية.. إذا كان السؤال أعلاه عبثياً وليست فيه ذرة من المنطق، واذا كانت مواقف جحا المذكورة إستكرادية إستهبالية تدل على الاوانطة، فان حكاية هذا البلد مع السكر مثل ذلك، فيها ماهو عبثي يعبث بالاسعار وفيها ماهو إستكرادي اونطجي حين يجيبونك بأن سبب هذا العبث إنما هم تجار أشرار يمارسون الاحتكار، وحين تتلفت فلن تجد إلا الحكومة ومستثمريها والحزب وتجاره ورجال أعماله وسماسرته، ففي كل عام من هذا الوقت مع التهيؤ لاستقبال رمضان تتكرر ذات الحدوتة والفزورة والغلوتية، تبدأ أسعار السكر في الارتفاع مع التمهيد لذلك بخلق درجة من الندرة، استمر هذا الحال برتابة وترتيب ممل لعدد من السنوات المتتالية، ومع كل حالة عند كل سنة تسمع ذات التبريرات المتوالية، ويأتي العام الجديد ولا جديد وغلوتية السكر هي هي، إذن لا حل سوى أن تنظر الحكومة الى نفسها وتتفقد صفوفها ربما تجد بينها من له يد أو صلة بتجارة السكر وإحتكاره وتخزينه والتلاعب بأسعاره، وكذلك فليفعل مثل ذلك حزب الحكومة المؤتمر الوطني فربما وجد من بينه (مندسين) يضاربون في قوت الشعب، وإلا فليكشفوا لنا علناً عن أسماء هؤلاء التجار من خارج السلطة الذين يقال لنا أنهم وراء ارتفاع سعر السكر ولم تستطع السلطة كل مرة إيقافهم عند حدهم أن لم يكونوا هم ذاتهم أهل السلطة.. الصحافة نشر بتاريخ 04-08-2011