زمان مثل هذا قذافي.. آخر (2) الصادق الشريف نال إبراهيم الكوني جائزة الدولة السويسرية الكُبرى (وهي أرفع جائزة في سويسرا).. ونال جائزة اللجنة اليابانية للترجمة.. ووسام الفروسية الفرنسي للآداب والفنون.. كما حصل على جائزة ملتقى القاهرة الدولي للإبداع العربي. تبرعهُ بقيمة الجائزة التي فاز بها في ملتقى القاهرة الدولي للإبداع لأطفال الطوارق.. نحتت في ذهني صورة (الكوني الإنسان) الذي طالما عِشت مع شخصياته المليئة بالحياة.. والتي تسكنُ أرضاً قفراً لا حياة فيها.. ومع ذلك يشحنها الكوني ويعبئها بالحياة.. في مقابل الموت الذي تحمله كل ذرة من رمال الصحراء. لكن.. في حواره الذي نشره موقع (الجزيرة نت) قال الكوني في دفاعه عن نفسه بعد اتهامه بموالاة القذافي: (كيف يجرأ هؤلاء الأوغاد على الطعن في وفائي لليبيا؟؟.. أنا روح ليبيا.. أنا ضميرها.. العالم يعرف ليبيا من خلالي أنا.. يعرف ليبيا الحقيقية.. وليست ليبيا القذافي أو ليبياهم.. وأنا استطعت أن أوصل حقيقة الصحراء.. التي يجب أن تكون عنواناً لكل الوطن العربي.. لأنّه كله صحارى).. ونلاحظ أنّ الكوني وصف قراءه ب(الأوغاد) وهي شبيهة بوصف معمر لشعبه.. ب(الجرذان). في جزءٍ آخر من الحوار قال: (كل أعمالي ضدّ السلطة.. ليس فقط كمفهوم أخلاقي ولكن أيضاً كمفهوم فلسفي.. إذا كان هناك مُحرِّض على الثورة في ليبيا في يوم من الأيام فهي أعمالي أنا.. أعمال إبراهيم الكوني.. التي تصلح أن تتخذ إنجيلاً للثورة).. رُبّما قال هذا وفي خاطره عبارة صديقه القذافي: (لو كنتُ رئيساً لقذفتُ باستقالتي في وجوهكم). ما قاله الأديب الليبي في ذلك الحوار يماثل الخطب التي كان يلقيها العقيد القذافي في وجه ثوّار ليبيا.. ويهبط إلى مستواها.. فمعمر ألهب ظهر الشعب الليبي بالأسلحة والكلمات الجارحة.. بينما فعل الكوني ذات الشيء بقرائه.. الذين لم يترك لهم وصفاً إلا وألحقه بهم. ومن ذات الإناء يغرف الكوني ليكيل لمن يتهمونه بعدم نقد القذافي.. وعدم دعم الثورة ولو بالكتابات فقط. من المؤسف أن يمسي هذا الرجل عظيم الإبداع بمثل هذا الفهم المتقاصر.. ويقول عن نفسه في كلِّ محفل أنّه (مفكر).. وهو بحق طاقة إبداعية عالية.. لم نكن نريدُ لها أن تصعد جبل الغرور.. فترى الناس صغاراً لا يستحقون إلا السبّ والشتم. في مقطعٍ ثالثٍ من حواره قال: (القذافي يحترمني كمفكر.. ومن ذا الذي لا يحترم المفكرين؟؟ يحترمني أنا لأنّ لديّ سمعة دولية، والليبي الوحيد الذي تُرجم إنتاجه إلى 40 لغة هو أنا. الأوروبيون لا يجاملون أحداً، وكذلك اليابانيون والأميركان. أنا لست في حاجة للدفاع عن نفسي لأن كتبي تدافع عني.. أنا رمز ليبيا.. ليس غريباً أن يحترمني القذافي.. ليس غريباً ألاّ يحترم رمز ليبيا!!). النرجسية التي تبدو من ثنايا هذه الكلمات.. أوضح من أن نشير إليها.. فرجل مثل الكوني -مهما تعاظم إنتاجه الأدبي- يحاول اختزال (الثقافة الليبية، والشعب الليبي) في شخصه.. لا يستحق سوى الرثاء!!!. التيار نشر بتاريخ 19-09-2011