في معرض إستعراضها ل «مفهومها» للحريات التي قالت أنها متوافرة بالبلاد، نفت الأستاذة سامية أحمد محمد نائب رئيس البرلمان بحسب صحيفة «الرأي العام» الصادرة يوم الجمعة الماضية، وجود أي رقابة قبلية على الصحف، وبررت المصادرات التي وقعت على عدد من الصحف بأنها «عقوبة» وليست «رقابة»، ومن المعلوم أن جهاز الأمن قد درج في الآونة الأخيرة على تسجيل زيارات ليلية للمطابع في توقيت يتزامن مع اكتمال عملية طباعة الصحف فيما يبدو فعلياً أنه «رقابة بعدية» لجأ اليها بعد أن تعذر عليه «أخلاقياً» فيما نظن العودة إلى الرقابة القبلية التي أعلن الجهاز مراراً وتكراراً ومن قبله وفوقه أعلى المراجع بالدولة رفعها وعدم العودة اليها نهائياً، ولهذا بتقديرنا عمد الجهاز لممارسة رقابة بديلة رغم أنها أشد وطأة وأبلغ ضرراً حتى لا يبدو كمن ينكث بالعهود وينقض التعهدات... تبرير الأستاذة سامية هذا الذي منح الجهاز حق إصدار عقوبات ايجازية وفورية ناجزة على الصحف جعلته يتبوأ كل المقاعد فصار هو الخصم والقاضي الذي يصدر الحكم في آن معاً، هذا التبرير ذكرني بعذر الشاعر الشهير أبو نواس حين طلب منه الخليفة العباسي هارون الرشيد أن يأتيه بمثال عن كيف يمكن أن يكون الاعتذار عن ذنب بما هو أقبح منه، قيل أن أبي نواس طلب مهلة للتفكير، وبعد عدة أيام وعند دخول أبو نواس إلى القصر رأى الخليفة واقفاً عند إحدى النوافذ يتأمل حديقة القصر فاقترب منه بخفة وغافله وضربه بلطف على «قفاه»، فاستدار هارون الرشيد ويده على مقبض السيف وقال غاضباً ويلك كيف تجرؤ على فعل ما فعلت، فقال أبو نواس أرجو أن لا تغضب يا مولاي فقد ظننتك مولاتي الملكة، فاستشاط هارون الرشيد غضباً، وقال: ويحك ايها الفاسق القبيح وهل تجرؤ ان تفعل ذلك مع الملكة؟ فرد عليه أبو نواس: يا مولاي طلبت مني أن أعطيك مثالاً على العذر الذي يكون أقبح من الذنب، فضحك هارون الرشيد وعفا عنه، ولكن هل تعفو الصحافة عن سامية أحمد محمد وهل يقبل تبريرها جهاز الأمن؟!... شخصياً لم أجد في تبرير سامية ما يشرّف الجهاز وبالطبع هو عندي أعجز من أن يعجب الصحافة، فلا أعتقد والله أعلم أن الجهاز يشرفه أن يدمغ بأنه يأخذ القانون بيده ويمثل كل أضلاع المثلث القضائي وحده، فيقف في ناحية يمثل الاتهام ثم ينتقل إلى الناحية الأخرى ليمثل دور المتهم ثم أخيراً يعتلي المنصة ويلعب دور القاضي فيصدر الحكم، هذا لا يحدث إلا على خشبات مسرح الرجل الواحد والسيناريو الواحد والمخرج الواحد، وإن كانت هناك شخصية أخرى مسموح لها بالظهور فلن تكون سوى الخائن، فهل مثل هذه الممارسة يمكن أن تشرف أي أحد، لا نظن وربما لهذا السبب كان الجهاز أذكى من الأستاذة سامية حيث كان يلتزم الصمت إثر أي عملية مصادرة يقوم بها ولا يقدم أي تبريرات لها، ثم أن الرقابة القبلية على سوئها كانت أرحم من المصادرة ما يعني أن الانتقال كان من سيء إلى أسوأ، وكان على الأستاذة سامية أن تقول خيراً أو لتصمت مثل صمت الجهاز...